نبدأ جولتنا في الصحف البريطانية بمقال في صحيفة “الإندبندنت” لوزير الدفاع البريطاني السابق مايكل فالون بعنوان “الإخفاق في تطعيم الدول الفقيرة في العالم ليس خطرا على الصحة فحسب، بل يمكن أن يهدد الأمن العالمي”.
يتحدث فالون في مقاله عن مخاطر قد تواجه الأمن العالمي في حالة التقاعس عن تطعيم فقراء العالم بلقاحات كورونا.
يبدأ فالون مقاله بالإشارة إلى تعهد قمة مجموعة السبع في يونيو/حزيران الماضي بتوفير مليار جرعة لقاح ضمن برنامج “كوفاكس” المعني بتوفير جرعات للدول النامية، مضيفا أنه في الوقت الذي تتفاخر الدول الأوروبية بمعدلات تطعيم تتجاوز 70 في المئة، فإن بعض أفقر الدول الأفريقية لم تصل إلى نسبة 2 في المئة.
ويلفت الكاتب إلى أن الدول الفقيرة لا تستطيع تأمين الحصول على الجرعات الكافية نظرا لأن الدول الغنية تدفع بتسهيلات ممتازة لتأمين إمداداتها، ناهيك عن افتقار الدول الأفريقية للبنية التحتية الطبية واللوجستية والخاصة بالنقل – اللازمة جميعها لتسليم اللقاحات. وقد دفع هذا مدير عام منظمة الصحة العالمية إلى حث الدول على تعليق منح جرعات معززة حتى تقوم جميع الدول بتطعيم نحو 10 في المئة من سكانها على الأقل.
ويتحدث فالون ضرورة الاعتراف في الغرب بما يثيره هذا التفاوت من استياء ومخاوف. ويشير إلى وجود مشكلة أخلاقية واضحة، إذ يواجه الملايين في أفريقيا احتمال النقل إلى المستشفيات والوفاة، بينما في أوروبا يناقشون تطعيم فئة المراهقين.
ويشير المسؤول السابق إلى أنه إلى جانب المشكلة الصحية، الناتجة عن ظهور متحورات جديدة، تبرز مشكلة أمنية تتلخص في أن نقص اللقاحات يمكن أن يزعزع استقرار بعض المناطق الأشد فقرا في العالم إلى حد الصراع والهجرة الجماعية.
ويضرب فالون بأفريقيا مثالا، قائلا إن المزيد من عدم الاستقرار في قارة مزقتها الحروب بالفعل سيؤدي إلى زيادة وتيرة الهجرة نحو الشمال. وينطبق هذا على مناطق نزاع أخرى، مثل أفغانستان وسوريا واليمن، التي تشهد معدلات تطعيم منخفضة.
ويقول فالون إن من السذاجة الافتراض أن السكان في الدول والمناطق التي تشهد صراعات في العالم سوف يتحملون بشكل سلبي استمرار كوفيد في إحداث فوضى، دون أي احتمال للتطعيم قريبا. ويرى فالون أن الأمر سيكون دافعا قويا للهجرة، وبمثابة فرصة لأولئك الذين يغتنمون فرص وجود مثل هذه المظالم لإثارة اضطرابات سياسية.
ويضيف أن الانتعاش الاقتصادي الذي يبرز مع توفير اللقاح سيكون بمثابة عامل جذب إضافي لأولئك العالقين في الاقتصادات المتعثرة العاجزة عن تحقيق التعافي نفسه.
ويضرب فالون مثالا بالوضع في اليمن، حيث ينكر المتمردون الحوثيون تماما آثار كوفيد في المناطق التي يسيطرون عليها. والتقارير بشأن انتشار معلومات مضللة عن اللقاحات وإجبار أطباء على تزوير شهادات الوفاة تعتبر بمثابة دليل على أن الفشل في توفير اللقاحات في منطقة الصراع هذه يفاقم مأساة الحرب المدمرة التي طال أمدها هناك.
ويختتم الكاتب مقاله قائلا إن معدلات التطعيم في الدول الفقيرة منخفضة بشكل مروع. بالنسبة لسكان دول الغرب، فإن نهاية الوباء ربما باتت وشيكة. لكن بالنسبة لسكان دول العالم النامي، ما زال الكابوس في بدايته. وإذا لم تخصص الدول الغنية حاليا ملايين الجرعات الإضافية للدول الفقيرة، فإن الفشل الجماعي في تطعيم العالم النامي سريعا سيمثل تهديدا أمنيا كبيرا أيضا.
الأمم المتحدة وتغير قواعد اللعبة في أفغانستان
وإلى صحيفة “الغارديان” حيث نطالع مقالا للكاتب مارك مالوخ-براون بعنوان “كيف يمكن للأمم المتحدة أن تحدث فارقا الآن في أفغانستان”، يتحدث فيه عن أهمية إنشاء ممرات إنسانية ومراقبة حقوق الإنسان في ظل سيطرة حركة طالبان على البلاد.
