ليس من سبب للخوف على لبنان اوالاسلام في تركيا..مقالان مختلفان ومثيران لكاتبين من لبنان
ليس من سبب للخوف على الإسلام في تركيا: في البلد 82693 مسجداً، منها 3113 مسجداً في إسطنبول. قد يكون هناك خوف آخر عليها مصدره نقص المتاحف. حسب أرقام 2017، هناك 438 متحفاً فقط، بينها 91 متحفاً في إسطنبول (مع أنّ 35 منها ملكيتها خاصة). ذاك أن نقص المتاحف يشير إلى قلة الاكتراث بالتاريخ، وإلى معرفته على نحو مُسطّح وجزئي بوصفه تاريخ معارك وانتصارات فحسب. وبالطبع، ففي هذا التاريخ الفقير، يكون هناك دائماً مظلوم ومقهور لا يلبث هو نفسه أن يصبح المنتصر الغازي.
وتركيا من أكثر أمم العالم حاجة، لأن تراجع التاريخ على نحو عادل: ماذا حلّ بالأرمن خصوصاً، لكنْ أيضاً بالأكراد، باليونان، بالسريان العرب، باليهود…؟ مع هذا فهي لا تفعل، مكتفية بالنفي والإنكار والتخوين والهرب إلى الأمام. وأي مهرب أفضل من نظرية السيادة الوطنية التي اعتصم بها رجب طيّب إردوغان حين حوّل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد؟
وإردوغان مُحق نظرياً وشكلياً حين يقول إن السيادة الوطنية تخوّله أن يفعل ما يفعل. لكننا سبق أن سمعنا، ولا نزال نسمع، حكّاماً كثيرين يقولون إنّ السيادة الوطنيّة تمنحهم الحقّ المطلق في كلّ ما يقع تحت عنوان «شؤوننا الداخلية». السجن والقتل وكبت الحريات وتعطيل الصحف ومنع المعارضة هي كلّها مسائل سيادية لا يحقّ للغرباء أن يتدخّلوا فيها. هذه باتت من أعمدة الآيديولوجيا الشعبوية المعاصرة على امتداد الكوكب.
المتحف، كرمز وكمدرسة للتاريخ، لا يحبه إردوغان، خصوصاً أنه يعلّم رحابة الزمن وشراكة البشرية في صنعه حتى حين كانت تتنازع وتتقاتل. المتحف يقول أيضاً إنّ الأشياء تنقضي وتزول وتنتهي على شكل عِبَر ومعانٍ نبيلة. ما يحبّه الرئيس التركي، في المقابل، هو ألا يمضي الماضي الذي يصلح للاستعمال أداة تخدم سياساته اليومية. وقد سبق لمعلّقين كثيرين أن رصدوا أسباب حاجته الراهنة إلى ذلك: وضع اقتصادي متردٍّ زاده وباء كورونا تردياً. تأسيس حزبين معارضين خرجا من عباءة إردوغان وحزبه «العدالة والتنمية». نذير انتخابات البلدية في إسطنبول، قبل عام ونيّف، حيث رسب مرشحه الرسمي بفارق كبير. الفشل في استحضار خصمه فتح الله غولن، وفي التغطية على الفساد العائلي، وعلى التجاوزات الضخمة التي أعقبت المحاولة الانقلابية صيف 2016. تزايد حاجته إلى التفويض الشعبي، وإلى تصليب قاعدته الإسلامية وقاعدة حلفائه القوميين، في موازاة توسّع أدواره الإقليمية. كلّ هذا يستدعي انتصاراً كبيراً يحصل في التاريخ ويوظَّف في السياسة اليومية استنهاضاً لـ«الشعب» ضد «العدو».
بضربة آيا صوفيا، نجح إردوغان في التلاعب بالتقليد التركي الشهير في التقاطع العريض بين الدين والقوميّة. نجح في إظهار اعتراضه على أتاتورك في أمر المتحف تكاملاً معه في أمر السيادة، ونجح في جعل اعتراض الآخرين على قراره يشبه الخيانة للوطن. لكنْ يُستحسن بالرئيس التركي ألاّ يتّهم أحداً سواه بتسعير «صراع الحضارات» وجعل الماضي، في تأويل مشوّه له، رقيباً على الحاضر والمستقبل. يكفي أن أحد أكبر اهتمامات العالم، منذ قراره الأخير فيما خصّ آيا صوفيا، بات ينصبّ على تحويل المساجد إلى كنائس، والكنائس إلى مساجد، ومتابعة ردود أفعال السلطات الدينيّة في العالم على ذاك القرار!
إن هذا إنما يتعدّى الاستثمار في الكراهية إلى تحكيم الكراهية بالعقل.
والحال أن مخيّلة إردوغان مخيّلة إمبراطورية حملته مرّة على التفكير بنقل ضريح عثمان بن أرطغرل في سوريا، ومرة على إلباس حرسه الزي العثماني القديم. وهو بقراره افتتاح المسجد القديم – الجديد يوم 24 يوليو (تموز) الحالي، اختار اليوم الذي وُقّعت فيه معاهدة لوزان عام 1923 كأنه يردّ عليها، علماً بأن هذه المعاهدة عُدّت يومذاك انتصاراً لتركيا الجديدة قياساً بسابقتها معاهدة سيفر، لكنها عُدّت أيضاً تكريساً لنهاية السلطنة العثمانية. شيء كهذا يمكن قوله عن التورط العسكري في ليبيا التي كان الغزو الإيطالي لها في 1911 إحدى المحطّات المتراكمة على طريق انهيار السلطنة.
