ولقد عرف القرن العشرون هذه الظاهرة فكان روائيو التكسب – كما يسميهم كولن ولسن – ينافسون الروائيين الجادين مثل ديفو ورتشاردسون وسكوت وديكنز. وقد سميت روايات المتكسبين بـ«الروايات البنسية» كمصطلح يدلل على دور التكسب في جعل رواية ما هي الأكثر مبيعاً في سوق الكتب. وقد ذهب ولسن إلى أن هذه المنافسة سرعان ما تفقد بريقها مع مرور الزمن، فلا تبقى روايات المتكسبين بينما تصمد الروايات الجادة. وكثير من أسماء الكتب الأكثر رواجاً في أوائل القرن العشرين أصبحت نسياً منسياً في غضون 50 سنة. وفي أدبنا العربي أمثلة على ذلك، فقد سادت في خمسينات وستينات القرن الماضي روايات رومانسية ميلودرامية سريعة ليوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وعبد الحليم عبد الله ونافست الروايات الجادة لتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ.
وليس غريباً ألا ينطبق هذا التصور على جميع الكتب التي توسم بأنها الأكثر رواجاً أو «البيست سيلر»، لأنها ليست دائماً مبتذلة بلا هدف فني ولا تطلع مستقبلي، إذ قد تكون لها من السمات والتوجهات ما يجعلها فاعلة ومؤثرة في الساحة الأدبية كما حصل مع روايتي «سيد الخواتيم» و«رحلة إلى أركتورس» اللتين بسببهما احتلت الفانتازيا موقعاً مهماً في الستينات والسبعينات، حتى نافست روايات الأفكار المستندة إلى تجارب فكرية.
واللاغرابة فيما تقدم يعود إلى أن الرواية نفسها فن تعددي؛ وهي ملحمة الحياة وسجلها الذي يضم أشكالها الكثيرة، حتى أن كاتبها قد يرى نفسه أكبر من مجرد كاتب أو أديب، كما حصل مع بلزاك الذي رأى نفسه شخصاً يشبه نابليون أو آينشتاين، وهو القائل: «لقد عاش أربعة أشخاص حياة غنية: نابليون وكوفيه وأوكونيل، وأستطيع أن أكون رابعهم؛ فقد عاش الأول حياة أوروبا وازدرد الجيوش، وتزوج الثاني من الكرة الأرضية، وتجسد الثالث في شعب، أما أنا فباستطاعتي أن أحمل مجتمعاً بأكمله في ذهني»، من كتابه «رسائل إلى الخارج».
ومن ثم لا يكون هناك معيار على جدة الكاتب مثل معيار إخلاصه للحياة ومحاولته ترجمتها في شكل عمل يسميه «البيريس» (رواية كلية) التي هي برأيه أكبر أحلام العصر التي قد توازي حلم العلم الكلي والتقدم الجبري ووحدة الفكر. ولا فرق في ذلك بين أن يكون أسلوب الكاتب ريبورتاجاً صحافياً أو يكون متقنعاً ورمزياً ما دام الهدف هو تمثيل الحياة واستقصاء شموليتها. والنوع الروائي الذي يحظى بالإقبال القرائي وينال أعلى المبيعات هو القادر على تجسيد الحياة في سمتها الكلية. وهكذا كانت الرواية التاريخية والرواية الواقعية والرواية النفسية ورواية الخيال العلمي والرواية الرمزية والرواية التسجيلية والرواية الوثائقية ورواية اليوميات والمذكرات والرحلات والأسفار والسيرذاتية والترجمية وغيرها.
