عضو في “أوبك” وغنية بالذهب واليورانيوم.. هذا ما نعرفه عن الغابون والدور الفرنسي فيها
تشهد الغابون، الدولة الإفريقية غرب وسط القارة، انقلاباً عسكرياً بدأ الأربعاء 30 أغسطس/آب 2023، بعد إعلان عسكريين من الشرطة والحرس الرئاسي والجيش إلغاء نتائج الانتخابات وحل “كل مؤسسات الجمهورية” و”إنهاء النظام القائم”.
جاء الانقلاب بُعيد نشر النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التي جرت السبت 26 أغسطس/آب 2023، وأظهرت إعادة انتخاب الرئيس علي بونغو أوديمبا الذي يحكم البلاد منذ 14 عاماً، لولاية ثالثة بحصوله على 64,27% من الأصوات.
دولة عضو في أوبك
ولدولة الغابون أهمية كبيرة في القارة الإفريقية، فهي غنية بالنفط والذهب واليورانيوم.
وهي تعد كذلك عضواً في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، ورابع أكبر منتج للنفط في إفريقيا جنوب الصحراء.
وفقاً لبيانات منظمة أوبك، فإن الغابون أصبحت عضواً كامل العضوية في “أوبك” عام 1975، لكنها أنهت عضويتها عام 1995.
وانضمت مرة أخرى إلى المنظمة في 1 يوليو/تموز 2016.
تنتج البلاد نحو 181 ألف برميل من النفط يومياً، ولديها احتياطيات نفطية تقدَر بملياري برميل.
في عام 2020، شكّل قطاع النفط 38.5% من الناتج المحلي الإجمالي، و70.5% من الصادرات، على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد.
غنية بالموارد
وبالإضافة إلى النفط والذهب، فإن الغابون أيضا تمتلك وفرة من المواد الأولية، مثل المغنيسيوم.
وفقاً للبنك الدولي، فإن هذا البلد الإفريقي حقق نمواً اقتصادياً قوياً خلال العقد الماضي، مدفوعاً بشكل رئيسي بإنتاج النفط والمغنيسيوم.
وتعد البلاد صاحبة أعلى معدل دخل للفرد في إفريقيا بفضل ثرواتها في النفط والذهب واليورانيوم والمغنيسيوم.
أما عن عملتها، فإن هذه الدولة تتعامل بالفرنك الإفريقي، ولها شراكات تجارية مع الولايات المتحدة والصين وروسيا بالنسبة للصادرات، بينما تأتي أغلب الواردات من فرنسا.
وهذا البلد الإفريقي، واحد من أكبر منتجي اليورانيوم في العالم. ولديه احتياطيات كبيرة من خام اليورانيوم عالي الجودة.
بدأ إنتاج اليورانيوم في الغابون في أوائل عام 2000، ومنذ ذلك الحين نما ليصبح جزءاً مهما من الاقتصاد. وتمثل صادرات اليورانيوم حوالي 20% من إجمالي عائدات التصدير في هذه البلاد.
ويتم تصدير غالبية اليورانيوم في الغابون إلى فرنسا والصين.
آخر محاولة انقلابية في الغابون
وقعت آخر محاولة انقلاب في هذا البلد، في 7 يناير/كانون الثاني 2019، عندما نجحت مجموعة من ضباط الجيش الغابوني في السيطرة على مبنى الإذاعة الوطنية، ومنعوا إذاعة كلمة الرئيس علي بونغو أونديمبا بمناسبة العام الجديد.
لكن ألقي القبض على الضباط المتورطين، وأعلنت الحكومة فشل محاولة الانقلاب.
الجغرافيا والديموغرافيا للغابون
يقدر عدد سكان الغابون بـ 2.3 مليون نسمة، وتتحدث الفرنسية.
أما موقعها، فهي غرب وسط إفريقيا، يحدها خليج غينيا إلى الغرب وغينيا الاستوائية إلى الشمال الغربي، والكاميرون إلى الشمال، والكونغو من الشرق والجنوب.
