لاتزال صحف عربية ولبنانية تتناول تداعيات انفجار مرفأ بيروت على مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، ولاسيما بعد استقالة رئيس الحكومة حسان دياب.
ورأى بعض الكتّاب أن لبنان مقبل على “سيناريو سوري” وأن القوى الخارجية باتت صاحبة القرار فيه، وتوقع آخرون أن يتجه البلد نحو “الانهيار الكبير” و”فراغ طويل” أو مرحلة من “الفوضى المفتتة والمفككة”، ولاسيما في ظل اندلاع مظاهرات الغضب الشعبي.
فريق ثالث رأى في الأزمة “فرصة ثمينة لفترة نقاهة سياسية” حتى يختار الشعب اللبناني رئيسه وفقا لدستور “صنع في لبنان”.
“السيناريو السوري”
يتوقع عبد الباري عطوان، رئيس تحرير “رأي اليوم” الإلكترونية اللندنية، أن “حالة الغليان الحالية التي بلغت ذروتها باستقالة، أو إقالة، حكومة حسان دياب على أرضية انفجار مرفأ بيروت، ستؤدي حتما إلى إسقاط النخبة الحالية الفاسدة الحاكمة في لبنان أو معظمها واتفاق الطائف الذي أتى بها إلى الحكم عام 1989، وكل المحاصصات الطائفية المتفرعة عنه”.
ويؤكد الكاتب أن “الشعب اللبناني يريد الإصلاح الديمقراطي الحقيقي للنظام، ودون المساس بالدولة، ولكن الشعب، وللأسف لم يعد صاحب القرار الرئيسي، والقوى الخارجية، وخاصة الأمريكية والإسرائيلية، وبعض الجهات اللبنانية المتواطئة معها، تريد تكرار السيناريو السوري الذي بدأ قبل عشر سنوات، ومثلما فشلت هذه القوى في سوريا ستفشل في لبنان حتما، والسعيد من اتعظ بغيره”.
ويرى عطوان أنه “إذا كان السيناريو السوري كان وما زال يهدف إلى إسقاط النظام في دمشق، فإن السيناريو اللبناني القادم يريد إسقاط ’دولة‘ حزب الله، ونزع سلاحها العسكري، حسب الأدبيات الأمريكية، لطمأنة دولة الاحتلال، ونزع الرعب من قلوب مستوطنيها، وتأخير حلول نهايتها لأطول وقت ممكن، لأن المقاومة اللبنانية باتت تشكل تهديدا وجوديا لهذه الدولة لا يمكن التعايش معه أو السماح به”.
ويتابع الكاتب القول: “مثلما كانت البداية في سوريا مظاهرات غاضبة في درعا، فإن البداية في لبنان ستكون مماثلة، وما شاهدناه من مظاهرات واحتجاجات غاضبة في بيروت (قريبا في طرابلس) وتعليق ’المشانق‘ الافتراضية للسيد حسن نصر الله، هو أحد المؤشرات الرئيسية في هذا المضمار، فرأس السيد نصر الله هو المطلوب، أما الرؤوس الأخرى من السياسيين اللبنانيين فهي مجرد تضليل ومحاولة مقصودة للتعميم والادعاء بتطبيق شعار ’كِلن يعني كِلن‘ كاملا وبدون استثناء”.
ويرى شارل جبور، في صحيفة “الجمهورية” اللبنانية أن “الوضع في لبنان قبل زلزال بيروت كان يتجه نحو الانهيار الكبير” وأن ما حدث “سيسرِّع في وتيرة الانهيار على وقع غضب شعبي فقد كل ثقة بالسلطة التي فقدت بدورها ما تبقى لها من هيبة، وفي أوضاع من هذا النوع يصبح السقوط المدوي واردا في كل لحظة”.
ويرى الكاتب أن “الطرف المستفيد اليوم من أي تدخل دولي لتسوية انتقالية ومرحلية هو الفريق الحاكم، لأن تسوية من هذا النوع تؤدي إلى إنقاذه من سقوط مُدوّ ومسؤولية مباشرة عليه، لا سيما أن قدرته على الخروج من الأزمة توازي صفرا، وكل عوامل الانهيار تتدافع ولا فرصة لأي حل سوى من خلال فك الحصار الدولي عن لبنان. وبالتالي، من مصلحته المباشرة، البحث عن تسوية تضمن عدم سقوط الدولة”.
ويؤكد جبور أن “اتفاق الطائف لم يولد إلا نتيجة انسداد الأفق في الداخل وسعي الخارج لإنهاء الأزمة اللبنانية، والتسويات لا تبرم إلا على الساخن وبعد وصول الأزمات إلى أفق مسدود وخطير، فيصبح الطرف الداخلي بحاجة لحل وعلى استعداد للتجاوب مع المساعي الخارجية”.
