تدور في جدة في المملكة العربية السعودية فعاليات الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي. ويدور في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لغط كبير حول المهرجان الأول من نوعه في بلد كانت السينما ممنوعة فيه حتى وقت غير بعيد وتفرض فيه على النساء قيود تتحكم في أبسط جوانب حياتهن.
ويلقى المهرجان أصداء يتجاوز مداها السعودية والمنطقة العربية، بين مستبشر بتحول حقيقي و”سعودية جديدة”، وبين مشكك متهِم لأطراف عديدة بـ”تبييض” صورة السعودية وإبعاد الأنظار عن سجلها لحقوق الإنسان.
كما انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع من المهرجان لقيت تفاعلا كبيرا، وكان التفاعل الأكبر مع النجوم والنجمات وأزيائهن على السجادة الحمراء.
وبالإضافة إلى “لجان” تحكيم وتقييم الموضة التي يشكلها المغردون من منازلهم، تداول مغردون كثر صورا لمدينة جدة العتيقة وجمال معالمها كما نقلها بعض الفنانين المشاركين في المهرجان، مثل هند صبري، أو التي سوقتها الجهات الرسمية للتعريف بالبلد.
“السعودية الجديدة”
في البحث عن مهرجان البحر الأحمر للسينما ستجد في النتائج اقترانا بمصطلح “الانفتاح” وتجد من يتحدث عن “سعودية جديدة” أو “صفحة جديدة في تاريخ المملكة”.
وهذه المصطلحات اقترنت في السنوات الأخيرة بأحداث وفعاليات مختلفة، كان قيامها في المملكة مفاجئا لكثيرين، بل وصادما للبعض، وأحدث أمثلتها “موسم الرياض”.
فقد كانت السعودية حتى فترة قريبة مكانا غامضا لكثيرين. البعض لا يعرف عنها غير أنها وجهة الحجاج والمعتمرين.
والبعض، في الغرب خاصة، يتناقلون أنها “سجن للنساء بحجم البلد”، والمهتمون بأخبار السياسة والاقتصاد يعرفون أنها بلد نفطي كبير.
لكن المملكة بدأت في السنوات الأخيرة تغيّر صورتها وتظهر انفتاحا على مستوى مجالات أكثر، أبرزها الترفيه والسياحة.
وخلال اللقاءات الصحفية للفنانين على هامش المهرجان، أو تعليقات الحاضرين فيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر كثير منهم عن إحساسهم بالسعادة لهذا التغيير.
لعل أكثر التعليقات تداولا كان للفنانة المصرية إلهام شاهين، التي قالت إنها “تكاد لا تصدق”، وقالت إن ذهابها للسعودية لحضور مهرجان سينمائي بعد أن كانت تزورها فقط للحج والعمرة يعتبر “طفرة في تاريخ المملكة”.
ولم يخف أي من المشاركين والحاضرين في المهرجان فرحة بإقامة هذا الحدث بالذات، إذ يجمع كثيرا مما كان يعتبر “محرما” حتى وقت قريب جدا في السعودية.
فقاعات السينما في السعودية ظلت مغلقة لسنوات، وحفلات الغناء ممنوعة، وضوابط اللباس للنساء خاصة محددة وشديدة الضيق لا يمسح فيها لشعر المرأة أو كعوبها حتى بالظهور.
وهي الآن تحتضن مهرجانا دوليا للسينما، وتفرش سجادة حمراء لا تختلف صور النجوم السائرين عليها عن أي صور تلتقط في أي من المهرجانات العالمية بأزياء سهرات تناسب حجم الحدث.
ماذا يعني المهرجان للنساء؟
لقد تبع تغيير “شكل” السعودية وصورتها في المنظور الدولي تغير في وضع المرأة فيها.
كان التحول الأبرز هو السماح للمرأة بقيادة السيارة عام 2018 ثم تمكينها من امتهان بعض الوظائف التي احتكرها الرجال.
وأنتجت أفلام سعودية عن السعوديات صورت داخل السعودية، وكان أولها فيلم “وجدة”، الذي كان أول فيلم روائي طويل يصوّر داخل المملكة عام 2012 ولقي صدا عالميا كبيرا.
وكرم المهرجان في دورته الأولى هذه المخرجة السعودية هيفاء المنصور مخرجة فيلم “وجدة”.
وفي حديث سابق لبي بي سي عن مهرجان البحر الأحمر، قالت هيفاء المنصور: “سأتحدث بصفتي امرأة سعودية، (من قبل) كانت مشاهدة فيلم على جهاز فيديو منزلي بمثابة حلم، لذا تخيل كيف يكون شعورنا حين نكون في هذا الحدث السينمائي. بالطبع السينما تمنحنا صوتاً وتجعل العالم أقرب إلينا وتجعلنا أقرب إلى العالم. ويسعدني أننا نفتح صفحة جديدة من الحضارة”.
ويولي المهرجان اهتماما خاصا للنساء في السينما.
لكن تكمن المفارقة في أن ما ترتديه المشاركات والحاضرات في المهرجان مثلا من غير الممكن لسعوديات أن يرتدينه في السعودية في غير هذا السياق.
وما زالت نساء في السعودية يعاقبن إذا ارتدين زيا مخالفا أو أتين فعلا مخالفا لما يعرف بـ”الذوق العام”.
وما زال حكم العرف يتغلب على القوانين المكتوبة في ما يخص العنف ضد المرأة، خاصة العنف الأسري، الذي تشتكي سعوديات من أن واقع تعامل السلطات المحلية معه مغاير تماما لما تنص عليه القوانين المكتوبة.
