في فن الترسيمِ فإنّ لبنانَ بدأَ يواجهُ مَطباتٍ إسرائيليةً تصلُ الى حدودِ التصلّبِ تمهيدًا لإعلانِ الفشلِ وادّعاءِ مواقفَ لم تلحظْها محادثاتُ الناقورة إذ رأى وزيرُ الطاقةِالإسرائيليّ (يوفال شتاينتس) أنّ “لبنانَ غيَّرَ موقفَه بشأنِ حدودِه البحريةِ معَ إسرائيلَ سبعَ مرات”. معربًا عن عدمِ تفاؤلِه بالمفاوضاتِ الجاريةِ على صعيدِ ترسيمِ الحدودِ البحريةِ لأنَّ لبنانَ يأتي بمطالبَ قاسية وهذا ما دحضته مصادرُ على صلةٍ بالجانب اللبناني مؤكدة أنّ الكلامَ الاسرائيلي هو محضُّ كذِبٍ وافتراء. فلبنانُ لم يودِعِ الأممَ المتحدةَ سوى إحداثياتِ خطٍّ واحدٍ وقد قرَّرَ ممارسةَ حقِّه السياديِّ والانطلاقَ فيها من خطِّ الوسَطِ مِن دونِ احتسابِ أيِّ تأثيرٍ للجُزُرِ الفِلَسطينيةِ المحتلة وذلك وَفقاً لأحكامِ القانونِ الدَّوليّ. تكذِبُ اسرائيلُ كما تتنفّس وترتفعُ بشروطِها كلما زارها مسؤولٌ اميركيٌ ووقفَ على هضْبةٍ ليست مِلكاً له ولا للمحتلين ..وهي تعلمُ أنّ زيارةَ مايك بومبيو لا تتعدّى كونَها وداعيةً لرجلٍ انتهت ادارتُه وارادتُه السياسية ..وزياراتُه على سبعِ دولٍ اقليميةٍ واروبيةٍ ليست سوى تعويضِ نهايةِ الخدمة . اما التفاوضُ على الحدودِ البحرية فوَجَبَ التذكيرُ أنها مياهُ فلسطين .. ومِلحُ فلسطين وغازُ ونِفطُ اهلِ الارضِ المقدسة .
قنابلُ مضيئةٌ إسرائيليةٌ فوقَ سهلِ مرجعيونهبوطٌ مِظليٌّ تُركيٌّ فوقَ سهل عدلون وما بينَ السهلين لم يلتقطِ المَرصِدُ اللبنانيُّ إشارةَ الهبوطِ الآمنِ لمِسبارِ التأليف إذ لا تزالُ رياحُ المحاصصةِ تَرمي بالتشكيلةِ بينَ مَدْرَجي بعبدا وبيتِ الوسط ويبدو أنّ مصلحةَ أرصادِ التأليف لن تُصدِرَ نشرةَ الأحوالِ السياسيةِ وتحدّدَ المطباتِ الهوائيةَ المعرقلة وحدَها شرِكةُ ألفاريز ” هشلت” بعدما تلاعبَت بها عواصفُ التدقيقِ والسرية واقتلعتْها من مُهمتِها فأقلعت مِن لبنانَ إلى قواعدِها في مرسى دبي. علِقت ألفاريز في الشِّباكِ السياسيةِ فانسحبَت معَ عُطلٍ وضررٍ للدولة إذ ستتقاضى مئةً وخمسينَ ألفَ دولارٍ بدلَ أتعابِ التوقيعِ على عَقدٍ لم يدخُلْ حيّزَ التدقيقِ الفعلي. بيانُ الانسحابِ التكتيكيِّ مِن حقلِ الألغامِ الماليِّ اللبناني أبلغه وزيرُ المالِ في حكومةِ تصريفِ الأعمالِ غازي وزني رئيسَ الجُمهوريةِ وبحسَبِ المعلوماتِ فمِنَ المفترضِ أن تُستدعى ألفاريز إلى اجتماعٍ في بعبدا لمعرفةِ أسبابِ إنهاءِ الاتفاقيةِ ومحاولةِ التفاوضِ معَ الشركةِ لاستكمالِ عملِها. لكنّ نصَّ كتابَ التبليغ كانَ جازماً لجهةِ فضِّ الاتفاقيةِ الموقّعةِ لعدمِ حصولِ الشرِكةِ على المُستنداتِ المطلوبةِ لمباشرةِ تنفيذِ مُهمتِها. تلا وزني من قصرِ بعبدا كتابَ استقالةِ شرِكةِ التدقيقِ مِن مَهامِّها وهذه المرةَ لم يُضطرَّ للعودةِ إلى مرجِعيتِه السياسية فقد تَكفّلت هذه المرجِعيةُ بضربِ قانونِ السريةِ المصرِفيةِ بقانونِ الانتخاباتِ النيابية وكلاهما معلقٌ على خَشَبةِ التوافقِ السياسيّ. ضربُ القانونِ بالقانونِ حوَّلَ الأنظارَ عنِ التدقيقِ الجنائيّ وعن تعديلِ قانونِ السريةِ المَصرِفيةِ في المجلسِ النيابي وشرّعَ الساحةَ أمامَ مزيدٍ منَ الخلافاتِ السياسيةِ والمَذهبيةِ والطائفية واستولد عِفْريتاً على صورةِ أرنبٍ لتفصيلِ قانونِ انتخابٍ جديدٍ على الخطِّ السريعِ نحوَ الانهيارِ الاقتصاديِّ والماليِّ والاجتماعي الذي وضعَ أكثرَ مِن مئةٍ وخمسينَ ألفَ عائلةٍ لبنانيةٍ تحتَ خطِّ الفقر. ومن بابِ الأولوياتِ وبحسَبِ الدستور فإنّ مجلسَ النوابِ ملزمٌ وقبلَ أيِّ عملٍ آخرَ أن يُخصّصَ جَلَساتِ عَقدِه الثاني التي بدأت في منتَصَفِ تِشرينَ الأولِ لمناقشةِ موازنةِ عامِ ألفينِ وواحدٍ وعِشرين وأن يضعَ حكومةَ تصريفِ الأعمالِ أمامَ مسؤولياتِها في إعدادِ مشروعِ موازنةِ العامِ المقبلِ تحتَ بندِ تشريعِ الضرورة لكنّ رئيسَ مجلسِ النواب قَفز أربعةَ أعوامٍ إلى الأمام ودعا إلى لقاءِ أربِعاءَ تشريعيّ بمَن حَضر لدراسةِ ِقانونٍ لانتخاباتٍ لن تقومَ قيامتُها إلا بعدَ بعدِ العَهد. وعلى العهدِ وحكومتِه المعطلةِ والتدقيقِ والترسيم وعيدِ الاستقلال يوجّهُ رئيسُ الجُمهوريةِ كلمةً الى اللبنانيينَ غدًا ..مضمونُها قد يرتفعُ في التأليفِ لناحيةِ الدفعِ باتجاهِ رَميِ التعطيل ِفي الملاعبِ المكلّفة.
هكذا تبخّرت أموال اللبنانيّين وودائعهم…
منذ سنة بالتمام والكمال يعيش اللبنانيّون ذلاًّ ما بعده ذلّ، في كلّ مرّة يرغبون فيها بسحب الفُتات من أموالهم وودائعهم في المصارف بعد إقتطاع هذه الأخيرة الجزء الأكبر منها. وهم يقفون مَشدوهين ليس فقط أمام المبالغ الضئيلة التي يحقّ لهم بسحبها، وليس فقط أمام إنهيار قيمة العملة الوطنيّة وتراجع القُدرة الشرائية لليرتهم بشكل مخيف، بل أيضًا أمام الحديث الدائم عن تبخّر أموالهم وودائعهم. فكيف يُعقل أن تختفي عشرات بل مئات مليارات الدولارات؟!.
الإجابة على هذا السؤال اللغز يُبرّرها الكثيرون بجملة من الأسباب المُتداولة في الوسط الشعبي، لكنّ هذه الأسباب تُغفل سببًا أساسيًا هو أساس المصيبة التي نحن فيها. وبالنسبة إلى الأسباب المَعروفة، فهي تُختصر بالتالي:
أوّلاً: قيام المصارف بإيداع أموال اللبنانيّين لدى مصرف لبنان، في مُقابل فوائد مُرتفعة وسريعة، وقيام الدولة اللبنانيّة بالإستدانة بشكل مَفتوح من هذه الأموال، بحيث راحت تغرق رويدًا رويدًا تحت وطأة إرتفاع ديونها، إلى أن وصلت إلى مرحلة عجزت فيها عن إعادة الأموال المُستدانة.
