صدامات بين محتجين وقوى الأمن في لبنان
ووقعت مناوشات بين المحتجين والقوى الأمنية في منطقة جسر الرينغ، الذي يعد الطريق الرئيس الذي يربط العاصمة بيروت بمحيطها، وتم توقيف عدد من المحتجين في محاولة من القوى الأمنية فتح الطريق بالقوة.
وأفادت وسائل إعلام لبنانية بأن شابين حاولا إضرام النار بنفسيهما عند جسر الرينغ وتدخل المحتجون لمنعهما.
وفي الشمال، حصل تدافع في منطقة البحصاص- طرابلس ورشق المحتجون الوحدات العسكرية بالحجارة، كما شهدت منطقة البداوي صدامات بين الجيش ومحتجين.
كذلك، عمد المحتجون إلى قطع طريق جل الديب، وأقدموا على حرق الإطارات في وسط الطريق.
هذا، ووصل عدد من المحتجين إلى أمام منزل الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، حسان دياب، في بيروت.
يأتي ذلك، فيما أمهل المتظاهرون دياب، 48 ساعة لتشكيل حكومته الجديدة، خلفا لحكومة سعد الحريري الذي استقال، في 29 أكتوبر الماضي، على إثر الاحتجاجات الشعبية.
وكان قائد الجيش العماد، جوزاف عون، قال أمس إن “تعامل الجيش مع المدنيين ينطلق من قناعته بحق التظاهر وحرية التعبير عن الرأي، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق التساهل مع أي مخل بالأمن”.
من جهته، قال الرئيس اللبناني، ميشال عون، اليوم، إن ولادة الحكومة الجديدة كانت منتظرة خلال الأسبوع الماضي، ولكن بعض العراقيل حالت دون ذلك.
وأشار عون إلى أنه بذل جهودا كبيرة للمعالجات الاقتصادية، لكنها لم تأت بكل النتائج المأمولة، معتبرا أن لبنان يدفع ثمن 30 عاما من السياسات المالية الخاطئة، إضافة إلى فساد وهدر في الإدارة على مدى عقود.
استيقظت الثورة صبيحة هذا اليوم، وقال موقع التيار العوني الإلكتروني إنها استيقظت رداً على زيارة بوتين سوريا. سكان المناطق المسيحية في بيروت بادروا قبل غيرهم هذه المرة إلى قطع الطرق. هذا مؤشر جديد إلى طبيعة مختلفة للتظاهر. إنها مناطق الطبقات المتوسطة، تلك التي بدأ الانهيار يصيب أنماط عيشها بالمعنى المباشر. الزلقا والدورة وجونية وفرن الشباك، وتلامذة المدارس والجامعات، وموظفون رفضت المصارف دفع رواتبهم وآخرون صرفتهم المؤسسات التي يعملون فيها أو باشرت بإعطائهم نصف رواتبهم. حصل ذلك بينما كان رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل يستقبلان السلك الديبلوماسي، ويبتسمان لسفراء الدول، وكأن شيئاً لا يحصل في المصارف وفي الشارع وفي بيوت المواطنين. وبالأمس كانوا يفاوضون رئيس الحكومة المكلف البروفسور حسان دياب على عدد الوزراء الذين يريدانهم في حكومته.
المتظاهرون خرجوا هذه المرة ليس لأنهم سمعوا أن المصارف تمتنع عن الدفع، وليس لأن جبران باسيل استفزهم في مؤتمره الصحافي. خرجوا لأنهم بدأوا يشعرون بهول السرقة الكبرى التي تعرضوا لها
فجأة خرج المسيحيون من منازلهم في الصباح، وظهراً باشر المسلمون باللحاق بهم.
المشهد إلى بهائه ومأساويته يقول إن الطبقة السياسية في لبنان تتشكل من الذين ماتت ضمائرهم ومخيلاتهم. لقد توهم جبران باسيل أن أيام الاستكانة تعني أنه نجا، وأنه عاد بإمكانه أن يصول ويجول بين الحقائب والوزارات. توهم أن الناس سيقبلون بالجوع الداهم، وبانهيار نظام عيشهم وخسارة أعمالهم ومدخراتهم، وظنّ أنه سيستأنف سطوه على ثراواتهم. نظم مقابلة تلفزيونية استمرت أربع ساعات، شهدت محاولات دؤوبة لإعادة تظهيره (باسيل)، ولاقاه على شاشة أخرى مرتكب سوء الأمانة الكبرى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فاعتقدا، واعتقد من خلفهم حزب السلطة الحقيقية، “حزب الله”، أنهم نجوا بفعلتهم. لكنهم استيقظوا هذا الصباح على مشهد مغاير لما اعتقدوه، فكان أن أعادوه إلى “زيارة بوتين سوريا”.
الموت لم يصب الضمائر والمخيلات فقط، الموت أصاب القدرة البدَهية على التوقع. انهيار على كل المستويات، المالية والخدمية والمائية والكهربائية، كل هذا لم يدفع أهل السلطة إلى التجاوب مع بدهيات، لا بل ظهرت مؤشرات على رغبة في العربدة ومضاعفة الجور. استدعي الناشطون إلى القضاء بدل أن يبادر هذا الأخير إلى استهداف الفاسدين من السياسيين وأصحاب المصارف. اعتقد أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله أن اهتزاز النظام الإقليمي سيقضي على الانتفاضة، وأن الناس سيخافون، وأنه صار يمكن أن يفرض عليهم حكومته، ولم يلفته أن تظاهرات تُنظّم في إيران والعراق، وأن الفشل ممتد من بيروت إلى طهران، مروراً بدمشق وبغداد. وهذا كله لم يدفعه نحو خطوة استيعابية واحدة. الخطاب بقي هو نفسه، لا بل تم تخصيبه بمزيد من الانتصارات التي لم يعد تصريفها ممكناً، في ظل انكشاف الفشل على نحوٍ غير مسبوق.
لقد اعتقدت السلطة أنها نجت بفعلتها. بالأمس، قال وليد جنبلاط أنه أرسل اسم الوزير الذي يريده إلى جميل السيد. لقد عاد جميل السيد إلى قلب المعادلة. عاد إلى المهمة التي كان يؤديها عندما كان مديراً للمخابرات. حصل ذلك بينما التظاهرات تعم الشوارع مطالبة برحيل الطبقة السياسية كلها. هذه العودة كانت جواب السلطة على نداء المتظاهرين. جميل السيد عاد يشكل الحكومات. هذا كله وعلى اللبنانيين أن يصدقوا أن سبب قطع الطرق هو زيارة بوتين دمشق!
المتظاهرون خرجوا هذه المرة ليس لأنهم سمعوا أن المصارف تمتنع عن الدفع، وليس لأن جبران باسيل استفزهم في مؤتمره الصحافي. خرجوا لأنهم بدأوا يشعرون بهول السرقة الكبرى التي تعرضوا لها، ولأنهم عاينوا عدم اكتراث الطبقة السياسية وأحزابها لما تعرضوا له من ظلم وجور وسرقة، ولأنهم عايشوا عن كثب موت الضمائر والمخيلات، ولأن أكثر من 90 يوماً من المواظبة على الطلب من السلطة أن تغادر، أُجيب عنها بتوظيف القضاء ضد الناس، وبمزيد من الحماية للمصارف، وباستئناف التنافس على الحقائب.
فيا أيها الرئيس ويا أيها الوزير، البقاء في المنازل سيكون موتاً بطيئاً، فيما سيفتح الاحتجاج والتظاهر أفقاً للنجاة، وإن كان صعباً.>