وتعد ليبرفيل عاصمتها وأكبر مدنها.
الغابون تاريخياً ودور فرنسا
تعود تسمية هذا البلد إلى اسم البرتغالي “غاباو”، وهو أول أوروبي وصل للغابون كملاح برتغالي يدعى دييغو غاباو، في القرن الخامس عشر.
أصبح هذا البلد أحد 4 أقاليم في إفريقيا الاستوائية الفرنسية في عام 1910، وهو اتحاد دام حتى عام 1959.
بعد ذلك نالت استقلالها في 17 أغسطس/آب 1960.
كانت المصالح الفرنسية عنصراً حاسماً في تحديد مستقبل الزعامة في الغابون بعد الاستقلال، وانتخب على إثر ذلك “ليون إمبا” أول رئيس للغابون في عام 1961، الذي عرف بعلاقته القوية مع فرنسا.
تدفقت الأموال الفرنسية في الحملة الانتخابية الناجحة لإمبا، ثم حاول انقلاب عسكري الإطاحة به، لكن فرنسا تصدت بنفسها له 1964.
تسلم السلطة بعدها والد الرئيس الحالي، الحاج عمر بونغو أونديمبا، في الفترة من 1967 حتى وفاته يونيو/حزيران 2009، وكان قد أعيد انتخابه 3 فترات متتالية مدة كل منها سبع سنوات.
وانتخب ابنه في 3 سبتمبر/أيلول 2009 عمر بونغو (علي بونغو) رئيساً للبلاد.
وينتمي بونغو إلى أسرة تحكم هذا البلد منذ نحو 55 عامًا في إطار نظام توريث، وهو ما لم تعد تقبله الأجيال الجديدة في البلاد، بحسب تقارير إعلامية.
ويعتقد متابعون للشأن الإفريقي، أن الانقلاب كان معدًا له مسبقا، خاصة أن فوز بونغو كان متوقعًا، وأن التعامل مع انقلاب النيجر شجّع عليه، إذ لم يستطع أحد أن يغيّر موقف المجلس العسكري الانقلابي رغم تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” بالتدخل العسكري لإعادة النظام الدستوري برئاسة محمد بازوم المحتجز منذ 26 يوليو/تموز 2023.
وكانت الغابون قد شهدت تعديلاً دستورياً تمكن بونغو بموجبه من الترشح لفترة رئاسية ثالثة، وهو ما أثار معارضة الرأي العام في بلاده واعتبره “تلاعبًا” بالدستور للاستحواذ على السلطة.
كما أن الوضع الاقتصادي المتردي في الغابون في ظل حكم بونغو زاد من معارضيه خاصةً وسط فئة الشبّان، مع امتعاض واسع من الفساد في الطبقة الحاكمة.
نفط وذهب ويورانيوم وغابات وحديد وقصور باريسية غابونيه
“طائرات رئاسية وقصور فخمة في باريس”، هذا جزء من ثروات أسرة علي بونغو، رئيس الغابون، البلد الذي يعد من أغنى دول إفريقيا بل هي إحدى أكثر دول العالم ثراءً من حيث التنوع البيولوجي، هكذا توصف الغابون التي تعدها الدوائر الحاكمة في الغرب قصة ناجحة برعاية فرنسية، بينما يعتبرها كثير من النقاد نموذجاً للنهب الفج الذي جرى تحت رعاية باريس.
والغابون دولة تقع في غرب وسط إفريقيا، وهي غنية بالموارد الطبيعية، وتوصف أحياناً بكويت إفريقيا، وهي مستعمرة فرنسية ويعد رئيسها علي بونغو من أهم حلفاء باريس التي لديها وجود عسكري في الغابون، ويقدر معهد أبحاث الدفاع السويدي أن هناك 350 قاعدة ومنشأة فرنسية في الغابون، واللغة الرسمية هي الفرنسية.