وفي العقدين الأخيرين من القرن الحالي، أخذت رواية المذكرات واليوميات والرحلات والأسفار تنافس الأنواع الروائية الأخرى في سوق الأدب، حتى أن كلود ليفي شتراوس الاثنوغرافي، الذي كره الأسفار والمستكشفين وشكك في جدوى كتابة اليوميات، وجد نفسه ملزماً بكتابة رحلاته فيما بين 1935 و1941 في كتابه «مداريات حزينة» الذي ترجم إلى اللغة العربية والصادر في دمشق 2003. وفيها أشار شتراوس إلى حيرته أمام هذا النوع من الحكايات متسائلاً: «أينبغي علي أن أقصَّ بكل دقة تلك التفاصيل التافهة والحوادث التي لا معنى لها… بالإضافة إلى ما لا يحصى من المشقات التي تجعل الحياة الخطرة في قلب الغابة البكر أشبه بالخدمة العسكرية… لكن هل تستحق حثالة الذاكرة… أن أرفع القلم لتدوينها؟». ص17 – 18.
والسر وراء هذا الذي يتصوره شتراوس يكمن في رغبة الإنسان الأوروبي العميقة في العودة إلى الطبيعة بروائحها وطعومها وصورها الصادقة البعيدة عن الخداع التي تقدم ثقافة متغايرة ومعرفة أكيدة توقظ في الإنسان أكواناً غير مرئية من الطيبة والحرية. وهكذا يندفع القراء نحو روايات اجتاحت المكتبات والأسواق موضوعها الأمازون والتبت ومجاهل أفريقيا.
وإذ برع الروائيون الأميركيون في كتابة هذا النوع من الروايات، فلأن النقد الأميركي المتأثر بفلسفة كروتشه ونزعات الرمزيين الفرنسيين كان قد عرف مدرسة النزعة الإنسانية جنباً إلى جنب المدرستين التصويرية والنقد الجديد، موظفاً شكلاً من أشكال الواقعية هو «الواقعية الموضوعية»، وفيها الراوي لا يتدخل في استبطان الشخصية بل هو كالمخرج السينمائي الذي لا يعبر عن نفسه في اختيار المشاهد ولا يعيرها صوته لتغدو الرواية مجموعة متتالية من الأحداث الموضوعية التي تنقل بحيادية مسجلة الحياة. ومن رواد هذه الواقعية كالدوبل وهمنغواي وباسوس وفوكنر وشتنايبك وداشيل هامت.
وقد شاع هذا اللون من الأعمال الروائية في الربع الثالث من القرن العشرين وغزا القارات بروايات تتناول هنود بوليفيا أو حياة السهوب الفنزويلية والغابات الاستوائية أو حياة صيادي سردينيا والسهول الهنغارية والحمامات المعدنية، كما في رواية «بلاد الثلج» للياباني ليناسوري كواباتا. وأصبحت رواية المغامرات مثل رواية «ثلوج كليمنغارو» لهمنغواي الممثل الحقيقي لهذه الواقعية، وفيها تظهر ردود فعل الشخصية الخارجية فقط في حركاتها أو سلوكها.
ومن تلك الروايات ما كتبته ديليا مع زوجها مارك أونس من أعمال جسدا فيها رحلتهما التي دامت 23 عاماً في أفريقيا. وأول رواية لهما «صرخة كالاهاري» عن دار «هوغتن ملفن» 1984 وتسرد بضمير المتكلم وتدور أحداثها في براري كالاهاري في ناميبيا.
تلتها رواية «عين الفيل» عن دار «هوغتن ملفن» 1992 وهي عبارة عن مغامرة ملحمية تدور حول القتال في سبيل منع صيد الأفيال في براري بوتسوانا وزامبيا. ومما قالته ديليا في التقديم لها: «كنت بحاجة دوماً إلى تذكر الأخاديد المطوية في جلد الفيل وعينه اللامعة الرطبة التي تعكس شروق الشمس، وبالتأكيد هذا لن يحدث لي مرة أخرى، الذاكرة تستمر مدى الحياة ولن أنسى الطريقة التي بها شعرت لأول وهلة أني أستطيع أن أرى كل شيء بوضوح… في وادي الخداع والجفاف ونهر متحجر جاف في صحراء كالاهاري في بوتسوانا. أريد أن أهمس بشيء ما، ولكن ماذا أقول؟ عين الفيل هي عين العاصفة».
والرواية الثالثة هي «أسرار السافانا» 2006 وهي رواية درامية تسرد مذكرات الكاتبين في العيش في براري أفريقيا ووادي لونغوا شمال زامبيا منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، وفيها يجد القارئ أسرار القتال من أجل إنقاذ الفيلة من الصيد.
