ما هي أسباب هزيمة حزب العدالة والتنمية المغربي؟ – صحف عربية
علقت صحف عربية ومغربية على الهزيمة القاسية التي مُني بها حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية في الانتخابات البرلمانية المغربية الأخيرة.
وأرجع عدد من الكُتاب هزيمة الحزب إلى زيادة البطالة وارتفاع معدلات الفقر وتراجع شعبية الإسلاميين في المنطقة، وهو ما أثر على شعبية الحزب لدى قواعده الشعبية. لكنّ عددا آخر من الكُتاب أرجع الهزيمة إلى اتفاق تطبيع العلاقات الذي وقعه المغرب مع إسرائيل مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
وحصل حزب العدالة والتنمية على 13 مقعدا برلمانيا مقارنة بـ 125 مقعدا في الانتخابات التشريعية السابقة. كما فشل أمينه العام ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في تأمين مقعد نيابي له.
“السخط الشعبي”
يصف أحمد عصيد في صحيفة هسبريس الإلكترونية المغربية ما حصل بأنه “لم يكن متوقعا، إذ لا يتعلق الأمر بهزيمة انتخابية أو بمجرد تراجع كما كنا نعتقد، بل بانهيار كامل لتنظيم ‘الإخوان المسلمين’ بالمغرب، بسقوط مدوّ يعود إلى تآكل في مكونات الكتلة الناخبة للحزب”.
ويرى الكاتب أن هذه الكتلة الناخبة “تفككت”، لأسباب منها “السخط الشعبي الذي لم تعُد تنفع معه لعبة الأقنعة التي تعوّد عليها الحزب، أي المشاركة في الحكومة ولعب دور المعارضة في نفس الوقت… الانقسام الداخلي الحادّ منذ المؤتمر الأخير [للحزب]… دينامية الأطراف السياسية الأخرى وعملها التعبوي بأساليب عصرية جديدة”.
وأضاف عصيد إلى أسباب التفكك: “شبكات التواصل الاجتماعي التي ساهمت في حملة التحريض ضده ما أدى إلى طرد قيادييه في العديد من المدن… كما يبدو أن ‘النصرة’ التي تعود عليها العدالة والتنمية من تنظيم ‘العدل والإحسان’ أو من التيار السلفي لم تحصل هذه المرة”.
ويقول الكاتب إن “كل هذه العوامل تشير إلى الكيفية التي تشتتت بها الكتلة الناخبة التي لا بأس بها والتي كان يتمتع بها الحزب”.
ويقول سعيد الوزان في الموقع ذاته: “لم يكن حتى أعتى العرافين يتوقع سقوطا مدويا كهذا لواحد من الأحزاب الكبرى التي تسيدت المشهد السياسي المغربي لما يزيد عن عقد من الزمان”.
ويرى أن الدولة “لم تتعامل مع ملف الإسلاميين باستخدام لغة القوة للانقلاب عليهم، رغم الأخطاء القاتلة الكثيرة التي ارتكبوها منذ أول يوم على وصولهم إلى سدة الحكم، بل تركت الأمر لتصفية الملف على نار هادئة من خلال التركيز على المضي حتى آخر مدى في الخيار الديمقراطي، عملا بقاعدة: مادامت الصناديق أتت بهؤلاء فهي الكفيلة أيضا بالتخلص منهم، وهكذا كان”.
ويضيف: “لقد تنامى الغضب الشعبي ضد العدالة والتنمية جراء القرارات الخاطئة التي اتخذها والسياسات اللاشعبية واللااجتماعية التي اعتمدها، مسهما من حيث يدري ولا يدري في إثارة مشاعر الغضب ضده، وهي المشاعر التي تأججت أكثر مع مضي الوقت”.
ورأى الكاتب أن النسخة الثانية من حكومة العدالة والتنمية “فشلت في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة هذا الحزب، الذي بنى مجده على خطابات زعمائه الشعبوية، ولعبهم على التناقضات القائمة وتلويحهم المتكرر بورقة الاستقرار، التي أكدت الدولة، خصوصا خلال تفشي جائحة كورونا، أنها ضامنه الأول والوحيد”.
