لكنّ قلةً من نوابِ الموقفِ خرجوا عن السِّربِ وربما اختَصَرهم اسامه سعد بوصفِ الاستشاراتِ بأنها شكلية ولزومُ ما لا يلزمُ وأنّ التسميةَ أوكلت إلى جهاتٍ ما واستخباراتٍ ما شرقًا أو غربًا ولم تعدْ شأنًا نيابيًا
وبتكليفِ أديب وما سبقه من استشاراتٍ ملزمةٍ سياسيًا فإنّ لبنانَ أثبَت أنّه لا ” يُترَك” ..وأنّ جهةً عربيةً أو غربيةً ستُشرفُ على حُكمِه وحكومتِه .. لكنَّ القادةَ اللبنانيينَ يَستدعونَ العالمَ في كلِّ مرةٍ الى المَيدانِ السياسيّ . ولما وجدَ الرئيسُ الفرنسيُّ أنّ العهدَ لا يَمشي إلا والعَصا معهُ … فَرَضَ خريطةَ طريقٍ واختارَ رئيسًا للتكليف ووزّع سيرتَه الذاتيةَ على الاطرافِ اللبنانية .
ولو لم يفعل .. لَكان رئيسُ الجُمهوريةِ يَستبدُّ الى اليوم بالاستشارات ويَحجِزُها رهينةَ القصر .. ويُفتي بأمرِها ويساومُ عليها معَ بقيةِ المكوِّنات السياسية. أنذرنا ماكرون بالانهيارِ والزوال والتلاشي وأبرقَ لنا معَ وزيرِ خارجيتِه لودريان برسائلَ تشي بأننا سوف نتبخر ..وحمَل العصا بلا جزَرةٍ على السياسيين وبدأ بتعذيبِهم في سلسلةِ تصريحاتٍ شكّلت إهانةً لهم وللكِيان. إمتثل “الشطاّر ” من التياراتِ والأحزاب ورؤساءِ الحكومات وذهبوا نحوَ البَصم لكنّ المرحلةَ الثانية التي سيصلُ فيها مكرون إلى بيروتَ هي الأصعب .. لأنّ الجميعَ سيكونُ ملتزماً الإسراع بتأليف الحكومةِ وبعدم اللعِبِ على الزمن. والآتي يتطلّبُ دفنَ الغزائزِ الوزاريةِ وعَدمَ التهافتِ على الحقائب .. وتنحّيَ جبران باسيل عن التصلصِ على كلِّ اسمٍ ووزارةٍ وإبداءِ رأيِه الفِقْهيّ في التأليفِ والتوزيعِ وزرعِ ودائعَ وزاريةٍ في التركيبةِ الجديدة
فالعينُ الفرنسيةُ ستكونُ علينا .. تليها عيونٌ أميركيةٌ أكثرُ تدقيقًا في زيارةِ شنكر لبيروتَ غدًا أما العدَساتُ العربيةُ اللاصقة ُفيبدو أنها مشغولةٌ عن لبنان .. فيما الصامتُ الاكبرُ هو السُّعودية وتَبَعًا للرئيسِ المكلّفِ فإنه “وبإذنِ الله ” سيوفّقُ في هذهِ المُهمةِ لاختيارِ فريقِ عملٍ لبنانيٍّ متجانسٍ مِن أصحاب الكفاءةِ والاختصاص ..وهو وعدَ بإجراءِ الإصلاحاتِ الأساسيةِ وبسرعةٍ لوقفِ النّزفِ الماليِّ
والاقتصاديِّ والاجتماعيِّ الخطر. وبعدَ قَبولِه التكليفَ اختارَ الرئيس اديب أن تكونَ المناطقُ المدمّرةُ في الجميزة ومار مخايل أولى زياراتِه لتفقّدِ الناس والأضرارِ قبلَ أن ينطلِقَ إلى الزياراتِ التقليديةِ نحوَ رؤساءِ الحكوماتِ السابقين أو مسقطِ الرأسِ السياسيّ.
وعلى توقيتِ تفقّدِ الرُّكامِ لمصطفى أديب كان “أبو مصطفى” يَخرُجُ أديبًا في الإصلاح وضربِ الفسادِ وخفايا كارثةِ المرفأِ التي كشَفَت عن دولةٍ فاشلة وكاد المُريبُ يقولُ أَعدموني وليس خُذوني .. إذا تحدّث الرئيسُ نبيه بري عن ضرورةِ سقوطِ هيكلِ النظامِ السياسيِّ بالكامل قائلًا إنّ هناكَ أربعةً وخمسينَ قانونًا لم تُطبّقْ مهاجمًا تُجارَ السياسيةِ الذين يغذّونَ النَّعَراتِ للمحافظةِ على وجودِهم ومكاسبِهم الرّخصية لكنَّ الثُّغرةَ الوحيدةَ أنّ بري لم يصارحِ اللبنانيينَ عن الجهةِ التي تفعلُ بنا ذلك منذ ثلاثين عامًا.
رئيسُ مجلسِ ينتقدُ نفسَه .. ورئيسُ جُمهوريةِ يمنعُ قناةً تلفزيونيةً مِن دخولِ القصرِ الرئاسيّ .. وإذا كانت محطة ُالأم تي في قد لجأت الى أسلوبِ الشتائم والتجريحِ بموقعِ الرئيس فإنّ هذا لا يُعطي القيّمينَ على القصرِ حقَّ المنعِ والقَطعِ والحَجبِ واستكمالِ سياسيةِ الإلغاء.
ومنعُ الام تي من دخولِ القصر ضربٌ لمبدأِ الحريات لكنّه ” نقطةٌ في بحرِ ” قرارِ أمل وحزب الله قطعَ بثِّ قناةِ الجديد منذ عامٍ كاملٍ وحرمانِها مشاهدين كثر في لبنان .
