منصب نائب الرئيس في الولايات المتحدة لقب فخري بلا صلاحيات عملية سوى الصور التذكارية إلى جانب رئيسه. إلا إذا تدخّل القدر على نحو درامي، كيوم اغتيل جون كينيدي مثل هذه الأيام من 1963 وأصبح نائبه ليندون جونسون خلفاً له، مصرّاً على أداء اليمين الدستورية على الطائرة حاملة الجثمان إلى البيت الأبيض، وأمامه أرملة الرئيس جاكي كينيدي المبلل وجهها بالدموع وفستانها بدماء الرئيس.
أحياناً، يتدخل القدر على نحو آخر، كما حدث يوم أُرغم ريتشارد نيكسون على الاستقالة، فأصبح نائبه جيرالد فورد رئيساً بصورة تلقائية. لكنّ القاعدة نفسها لا تتغير: ويبدو في الصورة إلى جانب الرئيس، نائبه المستر…!
الآن تغيرت الصورة برمّتها للمرة الأولى منذ 47 رئيساً: إلى جانب الرئيس نائبة لا نائب. وليست من أميركا البيضاء كما في 47 مرة، بل من أميركا الأخرى، التي كانت تُعرف بأميركا الملونة. وكامالا هاريس ليس فقط من اللون الأفريقي المعتاد، بل أيضاً من اللون الأسمر الهندي. البهاري، كما يُقال.
أول امرأة، سمراء أو بهارية، آسيوية أو أفريقية، تصل إلى أعلى منصب رسمي. أجل، هذا هو الفرق، لكنه ليس التميز. فهذه السيدة الباشَّة أبداً، قادمة من عائلة أكاديمية باهرة. والدتها أستاذة في علم الأحياء، ووالدها أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وهي تجر خلفها سلسلة من الدراسات الجامعية قبل أن تُنتخب مدعياً عاماً في كاليفورنيا، ثم عضواً في مجلس الشيوخ، مرتين.
الرئيس نفسه تقليدي، أبيض، محافظ. النائبة لن تكون صامتة وخجولة وتطلب الإذن بالكلام، ولا دور لها سوى حضور المناسبات التي لا يملك الرئيس الوقت لحضورها. وفي اعتقادي أن الأثر الذي سوف تتركه هاريس في حياة الأقليات الملونة، سوف يكون أعمق من الأثر الذي تركه وصول أوباما إلى البيت الأبيض. أما كامرأة، فوصولها إلى نيابة الرئاسة أهم مما لو وصلت هيلاري كلنتون إلى الرئاسة نفسها. فالأخيرة كانت سُمعتها السياسية مشوبة بهفوات كثيرة، وسَرَت من حولها إشاعات فساد ومصالح، ولم تكن صورتها في واشنطن صافية تماماً، حتى قبل توليها الخارجية في عهد أوباما.
أميركا اليوم أمام أول نائب رئيس له قضية، وليس فقط مجرد عضو احتياطي في الإدارة. وسوف تكون معبِّرة عن سياسة هذه الإدارة، إلا إذا اختار بايدن وزير خارجية من النوع القادر على السيطرة على الجو السياسي، كما في أيام هنري كيسنغر، يكون هو أيضاً واجهة العهد.
في أي حال، مجيء كامالا هاريس حدث في متغيرات العالم. اسم سنسكريتي يطغى على وجه الساسة الأميركية، ويعني الوردة الحمراء أو زهرة اللوتس. وتروي السيدة النائبة أنها عندما كانت صغيرة كان أقرانها من أطفال الحي يرفضون أن تخالطهم طفلة سمراء. بهذا يقاس مدى التغير الذي حدث في أميركا.