وتراجعت أسهم ثلاث شركات فرنسية كبرى بشكل كبير في بورصة باريس، الأربعاء، في أعقاب الانقلاب العسكري في الغابون، حيث كانت تعمل.
وتقع الغابون على المحيط الأطلسي، وتحدها الكاميرون وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو. وهي ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يبلغ عدد سكانها 2.3 مليون نسمة (2021) وتغطي الغابات 88% من أراضيها.
وهي رابع أكبر منتج للنفط في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، حسب تقرير للبنك الدولي، وهي واحدة من أكبر منتجي المنغنيز في العالم، كما يتم استغلال ومعالجة اليورانيوم بها منذ عام 1961. إضافة إلى استخراج الألماس والذهب أيضاً، وهناك احتياطيات من خام الحديد عالي الجودة، حسب موسوعة Britannica.
كما أن الأخشاب أصبحت في الآونة الأخيرة القطاع الأكثر أهمية من وجهة النظر الاقتصادية في الغابون، حيث توفر فرص عمل لما يصل إلى 28٪ من سكان الغابون، وهي حقيقة تعكس توافر القوى العاملة الوفيرة للمشاريع المستقبلية.
فساد وتحديث ونفط.. أمريكا تصفها بالدولة الإفريقية المستقرة
ووصف موقع وزارة الخارجية الأمريكية الغابون بأنها دولة مستقرة تاريخياً وتقع في منطقة مضطربة من العالم.
تتمتع الغابون بواحد من أعلى معدلات سكنى المدن في إفريقيا؛ حيث يعيش أكثر من أربعة من كل خمسة مواطنين غابونيين في المدن. وتعد ليبرفيل وبورت جنتيل موطناً لـ 59٪ من سكان البلاد.
منذ أواخر الستينيات، جلبت عائدات النفط لحكومة الغابون دخلاً غير مسبوق، والذي استخدمته لبناء البنية التحتية وتمويل التوسع في خدمات التعليم والصحة؛ ومع ذلك، أدى الفساد المستشري بين المسؤولين الحكوميين إلى الحد من تأثير هذه المكاسب غير المتوقعة. وتضاعفت الميزانيات الوطنية 15 مرة بين أواخر الستينيات وأواخر السبعينيات، عندما أصبح النفط يمثل 70% من صادرات البلاد. وعلى الرغم من تقلب الأسعار وما يترتب على ذلك من انخفاض في الإنتاج، إلا أن إيرادات النفط لا تزال تشكل غالبية الميزانيات الوطنية.
ونتيجة للجهود المبذولة للحد من الانبعاثات والحفاظ على غاباتها المطيرة الشاسعة، أصبحت الغابون ممتصاً صافياً للكربون ورائدة في مبادرات صافي الانبعاثات الصفرية. لدى الغابون نظام بيئي غني مع مساحات واسعة من الأراضي الخصبة والموارد الساحلية ومصائد الأسماك. ومع ذلك، وعلى الرغم من إمكاناتها الاقتصادية، فإن البلاد تكافح من أجل ترجمة ثروتها من الموارد إلى نمو مستدام وشامل.
عائلة بونغو تسيطر على الحكم منذ نصف قرن
في عام 1910، أصبحت الغابون إحدى أراضي إفريقيا الاستوائية الفرنسية، أصبحت الغابون جمهورية مستقلة ضمن ما عرف بالكوميونة الفرنسية لمستعمراتها في إفريقيا، وفي 17 أغسطس/آب 1960، أصبحت مستقلة تماماً.
أول رئيس للغابون، انتخب عام 1961، كان ليون مبا، مع عمر بونغو أونديمبا نائباً له. بعد وصول إمبا إلى السلطة، تم قمع الصحافة، وحل البرلمان وأسس حكم الحزب الواحد، وعندما سعى انقلاب عسكري إلى الإطاحة به من السلطة واستعادة الديمقراطية البرلمانية، أعادت قوات المظليين الفرنسيين في غضون 24 ساعة إمبا إلى السلطة.