ونأمل أن تتاح ترجمة هذه الروايات الثلاث إلى العربية، ومؤخراً كتبت ديليا أونس روايتها «حين تغني السلطعونات» (where the crawdads sing) لوحدها وصدرت بطبعتها الإنجليزية عام 2018. والمبهر أنها احتلت الرقم واحد في قائمة «البيست سيلر» متجاوزة 4 ملايين نسخة ورقية، وهو ما لم تنله الروايات الثلاث المشتركة في كتابتها مع زوجها.
ويبدو أن تجارب الكتابة المشتركة قد تعمل على إنضاج أسلوب الكاتب وربما العكس؛ أي أن الكتابة المشتركة قد لا تسمح له بإظهار مواهبه الفردية. وهكذا بدت قدرات ديليا في الكتابة بمفردها واضحة كما ظهر تأثرها بأسلوب الروائية آن رادكليف التي كانت لها طاقة خيال هائلة في توظيف المناظر الطبيعية الخلابة، بشخصيات وحوارات وأحداث، مصعِّدة الحبكة تصعيداً دراماتيكياً. وكذلك وضح تأثر ديليا بالكاتبة الدنماركية كارين بلكسين 1885 – 1962 التي كانت تكتب باسم مستعار، هو إسحق دينسين. وتتميز قصصها بالإتقان في دمج الواقع بالحلم مع الميل إلى السرد التقليدي الخيالي. وقد أثنى همنغواي وآرثر ملير وغيرهما على أسلوبها القصصي.
ولها مجموعة قصصية عنوانها «سبع حكايات قوطية» 1932، ثم تلتها روايتها الأولى «خارج أفريقيا» 1937 التي تُرجمت إلى العربية بعنوان «راحلة من أفريقيا» ونشرها المركز القومي للترجمة بمصر عام 2012، وفيها تخوض بلكسين تجربة مشابهة لتجربة ديليا؛ فقد سافرت إلى أفريقيا مع زوجها برور فينيك عام 1914، وهناك امتلكا مزرعة في كينيا، وحين عادت إلى الدنمارك سجلت سنواتها التي عاشتها في أفريقيا وحبها الغامض لها ولشعبها وذكرياتها وأسلوب حياة الأفريقي البسيط.
وإلى جانب تأثر ديليا بهاتين الكاتبتين، فإنها أتقنت توظيف الواقعية الموضوعية في روايتها هذه، باستعمال تقانة «الإضمار النفسي» التي مكنتها من تجسيد النزعة السلوكية في تصوير العواطف والانفعالات وتفسيرها تفسيراً آلياً، مصورة العلاقة الأمومية بين الإنسان الحاضر الذي تمثله الطفلة كيا kya والطبيعة الغائبة التي تمثلها الأم الراحلة، وقد انفصمت عرى هذه العلاقة وتغرب الإنسان عن إنسانيته وانغمس في حياة العولمة مديراً ظهره للحياة الفطرية معزولاً في بيته وهو ينظر إلى الخارج من خلال تلسكوب.
وإذا كانت بلكسين قد تغنت بأفريقيا وسعتها وكثرة حيواناتها وتنوع نباتاتها وجمال مرتفعاتها ووديانها وتفاصيل الروائح والطعوم والمطر والمناظر الطبيعية مع معلومات جغرافية كثيرة تتعلق بأحوال الطقس والتبدل في الفصول وطبيعة الأرض، فإن ديليا أونس جسدت الطبيعة الأميركية من خلال كيا التي وجدت في الطبيعة أماً رؤوماً تعوضها الوحدة والحرمان وتنقذها من شرور الواقع المعيش وآلامه، في إشارة إلى أن الحياة المعاصرة بانوراما تراجيدية فيها الإنسان المهزوم هو البطل الجديد الذي ليس من سبيل أمامه سوى العودة إلى أحضان الطبيعة.
