سمير عطا الله:مسدودة طرق الأقوياء
مشكلة القوي في قوته، تماماً مثلما مشكلة الضعيف في ضعفه. للقوي أن يلوّح بقوته فقط، أما إذا استخدمها فلا يعود قادراً على التراجع أو التوقف، لأن تفسير ذلك عند الآخرين هو الضعف. وإذا أكمل زاد ضرره على نفسه وعلى عدوه وكل من وجد نفسه في الطريق أو على جوانبها، من قريب أو بعيد. وبسبب حرب أوكرانيا، طالت طوابير الانتظار في محطات البنزين في لبنان، وأصبح «تفويل» سيارتك في لندن يكلف فوق المائة جنيه إسترليني، وانخفض سعر الجنيه المصري 20 في المائة بسبب التزامات مصر من الحنطة بالدولار.
كل ذلك لأن فلاديمير بوتين لا يقبل لقوته أن تُهان، وأميركا لا تقبل لقوتها أن تخسر حتى دور فزاعة الطيور، ولأن ضعفاء العالم ليس لهم سوى طوابير الخبز يصطفون فيها. ومنذ 24 فبراير (شباط) كل شيء على حاله: مأزق بوتين ومحنة أوكرانيا التي يدكها بوتين على مدار الساعات والأيام كأنه يريد أن يبني بحجارتها سداً عالياً.
أصبحت حرب أوكرانيا في ثلث عام، ثلاث حروب كبرى: حرب موسكو وبلاد الناتو، وحرب الروس والأوكران، وحرب الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية الأميركية، إضافة إلى جداول البؤس التي ترفد نهر الخراب الكبير في بولونيا ورومانيا ومولدوفيا، ومصبات النزاع الأخرى.
وكيف وأين المخرج إذن؟ كيف تقنع الضعيف بالمذلة والقوي بالخسارة؟ تحتاج المسألة إلى أكثر بكثير من مكالمات المسيو ماكرون مع الروسي الجالس قبالته على بعد خمسة أمتار، وإلى أميركا التي تزداد بلبلتها بنفسها في كل قضايا العالم، في ظل رئيس تحيّره كل الأشياء.
عالم مصاب بالحمى. القوة معضلة والضعف مأساة. أميركا مصرّة على إذلال بوتين وحتى إسقاطه، وبوتين يدرك أنه كلما استخدم القوة في الخارج ازدادت قوته في الداخل. أما في الحقيقة فالجميع خاسرون ومتضررون؛ الغاز الروسي، والقمح الأوكراني، والجنيه المصري، والنمو الأوروبي والانكماش الأوروبي، والعملة الصينية. بهذا المعنى، أصبحت الحرب عالمية حقاً، ومستمرة في التدهور بلا توقف نحو مستويات أكثر خطورة وهدراً.
وما من حل: ليس في أن يصبح القوي ضعيفاً، ولا في أن يصبح الضعيف قوياً. والغائب الأكبر هو وسيط قادر ومؤثر. فالوضع الدولي الرديء لا يولّد إلا المزيد من القتل والموت.
سوسن الأبطح:الهروب من الأدب
تحذر جريدة «الغارديان» البريطانية، في تقرير حديث ومشوّق لها، من أن المهرجانات الأدبية الخاصة بالقراءة والكتب واللقاء بالمؤلفين لم تعد تلقى الرواج الكافي، وربما في طريقها إلى الزوال. وينصح التقرير الصحافي المنظمين بأن يسعوا إلى تغيير نظرتهم إلى الجمهور المستهدف، لأن النخب القديمة في طريقها إلى الانقراض، كما حدث للديناصورات. والحال هذه، لا بد من إيجاد السبل الذكية لاجتذاب الشبان، والملونين، والفقراء، ومَن لم يكن الكتاب يعني لهم الكثير من قبل، للإبقاء على تقاليد ثقافية، ضخت النبض في شرايين الفكر والأدب منذ عشرات السنين.
وكنا نظن أن الأزمات الاقتصادية والتحولات المزاجية الكونية تضرب العالم الثالث وحده، وننعى القراء العرب، فإذا بالظاهرة تمتد، وإنْ بقسوة أقل، وبطء أكبر، لتطول بلاد الإنجليز، وأكثر المهرجانات الأدبية شهرة مثل «هاي فستيفال»، فخر الصناعة الثقافية البريطانية، الذي امتدت أنشطته في بلاد الله الواسعة.