“الانتكاسة الكبرى”
تُرجع صحيفة القدس العربي اللندنية هزيمة حزب العدالة والتنمية إلى أسباب عدة، منها التطبيع مع إسرائيل، وإقرار الحكومة والحزب لقانون تقنين القنّب (الحشيش)، قائلة إن هذه القرارات “تخصم من الرأسمال الرمزيّ لهذا الحزب لدى حاضنته الاجتماعية”.
وتقول الصحيفة: “إحدى الإشكاليات الكبرى التي لم ينجح العدالة والتنمية – على عكس ما يوحي اسمه – في التخفيف من أثرها هو ارتفاع معدلات الفقر، وازدياد تركز الثروة في المجتمع، فحسب إحصاءات اقتصادية رسمية فإن 10 في المئة من المغاربة الأعلى ثراء يملكون ثروة تساوي 11 مرة ما يملكه 10 في المئة من المغاربة الأكثر فقرا”.
وتضيف الصحيفة عاملا آخر هو “ارتفاع أسهم الاتجاه الإقليمي المعادي للإسلاميين في المنظومة العربية”.
أما يوسف شرباطي في صحيفة رأي اليوم الإلكترونية اللندنية، فيُرجع سبب ما يسميه “الانتكاسة الكبرى” التي مُني بها الحزب إلى قضية التطبيع مع إسرائيل.
يقول الكاتب: “ليس من الصعب معرفة أن حزب العدالة والتنمية تحول إلى حزب صغير بعد أن كان أكبر الأحزاب المغربية بسبب توقيعه قرار التطبيع مع إسرائيل حتى لو كان ذلك بحجة خدمة قضية الصحراء المغربية”.
ويضيف شرباطي أن “أغلب المحللين يرجعون انتكاسته بسبب تطبيقه برنامجا لييراليا متوحشا عوض برنامج فيه لمسة إسلامية تجلى في رفع دعم الدولة عن أغلب المواد الأساسية وبالتالي غلاء الأسعار والإضرار بالطبقة المتوسطة”.
لكنه يرى أن “هؤلاء المحللين يتجاهلون حقيقة في غاية الأهمية، وهو أن هذه القرارات اللاشعبية كانت في عهد الولاية الأولى للحكومة الإسلامية التي انتهت سنة 2016 والتي تلاها انتخابات حصل بموجبها الإسلاميون على مقاعد أكثر من الولاية الأولى التي عرفت هاته هذه الإجراءات المجحفة”.
لكن محمد حسين المومني في صحيفة الغد الأردنية يختلف مع الرأي السابق، ويرى أن إرجاع أسباب خسارة الحزب إلى التطبيع مع إسرائيل “فيه كثير من الجهل للواقع السياسي المغربي الذي لم تكن العلاقات مع إسرائيل أو التطبيع معها جزءا مؤثرا فيه، كما أن الناخب المغربي يعلم تماما أن ملف السياسة الخارجية ليس بيد الحكومة فلماذا يلومها على قرار سياسي خارجي وهو يعلم أنه ليس ملكها”.
ويتحدث الكاتب عن ثاني الأسباب التي تحدث عنها محللون، وهي “إخفاق الحزب الإسلامي في الإتيان بحلول عملية للمشاكل التي تواجه المغاربة من فقر وبطالة وغيرها”، فيرى أن في “هذا الطرح وجاهة كبيرة وتجارب كل شعوب العالم تؤكد ذلك”.
ويتفق مع القائلين بأن “الإسلام السياسي قد استنفد رصيده الانتخابي، وأن استبداله أتى بعد أن اقتنع الناخبون أن الشعارات شيء والحقيقة والواقع والتعامل مع الميدان والتحديات شيء آخر”.
ويقولالكاتب: “أعتقد أن الدقة تقتضي القول إن مزيجا من الثلاثة أسباب أعلاه قد تصلح لتفسير ما جرى، والحقيقة تبقى أن الانتخابات المغربية الأخيرة تاريخية بالمعنى السياسي والأيديولوجي، وأن المغرب المجتمع والدولة مستفيد مما جرى وخطا خطوة سياسية مهمة جراء حدوثه”.