وبعدَ تسعةِ أشهرٍ على التكليفِ رفعَ رئيسُ التيارِ الأزرقِ الرايةَ البيضاء ومِن القصرِ الذي دخلَه مُكلّفاً خرَجَ مُعتذراً وللحديثِ تتمةٌ في المقابلةِ التلفزيونيةِ الليلةَ على الجديد. حيثُ سيَخضعُ لعمليةِ تفجيرِ الحَصى الذي تراكمَ في طريقِ التأليفِ حتى صار سداً منيعاً في وجهِ كلِّ المساعي الداخليةِ والخارجية لإخراجِ لبنانَ مِن عُنقِ أزْمتِه. فهل يفعلُها سعد ويفجّرُ القنبلةَ ويحكي على المكشوف مِن ألِفباءِ التكليف حتى لحظةِ إجهاض التأليف فالاعتذار؟ وهل يُطلقُ مِن المِنبرِ الإعلاميِّ صاروخاً مضاداً في وجهِ ثنائيِّ التعطيلِ ميشال عون وجبران باسيل؟ للحريري ما أراد باختيارِه أهون الشّرين وتبعاته الخطيرة بحسب وصف ابو الغيط أما رئيسُ الجُمهورية ففعلها عن سابقِ تصوّرٍ وتصميم على مَسافةِ أشهرٍ من نهايةِ العهد حيثُ البلادُ ستَبقى على الستاتيكو القائم لا تسميةَ بديل ولا تسهيلَ مُهمةِ تأليفِ حكومةٍ تجنّباً لخوضِ الاستحقاقِ النيابيِّ المقبل وعليه فإنّ الفراغَ هو سيدُ الموقف والطريقَ إلى جَهنّمَ باتت سالكةً وآمنة. قبلَ الاعتذار كانتِ الأحداثُ في سباقٍ معَ الوقت وشهِدت العاصمةُ بيروتُ زَحْمةَ زوّارٍ ووفودٍ يمثّلون كلَّ العالم الروسيُّ شغّل خطوطَ الهاتفِ الساخنة والموفدُ الرئاسيُّ الفرنسيّ صال وجالَ ممثِّلاً الاتحادَ الأوروبيَّ الذي انضمّت إليه هنغاريا الصّديقة أما سفيرتا أميركا وفرنسا فطلبَتا موعداً معَ الرئيس أراده غداً لكنّهما أصّرتا على أن يكونَ اليومَ ومنهما تسلّم عون رسالةً مشتركةً مِن وزيري خارجيةِ أميركا وفرنسا أكّدا فيها اهتمامَ بلدَيهما بالوضعِ اللبنانيّ وبضرورةِ تأليفِ حكومةٍ جديدةٍ لمواجهةِ الظروفِ الصعبةِ في لبنان. كلُّ هذا الحَراكِ لم يحرّكْ في ساكنِ القصرِ ساكناً حتّى إذا ما التقى الحريري كاد يقولُ له :”ضب تشكيلتك وفرجينا عرض كتافك”. خرجَ الحريري من اجتماعِ العِشرين دقيقةً ليختصرَ مساعيَ الأشهرِ التسعةِ بقولِه: أقدّمُ اعتذاري والله يعين البلد . والشكوى الى غيرِ الله مذلة في بلد نَزَلَت عليه لعَناتُ أبالسةِ السياسة . بعد الاعتذار تقطعت الطرقات والدولارُ علا وطار والهيكلُ سينهارُ على رؤوسِ الجميع ليبقى العهدُ حاكماً بأمرِه يَختصرُ وطناً بشخصِه وبحاشيته يَعزِفُ منفرداً على رؤوسِ المجالس ويديرُ الحُكمَ بوزراءَ يُصرّفونَ أهدافَ العهد ومِن بعدي الطُّوْفان.
هَزم عون المجتمعَ الدَّوليَّ ولم يوقّعْ على التشكيلةِ التي قدّمها الحريري مستعيداً سيناريوهاتِ الثمانينياتِ في حربِ إلغاءٍ جديدةٍ للصلاحياتِ والرئاسات وفي بيانٍ ممجوجِ العبارات يتبعُ صِفةَ المستشارين أزال الحِمْلَ عن كاهلِه وبشّرنا بجولةِ استشاراتٍ سريعةٍ لتسميةِ البديل وتأليفِ حكومةٍ قبلَ الرابعِ مِن آب حيثُ ما بعدَ هذا التاريخ لن يكونَ كما قبلَه حينذاك لن ينفعَ وزيرٌ بالزائدِ أو بالناقص ولا مَن يُسمّي وزيرَينِ مسيحيَين ولا عدلٌ يدخلُ مِن طاقة ويخرجُ مِن داخلية فاهتماماتُ الناس صارت في مكانٍ آخر ومصائبُ السياسةِ عند الشعبِ فوائدُ والشعبُ نفسُه الذي جعلتموهُ رهينةَ مافياتِ الدواءِ والمولِّداتِ وطوابيرِ الوَقودِ ويَشتهي فُتاتَ الخُبز سيلاحقُكم حتى مهاجعِكم وسينتزعُ بأظافرِه كلَّ حصاناتِكم وسيحاصرُكم في مربّعاتِكم الأمنية. الرابعُ مِن آبَ أعلنتموهُ يومَ حِدادٍ وطنيّ وفي حقيقةِ الأمر هو يومُ حِدادِ كلِّ لبنانَ على الوطنِ الذي سقط بضرَباتِ ترجيحاتِ المسؤولينَ المُجرمينالمتحصّنينَ وراءَ الحَصانات
“هيدا لبنان” الذي أردتموهُ نُسخةً مطابقةً لكم