فالتراجع يصيب المهرجانات الثلاثة الكبرى في بريطانيا؛ «إدنبرة» و«شلتنهام»، كما «هاي» الذي انطلق بنجاح كبير منذ عام 1988، وجذوره الأولى تمتد إلى الستينات، ورعته كبريات الصحف، ومنها «الغارديان»، التي تطالب بإنقاذه، كما غيره من المهرجانات اليوم، وحتى «بي بي سي» لم تبخل بتشجيعه، واعتبر واحداً من أهم المهرجانات الأدبية والفنية في العالم.
اللافت أن «هاي فستيفال» ليس متجهماً كمعارض الكتب العربية، ففيه الموسيقى والسينما وأنشطة الأطفال الحيوية، وهو منفتح على الثقافات بفعل تجواله في عشرات البلدان. ومع ذلك، الوهج يخمد، والقراء يتقاعسون، ويتضاءلون عما كانوا عليه قبل الوباء وكوارثه.
المحاولات عند الإنجليز، كما في بلاد العرب، لا تهدأ، لقلب المشهد، وإقناع أهل الصدود، بأن ثمة ما يستحق فضولهم في قراءة الأدب. وكما عندنا، هناك من يحاول توزيع الكتب مجاناً، حين يستطيع، تشجيعاً على مقاربة الورق، واستمالة شرائح لم تألف القراءة. ولا يمكنك أن تهمل شهادة غاية في الأهمية للزوجين اللذين ينظمان «مهرجان برايتون للكتاب» المستجد. فهما يشرحان أن كلمة «أدب» باتت تستدعي في ذهن السامع صورة رجل أبيض كبير في السن، يجلس على كرسي مدعوم بجناحين. لهذا يحاول الزوجان، حرصاً منهما على إنجاح مشروعهما للكتاب، استبعاد كلمة «أدب»، كلياً عن اسم التظاهرة، كما من الإعلانات كافة، كي لا يفهم خطأ، أن المهرجان يتوجه لفئة محددة من الناس، كانت تسمى النخبة، ذات يوم، ويبدو أنها أصبحت سيئة السمعة والصورة معاً.
لا قيمة للحديث عن أهمية الأدب، ودوره في تشكيل الوعي، أو شحذ المدارك، أو أن تحاول إقناع أحدهم بسؤاله؛ ماذا لو لم يقرأ الملايين شكسبير، أو تشارلز ديكنز، أو قصائد ويليام ووردزورث؟ فهذا لم يعد مما يشغل جيل يريد أن يحقق النجاحات المهنية بقفزات بهلوانية، ويكسب ما يمكنه من المال بسرعة البرق، وينال أكبر قدر من المتع الحياتية، قبل بلوغ الأربعين. فالبعد الروحاني الإنساني يذبل حتى يكاد يتلاشى. لذلك، فإن كل ما يتمناه المدافعون عن الأدب، وحماته، أن يحافظوا على شيء من إرث يشعرون أنه أمام خطر داهم يتسلل سريعاً.
فشخص مثل إيلون ماسك له سلطة كونية، يقبض على أكثر من 300 مليار دولار، وصاحب أكبر وأشهر شركة سيارات بيئية في العالم، قادر، ليس فقط على التمدد أرضاً، بل على غزو الفضاء، ويعدنا بأخذنا معه، لهو نموذج أكثر لمعاناً ووهجاً من رجل سبعيني يتلقى الطعنات من أجل رواية، مثل سلمان رشدي. ولولا التعاطف الذي لقيه الرجل، بسبب الطريقة الوحشية التي انهال بها مهاجمه بالسكين على جسده الواهن، أمام كاميرات آلاف المحتشدين في تلك الجلسة الشهيرة، لما تذكر أحد «آيات شيطانية» التي غرقت في النسيان، وعادت وطفت على سطح مبيعات «أمازون». ولا غرابة، فيما قالته صاحبة مكتبة لوكالة «أسوشيتد برس» من أن المتعاطفين جاءوا بالجملة يطلبون كتب سلمان رشدي إثر الحادثة، بينما كان البائعون أنفسهم لا يعرفون شيئاً عنه، ولم يسمعوا باسمه من قبل، ما يدلل على أن القراء نسوه. ويرجح أن المعتدي نفسه، نظراً لصغر سنه؛ حيث لم يكن قد ولد بعد يوم صدرت الفتوى بالقتل قبل 34 عاماً، ليس من الجيل الذي ينبش في المكتبات، ويقضم الكتب.
