كانت حياة الأدباء الروس الكبار مأساوية مثل أعمالهم. غلبت على أكثرهم النزعة الانتحارية والاكتئاب والاقتراب من الجنون. ودمّر إدمان القمار حياة كثيرين، أهمهم كبير الروائيين دوستويفسكي، وعظيم الشعراء ألكسندر بوشكين. وتميّزت حياة المشاهير بحياة زوجية سيئة ومريرة، وأشهرها قصة تولستوي وزوجته سونيا، وقد توفي في الثالثة والثمانين وهو هارب منها. أما بوشكين فقد قتل في مبارزة مع نبيل فرنسي وهو في السابعة والثلاثين من العمر، لأن الفرنسي أغرم بزوجته نتاليا. وفي هذا العمر القصير أصبح أباً للشعر الروسي وكتب روائع النثر، وقام صديقه الشاعر ليرمنتوف بتقليده في كل شيء، حتى الموت في مبارزة.
تشابهت حياة أولئك العباقرة: الأمراض النفسية والجسدية والفقر والشقاء والسجون والخلافات مع القيصر. وأكثر التشابه كان في إحراق كتبهم ومخطوطاتهم التي أنقذت لتصبح كنز الأدب الروسي. ومن أبرز «الحراقين» ميخائيل بولغاكوف، صاحب التحفة الرائعة «المعلم ومارغريتا»، ونيكولاي غوغول الذي أصيب بانهيار عصبي توفي على إثره بعد عامين، بعدما حفر مكانته إلى جانب بوشكين وأنطون تشكوف وسائر العمالقة. ولئن كان بوشكين كبير العمالقة في الشعر والنثر، فإنه كان قصير القامة ولا حظ له من الوسامة. وكانت نتاليا أقصر منه بعشرة سنتمترات، ولذا كان يتحاشى الظهور إلى جانبها. وهو أيضاً أحرق بعض أعماله عمداً، وخصوصاً منها ما يتعرض للقيصر، بعدما تمت المصالحة بينهما. ومن أحدث الحرّاقين فلاديمير نابوكوف صاحب «لوليتا»، وقد منعته زوجته من تكرار ذلك، كلما شعر أنه غير راضٍ عن عمل من أعماله.
باستثناء أبو حيان التوحيدي، الذي أحرق كل أعماله بسبب قنوطه من البشر والفقر، فإن هذه الظاهرة لم تنتشر بين الأدباء العرب. فالأديب العربي لا يمكن أن يشكك في نص من نصوصه، أو أن يعيد النظر فيه. وهو يكتفي من النقد بمهاجمة سواه وهجاء أعمالهم. ومنذ الجاهلية إلى اليوم، تطرب العامة إلى الحطيئيات وتصفق لخطب الشتم، وتتفاعل معها كما يتفاعل المدمن مع المخدر.
لم يحرق تولستوي، فيلسوف الأدب الروسي، رائعتيه «الحرب والسلم» و«أنا كارنينا»، لكنه أعلن ندمه على إصدارهما، فيما الأدب العالمي يغبط الروس عليهما، وعلى كل ما أحرق.