في غضون يومين، خلت أرفف كبريات المتاجر الفرنسية والصيدليات من السوائل المطهرة والمنظفات الكيمياوية. والسبب هوس الناس بغسل الأيدي، حسب توصيات الجهات الصحية، وتعقيم الخضار والفاكهة، ومسح مقابض الأبواب وأزرار المصاعد، وأجهزة سحب العملة من المصارف. وللتعويض عن غياب المطهرات، التفت الفرنسيون إلى «السبيرتو»، والسوائل المحتوية على الكحول، ومنها أنواع ماء الكولونيا، الذي كان قد انزوى في خزائن النسيان.
اليوم، يتذكر كبار السن أن ماء «الكولونيا» كان من بين العطريات التي تعتبر فخر الصناعة الفرنسية. كما كان تصديره إلى أنحاء العالم يعود بمبالغ كبيرة توازي ما تدره عطور «ديور» و«شانيل» اليوم. إن أنواع ماء الكولونيا تتوفر في متاجر الأطعمة واللوازم المنزلية بأسعار زهيدة مقارنة بالعطور الباريسية الشهيرة، التي أغلقت دكاكين بيعها الأنيقة، ولا يمكن العثور عليها في «السوبر ماركت». لهذا، بدأت الأجيال الجديدة من الفرنسيين تتساءل عن ماء الكولونيا، وتبحث عن تاريخ صناعته. وبهذه المناسبة، أعادت صحيفة «الفيغارو» العريقة نشر مقال قديم لها يعود إلى عام 1895، يروي الخطوات الأولى من ذلك السائل الذي بدأ نخبوياً قبل أن يتحول إلى عطر شعبي.
يشير المقال إلى أن جان ماري فارينا هو من ابتكر ماء الكولونيا. وقد قام بتصنيعه بخلط خلاصات عطرية طبيعية من عشبة البيرغاموت، مع قليل من الكحول. وكان الهدف من صناعته صحياً تعقيم اليدين، وليس لتعطير الجسم. ومن غريب المفارقات أن وكالة الصحافة الفرنسية نشرت، مؤخراً، تقريراً يشير إلى عودة الأتراك لاستخدام الكولونيا في التعقيم تجنباً لانتشار فيروس «كوفيد 19». ونتيجة ذلك تخاطف المواطنون القناني، واختفى السائل العطري من أسواق تركيا، وسارع المنتجون إلى زيادة الإنتاج لتلبية الطلب، باعتبار الكولونيا بديلاً للرغوة الطبية المطهرة للأيدي.
يعود اختراع هذا العطر إلى عام 1709، وهو ينسب إلى جان ماري فارينا، العطار الذي جاء من إيطاليا في بدايات القرن الثامن عشر، ليستقر في مدينة كولونيا الفرنسية. وفي تلك المدينة التابعة للإمبراطورية، راح يبيع ما سمّاه «الماء المرموق». فهل يكون فارينا هو أبو الكولونيا، أم أنه استفاد من وصفة تعود لزميل إيطالي هو جيوفاني باولو فيميني؟ سرعان ما انتشر السائل الجديد بين الناس، وصار اسمه «ماء كولونيا»، وهو عطر خفيف ومنشّط حفّز العطارين الآخرين على تقليده.