40 سنة مرت، قبل أن تقرر «اليونيسكو»، عقد اجتماعها العالمي الثاني حول «السياسات الثقافية» للحكومات. فهذا موضوع مركب ومعقد، نسبة إلى كوارث أخرى أكثر إلحاحاً، مثل إغلاق المدارس لعامين متتاليين، بسبب «كوفيد»، أو تدمير المعالم الأثرية، ومحو مدن عمرها مئات السنين عن بكرة أبيها. وفي اللقاء الذي سيجمع وزراء الثقافة للدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة، وآلاف الشخصيات ذات الوزن في المجال الثقافي، في مدينة مكسيكو الشهر المقبل، سيكون من الصعب اللحاق بكل الانقلابات التي حدثت، وتصحيح البوصلة.
حين نتحدث عن «الثقافة»، يأتي الأدب في ذيل اللائحة، وليس على رأسها، كما كان الحال قبل 10 سنوات. صارت كل مفردة بحاجة لإعادة تعريف. تغيرت أمزجة الناس، وظروفهم الاقتصادية، ما يستدعي مراجعة شاملة لأنظمة التعليم، ومعنى العدالة المعرفية، والخصوصيات الثقافية، والهوية، حتى حرية التعبير.
وما يعني الوزراء المستعجلين حتماً، كما الجيل الجديد، هو قطف الثمر، وإطلاق الاستثمارات، فيما بات يعرف بـ«الاقتصاد الإبداعي» الذي جلب لبريطانيا 100 مليار دولار عام 2017 وحدها. وهذا لا يعني رعاية الفكر والفلسفة والروايات، إنما الأولوية هي للألعاب والأزياء وتصميم الأثاث، وكل ما يدرّ جنيهات ودولارات، ويسد عجزاً في زمن المحن.
هدى الحسيني:يتحدثون عن حرب يدركون أنها لن تقع!
هناك تفكير في إسرائيل بإنشاء تلفزيون باللغة العربية موجّهة للعالم العربي كله. ويرون أن هذا المشروع سيسمح لهم بأن يؤثروا على وعي الجمهور في الشرق الأوسط وفي كل مكان يتكلمون فيه العربية، وأن ينشروا قصة إسرائيل. ساعد على ذلك الصدام مع «الجهاد الإسلامي» الذي استمر ثلاثة أيام حيث لم تحرك فيه «حماس» ساكناً، وأبعد ما وصل إليه «حزب الله» في تلك الأيام كان بيان إدانة، مع العلم أن تصريحات وخطابات حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» في أيام عاشوراء التي تزامنت مع ما كان يخطط له «الجهاد»، كانت كلها استعداداً لحرب على أبواب لبنان.
لكن وقبل الدخول في موضوعنا اليوم، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر الكناني يوم الاثنين، إن «سلمان رشدي وأنصاره يتحملون مسؤولية ما حدث له».
وأضاف «إن حرية التعبير لا تبرر إهانة سلمان رشدي للدين وإساءة حرماته». هذا إيراني والفتوى التي تدعو إلى قتل رشدي صدرت عن لسان قائد الثورة الإيرانية، ليلغيها لاحقاً الرئيس محمد خاتمي، داعياً إلى عدم تنفيذها. وإن كان السبب الحقيقي لفتوى رشدي كما قال أحدهم ليس التجديف في «آيات شيطانية»، ولكن كاريكاتير الكتاب اللاذع والخاطف الذي يشبه بشكل ملحوظ الخميني، في شخصية «الإمام».
إذا صدقنا جدلاً أن لا علاقة لإيران الدولة وأن هناك من وازن الأمور ووجد أنها لا تناسب الوضع الإيراني الحالي، كيف نصدق أن هذه الدولة وأذرعها لا تدعم الإرهاب أو ستتوقف عن ممارسته عندما يطل علينا جواد حسن نصر الله ليهدد زميلة لنا هي ديما صادق بكلمات ساقطة ويدعو إلى قتلها بعدما علقت على محاولة اغتيال رشدي بنشرها صورة تجمع الخميني وقاسم سليماني وعنوان كتاب «آيات شيطانية». هل نسينا لقمان سليم؟ ألم يجد جواد من يردعه أم أنه أراد أن يؤكد أن «حزب الله» فيلق من فيالق «الحرس الثوري» الإيراني. على كل إن «الحرس الثوري» الإيراني منظمة عالية الاحتراف والطبقية، تأخذ أوامرها من المرشد الأعلى. وعندما تكون متورطة في أي شيء خارج إيران تكون أخذت الموافقة عليها من أعلى مستويات النظام الإيراني. وعندما يعمل «الحرس الثوري» الإيراني، تعمل إيران.
