ما وراء قرارات ترامب الصادمة بالعفو عن مجرمين وقتلة أطفال؟ قد يمهد للعفو عن نفسه وأسرته أيضاً!
قبل انقضاء أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، قرر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بشكل مفاجئ، منح عفو خاص، وقرارات أخرى بتخفيف أحكام، لعدد من المجرمين والمدانين الأمريكيين في قضايا مختلفة. وجاء البيان الذي أعلن عن مجموعة من قرارات العفو الرئاسية الأمريكية هذا الأسبوع منسوباً من الناحية الرسمية إلى السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، لكنه انطوى من ورائه على شكاوى راسخة الجذور في نفس الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.
إذ قال بيان العفو الرئاسي إن صديق ترامب ومستشاره منذ فترة طويلة، روجر جيه ستون جونيور، “عومِل بطريقة شديدة الظلم” من جانب المدَّعين، وإن رئيس حملته الانتخابية السابقة، بول مانافورت وقع ضحيةً لإحدى أشد حملات المطاردة السياسية وطأةً في التاريخ الأمريكي.
ترامب يريد “رد الضربات” لمؤسسات إنفاذ القانون
وفي شكواه “سوء سلوك الادعاء”، بدا أن ترامب يتحدث عن نفسه بقدر حديثه عن حلفائه. وهكذا، في سلسلة شملت 49 قرار عفو وتخفيف أحكام صدرت هذا الأسبوع، منح ترامب العفو لمجموعة من المدانين بالكذب والسياسيين المخادعين ومجرمي الحرب الذي يقتلون الأطفال، لكن الخط الناظم وراء كل ذلك كان رئيساً يعتبر نفسه ضحيةً لمؤسسات إنفاذ القانون ويستخدم سلطاته لردِّ الضربات إليها.
وحقيقة الأمر أن ترامب كان في حالة حرب مع نظام العدالة الجنائية، على الأقل عندما يتعلق الأمر به وبأصدقائه. وهكذا، في الأيام الأخيرة له في منصبه، اختار أن يستخدم السلطة الوحيدة المخولة للرئاسة على نحو مطلق لإعادة كتابة الحقائق الخاصة بفترة ولايته من خلال تشويه ووصم التحقيقات التي أجريت معه ومع مواليه المخلصين، وحتى العفو عن آخرين يبدو أن المصدر الوحيد لتعاطفه معهم هو سخطه على المؤسسات التي حاسبتهم.
“الرئيس المهزوم يشكو ما يراه ظلماً قد تعرض له”
بطبيعة الحال، يبدو استخدام ترامب لهذا الامتياز، من بعض النواحي، اعترافاً غير معلن بأنه قد خسر بالفعل انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني الرئاسية. وهذه هي “إجراءات الرأفة” التي قرر الرئيس المهزوم أن يتخذها قبل وقت قصير من رحيله عن منصبه.
لكن هذه القرارات تمثل أيضاً، في الوقت نفسه، محاولة أخيرة وساخطة لممارسة السلطة من قبل رئيس لا ينفك يفقد قدرته على تشكيل الأحداث مع مرور كل يوم، وهو بيان يتجلى معبراً عن الوقت الذي يواجه فيه ترامب نهاية هيمنته على عاصمة البلاد.
في الأسابيع السبعة التي تلت الانتخابات، صرخ مراراً وتكراراً بأنه فاز في الواقع، غير أن ذلك لم يمنع كل محكمة وسلطة انتخابية عليا في البلاد من اعتبار دعاواه باطلةً، وصولاً إلى رفض المدعي العام لها.
ثم طالب الكونغرس بإعادة كتابة مشروع قانون الإنفاق العسكري السنوي، للحفاظ على أسماء القواعد العسكرية التي تكرم جنرالات المعسكر الكونفدرالي الذين دافعوا عن العبودية في الحرب الأهلية الأمريكية، ليفاجأ بتجاهل دعواته من الحزبين ويُمرَّر مشروع القرار بأغلبية ساحقة، ما يتيح التجاوز الأول لحق النقض (الفيتو الرئاسي) خلال فترته الرئاسية.