والرواية تسرد بضمير الشخص الثالث برؤية أحادية تبدأ بعام 1952 وكيا طفلة في الكوخ تواجه الحياة لوحدها حتى جودي الأخ الأكبر غادر هو الآخر من دون وداعها، وتتساءل: لمَ الجميع يغادرون وهي وحدها لا يمكنها أن تفعل شيئاً؟ فتهمس لها الأمواج أنها عقلة المنزل التي ستكسر الصمت. وتسمع أصوات الضفادع فتسليها وتتذكر كيف أن أمها كانت تغني لها أغنيتها فلكلورية «هذه ضفدعتي الصغيرة تذهب إلى السوق».
وتشكل أصوات الأشجار والأنهار والحيوانات فاعلاً سردياً يحاور ذهن كيا همساً، ومع مرور الوقت يصبح الهمس سلوتها التي تمكنها من تخطي أزماتها النفسية وانكساراتها الاجتماعية، بسرد موضوعي بضمير الشخص الثالث مع توظيف للحوارات التي فيها استعملت الكاتبة اللهجة الأميركية المحكية باختصاراتها وإضافاتها.
إن رواية «حين تغني السلطعونات» ليست فقط رواية «البيست سيلر» التي حققت شهرة تسويقية؛ بل الرواية التي أكدت أنّ الواقعية الموضوعية أسلوب ما زال قوياً، فيه لا فرق في تصعيد درامية السرد بين الفواعل السردية العاقلة وغير العاقلة. وهكذا كان المستنقع والضفدع والبحر والمطر والشاطئ بمثابة الملجأ الحامي من تبعات الحرب الأهلية والحربين العالميتين مما عرفته السنوات التي تلت 1952. فكان المستنقع حراً مقدساً يحفظ الأسرار ويوثقها عميقاً في الجينات كأسطورة جميلة تنتقل مع الأجيال.
أخبار ذات صلة
في رثاء لينين الرملي ونيل بيرت
لقد كان الراحل لينين الرملي شخصية متميزة بحق، فهو لم يخفِ ميوله اليسارية منذ أن عرفته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو ما أضفى عليه قدراً كبيراً من الثقافة والفكر الذي يميز هذا التيار. فلن يستطيع المرء أن يكون يسارياً حقيقياً إلا بخلفية ثقافية وفلسفية عميقة، ولكن المنحى الإنساني سيطر عليه بعد ذلك، من خلال كتاباته المسرحية التي استمتعنا بها جميعاً في وطننا العربي، مثل: «وجهة نظر» و«تخاريف» و«بالعربي الفصيح»، خاصة الأخيرة التي انتقد فيها واقعنا العربي بشكل كوميدي راقٍ دفع عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك، لدعوة وزراء الخارجية العرب لمشاهدتها كنوع من التحفيز لدفع التكامل العربي المشترك. وقد استطاع «الرملي» بأكثر من ستين عملاً أن يضع الابتسامة على وجوهنا، ومعها في الوقت نفسه بذرة الفكر والقيم في عقولنا. وهنا تبرز العبقرية، فالقدرة على الجمع بين هاتين الموهبتين تكون من أعقد ما يمكن.
وأذكر جيداً أن آخر لقاء جمعني به كان في «مقهى ريش» الشهير (وسط القاهرة) في مطلع 2013. وكان يبدو عليه الهم الممزوج بالألم الذي نتج عن انفصاله عن توأمه الفني الفنان «محمد صبحي» قبلها بسنوات. وأذكر جيداً أنه كان متشائماً فيما يخص مستقبل المسرح العربي والمصري، بعد تفشي ظاهرة المسرحيات الهابطة، وإسفافها وفقدانها للقيم الإنسانية، مؤكداً أنها ضلت الهدف والرسالة، بل إنه وصفها بأنها «تسعى جاهدة لانتزاع الابتسامة من المشاهد عنوة لثقل ظل كاتبها أو الممثل، أو من خلال الإيحاءات الإباحية المباشرة أو الرمزية». وكان يقول إن المسرح يحتاج إلى دور قوى للدولة لدعمه وانتشاله من ترنحه، ليعود مرة أخرى إلى رسالته القيمية والفنية معاً.