هل سنشهد أنواعاً جديدة من الحروب التي يهدد بها حسن نصر الله؟ بالأمس قال نصر الله إنه يتلقى الأوامر من الله، واليوم يأتي ابنه ليقول لنا إن الخميني وسليماني من المقدسات ومن لا يذكرهما بالخير عقوبته القتل. من يحمي ديما صادق من اثنين توفيا منذ زمن؟ ولماذا صمت نصر الله على تحريض ابنه إذا لم تكن إيران نفسها كلفت ذراعها اللبنانية بالمهمة؟ وهل بقتل ديما صادق الأم والزوجة والصحافية نعطي درساً لإسرائيل بما ينتظرها عندما يقرر نصر الله أن ساعة إبادة إسرائيل قد حانت. ما يهم إن غارت على أسلحته وصواريخه وأسلحة إيران في طرطوس أو أي مكان آخر، فإيران انتظرت حتى الصباح لتقصف التنف حيث الأميركيون. ولكن المهم ألا يستبدل حسن نصر الله بالحرب «الموعودة» على إسرائيل قتل اللبنانيين المعارضين لسياسته ومشاعر ابنه.
على كلٍ، لندخل إلى موضوعنا…
في حلقات تلفزيونية للصحافي محمد حسنين هيكل وكان من أقرب الناس إلى الرئيس جمال عبد الناصر ولفترة قريباً من الرئيس أنور السادات (الذي شارك في اغتياله أيمن الظواهري الذي قُتل قبل نحو أسبوعين في كابل) حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي. يقول هيكل، إن السادات في مباحثاته مع رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن في كامب ديفيد عام 1978، كان يواجه تصلباً إسرائيلياً حاداً في المواقف، وكان الرئيس المصري دائماً يعود إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، ويذكر أنه راهن بكل ما لديه لزيارة القدس فاتحاً الطريق لسلام عربي – إسرائيلي طال انتظاره، ولا بد من إعادة الأرض مقابل هذا. ويكمل هيكل، أنه في إحدى الجلسات بحضور الرئيس الأميركي جيمي كارتر وعند تكرار فكرة السادات هذه، انتفض بيغن وضرب بيده على الطاولة قائلاً: هناك سوء فهم لديك مستر سادات ولدى الكثيرين من العرب. إنكم تفهمون مبدأ الأرض مقابل السلام بأنه على إسرائيل أن تعيد الأرض والعرب يعطون السلام. عليكم أن تعلموا أن إسرائيل لا تستعطي السلام منكم، ويجب أن تدركوا أنها هي من تعطيه ولقاء ذلك تأخذ الأرض. عندها نهض السادات وقال للرئيس الأميركي إنه أمام حائط مسدود، وانسحب بعدها من الاجتماع وانقطع الحوار لمدة ثلاثة أيام ليستكمل لاحقاً بضغط من الرئيس كارتر، وتوصل الطرفان إلى اتفاقية كامب ديفيد الشهيرة التي انسحبت بموجبها إسرائيل من سيناء. وما لا يعلمه الكثيرون أن الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي كان انسحاباً مشروطاً مقيداً لسيادة مصر على هذه الأراضي.
الفكر الإسرائيلي المتكابر في كامب ديفيد بقي كما هو ولم يتغير قيد أنملة، وفي المقابل بقي الممانعون من عامة العرب مقتنعين أنهم ممسكون بورقة السلام التي سيبادلون بها الحقوق الفلسطينية. أما القيادات العربية الممانعة التي أدركت متأخرة مفهوم إسرائيل للحقوق والسلام فلم تصارح شعوبها بالحقيقة وبقت تسعى إلى المفاوضة مع إسرائيل تحت الطاولة لكي تحافظ على مصالحها وتحفظ ماء وجهها. ولقد اختبر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد التعنت والتكابر الإسرائيلي في مؤتمر مدريد عام 1991 الذي رعته الولايات المتحدة وروسيا التي كانت يومها الاتحاد السوفياتي. ويقول دبلوماسي سوري سابق حضر المؤتمر، إن الأسد ممثلاً بفاروق الشرع كان بداية يطلب انسحاباً كاملاً من الجولان، وعندما رد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير بعرض مقابل دعا فيه إلى إنهاء حالة الحرب بلا أي قيد أو شرط، أدرك الأسد أنه لن يتمكن من الحصول حتى على ما يحفظ ماء الوجه، وانبرى إعلامه إلى تظهير أسباب فشل المؤتمر على أنه إصرار الرئيس السوري على السباحة في بحيرة طبريا.
