يبحث فنان الغرافيتي السوري عزيز الأسمر كل يوم عن أسوار حجرية وجدران ليرسم عليها تجاربه المفعمة بالألوان. صوَّرت واحدة من أحدث لوحاته الجدارية جورج فلويد، الأمريكي ذا الأصول الإفريقية الذي خُنق حتى الموت على يد ضابط شرطة، ما أثار احتجاجات عارمة في الولايات المتحدة وفي أماكن حول العالم.
كتب الأسمر بجوار لوحة فلويد “لا أستطيع التنفس” و”لا للعنصرية”، وهو ما أكسبها شهرة دولية بوصفها تمثيلاً عربياً للتعريف بالاحتجاجات. قال الأسمر في حديثه مع موقع العربي الجديد: “نحن شعب مورست عليه العنصرية أيضاً، نحن دعاة سلام وخير، ونشعر بكل شعوب العالم، لأننا مضطهدون في بلدنا من قبل نظام ديكتاتوري، ونتمنى الحرية والعيش بكرامة لكافة الشعوب”.
زادت شهرة الأسمر من هذه الجدران، حيث رسم عشرات اللوحات التي تصور العنف الذي يرتكبه النظام السوري، واختار كذلك أن يرسم صورة فلويد على جدار بناية دُمرت عن طريق قصف قوات النظام.
حظيت جائحة فيروس كورونا مؤخراً بمكانة بارزة بين لوحات الحرب الوفيرة. فقد خضعت للتجسيد، وصُورت أحياناً في هيئة ساحرة تركب عصا سحرية وتؤذي الأشخاص، أو في هيئة وحش ذي أذرع ضخمة يبحث عن ضحايا.
في لبنان، صار فيروس كورونا كذلك موضوعاً رئيسياً في أعين فناني الغرافيتي، بعد أشهر انصبّ تركيزهم فيها على لوحات معقّدة عن الفقر وفشل الحكومة في إنقاذ البلاد من الأزمة المزدوجة المتعلقة بانهيار الاقتصاد من جانب، والجائحة من جانب آخر. ولذا بجانب رسوم الغرافيتي التي تصور الصراعات العنيفة بين قوات الأمن والمحتجين، يمكن الآن مشاهدة التمثيلات العديدة للفيروس.
شهدت الأشهر التي ظهر فيها فيروس كورونا، والتي بدأت في فبراير/شباط في لبنان، حبس الناس في منازلهم في بداية الأمر، ولكن لاحقاً عندما انتهى الإغلاق وفتحت مراكز التسوق أبوابها مرة ثانية، تواصلت التظاهرات وتواصلت معها رسوم الغرافيتي. لا يعد الغرافيتي فناً جديداً في الدول العربية. فقد بلغ ذروته خلال سنوات الربيع العربي، عندما كانت الجدران العامة صحفاً حية تستحثّ المحتجين، وتصور الاضطهاد، وتدعو إلى إطاحة الأنظمة الاستبدادية.
ولكن بينما ركز الغرافيتي في الماضي على دعوات الحرية والكرامة وتوفير فرص العمل والديمقراطية، تولي المشاهد الجديدة تركيزاً أكبر على ساسة بعينهم وعلى قضايا أدقّ، مثل الصراع السياسي بين رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، والرئيس ميشال عون، أو المطالبات الموجهة إلى الشعب للبقاء في منازلهم لحمايتهم من الإصابة بفيروس كورونا.
أحد الإبداعات التي أُشير إلى أنها أكبر لوحة غرافيتي في العالم، تُظهر كوفية فلسطينية بعرض 100 متر وطول يصل إلى حوالي 8 أمتار، ورُسمت على جدار نفق طريق سريع يؤدي إلى مخيم برج البراجنة الكبير، الذي يضم اللاجئين. ويخضع العمل الآن، الذي شارك فيه 25 فناناً واستغرق 3 أشهر، لإشراف مجلس اتحاد بلديات لبنان.