أما الموسيقار الكاتب «نيل بيرت»، فكان أيقونة حقيقية في عالم الموسيقى الغربية، وكأديب أيضاً، فهو من النماذج النادرة -إن لم تكن المعدومة- لجامع الحسنيين؛ أي الموهبة الموسيقية والموهبة الأدبية، في هذا العالم المختلف عنا بثقافته الموسيقية، فهو في الأصل ضابط إيقاع من طراز فريد، صنف على أنه الأفضل في العالم، فله الموهبة العظيمة في قرع الطبول وآلات النقر. وفي قمة مجده، قرر الرجل الاعتزال المؤقت ليتعلم نوعاً جديداً من الإيقاع على أيدي الموسيقار العبقري الأسمر «بادي ريتشي»، للمزج بين أسلوبي عزف. وعندما سُئل عن أسباب هذه الخطوة، أجاب ببلاغة: «وما الإتقان إلا أن يتقن المرء فن التعلم».
وقد تشابه مع «لينين الرملي»، فاعتنق في السابعة عشرة من عمره مبادئ الاشتراكية، خلال وجوده في لندن واختلاطه بالحركة اليسارية البريطانية. ومع الوقت، ترك الرجل جزءاً كبيراً من فكره اليساري، وتوجه نحو الفكر الإنساني-الليبرالي، وهو ما عكسه بهدوء في كتاباته لأغاني فرقته «راش». ورغم ذلك، استطاع الرجل أن يدفع بالفرقة إلى عالم النغمة والكلمة على حد سواء. ولعل من أعظم ما كتبه «بيرت» كان ألبومه الشهير «صور متحركة» عام 1981. ودائماً ما تحضرني هنا عبقريته في وصف ظاهرة معتنقي التطرف الديني بأنهم «مرتاحو الضمير، متيقنون من سمو حقهم، واثقون من أن طرقهم هي الأفضل… أناس تغذوا على الخوف والتضليل ليضربوا ويحرقوا ويقتلوا… الجهل والتعصب والعنف يمشون متعانقي الأيادي».
وبصفته كاتباً ومثقفاً، أصدر «بيرت» ستة أعمال أدبية، أهمها كان روايته «السائق الشبح: رحلات على طريق الاستشفاء» التي يصف فيها بلغة أدبية مرهفة رحلته بالدراجة البخارية لأربعة عشر شهراً لينسى مأساة وفاة ابنته وزوجته قبلها بأشهر قليلة، ويشرح فيها كيف استطاع التغلب على هذا الألم بشكل عميق، فيأخذ القارئ من التعاطف إلى البكاء عطفاً عليه، ثم السعادة لعبوره هذه المرحلة، في رحلة أدبية رائعة.
وقد كتب «بيرت» ألبوماً للفرقة بعنوان «ملائكة أعمال الساعة» سرعان ما تم تحويله على أيدي الكاتب «كيفين أندرسون» لرواية ممتعة للغاية تحمل الاسم نفسه، وتناقش مفهوم التدرجية المطلوبة في المجتمع، مقابل مخاطر الفوضى، في محاولة فكرية لإيجاد التوازن السياسي والثقافي داخل المجتمعات.
إن موهبة أي شاعر أو كاتب أو موسيقار إنما تتمثل في القدرة الفائقة على تحويل المشاعر المرهفة والأفكار إلى كلمات مؤثرة أو ألحان عميقة تغزو أعماقنا فتصل الرسالة وتثبت. وأياً كانت المسافة أو الثقافة أو اللغة التي فرقت بين «الرملي» و«بيرت»، فإنهما ارتبطا بروابط إنسانية وفنية عدة، ولكن الرباط الأخير بينهما كان رباط الحق علينا جميعاً، وهو الموت. ومع ذلك، فستظل عظمتهما في تركتهما الفنية والفكرية والقيمية التي ورثوها لمستقبلي أعمالهم، فيموت الفنان العبقري ويبقي إرثه لنا وفينا وبيننا.