ثانيًا: دعم الدولة للكثير من السلع الأساسيّة، خاصة على مُستوى المُشتقّات النفطيّة من مازوت وبنزين وفيول وطحين وأدوية، إلخ. وتسجيلها خسائر بمليارات الدولارات سنويًا، الأمر الذي زاد من عجزها.
ثالثًا: تعرّض ماليّة الدولة للنهب المُنظّم، عبر صفقات وسمسرات وسرقات في الكثير من القطاعات والمؤسّسات، في ظلّ تفشّي الفساد والغشّ وغياب المُحاسبة.
رابعًا: تعرّض لبنان لعدوان إسرائيلي مُدمّر في العام 2006، وكذلك تعرّضه لخضّات أمنيّة وسياسيّة مُتعدّدة خلال العقدين الأخيرين، وتكبّد خزينة مصرف لبنان خسائر فادحة في كل مرّة.
خامسًا: عدم إغلاق مزاريب هدر عدّة، من وزارات لإعادة المُهجّرين، مُرورًا بمجالس للجنوب وهيئات للإعمار ولدعم النازحين وصناديق مُختلفة، وُصولاً إلى زيادة غير مدروسة لرواتب القطاع العام لأهداف إنتخابيّة، وغيرها الكثير من الخُطوات غير المَحسوبة النتائج ماليًا.
لكن وبحسب خبراء إقتصاديّين مُتخصّصين، إنّ كل هذه الأسباب المَذكورة أعلاه صحيحة، لكنّها ليست المُشكلة الأساسيّة لتبخّر أموال اللبنانيّين وودائعهم. والسبب الرئيس بحسب هؤلاء، هو التثبيت الوهمي لسعر صرف الدولار، وإستفادة اللبنانيّين من هذا الأمر ليعيشوا حياة رفاهيّة على مدى ربع قرن، من دون أن يعلموا أنّهم كانوا عمليًا يستهلكون اموالهم وودائعهم في المصرف! كيف ذلك؟.
عندما كانت تحصل أيّ أزمة أمنيّة أو سياسيّة أو أيّ خضّة داخليّة، كان المصرف المركزي يتدخّل لتثبيت سعر صرف الدولار عند ألف وخمسمئة ليرة لبنانية لكلّ دولار أميركي، الأمر الذي كان يُريح اللبنانيّين ظاهريًا، من دون أن يعلموا أنّهم كانوا في كل مرّة يخسرون مئات ملايين الدولارات من أموالهم الخاصة! وعندما كانت الدولة تُقدّم الدعم وتُخفّض أسعار بعض السلع والخدمات الأساسيّة، كان اللبنانيّون مُرتاحين لهذا الواقع ولهذه الخدمات، من دون أن يدركوا أنّ تمويل هذ الدعم كان عمليًا من أموالهم ومن ودائعهم التي كان يُفترض أن تكون محفوظة كأمانات لدى المصارف، وليست عرضة للإستغلال من قبلها في مُقابل فوائد عاليّة، وليست عرضة للإستغلال من قبل الدولة في مُقابل وُعود بإعادتها لم تحترمها السلطات السياسيّة المُتعاقبة. والأهمّ من كل ذلك، كان العامل اللبناني العادي الذي يقبض مثلاً مليون ونصف المليون ليرة لبنانية، يقوم بتحويل راتبه إلى الدولار الأميركي فيحصل على ألف دولار، لأن سعر الصرف مُثبّت وهميًا! أي عمليًا، كان اللبناني يُسافر ويتنزّه ويأكل في المطاعم ويشتري المنازل والسيّارات والثياب، ويعيش حياة من الرغد والرفاهيّة، حتى لو كان موظّفًا متوسّط الدخل، يقبض بحدود ثلاثة أو أربعة ملايين ليرة، لأنّ دخله كان يؤمّن له ألفيأو ثلاثة آلاف دولار أميركي، بسبب تثبيت سعر الصرف وهميًا. وهذا التثبيت كان يتمّ من خلال إستخدام أموال اللبنانيّين وودائعهم في المصارف، بحجّة عدم إرتفاع سعر الدولار.أكثر من ذلك، كان دخل بعض اللبنانيّين يفوق بشكل مُستغرب وغير منطقي، دخل ومدخول العديد من الموظّفين والعاملين في دول أوروبيّة وغربيّة مُختلفة، يعملون في القطاعات والمهن نفسها، وهذا أكبر دليل على الخدعة الوهميّة التي وقعنا جميعًا فيها!.