عندما توفي إمبا في عام 1967، حل محله بونغو كرئيس. في مارس/آذار 1968، أعلن بونغو الغابون دولة الحزب الواحد وأنشأ حزباً جديداً هو الحزب الديمقراطي الغابوني (PDG).
ساد نظام حكم الحزب الواحد حتى عام 1993. وفي ذلك العام، تم اعتماد نظام سياسي متعدد الأحزاب، مما أدى إلى انتخابات مفتوحة وتشكيل حكومة ائتلافية ذات قاعدة واسعة. ومع ذلك، حتى يومنا هذا، يهيمن الحزب الديمقراطي الغابوني الحاكم على الساحة السياسية، ولم يُترجم نظام التعددية الحزبية إلى نظام حقيقي للضوابط والتوازنات مع مشاركة حقيقية للمجتمع المدني، إذ سيطر الحزب الديمقراطي الغابوني.
خلف الرئيس علي بونغو أونديمبا والده عمر بونغو أونديمبا في عام 2009 وأعيد انتخابه في أغسطس/آب 2016 في انتخابات مثيرة للجدل للغاية تميزت بنسبة إقبال منخفضة (59٪).
الانتخابات الرئاسية التي أجريت السبت الماضي تمت بناء على تفاهمات سابقة مع المعارضة لضمان نزاهتها، ولكن الانتخابات شهدت اتهامات من التزوير من قبل المعارضة وقيام الحكومة بحظر وسائل إعلام غربية وقطع الإنترنت، ثم قع الإنقلاب بعد إعلان لجنة انتخابات فوز الرئيس علي بونغو لولاية ثالثة لتستمر عائلته في السلطة أكثر من نصف قرن؛ حيث إنه خلف والده عمر بونغو في السلطة عام 2009.
والمسيحية هي الديانة الأكثر انتشاراً، حيث يمثل المسيحيون ما يقرب من 79٪ من السكان (53٪ كاثوليك) يمثلون إحدى الطوائف المسيحية؛ و10% يمارسون الإسلام، أما الباقون فيمارسون ديانات أخرى.
تضم الغابون ما لا يقل عن 40 مجموعة عرقية، بما في ذلك فانغ، ومييني، وبونو إيشيرا، ونزيبي أدوما، وتيكي مبيتي، وميمبي، وكوتا، وأكيلي. هناك شعوب أصيلة من الأقزام: البونغو، والباكا، يعيش أكثر من 10.000 فرنسي أصلي في الغابون، بما في ذلك ما يقدر بنحو 2.000 مواطن مزدوج الجنسية.
“كويت إفريقيا”
توصف الغابون أحياناً بكويت إفريقيا؛ لأنها من أكبر وأقدم منتجي النفط في القارة، فضلاً عن قلة عدد سكانها، ولكن رغم أنها على عكس الكويت لديها موارد أخرى كثيرة غير النفط، لم تحقق ثراء الكويت وليس لديها ديمقراطية برلمانية مشهود لها بنزاهة انتخاباتها.
بفضل النفط والاستثمار الأجنبي الخاص، تحتل البلاد المرتبة الرابعة من حيث مؤشر التنمية البشرية في إفريقيا (بعد موريشيوس وسيشيل وجنوب إفريقيا) وخامس أعلى مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا كلها (بعد سيشيل وموريشيوس، وغينيا الاستوائية، وبوتسوانا).
تشكل عائدات النفط ما يقرب من 46% من ميزانية الحكومة، و43% من الناتج المحلي الإجمالي، و81% من الصادرات. انخفض إنتاج النفط من أعلى نقطة له وهي 370.000 برميل يومياً في عام 1997. وتشير بعض التقديرات إلى أنه سيتم استهلاك النفط الغابوني بحلول عام 2025. وقد بدأ التخطيط لسيناريو ما بعد النفط.
