لا شأن لي بالأحلام ولا بتفاسيرها. وحتى بما قال أهل العلم عنها. وبعضها يلاحقني منذ سنين متكرراً، ويزول كما ظهر في ذوبان الليالي، بلا معنى ولا أثر. وأفيق معكّر النهار امتداداً لثقل الليل. وتبين لي بعد كل هذا التوالي وهوام الليالي، أن الأحلام في أكثرها ضيوف ثقيلة على هامش الحياة، وإنها حياة لا تحيا. كل ليلة أنام وأنا أتمنى رؤية أمي في الحلم، وسوف يكون ذلك أغلى أحلام الحياة. ولم أرها مرة. لكنني أشاهد باستمرار أناساً لا يعنون لي شيئاً، أو وجوهاً لا أعرفها أو مدناً لم أمرّ بها.
والأبراج عندي مثل الأحلام. ولم أحاول مرة أن أقرأ ماذا سيحصل إذا تلاقى الجوزاء بالمشتري. أو إذا خرج الدلو قليلاً عن مساره. والدلو هو السطل. وسطل سطلاً فهو مسطول. وقد أقلقتني جداً اكتشافات مسبار «جيمس ويب» الذي التقط صوراً مدهشة للمزيد من الكواكب والنجوم والمجرات، بينما لا تزال أبراج الحظوظ في الصحف هي نفسها. ولا نزال عند ما أطلعنا عليه أبو معشر الفلكي في علاقة عطارد بالزهرة، وعلاقة الاثنين بالنحس، وبالزواج المخفق، والزواج الموفق. الحقيقة أنني في حيرة من أمري هذه الأيام بصورة خاصة: أيهما يجب أن أتابع، مناسبة مرور نصف قرن على نزول أول إنسان على سطح القمر، أو علوم الأخ أبو معشر وحكاية حمزة البلهوان؟
اختار الأسبقون أسماء مثيرة للخيال للأبراج التي كانوا يظنونها قريبة منا، وهي على مسافة مليار سنة، تقريباً. ولست أحبّ أن أحمِّل ضميري أكثر مما يحتمل. فقد تكون المسافة ملياراً ومليونين. المؤكد أن أجواءنا مكتظة بالسباقات: الأسد والثور والحوت. سقى الله أيام كان الإنسان يختار أسماء الكون من مخيلته القروية. ويصبح كل شيء استناداً إلى معارف الراوي وما تجمع لديه عن برج العقرب ونذالته وتكاثر أشباهه بين الذين لا تحب. فكم من امرأة سميت عقربة، لأن لدغتَها لئيمة وغدرَها خناجر. وإلى العقرب كان السرطان. أي عقرب الماء. وللبرّي والمائي شكل خسيس وسمعة كريهة. اللهم أبعد عنا كل خساسة، خصوصاً «البشري منها». وأبعدها عن أبراجنا. وإننا نرحب أشد الترحيب برحلات «جيمس ويب» في فضاءات هذا الكون. وتهانينا الخالصة على قدرته التصويرية. تكاد تقول مهارة أرمنية
كان لافتاً التصريح الموفق من قبل رئاسة أمن الدولة في السعودية، في تحذيرها الصارم تجاه أي محاولات لـ«تسييس» الحج، مشددة على أن أمن الحجاج «خطٌّ أحمر» لن يُسمح بتجاوزه، وفق ما جاء في مؤتمر صحافي يوم الجمعة الماضي.
وفي السياق، أكد قائد قوات الطوارئ الخاصة برئاسة أمن الدولة، اللواء ركن محمد العمري: «بخصوص السؤال فيما لو حصل تسييس أثناء فترة الحج: نتعامل مع الحجاج كضيوف رحمن على مستوى واحد. لا فرق بين مواطن ومقيم ووافدين من الخارج، هؤلاء هم ضيوف الرحمن ونحن نحملهم على كفوف الراحة». وقال مشدداً: «لكن متى ما تيقنَّا أو توافرت معلومات عمن يريد الإخلال بالحج، ثق تماماً أن القطاعات في رئاسة أمن الدولة له بالمرصاد». وحسب عبارته فإن «أمن الحج خطٌّ أحمر، لن نرضى الوصول إليه؛ بل قبل الوصول إليه»، في إشارة إلى منع أي شخص من «تسييس» مناسك الحج.
هذا التحذير لا يستهدف دولة بعينها، فالخطاب موجه إلى جميع الحجاج من الداخل والخارج، وهو مستند إلى أصل عظيم من أصول الإسلام في مقاربته لآداب وواجبات هذه الشعيرة، والركن الخامس من أركان الإسلام، والوارد في القرآن الكريم بصريح العبارة: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج». وقد ورد في التفاسير المبكرة بالمأثور عن عبد الله بن عمر، توضيح لمعنى الجدال الوارد في الآية الكريمة بالخصومات، فالحج والمشاعر أكثر تجسيد للوحدة والتجانس ونبذ التمايز والاختلاف على كل المستويات، من توحيد اللباس، إلى الأداء الجماعي المتجانس، إلى التركيز على الجانب الروحي والنسك، وذوبان الفروقات في وحدة وتوحيد لله تعالى، يعكس أهم خصائص المقاصد الكبرى للحج.
