بعد رحلة صامويل بيكر وزوجته فلورانس، صعوداً نحو منابع النيل، بدأ عصر جديد في دنيا المستكشفين: الرجل وزوجته، يعبران معاً الأدغال التي لا يعرفونها. والزوجة، مثل الزوج، تواجه الصعوبات نفسها: مرض الكوليرا، خداع الزعماء المحليين وأطماعهم، والخوف من جهل الأدلّة والمرافقين.
أصيب صامويل بيكر وفلورانس بالكوليرا. وشارفت هي على الموت، واستعد لحفر قبر لها، لكنها ما لبثت أن استعادت قواها لتكمل معه الرحلة إلى البحيرات التي ينبع منها «النهر الخالد». ومن ثم اتخذ بيكر الطريق نفسها عائداً إلى القاهرة.
في إثيوبيا، حيث ينبع النيل الأزرق، أعلن رجل يدعى تيودور الثالث، نفسه إمبراطوراً على بلاد الحبشة. وادّعى أنه من سلالة النبي سليمان والإسكندر الكبير معاً. في هذه الأثناء، كانت بريطانيا تتطلع إلى التوسّع في حوض النيل والبحر الأحمر، فأرسلت الدبلوماسي والتر برودن قنصلاً لها. وأقام برودن علاقات صداقة قوية مع تيودور الثالث. وعندما قتلته إحدى القبائل أقدم الإمبراطور على قتل وتقطيع 2000 شخص من القبيلة المذكورة. لكنه بعد ذلك، أخذ يعتقل القناصل المعيّنين حديثاً.
كذلك كانت العلاقة بين السودان وإثيوبيا في توتُّر مستمر. وعندما حملت الأخبار قبل أسابيع نبأ نشوء حرب جديدة بين البلدين، بدا للعالم الخارجي وكأنه أمر متوقع، أو عادي. فالخلاف لا يزال واحداً: مياه النيل. وبقدر ما يحمل اسم مصر وطابعها، بقدر ما يجمع بينهما في وادٍ واحد. إنه النزاع الأزلي حول الأنهر، كما كتبت غير مرة، بين أهل النبع وأهل المصب، كما هي الحال بين تركيا والعراق وسوريا في دجلة والفرات، أو في أماكن عدة من العالم. وكان الحل في تشارك أهل الحوض وفقاً للمعايير الدولية. لأن حروب المياه هي الأكثر شراسة وضرراً وتهجيراً، وهو خيار لا يريده أحد، خصوصاً مصر. لكن المصري العادي، ناهيك بالمسؤول، لا يتخيل النيل ناقصاً نقطة واحدة. ربما كانت إدارة جو بايدن بين من يدرك مخاطر الانفجار؛ لذلك يتصل الرئيس الأميركي شخصياً بين يوم وآخر، بالرئيس المصري، وحكومتي السودان وإثيوبيا.
هذه لحظة دقيقة في تاريخ النيل. أطول أنهار العالم وأغزرها بالماء والطمي الخصب، يواجه للمرة الأولى، مخاطر الشح والخوف من التقاسم. وهو في كل حال، حياة مصر، وليس فقط أمنها الغذائي، وهو سيرتها القديمة ومروي حضارتها التي تشكّل ثلث آثار العالم. ولا تمر برهة إلا وتكتشف مصر أثراً آخر حول النيل. ومن يتابع الدكتور زاهي حواس يشعر أنه يعيش في متحف. وقد أضاف العالم الكبير إلى اهتماماته ومهماته في استكشاف التاريخ، البحث في الثروة المعمارية في السعودية، وهو لا يزال في بداياته، يكفي مثالاً عنه مدينة العلا المعلقة.