سمير عطا اللهكاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».الخميس – 09 ربيع الأول 1446 هـ – 12 سبتمبر 2024 مTT20
11 سبتمبر
طرحت «هيستوري توداي» على عدد من الأكاديميين والمفكرين سؤالاً حول إعادة تقييم آثار 11 سبتمبر (أيلول) 2001. بين المشاركين الدكتور فواز جرجس، الأستاذ البارز في جامعة LSE، والذي كانت إجابته «في اعتقادي» الأكثر شمولاً وعمقاً.
يقول الدكتور جرجس إن العالم صعق ذلك اليوم، وأثار هول المشهد تعاطفاً شديداً مع أميركا، عبرت عنه صحيفة «الموند» الفرنسية بعنوان رئيسي «جميعنا أميركا». لكن بدل أن تستغل واشنطن تلك اللحظة من أجل وفاق عالمي في وجه الإرهاب، رجعت إلى العنف الفاشل كما في فيتنام. ودمرت بلداً بأكمله هو العراق، وغزت بلداً آخر هو أفغانستان، وماذا كانت النتيجة في العراق وأفغانستان حتى اليوم. «مع اشتعال العراق، أصبحت سمعة أميركا في القعر».
يضيف جرجس أن التعاطف مع أميركا إزاء العمل الإرهابي شمل بلداناً معادية لها حتى إيران، عندما وقف 60 ألف شخص في ملعب «ازادي» دقيقة صمت حداداً على ضحايا الهجمات: «بدل أن تستغل مناخ النوايا الحسنة، شنت أميركا حرباً على الإرهاب، تحوّلت إلى أكبر كارثة استراتيجية في التاريخ. وهكذا، أضاعت فرصة تاريخية لإزالة آثار الحرب الباردة التي أدّت إلى ظهور جماعات مثل (القاعدة) المسؤولة عن (11 سبتمبر)».
بعد تدمير العراق «انسحبت أميركا فجأة من أفغانستان. والآن عادت (طالبان)، ويشعر الأفغان بأنهم خذلوا. لقد وعدتهم أميركا بالأمن والحرية، لكنها تركت خلفها دولة على حافة الانهيار والحرب الأهلية».
يغفل الدكتور جرجس الإشارة إلى أهم عنصر في عناصر تلك الكارثة، وهو أن رئيس أميركا، كان جورج بوش الابن، المعروف بجهله بشؤون العالم. من يقرأ المطالعة التي نشرتها وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس في «فورين أفيرز» هذا الشهر يقتنع بأن العدائية قاعدة أساسية في السياسة الأميركية: لا تهاون، ولا تلاقي أمام المدّ الصيني، بل مواجهة في كل مكان. إلى أين أفضت هذه السياسة منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن؟ فلتجرب الدول الكبرى مرة في هذا الزمان الهدوء والتآلف، بحيث يعود فولوديمير زيلينسكي إلى التمثيل، بدل أن يلعب دور القائد العسكري في حرب مكتظة بالخاسرين.
سمير عطا اللهكاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».الخميس – 02 ربيع الأول 1446 هـ – 5 سبتمبر 2024 مTT20
الليلة الأولى
ذُهل اللبنانيون يوم الثلاثاء الماضي، عندما أُبلغوا رسمياً أن الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة، قد أوقف لاستكمال التحقيق معه في مجموعة كبيرة من تهم الاحتيال والسرقة وغسل الأموال. كان الجميع يتحدث عن هذه التهم، بينما كان سلامة يصر على نفيها، ويرفض المثول أمام القضاء، ويمضي وقته يسبح ويتشمس وسط حراسة خيالية.
كان القضاء الدولي يطارده، والدول الكبرى تلاحقه بالعقوبات. وفي أيامه انهارت الليرة، وضاعت أموال الأغنياء والفقراء، وظل ينفي كل شيء وهو يدخن أغلظ أنواع السيجار. بل أقام هو الدعوى على القضاء لأنه يجرؤ على المس بنقائه ونزاهته.
سجل القاضي جمال الحجار سابقة سياسية قانونية وطنية في تاريخ لبنان عندما أصدر الأمر بأن ينام شخص، في حجم سلامة، في غرفة قيد التحقيق. توقيف سلامة يشكّل تحدياً هائلاً للمنظومة اللبنانية التي حالت، حتى اليوم، دون وضع محضر في اغتيال رؤساء الجمهورية، أو رؤساء الحكومات. وكل قاضٍ كان يكلّف بالتحقيق في جريمة مثل اغتيال رينيه معوض، أو رشيد كرامي، كان سرعان ما «يتنحى»، كأنما دخل كهفاً الحق فيه على الضحية والقضاء.