تعلو في الآونة الأخيرة دعوات وأخبار اشتعال حرب مع إسرائيل، ويذهب الإعلام الممانع بعيداً بالوعيد بإزالة الكيان الإسرائيلي عن الوجود، ويصدق العامة هذا الإعلام مثلما يصدق أن ورقة السلام هي بيدهم ويبادلونها باستعادة الحقوق من الإسرائيلي. وقد أعمى بصيرة الشعب الصابر تكرار صراخ حسن نصر الله بقدراته على إلحاق الهزيمة بإسرائيل، وكيف لا وهو مكلف من الله سبحانه وتعالى. نصر الله هذا الذي ينتمي إلى بلد مدمر معطل فقير منهك ساهم حزبه في تهديمه، يقول إنه سينهي دولة لديها 1964 طائرة مقاتلة بينها 50 طائرة شبح، و3230 دبابة، و180 ألف جندي وما يفوق عن نصف المليون جندي احتياط، وشبكة حديدية للتصدي للصواريخ، فبالله كيف سيفعل نصر الله هذا؟! ويستشهد بمثال معركة «أحد» وقوله تعالى «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً»، متناسياً أنه ليس هو برسول الله (أستغفر الله) ولا يوجد في «حزب الله» لا خالد بن الوليد ولا أحد من الصحابة.
حتى لو كررنا ذاتنا، «حزب الله» هو مجرد فرقة في «الحرس الثوري» الإيراني، يأتمر بالقيادة في طهران، والحق يقال بأنه يقوم بالتنفيذ الدقيق للأوامر ويستوحي رغبة المرشد كما يعترف نصر الله. ومن المعروف أن الدولة الإسلامية الإيرانية لا تشن الحروب مباشرهً، بل بواسطة مقاتلي الأذرع وتضحيات شعوب تلك الدول، وإيران تدرك جيداً أن وضع ذراعها الأقوى والأهم، أي «حزب الله»، أصبح دقيقاً جداً ولا قدرة له على تحمل حرب إسرائيلية كما حدث عام 2006؛ فإسرائيل حصّنت نفسها بدفاعات مضادة للصواريخ وأثبتت فاعليتها في الحرب الأخيرة في غزة التي فجّرت في الجو جميع صواريخ «الجهاد» العشوائية، كما تدرك إيران أيضاً أن البيئة الحاضنة للحزب أصبحت جائعة محبطة تقف في طوابير الذل للحصول على الدواء ورغيف الخبز لأطفالها، وهو ما لم يكن سابقاً؛ ولهذا لن تستطيع البيئة الصمود طويلاً وستنقلب على الحزب الذي أوصلها إلى الوضع المأسوي الذي يعاني منه كل اللبنانيين. من هنا سيبقى التهديد بالحرب كلاماً في كلام لا يختلف عن ذلك الذي كان يصدح به أحمد سعيد في إذاعة «صوت العرب» في ستينات القرن الماضي.
من الواضح أن العالم أجمع يمر بظروف صعبة جداً، لا بل غير مسبوقة وعلى كل الصعد؛ مثلا بدأت إيران بالتعاون مع «داعش» لمواجهة «طالبان» في أفغانستان. ما يزعج وإن كان ليس بالمفاجئ، هو أن «الحرس الثوري» الإيراني صار يبحث عن أطفال من الجيل الثاني غير مستقر في الغرب. ويستغل شعور الأطفال الذين نشأوا بعدم اليقين بشأن هويتهم وعلاقتهم بمنزل عائلتهم المتبنى أو منزل أجدادهم.
فعل «داعش» الشيء نفسه، مستغلاً أزمات الهوية والشعور بالانفصام، من خلال منح الشباب الضعفاء والمعرضين للخطر، طريقة لإظهار الأصالة التي شعروا أنهم يفتقرون إليها.
من السهل البحث عن هؤلاء الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي، وتستهدفهم القنوات الإعلامية الإيرانية بشكل روتيني، فـ«الحرس» في حاجة إلى مقاتلين للموت.
لهذا؛ فإن المغامرات والمراهنات والمخاطرات بالشعوب هي عملية انتحارية لا تختلف كثيراً بمحتواها عن قصة القس البروتستانتي الأميركي جيم جونز الذي حصّن نفسه وأتباعه عام 1978 في هيكل بمقاطعة غويان في أميركا الجنوبية وانتحر مع 900 من هؤلاء الأتباع اعتقاداً منهم بأن عملهم سيكون بداية لقيام الساعة.