اخترعنا شيئاً سميناه «النقد الذاتي»، من أجل أن ننتقد ما يطيب لنا، وأن نتجاهل ما يجب نقده حقاً. ثم نقلنا حظر النقد بداعي أنه يؤثر في معنويات الأمة والشعب. وفي الحالتين كنا نحاول إخفاء الخطأ الأكبر وهو إغفال (أو العجز) أهم عنصر في حياة الشعوب والأمم. أي التنمية والتطوير.
بسبب هذا الخطأ العضوي بقي القسم الأكبر من العالم العربي مقيماً في عصور سابقة. اقتصادات هزيلة، برغم الثروات الطبيعية، وجيوش ملهية بالشأن الداخلي وحماية الأنظمة، وانغلاق على وسائل الحداثة بحجة واهية أو كاذبة هي الحفاظ على الإرث، أي العيش في القرن الحادي والعشرين في منظومة القرن الحادي عشر. عندما استعمر الإيطاليون ليبيا، قالوا إنهم قادمون «لتخضير» الصحراء. وعندما احتل الإسرائيليون النقب، قالوا إنهم قادمون لإحيائها. وحتى الآن نعاني من مشكلة كهرباء وماء، ليس في الصحراء، بل في دول مثل العراق وسوريا والجزائر وبلد الشلالات والأنهر المعروف باسم لبنان يا أخضر حلو.
يلفت الانتباه أن إسرائيل تعمّدت في عملية المسح الجوي القاتل لغزة، أن تتقصَّد بصورة خاصة، علامات التطور النسبي. أي الأبراج العالية ومكاتب المراسلين ووسائل الاتصال الأخرى مع العالم. قد يكون خوف إسرائيل الأول هو أنفاق القتال في غزة، لكن هاجسها الأهم أن الفلسطيني شعب يحب العلم ولا يكف عن التطور في أصعب وأحلك الظروف. وإنه حيث يلقى قطعة أرض يستطيع أن يبني عليها جزءاً من وطن.
أهدر العرب عقوداً عدة في الكلام عن فلسطين والغناء لها. وانصرفت هي إلى بناء اقتصاد قوي ومصانع الأسلحة والسباق في الثورة الرقمية وإدارة عملية التأثير الشديد في أهم عاصمتين في العالم، واشنطن وموسكو. وفيما كان في الماضي عدوان في حجم العدوان على غزة، يحرك الدولة الروسية، أصبح رد فعل الكرملين اليوم، أقوى قليلاً من رد الفعل الإيطالي، أو النرويجي.
المواجهة الكبرى مع إسرائيل هي في قيام عالم عربي متقدم يتنبّه إلى أننا أصبحنا في عام 2021. وأن إسرائيل جزء منه، في حين لا نزال نتطلع بعين الشك وعدم الاستيعاب، إلى مشاريع مستقبلية مثل «رؤية 2030». أو نشن الحملات التافهة على مصر لأنها أنشأت قناة سويس أخرى، إلى أن رأينا الأولى معطلة وعلى مدخلها 350 باخرة تنتظر المرور، بتكلفة 10 مليارات دولار في اليوم.