يجري التحقيق مع رياض سلامة في ارتكابات قد يفوق مجموعها 8 مليارات دولار. وتشمل التهم شقيقه وابنه ومساعدات له، وأماً لابن خارج الزواج، وخليلات مزعومات.
أمضى سلامة الليلة الأولى موقوفاً، بعد ثلاثين عاماً كان يقف في بابه خلالها جميع طلاب الحاجات. أو من ينوب عنهم. وفي إصداره قرار التوقيف، فتح القاضي الحجار باب صف طويل من التهم والشكوك والظنون داخل حدود لبنان، وخلف حدود كثيرة. وبالإضافة إلى سلامة، شمل نظام العقوبات الأميركي سياسيين كثيرين أشهرهم صهر الرئيس السابق ميشال عون، الذي وصفه السفير الأميركي بالفاسد. وعدّ البعض آنذاك أن القرار الأميركي، تعريض بشخص الرئيس، لكون صهره هو أيضاً، وريثه السياسي.
هل يتمكن القاضي الحجار من المضي في أجرأ قرار قضائي في تاريخ لبنان؟ الشواهد والتجارب السابقة لا توحي بذلك إطلاقاً. والمتضررون من فتح ملفات سلامة أصحاب قوة ونفوذ، بعكس الفقراء والضعفاء الذين خسروا جنى أعمارهم، وهو يبني أهرامات وهمية، سقطت فوق حاضر لبنان ومستقبله.
قبعة ومسدس
ارتبط تاريخ الرئاسة الأميركية بالاغتيال ومحاولات الاغتيال. وكان الذين قتلوا، أو أصيبوا، من ألمع الأسماء التاريخية مثل إبراهام لنكولن، أو جون كيندي. وغالباً ما كانت الأسباب تافهة، كما في المحاولة على رونالد ريغان، التي أعلن بطلها أنه أراد لفت الأنظار إلى حبيبته. وقد قتل الشاب الذي حاول اغتيال دونالد ترمب، من دون أن يعرف الناس الكثير من التفاصيل عن دوافعه.
برغم أهمية المستهدفين، وما أدّت إليه الجرائم من انعكاسات، لم يفلح أحد في وضع قانون يمنع حمل السلاح. بل ظل «لوبي» حيازة السلاح الأقوى حتى من «اللوبي» الإسرائيلي.
في أوروبا كان الوضع مختلفاً تماماً. لم تمر مرحلة إلا وقامت حملة قانونية ضد السماح للإنسان العادي بحمل أي نوع من أنواع الأسلحة. واستثني من ذلك أفراد طبقات النبلاء. تقول أستاذة الفلسفة السياسية (فرنسا) إلزا دورلين في «فلسفة العنف» (دار الساقي) إنه في القرون الغابرة كانت تعدُّ كل آلة قتالية سلاحاً يدوياً، بما فيها «المناجل، والعصي، والمعاول، والفؤوس، وإبر الحياكة، ودبابيس الشعر، وعصا العجين، والمقصات، وقوائم المصابيح، والحلي، والأحزمة، والأربطة، وشوكات الطعام، والمفاتيح، والمضخات الهوائية، بل حتى الجسد نفسه، اليد والقدم والكوع».
تم توسيع دائرة التصنيف من أجل توسيع دائرة الحظر. ومنع حمل الأسلحة، خصوصاً في الطرق الرسمية، وطرق نقل البضائع. وفي القرن الرابع عشر، كانت تقام حواجز تفتيش على جميع الطرق التي يسلكها الموكب الملكي.
واجهت محاولات منع اقتناء السلاح صعوبات كثيرة، خصوصاً وأن بعضها كان مرتبطاً بالفروسية، كالسيف مثلاً، سلاح المبارزة، وتسويات «الشرف». لكن هذا التقليد أُلغي تماماً بعدما انتقل من السيوف إلى المسدسات. وقبل إلغائه أدّى إلى مقتل بعض الشخصيات التاريخية مثل الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين.
تطورت المبارزة إلى بوادي الكاوبوي، ومراعي البقر في أميركا. ومعها نشأ تشريع السلاح الذي لا يزال قائماً حتى الآن، بحجة الدفاع عن النفس. من المؤكد أن قاتل كيندي، ومطلق النار على ترمب، لم يكونا يدافعان عن نفسيهما.