والحروب الإمبراطورية تُخاض اليوم بالرموز أكثر مما تُخاض بالواقع، لكنّها تُخاض أيضاً بالأكاذيب التي نعرفها جيداً من أن «تحرير المسجد الأقصى» سيكون الخطوة التالية، أو تحويل قضية اللاجئين إلى مصدر ابتزاز للأوروبيين الذين يراد الاندماج في اتحادهم. وهذا وذاك لا يوحيان إلا أن الأخلاقية الإمبراطورية، في زمن ما بعد الإمبراطوريات، لا تتطلّب أكثر من «فتوّة» أو «زكرت» من «فتوّات» حي قاسم باشا في إسطنبول، حيث ولد إردوغان وترعرع ولعب كرة القدم.
سمير عطا الله:ابتسم أنت في لبنان
أتلقى اتصالات عدة من أحباء وأصدقاء في بلدان كثيرة. تسودها جميعاً لهفة مؤثرة وعاطفة قلقة حقاً: «كيف الحال عندكم؟ شو القصة؟ عايزين شي؟ بحاجى إلى شي». أتعجب من طريقة السؤال: هل هذه صورتنا في الخارج؟ ناس على حافة المجاعة، أو حتى في قلبها؟ بل هناك من يعرض عليَّ، بأكبر قدر من الصدق ومراعاة الحساسية، الانتقال إلى العيش في ديارهم.
شكراً، بلا حدود. ولكننا والحمد لله، على خير ما يرام. أما الصورة التي تصلكم عن لبنان فالمحزن أن الجزء الأكبر منها صحيح. وغير مسبوق. وليس في ذاكرتي ومطالعاتي، حالة من الفاقة والهوان الاجتماعي مثل هذه الحالة. ليس هذا أبداً، لبنان الذي عرفت. أو الذي عرفتم. اشتهر في لبنان مؤخراً عدد من الطهاة الذين يرشدون المشاهدين العرب إلى كيفية تحضير الطعام اللبناني الذي صارت له جاذبية عالمية. أحد هؤلاء هو «الشيف أنطوان». و«الشيف» أو «الريّس»، مصطلح فرنسي يستخدم في جميع اللغات، كنوع من المرتبة المهنية للطهاة الكبار. الألوف الذين يتابعون «الشيف أنطوان»، يبحثون في «وصفاته» عن المزيد من التزويق، والتفنن في الإضافات، وطرق تحضير اللحوم، وإعداد الخرفان المحشية.
لم يكن هذا برنامج «الشيف أنطوان» في نشرة مساء الاثنين على «MTV». إنه يعلم سامعيه كيف يمكن أن يعدّوا وجبة مغذية من دون لحوم. أو كيف يتم الاستغناء عن الضاني والبقري بالدجاج. وعلى اللبنانيين أن يعوّدوا أنفسهم على حياة نباتية صحية يؤخذ فيها البروتين من الكوسا أو من الملفوف المسلوق.
أدركت من برنامج «الشيف أنطوان»، لماذا تؤخذ عنا هذه الصورة التعسة في ديار العرب. و«الشيف أنطوان» يصور واقعاً لا مبالغة فيه. لبنان الذي كان «مطعم العرب» يذهب الآن إلى «السلة الغذائية» التي تدعمها وزارة الاقتصاد. المطاعم تغلق، وصيدليات تغلق أيضاً. ورئيس الوزراء يخوض معركة مع الجامعة الأميركية، حيث كان مدرِّساً، مطالباً بتعويض قدره مليون دولار، شرط أن يُدفع المبلغ بالدولار وخارج لبنان.
وفي بلد لم يعد قادراً على استيراد اللحوم، صرح مدير عام وزارة المالية بأنه تم تحويل 6 مليارات دولار إلى الخارج في ثمانية أشهر، أي فيما الأزمة المعيشية تضرب البلد، وقبل أشهر من مصيبة «كورونا».
بكل شجاعة، يبلغ النائب إبراهيم كنعان، رئيس اللجنة المالية في البرلمان، أن الحكومات منذ 2009 لم تقدم رقماً مالياً صحيحاً واحداً. وفي مفاوضات لبنان الحالية مع صندوق النقد، قدمت الدولة ثلاثة أرقام متضاربة عن الوضع المالي: رقم من الحكومة، ورقم من البنك المركزي، ورقم من «جمعية المصارف». والأرجح أنها كلها غير صحيحة.
الصحيح، أو المؤكد، أن اللبنانيين، الذين ألغوا أشياء كثيرة من حياتهم، مثل بعض الأدوية والمعالجات والعادات العائلية، وبعض وجبات النهار، ينتظرون نشرة الأخبار في المساء، لكي يعرفوا ماذا عليهم أن يحذفوا غداً