خلال المواسم السابقة، وتحديداً منذ حملات الاستهداف للمملكة في موسم الحج، ووصولاً إلى التحدي الكبير في أزمة «كورونا»، أدرك الجميع أن النجاحات العريضة لإدارة موسم الحج في كل سنة كانت الرد السعودي العملي على كل التخرصات حول ملف تسييس الحج والمواسم الدينية، الذي بات من الملفات الموسمية التي يعاد تدويرها في المسلسل الرخيص لاستهداف المملكة، واللعب على مسألة السيادة والأوزان السياسية الكبرى لدولة لا يمكن استهدافها إلا من خلال التشغيب، ومحاولة الانتقاص من صدارتها في قيادة العالم الإسلامي.
شرف خدمة الحجيج جزء من الهوية الدينية والسياسية لهذه البلاد؛ كان القرار في غاية الذكاء السياسي والاعتدال الديني؛ حيث تم تقديم الآخر على الذات، برفع نسبة الحجيج من غير السعوديين بسبب محدودية الأعداد، ورفع مستوى التنظيم إلى الشكل الذي رآه الجميع على محطات التلفزة، من دون مواربة أو إخفاء في عالم «الميديا» والإشاعات والتصيد. وكان المشهد رغم كل التحديات يبعث على الفخر بهذه المهمة التي وصفها خادم الحرمين الشريفين، في لقاء قديم له مع العلماء في الجامعة الإسلامية، بأنها أهم ما توليه القيادة السعودية الاهتمام، كونه شرفاً ومنحة إلهية أن مكنها الله من خدمة الحجيج.
ما يدركه السعوديون اليوم، قبل غيرهم، أننا نعيش في السعودية الجديدة، مملكة العناية بالتفاصيل الصغيرة لتجاوز التحديات الكبرى، فالأمر لا يقتصر على موسم الحج؛ بل يمتد إلى ملفات شائكة وقضايا بالغة التعقيد، من مكافحة الفساد إلى مشروعات عملاقة إلى تمكين المرأة، وصولاً إلى إعادة تعريف للكسب وحياة الرفاه، والاهتمام بالثقافة والفن، والعودة بمجتمع تغيَّب عن أسلوب حياة عصرية لعقود كانت -حسب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- استثناء لا يعكس الصورة التي يجب أن تكون عليها السعودية الجديدة التي تهيمن الدماء الشابة على النسبة الأكبر من وقودها في قطار المستقبل السريع الذي لا يحتمل الانتظار.
الاعتدال الفكري والتسامح الديني في الرؤية السعودية الجديدة ليسا خياراً أو مجرد شعارات دعائية أو رسائل للخارج؛ بل مطلب ملح لمنع العوائق ضد مشروعات التنمية الآتية التي تتطلب تحرير الفرد السعودي من قائمة طويلة من الملفات العالقة في التشابك الديني السياسي والاقتصادي في خطابنا المعاصر، التي لا تخرج عن كونها موضع اجتهاد يقابله اجتهاد مثله.
يجب عدم التردد في ضرورة إعادة النظر والتمييز بين «النص» وبين «فهم النص» الذي يمارسه الفقهاء عبر الاستنباط، وهو أداة بشرية قابلة لنسبة الصواب والخطأ. بعبارة أخرى: يجب التفريق بين الدليل والاستدلال، كما في التعبير الأصولي كان واضحاً وجلياً منذ فجر الإسلام؛ حيث رتبت الشريعة الأجر للمخطئ الساعي للوصول إلى الحقيقة الدينية باجتهاده البشري، وكان واضحاً في تناول الفقهاء الكبار الذين تحولت معهم آلية الاجتهاد التي كانت تمارس بشكل شخصي مباشر إلى نظريات مقننة تم انتزاعها من عموميات النصوص الشرعية ودلالات اللسان العربي. والتراث الإسلامي طافح بكثير من الشواهد والأمثلة على التفريق الواضح لدى الفقهاء الأوائل بين رأيهم واجتهادهم الشرعي وبين القرآن والسنة؛ بل نشأت آليات مستقلة لإدارة هذا الخلاف على فهم النصوص، وكانت هذه الآليات -على الأقل على مستوى النظرية- تمثل نموذجاً رائعاً للتعددية المتسامحة في التمثيل الديني، قبل أن تتحول بفعل الجمود والصراعات على النفوذ الرسمي للسلطة الدينية إلى مشكلات عميقة أدت في النهاية إلى توقف عملية الاجتهاد