انتقدت بعثات صندوق النقد الدولي المتعاقبة حكومةَ الغابون بسبب الإفراط في الإنفاق على بنود خارج الميزانية (في السنوات الجيدة والسيئة)، والإفراط في الاقتراض من البنك المركزي، والتأخير في الجدول الزمني للخصخصة والإصلاح الإداري.
وفي سبتمبر/أيلول 2005، أبرمت الغابون بنجاح اتفاق الاستعداد الائتماني لمدة 15 شهراً مع صندوق النقد الدولي. تمت الموافقة على اتفاق الاستعداد الائتماني لمدة ثلاث سنوات مع صندوق النقد الدولي في مايو/أيار 2007. وبسبب الأزمة المالية والتطورات الاجتماعية المحيطة بوفاة الرئيس عمر بونغو والانتخابات، لم تتمكن الغابون من تحقيق أهدافها الاقتصادية بموجب اتفاق الاستعداد الائتماني بين عامَي 2007 و2009.
أعطت عائدات النفط في الغابون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 8600 دولار. لكن “التوزيع المنحرف للدخل” و”المؤشرات الاجتماعية الضعيفة” أمران “واضحان”، حيث يحصل أغنى 20% من السكان على أكثر من 90% من الدخل بينما يعيش حوالي ثلث سكان الغابون في فقر.
قبل اكتشاف النفط، كان قطع الأشجار “ركيزة” الاقتصاد الغابوني. ومن ثم، فإن قطع الأشجار واستخراج المنغنيز هما مصدرا الدخل “التاليان الأكثر أهمية”. تشير بعض الاستكشافات إلى وجود أكبر رواسب خام الحديد غير المستغلة في العالم.
وبالنسبة لبعض الذين يعيشون في المناطق الريفية دون الحصول على فرص العمل في الصناعات الاستخراجية، فإن التحويلات المالية من أفراد الأسرة في المناطق الحضرية أو أنشطة الكفاف توفر الدخل.
نصيب الفرد من الدخل لا يختلف عن الدول الإفريقية المحيطة
ولكن على الرغم من الاستقرار السياسي، وقاعدة الموارد الغنية، وقلة عدد السكان، فإن مؤشرات التنمية البشرية متخلفة. ورغم أن نصيب الفرد من الدخل لا يقل عن مستوى الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى، فإن المؤشرات الاجتماعية في الغابون ليست أفضل كثيراً من نظيراتها في بقية إفريقيا.
وارتفعت نسبة الفقر من 27٪ في عام 1995 إلى 33٪ في عام 2005، ويقدر أنها بلغت 37٪ في عام 2010.
وأعرب المراقبون الأجانب والمحليون عن أسفهم لعدم وجود التنوع في الاقتصاد الغابوني.
على الرغم من أن الغابون تتخذ خطوات نحو تحسين مناخها الاستثماري وتحقيق النجاح لكي تكون وجهة أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية، فإنها لا تزال مكاناً صعباً للقيام بالأعمال التجارية والاستثمارات، حسب الخارجية الأمريكية، حيث يتركز نشاط الشركات الأجنبية في البلاد، في الصناعات الاستخراجية.
تغلغل غربي في الاقتصاد
يتمتع اقتصاد الغابون بصلات مع الأسواق الأوروبية والأمريكية أكثر من تلك الموجودة في الدول المجاورة (باستثناء الكاميرون) أو في أي مكان آخر في إفريقيا.
يشترك الاقتصاد في بعض الخصائص مع اقتصاد دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: روابط قوية مع الحاكم الاستعماري السابق، ودرجة كبيرة من الاستثمار الأجنبي والسيطرة، والاعتماد على الفنيين الأجانب، وتراجع الزراعة. وتختلف الغابون عن هذه الدول في اعتمادها على الآلاف من العاملين بأجر من بلدان إفريقية أخرى لاستكمال إمداداتها الضئيلة من العمال في تجارة التجزئة، والحرف اليدوية، والنقل المحلي.
