يؤشر تعاطي الدول العربية والأجنبية مع الانتخابات الرئاسية السورية الحالية، إلى التغيير في «بيئة الخارج» قياساً إلى الدورة السابقة، كما أنه يسلط الضوء على التعمق الكبير الذي حصل في زاويا الجغرافيا السورية في السنوات السابقة، ويُظهر حال السوريين داخل البلاد وخارجها، والتبدلات في المؤسسات السياسية التابعة للحكومة أو الجهات المعارضة.
في عام 2012، أي بعد نحو سنة من بدء الاحتجاجات، أُقِرَّ دستور جديد في سوريا، غيّر طبيعة الانتخابات الرئاسية من استفتاء إلى اقتراع متعدد المرشحين. وأصرت دمشق على إجراء الانتخابات في موعدها، وأعلنت أن العمليات العسكرية ستستمر مع الانتخابات.
وجرت الانتخابات السابقة في يونيو (حزيران) 2014، بموجب الدستور القائم، وبمشاركة ثلاثة مرشحين هم: الرئيس بشار الأسد، والوزير السابق حسان عبد الله النوري، و«المعارض» ماهر عبد الحفيظ حجار، بعد حصول كل منهم على موافقة 35 عضواً في مجلس الشعب (البرلمان).
– حملة غربية ضدها
وفي 15 مايو (أيار)، أعلن وزراء خارجية «النواة الصلبة» في «مجموعة أصدقاء سوريا» التي تضم 11 دولة، في بيان، أن هدف دمشق من إجراء الانتخابات هو أن «تسخر من ضحايا هذا النزاع الأبرياء، ويتناقض تماماً مع بيان مؤتمر جنيف (لعام 2012، الذي نص على تشكيل هيئة حكم انتقالية)، ويشكل محاكاة ساخرة للديمقراطية». ووصف وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري الانتخابات بأنها «إهانة ومهزلة وتزوير».
وحضر الاجتماع الوزاري رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض السابق أحمد الجربا، الذي حظي باعتراف أكثر من مائة دولة بأنه «ممثل الشعب السوري». وقال وزير الخارجية البريطاني الأسبق ويليام هيغ: «قررنا رفع مستوى المكتب التمثيلي للائتلاف الوطني إلى بعثة، اعترافاً بقوة شراكتنا»، علماً بأن لندن أغلقت السفارة السورية في منتصف 2012، مثل كثير من الدول العربية والأجنبية، وبينها واشنطن التي عينت أيضاً ممثلاً لـ«الائتلاف».
وانطلقت حملة الأسد رسمياً تحت شعار «سوا» (معاً)، وكُتب الشعار بخط اليد باللون الأخضر، على خلفية ألوان العلم السوري (الأحمر والأبيض والأسود)، مذيلاً باسم بشار الأسد وتوقيعه بخط اليد، وجرت الانتخابات فقط في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة وبينها مدن كبرى.
وفي الخارج، جرت الانتخابات في 39 دولة فقط، بينها 9 دول عربية هي: العراق، لبنان، الأردن، البحرين، عُمان، اليمن، السودان، الجزائر وموريتانيا، ولم تجرِ في 12 دولة عربية لا تضم سفارات لسوريا، مثل السعودية، قطر، الكويت، تونس، ليبيا، مصر والمغرب، أو لعدم وجود تمثيل دبلوماسي، مثل الأراضي الفلسطينية، أو بسبب رفضها إقامة الانتخابات على أراضيها، مثل الإمارات. كما أعلنت دول أوروبية بينها ألمانيا وفرنسا رفض إقامة الانتخابات.
وفي 4 يونيو (حزيران) 2014، أعلنت المحكمة الدستورية العليا أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 73.42 في المائة، حيث بلغ عدد الناخبين 11.634 مليون من أصل 15.845 مليون سوري مؤهل للمشاركة في الانتخابات. وأُعلن فوز الأسد بـ88.7 في المائة من الأصوات. وعقد حسان النوري مؤتمراً صحافياً، وهنأ الرئيس الأسد على «كسب ثقة الشعب السوري»، ثم عُين وزيراً في الحكومة اللاحقة.
عربياً ودولياً، بعث الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة وقادة أرمينيا وأفغانستان وبيلاروسيا وكوبا وفنزويلا وجنوب أفريقيا والسلطة الفلسطينية برقيات تهنئة إلى الأسد، كما أيدت إيران و«حزب الله» نتائج «الانتخابات الشرعية»، الأمر الذي أعلنته أيضاً مجموعة «بريكس» (روسيا، البرازيل، الهند، الصين، جنوب أفريقيا).
في المقابل، قوبلت الانتحابات بانتقادات حادة من الدول الغربية والعربية، وأعلنت «مجموعة السبع»: «نحن نقر ببطلان الانتخابات الرئاسية المزورة التي جرت في سوريا في 3 يونيو (حزيران)، فلا مستقبل للأسد في سوريا».
كما أعلن الاتحاد الأوروبي أن الانتخابات «غير شرعية»، ووصفها أندرس فوج راسموسن، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، بـ«المهزلة»، فيما قال نبيل العربي، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، إن فيها «مخالفة صريحة وواضحة» لتعهدات سوريا أمام الأمم المتحدة، كما انتقدها الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون.
– صمت وانتقادات خجولة
خلال السنوات السبع الماضية، تغيرت سوريا كثيراً كما هو الحال مع أولويات المنطقة والعالم؛ فبعد التدخل الروسي في نهاية عام 2015، انقلبت قواعد اللعبة، واستعادت دمشق مساحات واسعة من الأرض، وتراجع الدعم الخارجي للفصائل المسلحة والمعارضة السياسية، واستقرت سوريا بفضل المعارك والتفاهمات على ثلاث مناطق نفوذ.