وبينما أدى الإحباط الحالي من عدم كفاءة الحكومة اللبنانية إلى استحضار فناني الغرافيتي، قاد التصدي لفيروس كورونا النشطاء في المنظمات الحقوقية إلى عوالم جديدة. على سبيل المثال، بدأوا مبادرة The Chain Effect، وهي عبارة عن مجموعة من راكبي الدراجات الذين يروّجون لهوايتهم بوصفها وسائل بديلة للمواصلات. نظمت المبادرة هذا الشهر رابع فعالية ركوب دراجات، حيث يستأجر الأشخاص دراجات أو يشترونها، ثم يركبونها متجهين إلى الأماكن التي يختارونها. تعقد المنظمة ورش عمل لصيانة الدراجات وتقدم إرشادات ومسارات للدراجات عبر المنتزهات والغابات الطبيعية.
شاركت المجموعة هي الأخرى في الغرافيتي، وعرضت رسوماً تُظهر دراجين سعداء، وصممت ملصقات للتشجيع على ركوب الدراجات. يعترف أعضاء المنظمة بأن استخدام الدراجات لا يزال بعيداً عن نظيره في دول الغرب، نظراً إلى أن أغلب الشعب لا يعد الدراجة وسيلة مواصلات محترمة، ومن ثم لا يوجد استثمار فيها، من أجل استحداث حارات للدراجات أو أماكن مخصصة لانتظار الدراجات.
يحاول رامي زويا وزينة حوا، مؤسسا المجموعة، إقناع أصحاب الشركات والمؤسسات العامة، مثل المستشفيات، لتشجيع العاملين على ركوب الدراجات، وقد أطلقوا رحلة لجمع التبرعات لتعزيز هدفهم. ورغم نجاح حملة جمع التبرعات فإن أصحاب العمل لا يزالون متشككين بشأن ركوب الدراجات بوصفها وسيلة مواصلات جديدة، ويفضلون أن يدفعوا لموظفيهم أجرة الانتقال بالسيارات الأجرة، بدلاً من الاستثمار في الدراجات.
في مقال منشور بموقع جدلية، عرضت المهندسة المعمارية والمخططة الحضرية، سيبا السمرة، المصاعب التي يواجهها اللبنانيون، ولاسيما في بيروت، في حماية أنفسهم من فيروس كورونا بسبب الافتقار إلى المساحات المفتوحة والمنتزهات العامة والبنى التحتية الملائمة من أجل الدراجات. إذ إن أغلب المتنزهات العامة تكون مملوكة ملكية خاصة، أو تتطلب تصريحات خاصة لاستخدامها.
تعاني بيروت، التي يسهل الانتقال فيها عن طريق الدراجات بسبب تضاريسها المستوية، من الازدحامات المرورية الشديدة، التي تلتهم ساعات عديدة من حياة الأشخاص في انتقالاتهم الصباحية إلى العمل أو المدرسة وبعد الظهيرة عند العودة منها. خلال الإغلاق الذي فُرض بسبب فيروس كورونا ساعدت قلة المتنزهات الحكومية في إبقاء الأشخاص بعيداً عن التجمعات. ولكن مع عودة الحياة إلى طبيعتها يستحيل تطبيق التباعد الاجتماعي عندما لا يكون هناك أماكن يمكن الذهاب إليها للاستجمام. وبينما تنصح منظمة الصحة العالمية بمساحات خضراء بمقدار 9 أمتار للشخص الواحد، توفر بيروت 0.8 متر مربع للشخص الواحد.
تعرف بلدية بيروت توضيحات سيبا السمرة جيداً، ولكن عندما تكون المدينة لا تدري من أين ستحصل على الأموال اللازمة لدفع رواتب العمال فربما لن يشهد سكانها أية إضافات رئيسية إلى المساحات العامة للمساعدة في المحافظة على صحتهم في المستقبل القريب.