أظهر فريق بحثي أميركي يقوده باحثون من متحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي، دليلاً على أن حيتان البالين العملاقة، مثل الحيتان الزرقاء والزعنفة والحدباء، تأكل ما معدله ثلاث مرات من الطعام كل عام أكثر مما قدر العلماء سابقاً، وهو ما سيسهم في فهم أفضل لدور الحيتان في النظام البيئي، الذي تم التقليل منه بسبب التقديرات غير الصحيحة لحجم ما تأكله.
ومن خلال استخدام أجهزة تتبع تم وضعها على 321 حوتاً تغطي سبعة أنواع تعيش في المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ والمحيط الجنوبي، جمع الفريق البحثي خلال الفترة بين عامي 2010 و2019، بيانات ساعدتهم على تقدير كمية الطعام التي تأكلها الحيتان، وتم ذكر نتائج ما توصلوا له، أول من أمس، في دورية «نيتشر».
ووجدت الدراسة، على سبيل المثال، أن حوتاً أزرق بالغاً في شرق شمال المحيط الهادئ يستهلك على الأرجح 16 طناً مترياً من قشريات الكريل يومياً خلال موسم البحث عن الطعام، بينما يأكل حوت شمال الأطلسي الصائب نحو 5 أطنان مترية من العوالق الحيوانية الصغيرة يومياً، ويلتهم الحوت مقوس الرأس ما يقرب من 6 أطنان مترية من العوالق الحيوانية الصغيرة يومياً.
ولتقدير ما تعنيه هذه التقديرات الجديدة في سياق النظام البيئي الأكبر، ذهب الفريق البحثي إلى أن مجموعات الحيتان الزرقاء والزعانف والحدباء التي تعيش في النظام البيئي لتيار كاليفورنيا (تيار مائي محيطي بارد يستمر بمحاذاة سواحل ولاية كاليفورنيا)، يحتاج كل منها إلى أكثر من مليوني طن من الغذاء سنوياً، وهو معدل أكبر بكثير من تقديرات دراسة سابقة في عام 2008، ذهبت إلى أن جميع الحيتان في النظام البيئي الحالي لولاية كاليفورنيا، تأكل نحو 2 مليون طن متري من الأسماك والكريل والعوالق الحيوانية والحبار كل عام.
ويقول نيكولاس بينسون، أمين الثدييات البحرية الأحفورية في متحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي، والباحث المشارك بالدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للمتحف بالتزامن مع نشر الدراسة: «نظراً لأن الحيتان تأكل أكثر مما كان يعتقد سابقاً، فإنها أيضاً تتغوط أكثر، ومن خلال جمع الطعام وضخ الفضلات، تساعد الحيتان في الحفاظ على العناصر الغذائية الرئيسية معلقة بالقرب من السطح، حيث يمكنها تغذية أزهار العوالق النباتية الممتصة للكربون التي تشكل قاعدة شبكات الغذاء المحيطية».
استخدم باحثون من معهد المحيطات ومصايد الأسماك بجامعة كولومبيا البريطانية، أداتين حيويتين، هما الأحماض الدهنية، والنظائر المستقرة، لكشف بعض أسرار الحمية الغامضة لقناديل البحر، وأعلنوا عنها في دراسة نشرت بالعدد الأخير من دورية «البيولوجيا البحرية التجريبية وعلم البيئة». وقنديل البحر لديه شهية شرهة، ولا يعتبر أكلاً انتقائياً، فتقريباً أي شيء يلتصق بمخالبه ينتهي به المطاف في الكيس الجيلاتيني الذي يستخدمه لهضم طعامه.
وأدت استراتيجية التغذية «خذ ما يأتي» التي يعتمد عليها، إلى غموض في فهم الباحثين للأطعمة التي يعيش عليها قنديل البحر وكيف تتلاءم مع الشبكات الغذائية، وحاول الفريق البحثي إزالة هذا الغموض باستخدام أداتي النظائر المستقرة والأحماض الدهنية.
والنظائر المستقرة هي نظائر موجودة بشكل طبيعي لعناصر مثل الكربون والنيتروجين وتوجد بنسب معينة في جميع الأنسجة الحية، وبالمثل، فإن الأحماض الدهنية، التي تؤدي العديد من الوظائف الفسيولوجية الهامة في الجسم، يتم إنتاجها في تركيبات فريدة من قبل النباتات الموجودة في قاعدة الشبكة الغذائية، وتنتقل «بصمات» النظائر والأحماض الدهنية الفريدة، والمعروفة أيضاً باسم «المؤشرات الحيوية»، من فريسة إلى مفترس ويمكن استخدامها لتتبع روابط شبكة الغذاء وإلقاء الضوء على تركيبة النظام الغذائي للحيوان. ولتنفيذ ذلك، قام الباحثون خلال الدراسة بتربية قناديل البحر وإطعامها نظامين فريدين من الفرائس التي تنتمي لـ«القشريات»، وهما الكريل المجمد والأرتيما الحية، فدلت النظائر المستقرة على أن قنديل البحر لم يدمج الكريل في نظامه الغذائي، وفسر الباحثون ذلك بأن قنديل البحر من الصعب إرضاؤه غذائياً.
وتقول جيسيكا شاوب الباحثة الرئيسية بالدراسة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة كولومبيا أول من أمس: «يبدو أنه رفض الكريل المجمد، لأنه لا يحب إطعامه بنظام غذائي واحد، أو أن الكريل لا يلبي احتياجاته الغذائية، أو أنه يفضل الأرتيميا الحية على الكريل الميت والمجمد».
ووجدت الدراسة أيضاً أن قنديل البحر قد يكون قادراً على تكوين أحماض أوميغا 3 وأوميغا 6 الدهنية الأساسية، والتي تعتبر مهمة لوظيفة الجسم الصحية.