كانت روسيا قد نجحت في تمرير القرار 2254 الذي خفض السقف من تشكيل «هيئة حكم انتقالية» إلى «انتقال سياسي» وإصلاح دستوري خلال 18 شهراً بدءاً من نهاية 2015، ثم نجحت روسيا في خفض العملية السياسية في اللجنة الدستورية التي عقدت خمس اجتماعات في جنيف، بمشاركة ممثلي الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني دون اختراق جوهري، وأعلنت موسكو ودمشق لاحقاً أن لا علاقة بين الإصلاح الدستوري والانتخابات الرئاسية، ودعمت دمشق في سعيها لعقد الانتخابات في منتصف هذا العام، وشجعت دولاً عربية وأوروبية على «قبول الأمر الواقع» و«التطبيع» مع دمشق والمساهمة في إعمار سوريا.
وإذ تمسكت إدارة دونالد ترمب بـ«الضغط الأقصى» و«فرض العزلة والعقوبات» على دمشق، أدخلت إدارة بايدن تغيراً في التعبير الأميركي عن الموقف وتراجعت أولوية سوريا في واشنطن. وفي مناسبة الذكرى العاشرة لبدء الاحتجاجات في مارس (آذار) الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا رفض الانتخابات، وضرورة ألّا تكون مبرراً للتطبيع مع دمشق. وفي بداية الشهر الحالي، أعلن وزراء خارجية «مجموعة السبع» أنه تماشياً مع القرار الدولي 2254: «نَحثُّ جميع الأطراف، لا سيما النظام، على المشاركة بشكل هادف في العملية السياسية الشاملة، ما يشمل وقف إطلاق النار، وبيئة آمنة ومحايدة للسماح بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، لتمهيد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وضمان مشاركة جميع السوريين، بما في ذلك أفراد الشتات».
وأضافوا: «فقط، عندما تكون هناك عملية سياسية ذات مصداقية جارية بحزم، سننظر في المساعدة في إعادة إعمار سوريا».
كانت سوريا استقرت في ثلاث مناطق نفوذ، وانقسم السوريون بين الداخل والخارج، حيث يقيم أكثر من نصفهم خارج منازلهم، وسط دمار شديد في البلاد وتغييرات عميقة في البينة الاجتماعية والاقتصادية ومعاناة من الأزمة الاقتصادية.
لكن دمشق تمسكت بإجراء «الاستحقاق الدستوري» يوم أمس خارج البلاد، وفي الداخل يوم 26 من الشهر الحالي. واستقر الترشيح على ثلاثة: الأسد الذي أطلق شعار «الأمل، بالعمل»، وعبد الله سلوم عبد الله الذي أطلق شعار «قوتنا بوحدتنا»، و«نعم، لدحر المحتلين»، إضافة إلى «المعارض» محمود مرعي الذي تبنى شعار «معاً… للإفراج عن معتقلي الرأي». وأطلقت الحكومة الحملات الانتخابية في المناطق التي تسيطر عليها وتبلغ نحو 65 في المائة من مساحة البلاد، وتضم المدن الرئيسية.
وأعلنت «الإدارة الذاتية» التي تسيطر على شرق الفرات أنها اتخذت سلسلة خطوات لتعزيز مؤسساتها في الأيام الأخيرة، حيث زارها وفد أميركي، في أول خطوة من فريق بايدن منذ تسلمه الحكم، ما يعتبر مؤشراً لأولويات واشنطن في سوريا.
ورفضت «الإدارة» إجراء الانتخابات في مناطق، باستثناء «مربعات أمنية» تابعة لدمشق. كما أن «أبو محمد الجولاني»، زعيم «هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على شمال غربي البلاد، أعلن نيته «تعزيز المؤسسات»، ورفض إجراء الانتخابات في مناطقه.
لم تصدر مواقف علنية من الدول العربية أو الجامعة العربية قبل الانتخابات، كما أن نقاط التركيز من قبل الدول الغربية وحلفاء المعارضة باتت تخص «معايير الانتخابات الصحيحة» دون ذكر الانتخابات الحالية، وسط صمت أممي، كما أن الإمارات وفرنسا ودولاً عربية وأجنبية أخرى سمحت بإجرائها، بالتزامن مع قيام دبلوماسيين أوروبيين بزيارة دمشق أثناء إجراء الانتخابات التي سيساهم في «مراقبتها» ممثلون من دول حليفة لدمشق.
وهذه كلها إشارات تستحق الملاحظة والتحقق لدى إعلان نتائج الانتخابات آخر الشهر الحالي: كيف سيكون موقف الدول العربية بعد إعلان فوز الأسد؟ من سيهنئه؟ ما هو موقف الدول الغربية؟ هل سيبقى موحداً؟ هل هناك قيادة أميركية وتوحد أوروبي؟ كيف سينعكس ذلك على دور الأمم المتحدة في رعاية العملية السياسية والإصلاح الدستوري؟ إلى أي حد ستنجح روسيا في اعتبار الانتخابات «نقطة انعطاف لفتح صفحة جديدة» عربياً وأوروبياً مع دمشق؟ إلى أي اتجاه ستذهب معاناة السوريين وانقساماتهم؟
الأسد يستقبل ظريف والمحادثات تتناول العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع بالمنطقة الاربعاء