يبدأ الكاتب مقاله مسترجعا ذكريات عن مأساة مشابهة أثناء عمله في وظيفة مخطط بالأمم المتحدة في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وكيف ساعد في تصميم برنامج إغاثة بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، ثم بعد أكثر من عقد، كرئيس لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عندما قاد جهود الإغاثة وإعادة الإعمار المبكرة بعد سقوط طالبان.
ويقول الكاتب إنه في كلتا الحالتين، قوضت الجهات الفاعلة الرئيسية في المجتمع الدولي السلام الهش الذي أعقب النزاعات، إذ قامت الولايات المتحدة بتسليح المعارضة للحكومة التي تركها السوفيت وراءهم، وعندما تولت حكومة مدعومة من الولايات المتحدة السلطة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، واجهت معارضة من خصوم أمريكا الآسيويين.
ويتساءل الكاتب عما إذا كنا نشهد قصة مماثلة بعد عشرين عاما، وذلك مع اعتراف روسيا والصين وباكستان بالحكومة الجديدة لأفغانستان وتقديم دعمهم لإعادة الإعمار، بينما تتراجع الولايات المتحدة وبريطانيا والحكومات الأوروبية الأخرى.
ويؤكد مالوخ-براون أن هذه هي اللحظة التي يمكن فيها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يستعيد القيادة الحقيقية للعالم ويضع طريقا موحدا للمضي قدما، يقضي بتقديم دعم سياسي وإنساني من المجتمع الدولي مقابل عملية مصالحة بين طالبان وغيرها من الجماعات. ويشير الكاتب إلى ضرورة أن تكون هناك تعهدات من طالبان باحترام حقوق الإنسان بطريقة يمكن للأمم المتحدة أن تراقبها وتتحقق منها.
ويقول الكاتب إن المحاولة الأولى لمجلس الأمن، للأسف، لم تكن قرارا بل بيانا صحفيا اتُفق عليه وصدر يوم الإثنين، ووصفه بأنه لم يكن على مستوى التحدي. وتضمن البيان دعوة لوقف إطلاق النار، والتفاوض على مستقبل البلاد، وتشكيل حكومة جديدة “موحدة وشاملة وتمثيلية، بما في ذلك المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة”، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد. ويقول الكاتب إن هذه المبادئ مهمة، لكنها تظل مجردة.
ويقول الكاتب إن ما نحتاجه الآن من مجلس الأمن هو تحرك واضح لتطبيق هذه المبادئ بشكل يعالج الأزمة الحالية. ويقترح الكاتب تحرك مجلس الأمن على الفور لتعزيز دور بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان “يوناما”، التي لديها بالفعل موظفون في مكاتب ليس فقط في كابل بل في جميع أنحاء البلاد. لكنه يشير إلى أنه بدلا من ذلك، يعتزم مجلس الأمن الانتظار حتى سبتمبر/أيلول، ولا يبدي سوى القليل من الإلحاح أو الطموح المطلوب.
ويؤكد مالوخ-براون أن التفويض الجديد ينبغي أن يشمل إعطاء بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان المسؤولية عن إنشاء ممرات إنسانية في جميع أنحاء البلاد، واستئناف إجلاء المواطنين الأكثر عرضة للخطر بعد استيلاء طالبان على العاصمة.
ويضيف أنه يمكن أيضا تكليف بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان بمسؤولية مراقبة حقوق الإنسان على الأرض والإبلاغ عنها، ما يسلط الضوء على كيفية وفاء طالبان بالتزاماتها العامة بعدم الثأر من المهزومين، واحترام الإنجازات التي حققتها المرأة، خلال السنوات العشرين الماضية.
ويصف الكاتب الوضع الإنساني في أفغانستان بأنه قاتم، حتى قبل اجتياح طالبان للبلاد هذا الصيف، مشيرا إلى أن نحو نصف سكان البلاد كانوا في حاجة ماسة إلى المساعدات. وقد نزح واحد من كل عشرة أفغان من مدنهم، كما اضطرت المنظمات غير الحكومية، التي أمضت العقدين الماضيين تعمل في هذه المجتمعات بتفان، إلى تقليص أو إيقاف عملياتها.
ويقول الكاتب إن ما تم الاتفاق عليه في أفغانستان نفسها يجب أن يقابله برنامج لاجئين سخي وواسع النطاق توفره الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وأن تسمح طالبان بذلك. فبالنسبة للكثيرين ممن عملوا مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين أو ممن روجوا لحقوق الإنسان، تشكل طالبان، حتى في أفضل سلوكياتها، خطرا كبيرا، لذا نحن بحاجة إلى مزيد من الالتزامات، لا سيما من الدول التي استثمرت الكثير في أفغانستان على مدى العقدين الماضيين. يجب ألا يتركوا أصدقاءهم وراءهم، على حد قوله.