ويضيف: “وبالتالي، الحل هذه المرة لا يجب ان يكون بحكومة ولا بغيرها، إنما عن طريق توظيف الاهتمام الدولي على أثر الزلزال الذي ضرب بيروت بما يخدم مشروع الدولة لا مشروع الحزب الذي لا يريد فصل التسوية في لبنان عن التسوية مع إيران في المنطقة”.
أما خالد عباس طاشكندي، فيرى في صحيفة “عكاظ” السعودية أن “سقوط حكومة حسان دياب أو بالأصح ’حكومة حزب الله‘ فرصة ثمينة لفترة نقاهة سياسية، وإن كان من المرجح أن سلطة الظل ستعزز المخاوف من اجتياح إسرائيلي محتمل أو فرض ’حزب الله‘ سيطرته على الدولة أو وقوع انهيار اقتصادي”.
ويضيف: “لا أعتقد أن هناك سيناريو أسوأ من الإبقاء على ديناميكية النظام القائم منذ الاستقلال، الحل في إبقاء الفراغ إلى أن يتم تفعيل منطق اتفاق الطائف، وأن يختار الشعب اللبناني رئيسه وفقا لدستور ’صنع في لبنان‘”.
“فراغ طويل”
ويتوقع راجح الخوري، في صحيفة “النهار” اللبنانية، أن تمتد الأزمة السياسية الناتجة عن الانفجار إلى أمد قد يطول.
ويقول الكاتب: “استعدوا لفراغ طويل، ذلك أن التفجير الهائل الذي ضرب العاصمة لم يقتلع نصف بيروت ويوقع هذا العدد الهائل من الشهداء، بل اقتلع أخيرا حكومة الأوهام، ونحن أصلا في دولة الأصنام تقريبا، فماذا يبقى غير اليأس والخواء وحطام الجمهورية التي انهارت في العهد الذي لم يكن قويا في شيء”.
ويضيف الخوري: “لم نكن في حاجة الى ذلك الكلام الممجوج، الذي درج عليه حسان دياب وبرطانة مزعجة، ولا كنا في حاجة إلى بيان استقالة، فقد كانت الحكومة الشبحية مستقيلة منذ اللحظة التي ولدت فيها، وفي الواقع ضاق اللبنانيون ذرعا بهذا الذي نزل الى السرايا معتبرا أنه المنقذ، وكل من سبقوه من الأبالسة والفاسدين، وضقنا ذرعا بأوهامه ونجاحات حكومة الأوهام”.
ويتابع: “نحن نعرف أكثر مما يعرف دياب، أولا أن البلد في يد عصابات سياسية نهبته وأوصلته إلى الحضيض، وثانيا أن ذلك الذي جاء إلى السرايا على رأس حكومة قيل إنها من الاختصاصيين، إنما هو من خارج المعنى والمبنى وأن معظم وزرائه من الاشباح”.
وتقول راكيل عتيِّق، في صحيفة “الجمهورية” اللبنانية: “هناك اعتبار أن لبنان قد يكون أمام مرحلة من الفوضى المفتتة والمفككة، إذا لم تعد هذه السلطة الكلمة إلى الشعب اللبناني في انتخابات نيابية مبكرة تشرف عليها حكومة حيادية مستقلة، خصوصا في ظل رفض ’حزب الله‘ التراجع أو عدم حماية ظهره وزاريا ونيابيا”.
وترى أنه تبعا لذلك فإن لبنان “مقبل بالحد الأدنى إلى كباش سياسي، إذا لم يغرق في فوضى يتبعها بحث في نظام مختلف أو عقد اجتماعي جديد بعد فشل العقد القائم”.
ويرى عامر محسن، في صحيفة “الأخبار” اللبنانية، أن الحديث عن نهاية “الكيان” اللبناني ليس جديدا عليه.
يقول الكاتب: “أنا لا أذكر مرحلة من عمري لم يكن فيها ’لبنان في خطر‘. وهذا ليس مستغربا حين نتكلم على كيان حديث مضطرب، قضى أكثر تاريخه وهو على حافة الانهيار أو الانقسام”.
ويضيف: “التمنيات التي تخرج دوريا بعودة الانتداب والحكم الأجنبي، ليست إلا تعبيرا عن هذا اليأس من ’الكيان‘ ومحدوديته، والبعض يراه أصغر من اللازم، والبعض الآخر أكبر من اللازم، ولكن الأكثرية تراه سجنا أو عبئا وورطة”.
ويرى أنه في “مقابل هذا الخطاب ’المتشائم‘، يخرج في لبنان دوريا، بعد الحرب أو أيام 14 مارس/آذار مثلا، خطاب يمتدح لبنان و’فرادته‘، ويتخيل ماضيا ذهبيا سيعود إليه، وتصبح فيه كل مشاكل الكيان اللبناني حسنات و’تنوعا‘ وجمالا”.