أزمة زراعة في البلد الذي لا يتوقف فيه المطر عن الهطول
يسود المناخ الاستوائي وشبه الاستوائي كثيف الأمطار معظم أرجاء البلاد، ولا تعاني من مشكلات الجفاف مثل دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وعلى الرغم من أن الزراعة (زراعة الكفاف بشكل رئيسي) تشغل حوالي ثلث القوى العاملة، فإنها تلعب دوراً صغيراً في اقتصاد البلاد ككل. علاوة على ذلك، فقد تراجعت جاذبيتها كأسلوب حياة. وقد أدت فرص التعليم والعمل الأفضل في البلدات والمدن إلى إفراغ الريف من الشباب. على الرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة خلال السبعينيات لتعزيز التنمية التي من شأنها وقف الهجرة الريفية وزيادة المواد الغذائية للأسواق الحضرية، بحلول عام 1980، كانت الغابون تنتج ما يكفي من الغذاء فقط لتلبية 10 إلى 15٪ من احتياجاتها. خلال الثمانينيات، تحولت الحكومة إلى مشاريع باهظة الثمن كثيفة رأس المال للبستنة السوقية لتزويد ليبرفيل وفرانسفيل بالطعام. ولم تسفر الجهود المبذولة لإحياء إنتاج الكاكاو والبن إلا عن نتائج متواضعة، ولكن المشاريع الجديدة لتكرير السكر في فرانسفيل ومعالجة زيت النخيل في لامبارينيه كانت ناجحة.
تعد الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبلجيكا من بين الشركاء التجاريين الرئيسيين للغابون. وتوفر بعض هذه البلدان الجزء الأكبر من أموال الاستثمار والمساعدات الأجنبية.
تنتمي للمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا التي تهيمن عليها فرنسا
وتنتمي الغابون وخمس دول أخرى (الكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وتشاد، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية) إلى المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا.
إن العضوية في المجتمع الاقتصادي الفرنسي تمنح الغابون قدراً كبيراً من الاستقرار؛ لأن الفرنك الصادر عن بنك دول وسط إفريقيا، مرتبط باليورو، مما يمنح الشركاء التجاريين الثقة في العملة الغابونية.
ولكن قوة هذا الفرنك تضعف صادرات البلاد الصناعية أمام العملات الأضعف، مما يشجع الاستيراد ويؤدي لارتفاع الأسعار فليس أمراً طبيعياً أن تكون عملتها بقوة اليورو.
وتمتلك فرنسا الاحتياطيات الوطنية للغابون مثلها مثل 14 دولة إفريقية أخرى في غرب ووسط إفريقيا.
يتعين على الدول الإفريقية أيضاً إيداع احتياطياتها من العملات الوطنية لدى بنك فرنسا. وتتلقى الخزانة الفرنسية نحو 500 مليار دولار عائدات وعوائد من إفريقيا سنوياً.
وتقوم فرنسا بشكل أساسي بإعادة جزء من هذه الودائع القسرية إلى البلدان الإفريقية على شكل “مساعدة”.
وتوجد حوالي 110 شركات فرنسية في الغابون، توفر 14 ألف فرصة عمل وتنتج مبيعات تقدر بنحو 3.23 مليار يورو، حسب موقع الخارجية الفرنسية.
تحقيقات مع الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك بشأن مزاعم طلب رشوة من الغابون
كانت هناك تحقيقات في فرنسا حول مزاعم بشأن رشاوى من قيادة الغابون لقادة فرنسيين بما في ذلك مزاعم بمطالبات بالحصول على رشوة من رئيس الغابون السابق عمر بونغو قدمت من قِبل الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، ورئيس الحكومة الأسبق دومينيك دو فيلبان، والزعيم اليميني المتطرف جان ماري لوبان.
