يضيع المرء عندما يبحث في أحداث عام واحد. ما هو الأفضل وما هو الأسوأ، وفي الحالتين ما هي المقاييس. وفي اعتقادي أن المقاييس لم تتغير منذ الخليقة: الخير والشر، والعدل والظلم، والنجاح والفشل، الإنجاز والثرثرة.
في الماضي كانت الدول تضع لنفسها ما تسميه «الخطة الخمسية». إذا توافر لها من الدخل ما يمكنها من أن تخطط لنصف عقد على الأقل. هذا العام سمعنا الملك سلمان بن عبد العزيز يعلن أن السعودية سوف تكون خالية من الكربون العام 2050، أي بعد ثلث قرن. وهذا العام مضى 5 سنوات على بدء رؤية ولي العهد لعام 2030. «الخطة الخمسية» أصبحت وحدة زمنية قديمة لا تفي بأحكام التطور وحتميات التقدم.
في مصر حققت قناة السويس أعلى إيراد في تاريخها. ورفعت «جي بي مورغان» تصنيف الاقتصاد المصري إلى B+ وأوشكت العاصمة الإدارية على الانتهاء. وفي الإمارات ارتفع دخل الفرد إلى الأعلى في العالم، وأرسلت دبي مسباراً إلى المرّيخ، وبلغت محفظة الاستثمار تريليون دولار.
ليبيا وسوريا ولبنان والعراق والسودان وتونس والصومال خارج مؤشرات الاقتصاد والحياة الطبيعية. لبنان خسر ليرته ورغيفه وربح عزته وكرامته وأفكار جبران باسيل. الخرطوم هي العاصمة الوحيدة التي لا تزال فيها شوارع رئيسية من تراب. وللمرة الأولى منذ تأسيس دولة لبنان قبل مائة عام، ينام 30 في المائة من اللبنانيين من دون عشاء. ويتدفأ النازحون السوريون في مخيماتهم على الروث البشري ويعيش «سويسرا الشرق» المعروف أيضاً بالجمهورية اللبنانية، من دون كهرباء ومن دون سيارات ومن دون دواء ومن دون أصدقاء ومن دون عمل ومن دون حكومة ومن دون محاكم ومن دون حياء.
في اختيار «رجل العام»، وكل عام، وأي عام، تبحث الناس، كل الناس، عن الحاكم الذي يكرس نفسه لبلده وشعبه وخيرهما وأمنهما وكرامتهما وعزتهما بين الشعوب والأمم. كان الأطفال يلقَّنون حكاية الرجل الذي مرّ بفلاح كبير السن يباشر في زرع شجر زيتون، فقال له، لمن تزرع وأنت في هذا العمر؟ فقال الفلاح بكل بساطة: زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون.
رجل العام هو الذي وعد شعبه بأن بلاده سوف تكون خالية من الكربون عام 2050، وولي عهده الذي وعدهم بأن ضمانتهم المعيشية لن تكون تحت رحمة التقلبات، ولا تحت الأرض فقط، بل في كل الحقول. لكي يعرف العالم العربي عما يتحدث السعوديون، الآن يجب أن يتأملوا بأنفسهم هذه العملية المستقبلية الجبارة والتاريخية، ولا، لن يعوا مداها وعمقها وانعكاساتها على مستقبل العرب جميعاً.