وما زالت سعوديات يطالبن بإغلاق ما يعرف بـ”دار الرعاية”، وهي مؤسسة تودع فيها كل فتاة بين سن السابعة وسن الثلاثين تنفيذا لحكم قضائي أو لاعتبارها “منحرفة” أو “قابلة للانحراف بسبب ظروف معيّنة”.
ويستدعي هذا التباين سؤالا: هل تغير الوضع القائم في السعودية (اجتماعيا وثقافيا) خاصة ذلك الذي يخص النساء؟
يعتقد كثيرون أن وجه السعودية الذي نراه في هذه المناسبات وقتي يزول بزوال عدسات الكاميرا المسلطة على البلد.
لكن من جهة أخرى، هناك من يجنح للاعتقاد بأنه لا بد من نقطة انطلاق ولو كانت صغيرة أو غير مرضية تماما.
وهم يرون أيضا أن مهرجان البحر الأحمر وموسم الرياض وغيرها من الفعاليات هي تلك النقطة التي ستقود بالضرورة إلى التغيير.
“تبييض لصورة السعودية”
خارج المملكة يرتبط اسم السعودية بسجل “مزر” في حقوق الإنسان كما وصفته منظمة العفو الدولية.
إذ يرتبط اسم المملكة بقتل الصحفي جمال خاشقجي وبسجن معارضين وناشطات وناشطين حقوقيين.
ومن الطبيعي أن تحاول قيادة البلد لفت الأنظار بعيدا عن هذه الملفات، ونحو مؤشرات التغيير الذي يقوده ولي العهد محمد بن سلمان ضمن خطته “رؤية 2030”.
ويجمع كثيرون على أن السعودية تعتمد كثيرا على تواتر فعاليات مثل موسم الرياض ومهرجان البحر الأحمر واستضافة سباق الفورميلا وان وغيرها من الاحتفالات، التي تحرص المملكة أن يكون صداها واسعا ومؤثرا.
لكن منظمات حقوقية دولية تتهم المملكة والأطراف الدولية المشاركة في هذه الفعاليات بـ”تبييض” صورة السعودية و”التغطية على سجلها الحافل بالقمع والخروقات في مجال حقوق الإنسان”.
وقد افتتح مهرجان البحر الأحمر السينمائي في السادس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري ويستمر حتى الخامس عشر من هذا الشهر.
ويعرض المهرجان 138 فيلماً روائياً وقصيراً من جميع أنحاء العالم ويحضره نجوم عالميون.
مهرجان البحر الأحمر السينمائي.. يسرا وهنيدي وهند صبري في حفل الافتتاح
انطلقت مساء الإثنين، فعاليات الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي بمدينة جدة، بالمملكة العربية السعودية.
وشهد حفل الافتتاح حضور عدد كبير من نجوم الفن في مصر والعالم العربي، ومن أبرزهم الفنانة التونسية هند صبري، والأردنية صبا مبارك، ومحمد هنيدي، وليلى علوي التي يتم تكريمها خلال الحفل، والفنانة يسرا، ونيللي كريم، وإلهام شاهين، وإنجي المقدم، وماجد المصري، وهالة صدقي، ورشا مهدي ولبلبة ونادية الجندي وعمر السعيد ومحمد حفظي، وإيناس الدغيدي وبشرى.
وارتدت إلهام شاهين عباءة خليجية خضراء، وظهرت ليلى علوي على السجادة الحمراء بفستان طويل باللون الأبيض تميز بأكمام قصيرة، ذي طبعة ذهبية على جانبه.
فيما تألفت الفنانة الكبيرة يسرا بإطلالة جذابة مرتدية فستانا طويلا باللون البنفسجي، ومرصعا بتطريزات ذهبية.
وتقام الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي في الفترة من 6 إلى 15 ديسمبر/ كانون الأول.
وأكد كليم أفتاب مدير البرنامج الدولي في المهرجان، أن الأفلام المعروضة في هذه الدورة تحمل قدرا كبيرا من التنوع والمتعة، وأن المشاهد في جدة سيجد فيها الحب والإسقاطات المجتمعية، والعديد من القضايا الشائكة.
وتضم قائمة الأفلام المعروضة “إلى شيارا” وهو فيلم روائي طويل للمخرج الأمريكي الإيطالي جوناس كاربينانو، وتدور أحداث الفيلم في بلدة بمنطقة كالابريا وهي موطن لعائلة من المافيا لا تعرف الرحمة.
ولم يخطر على بال شيارا التي لم تتجاوز عامها السادس عشر أن تفكر بمصدر ثروة عائلتها، ولكنها تستيقظ فجأة على مشهد والدها الذي يحاول الهرب، لتكتشف أن الصحف تصفه بالمجرم المطلوب للعدالة.
وفاز العمل بجائزة أفضل فيلم أوروبي ضمن تظاهرة ”نصف شهر المخرجين“ في مهرجان كان.
وتضم القائمة أيضا فيلم “المسابقة الرسمية” الذي عرض ضمن الدورة الـ43 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، من إخراج جاستون دوبرات وماريانو كون بطولة أنطونيو بانديراس، بينلوبي كروز، وأوسكار مارتينيز.
يروي الفيلم قصة ملياردير يحتفل بعيد ميلاده الثمانين، يريد التأكيد على مكانته في دعم الثقافة والأعمال الخيرية، فيقرر إنتاج فيلم سعياً وراء المجد المنتظر، وعُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي الدولي هذا العام.