الجدل حول ثروات الغابون المهربة والمنهوبة يلقي الضوء على النظام المشبوه للشبكات السياسية والتجارية غير الرسمية للمحسوبية والكسب غير المشروع والفساد التي تميز الشركات الفرنسية متعددة الجنسيات والسياسيين، وهو النظام المعروف باسم Françafrique (فرنسا إفريقيا)، حسبما ورد في تقرير لموقع Quartz الأمريكي نشر في عام 2015.
طائرات وقصور فخمة في باريس
وتقدر أصول عائلة بونغو بمئات الملايين من الدولارات في شكل حسابات مصرفية سرية في موناكو وأماكن أخرى، تمتلك الأسرة ما يقدر بنحو 39 شقة ومبنى فخماً في فرنسا.
وسلطت أنباء عن مصادرة محتملة لطائرات مملوكة لعائلة بونغو في باريس بسبب خلافات مالية الضوء على الفساد المحتمل للأسرة، وعلاقة فرنسا به.
لم يكن أي قطاع من قطاعات الاقتصاد الغابوني في مأمن من الشكوك في الفساد الخاص بالأسرة والذي يعتقد أنه مرتبط بشركات فرنسية بما في ذلك مجالات التأمين، والبنوك، والزراعة، والأمن، والنقل، والأدوية، والسلع الأساسية، والبناء، والطيران، والمنسوجات، والإعلام، ومبيعات الغاز والبنزين، والخشب. وهناك ما لا يقل عن أربع شركات فرنسية متعددة الجنسيات موجودة في الغابون.
بولوريه، بويج، إيراميت، وبي إن بي باريبا مذكورة في وثائق طرحت في قضايا فساد، على أنها مرتبطة بشركة دلتا سينرجي المملوكة لعائلة بونغو. وأشارت تقارير أخرى إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال في الغابون.
فرنسا قدمت عمر بونغو كقصة نجاح إفريقية تمت برعايتها
كان عمر بونغو الذي حكم البلاد منذ عام 1967 إلى 2009 أي لمدة 43 عاماً حليفاً وثيقاً لفرنسا الذي قدمته كنموذج ناجح لقادة إفريقيا، ورغم ذلك تعاني البلاد من الفساد وتحديث شكلي وفروق طبقية ومجتمع استهلاكي رغم مئات المليارات الدولارات من إيرادات النفط وغيره من المواد الخام وعدد سكان قليل للبلاد.
لقد أنجب عمر بونغو 53 طفلاً، لكنه أعطى أكبر نفوذ لوريثين رئيسيين، هما ابنته باسكالين بونغو المولعة بالطائرات، وابنه والرئيس الحالي، علي بونغو المحب للسيارات الفاخرة.
تم تسليط الضوء مرة أخرى على أنماط الحياة الفاخرة لعائلة بونغو بعد أن استغلت باسكالين رحلات جوية فاخرة بقيمة 86 مليون دولار في أقل من عامين – ثم “نسيت” دفع الفاتورة، حسب الموقع الأمريكي.
بين عامَي 2008 و2010، قامت بالتنقل مع عائلتها وأصدقائها مثل جيرمين جاكسون حول العالم بطائرات غلف ستريم، وطائرات إيرباص A319 وبوينغ 757 المستأجرة.
وعندما توفي عمر بونغو كان لا يزال ثلث سكان الغابون يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، وبينما بدأت حقول النفط في الجفاف، يواجه رعايا بونغو حقيقة أنه ضحى بمستقبل البلاد لتمويل أسلوب حياته المترف بشكل خيالي.
ولم تبذل الحكومة أي جهد لبناء صناعات بديلة قد تحل محل النفط عند نفاده.
وفي وقت وفاته بمرض السرطان، في عيادة ببرشلونة، كان بونغو يواجه ادعاءات فرنسية باختلاس مئات الملايين من الدولارات من الأموال العامة، حسبما ورد في تقرير في مجلة Time الأمريكية.
