أتذكرها طفلة في العاشرة، أو أكبر قليلاً، في منزل العائلة بالريف البريطاني. فعندما جاء رمزي علم الدين وزوجته بارعة إلى بريطانيا هرباً من حرب لبنان، كانا يحلمان بالريف الإنجليزي بعيداً عن ضوضاء لندن وأضوائها. وكانت مجموعة الأصدقاء تلتقي في حديقة المنزل في مناسبات كثيرة، مرتاحين إلى ما عند الزميلة بارعة من آخر الأخبار، وما عند النديم رمزي من آخر اللطائف. أطفال الضيوف والمضيفين كانوا يلعبون في الداخل. أمل كُبراهم.
عاد رمزي وبارعة إلى بيروت ولم نعد نرى أمل. وسمعنا أن الطفلة الناحلة البالغة الجدية أصبحت محامية في القضايا الكبرى. وذات يوم ذهبت زوجتي تشتري لنا الصحف كالمعتاد، ووضعتها رزمة واحدة على مكتبي قائلة: ابنة بارعة ورمزي على الصفحة الأولى من «التايمز». لأشهر، ومن ثم لسنين، ظلت أمل علم الدين على الصفحات الأولى بعدما تزوجت بجورج كلوني. لم ترمِ بنفسها إلى المجلات الاجتماعية. ولم تذهب إلى لبنان كي تعرض نفسها على أنها أصبحت زوجة أشهر ممثلي هوليوود. وظلت تمارس عملها في القضاء واحدةً من أبرز محامي حقوق الإنسان.
أبقت أمل علم الدين لنفسها صورة السيدة التي عاملت الشهرة العالمية عند حدها. وتركت جورج كلوني يمضي في شهرته، وظلت في عملها ثم مهمتها أُماً. ولم تسمح مرة لأحد في لبنان بأن يتاجر ويفاخر بمعرفة أو قربى أو صداقة.
لم أكتب حرفاً في كل ما حدث. وكنت أشعر أحياناً أنه ربما تساءل رمزي وبارعة، ما الذي يمنع؟ والذي يمنع كان أنني لا أريد أن أعامل هذه السيدة على أنها خبر اجتماعي وثرثرة في بيروت. وبالنسبة إليّ؛ أمل هي التي تزوجت بالممثل الشهير وليس العكس.
تصدر مجلة «تايم» كل عام عدداً خاصاً عن «امرأة العام». الموضوع الأول مقابلة مع أمل علم الدين. هل يخيل إليك كيف قدمت له أشهر مجلات العالم؟ لا أدري عنك. لكن أنا نادراً ما قرأت أن «التايم» «تتشرف» بالحصول على مقابلة مع أمل، ولذلك كلفت الفائزة بجائزة «نوبل»، ماريا ريسا، إجراء المقابلة مع سيدة نادراً ما تعطي المقابلات الصحافية!
وفقاً لتقاليدها؛ تسمي «تايم» 12 سيدة؛ أي عدد أشهر السنة، «امرأة العام». العربية الأخرى كانت سارة العامري وزيرة العلوم العليا في الإمارات، والمرأة التي أرسلت مسباراً إلى المريخ وأصبحت رئيسة وكالة الفضاء في الدولة. منذ عام والمسبار يرسل إلى الأرض ما يجمع من معلومات عن سطح ذلك الكوكب.
ما الذي يجمع بين أمل علم الدين وسارة العامري؟ يجمع بينهما مجلة «تايم» والجدية المهنية في الاختيار. منذ أعوام وبعض المجلات العربية تنتقي 100 اسم لمرتبة «سيدة العام» أو «المرأة الأكثر تأثيراً». مائة اسم، يا ألطاف الله.
والعام الماضي، أو الذي قبله، وضعت إحداها فيروز على اللائحة في المرتبة الـ63! وللأسف لم أعرف شيئاً عن الأسماء التي سبقتها. لكنني أحب أن أنقل إلى موزعة الدرجات والمراتب نبأً من حرب أوكرانيا… فقد كان لاجئ فلسطيني يدعى أحمد بين الهاربين إلى بولندا. ومن أجل أن يخفف من شقائه وشقاء رفاق الطريق كان يسمعهم أغاني فيروز على هاتفه. تضربون، أنتم وثلاثة وستينكم.