وسواءٌ رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب .. فإنّ الطرفين أثبتا اليوم عداءَهما للاعلام .
وكانت امس بَلغت مشارواتُ التكليف مرحلةَ التسمية.. ومِن بين أسماءٍ عدّة طُرحت للاستهلاك، استَقرَّ السعرُ الحكومي على سفيرِ لبنان في برلين مصطفى أديب.. والذي تبلّغُه نوابُ المستقبل خلالَ اجتماعٍ إلكتروني والاسمُ استُخرِجَ أولاً من اجتماعاتِ رؤساءِ الحكوماتِ السابقين في بيت الوسط.. وهو من بناتِ أفكارِ الرئيس نجيب ميقاتي لكونِه كان يَشغَلُ مَنصِبَ المديرِ العامّ لمكتبه على زمنِ رئاستِه للحكومة. والمرشّح أديب (ثمانيةٌ وأربعون عاماً) تلقّى النبأَ هديةً لعيدِ ميلادِه الذي يُصادِفُ اليوم لكنّ النبأَ هو أيضاً هديةٌ لنوابٍ لا يَعلمون لمَن يُصوّتون.. ولم تَكُن لديهم حتى بعدَ ظهرِ هذا النهار أدنى فِكرة عن الشخصية التي سيَرفعونَ اسمَها لرئاسةِ الحكومة فمجلسُ المئة وثمانيةٍ وعشرين نائباً.. يَذهبُ أعضاؤُه إلى الاستشاراتِ النيابية بضربة “غوغل” عنِ المرشح الذي اختارته القُوى السياسية نيابةً عنهم وفي الضربةِ السريعة يتّضحُ أنّ مصطفى أديب على وِفاقٍ معَ جميعِ هذه القُوى في أفراحِها وأتراحِها.. وأنه دِبلوماسيٌ لَبِق يَفتحُ على كلِ التياراتِ واأاحزاب ويُشارِكُها مآسيَها ومناسباتِها على الأراضي الألمانية هذه مكونّاتُ مصطفى أديب التي تلقّاها النوابُ كما سائرُ الباحثينَ على وسائلِ التواصل غيرَ أنّ مجلسَ النواب الذي هو سيدُ نفسِه.. لم يكُن كذلك، بل أَصبحَ صُندوقَ بريدٍ يتلقّى الإشعارَ ويُنفِّذُه .. في خرقٍ لمبدأِ الاستشاراتِ المُلزِمة والدُستور وصلاحياتِ المُخوَّلين تأليفَ الحكومات لاسيما أنّ النوابَ الذاهبين إلى قصرِ بعبدا غداً.. هم مُسيّرون نحوَ اسمٍ مجهولِ باقي الهُوية.. ولم تُوضَعْ أمامَهم خِياراتٌ وأسماءُ شخصياتٍ بسِجِلٍّ سياسيٍ أو مدنيٍ مكشوف كالوزيرة ريا الحسن أو النائبة بهية الحريري، الاسمِ الذي كانَ سيُشكِّلُ امتداداً وتمثيلاً مباشَراً للرئيس سعد الحريري أما وقد تبلّغوا فإنّ مُهمةَ النواب غداً تنفيذُ أمرِ اليوم.. لا أكثرَ لا بل أقل.. حيثُ إنّ دورَهم يَقتصرُ على الذهابِ والإيابِ والتسمية التي تَوافقتْ عليها القُوى السياسية وهذه القُوى أَبدتْ مُرونةً في اليومِ الأخير لتسهيلِ التكليف.. ليس صَوناً لإلزاميةِ الاستشارات، إنما استباقاً لوصولِ الرئيسِ الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي ما إنْ يَصِل حتى يكونَ السياسيون في وَضعية “قوموا تنهنّي”. وقُبيلَ صباحِ الاثنين أَعلن تكتّل لبنان القوي أنه بَحثَ بإيجابيةٍ كلَ المساعي القائمة لتسميةِ رئيسٍ للحكومة، وجرى عرضُ الأسماء المطروحة والاتفاقُ حولها أما الثنائيُ الشيعي فيَنتظرُ تسليمَه اسمَ المرشح بشكلٍ نهائي فيما أَعلنَ الأمينُ العامّ لحزبِ الله السيد حسن نصرالله أنّ الحزبَ سيكونُ متعاوناً في التسميةِ والتشكيلِ معاً، ومساهماً في إخراجِ البلد منَ الفراغ وفي تنفيذِ الإصلاحات وقال إننا في حزبِ الله مُنفتحونَ على أيِ نقاشٍ هادئ في مجالِ الوصولِ إلى عقدٍ سياسيٍ جديد، لكنْ لدينا شرط: أنْ يكونَ هذا النقاشُ بإرادةِ ورِضى مَختلِفِ الفئاتِ اللبنانية وأبعدُ من حكومةٍ وعقدٍ تأسيسي، فإنّ نصرالله دَفعَ باتجاهِ نفيِ كلِ الاتهامات التي طالتِ الحزبَ في جريمةِ المرفأ.. سَواءٌ من سلاحٍ وذخائرَ أو نيتراتٍ وسفينةٍ وبنوك والكلامُ الأعمقُ مدى.. كانَ للعدوِ الإسرائيلي وجنودِه أو المصطلح الأدق “الفئران” الذين يَختبئون وراءَ الحدود.. ولهم قال: عندما تَقتلونَ أحدَ مجاهدينا سنَقتُلُ أحدَ جنودِكم، انتهى، وهذه هي المعادلة.