في ذلك الوقت، أثبت التحقيق، الذي أجراه قاضٍ فرنسي رداً على دعوى قضائية رفعتها منظمة الشفافية الدولية المعنية بمكافحة الفساد، أن عائلة بونغو تمتلك ما لا يقل عن 33 عقاراً فاخراً في فرنسا تبلغ قيمتها الإجمالية 190 مليون دولار، بما في ذلك فيلا في باريس تم شراؤها في عام 2007 مقابل مبلغ مالي قدره 190 مليون دولار.
تم شراء قصر في باريس في نفس العام مقابل 25 مليون دولار أخرى، من قبل طفلي بونغو، عمر دينيس وياسين كويني، اللذين كانا يبلغان من العمر 13 و16 عاماً، في ذلك الوقت، وأنكرت الأسرة، الفساد باستمرار.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن بونغو.
في عام 1999، قُدر تحقيق أجراه مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن “سيتي بنك” أن الرئيس الغابوني كان يحتفظ بمبلغ 130 مليون دولار في الحسابات الشخصية للبنك، وهي أموال قال تقرير مجلس الشيوخ إنها “مصدرها المالية العامة للغابون”.
في وقت سابق من العقد الماضي، ذكر تحقيق فرنسي بشأن شركة النفط المملوكة للدولة Elf-Aquitaine أن بونغو هو المستفيد من ملايين الدولارات من الأموال غير المشروعة.
في الداخل، ما أنفقه عمر بونغو من أموال في الغابون ذهب إلى مشاريع البناء المرموقة، وهي مجموعة كبيرة من المباني الحكومية الجديدة وخط سكة حديد عابر للحدود بقيمة ملياري دولار، والتي عندما انخفضت أسعار النفط، تم تمويلها بالديون التي خرجت عن نطاق السيطرة وهددت بإفلاس البلاد.
وفي السياسة، رتب بونغو انتخابات لنفسه واشترى المعارضة السياسية بالمال أو السلطة، فعلى الرغم من صغر حجم البلاد، يوجد في الغابون أكثر من 40 وزيراً – أو لجأ لما هو أسوأ. قُتل العديد من أعضاء المعارضة في السبعينيات. وفي عام 1990، أثارت الوفاة الغامضة لزعيم المعارضة جوزيف ريدجامبي أعمال شغب.
في عام 2015، كتب الصحفي الاستقصائي فابريس أرفي: “لقد استولت حفنة من أفراد الأسرة على أجزاء كاملة من الاقتصاد الغابوني”.
فرنسا تحقق.. وتحقق
لعدة سنوات، كان القضاة الفرنسيون يحققون في المكاسب غير المشروعة للحكام المستبدين الأفارقة الذين يحبون “إخفاء” نهبهم للأصول العامة من خلال الاستثمارات في السيارات الفاخرة، والقصور في شارع فوش في باريس، والساعات الراقية والأعمال الفنية.
الغريب إن رؤساء الغابون وغينيا الاستوائية والكونغو برازافيل جميعهم في مرمى أعينهم الرسمية، حسب موقع Quartz الأمريكي.
ومع ذلك، فإن حزم القضاء الفرنسي يتخفف عندما يتعلق الأمر بالنخبة السياسية والتجارية الفرنسية، الذين استفاد العديد منهم لعقود من الروابط غير الطبيعية في مرحلة ما بعد الاستعمار مع الطغاة والأوليغارشية الإفريقية في المستعمرات الفرنسية السابقة.
ويبدو أنه لذر الرماد في العيون فتحت السلطات الفرنسية تحقيقات خلال السنوات الماضية في فساد مرتبط بمسؤولين في حكومة الرئيس السابق عمر بونغو، ولكن ظل نجله الرئيس الحالي علي بونغو حليفاً وثيقاً لباريس، زاره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضمن جولته الإفريقية في مارس/آذار 2023، حيث بدا أن المودة طافحة في لقائهما.