ترامب ما يزال يحاول إحداث فوضى قبل خروجه من البيت الأبيض
وبالمثل، حاول ترامب متأخراً أن يجعل نفسه طرفاً رئيسياً في حزمة مساعدات الإنقاذ من آثار جائحة كورونا الاقتصادية، قبل أن يختار تجاهلها وتعطيل إقرار الحزمة حتى بعد أن تم تمريرها بالفعل في كلا المجلسين (النواب والشيوخ) بأغلبية كبيرة من الحزبين وبدعم من إدارته ومن القادة الجمهوريين. ومن خلال ذلك، أظهر أنه لا يزال بإمكانه إحداث الفوضى في الفترة الأخيرة من ولايته، على حساب الأمريكيين الذي قد يذهبون الآن دون مساعدة في موسم عيد الميلاد هذا، حتى وإن لم يكن من الواضح ما إذا كان سينجح في فرض إدارته في المحصلة النهائية أم لا.
من ثم، ومع زوال السلطة من قبضته، يجد الرئيس المهزوم ترامب أن سلطة العفو الرئاسية الخاصة به هي السلاح الوحيد الذي يمكنه استعماله دون قيود. إنها إحدى أكثر الصلاحيات التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية ملكيةً، فهي سلطة متروكة تماماً لتقديره، ولا تتطلب تصديقاً من الكونغرس أو المحاكم ولا يمكن إبطالها.
وعلى الرغم من أن رؤساء آخرين كانوا قد تعرضوا لانتقادات لاستخدام تلك السلطة في خدمة حلفائهم السياسيين، مثل جورج بوش الأب الذي عفا عن ستة من زملائه المتورطين في تحقيق “إيران كونترا” وبيل كلينتون الذي عفا عن أخيه غير الشقيق وشريكه التجاري، فإن قلةً نادرة من الرؤساء، إن وُجد شيء كذلك، من استخدمت سلطتها في العفو لتقويض النظام على النحو التي استخدمها ترامب بها.
“زعيم عصابة”
من الجدير بالذكر أنه بموجب إرشادات وزارة العدل الأمريكية، لا يُنظر في حالات العفو عادةً إلا بعد مرور خمس سنوات على خضوع مقدم الطلب للحكم عليه “لينظر في منحه العفو بعد الاعتراف بمسؤوليته عن جريمته المرتكبة وحسن والسلوك”.
لكن الرئيس لا يتعين عليه اتباع هذه الإرشادات التوجيهية، ومن ثم فإن ترامب، المعروف برفضه الامتثال للمعايير أو جهله بها، قد تجاهل إلى حد كبير طرح طلبات العفو للفحص من قِبَل وزارة العدل، وتعامل معها في كثير من الحالات ليس على أنها عفو عن جرائم وإنما تأكيدات تبرئة.
وبالإضافة إلى مستشاره ستون ورئيس حملته السابق مانافورت، أصدر ترامب هذا الأسبوع عفواً عن ثلاث شخصيات أخرى أُدينت بالكذب في التحقيق الخاص بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 الذي قاده المستشار الخاص، روبرت مولر.
في المقابل، اتهم المعارضون ترامب باستخدام سلطته لعرقلة العدالة من خلال مكافأة حلفائه الذين شاركوا في تعطيل التحقيقات ضده. وكتب أندرو وايزمان، أحد كبار مساعدي مولر، على موقع تويتر: “قرارات العفو من هذا الرئيس هي ما تتوقع الحصول عليه إذا أعطيت سلطة العفو لزعيم عصابة”.
الجدل حول قرارات العفو الرئاسية يعود للواجهة مجدداً
وكان بعض واضعي الدستور الأمريكي قد أبدوا قلقهم من سيناريو كهذا، ومنهم جورج ماسون الذي كتب أن الرئيس “يجب ألا يتمتع بسلطة العفو، لأنه قد يعفو في كثير من الأحيان عن جرائم شارك هو نفسه في التحريض عليها” والاستفادة منها.
ومع ذلك، لم يكن مانافورت وستون المستفيدين الوحيدين من العفو الرئاسي لترامب لسابق علاقتهم الشخصية معه أو بأصدقائه. فقد أصدر ترامب عفواً عن تشارلز كوشنر، والد صهره ومستشاره جاريد كوشنر، وأبطل الإدانة التي لطالما ألحقت العار بالأسرة. وذلك رغم أن تشارلز كوشنر كان قد اعترف بأنه مذنب بارتكاب جريمة التهرب الضريبي وجمع تبرعات غير قانونية للحملة الانتخابية والتلاعب بالشهود وقضى بالفعل أكثر من عام في السجن.
وكان تشارلز كوشنر الأب قد أوقع بصهره، الذي أبدى تعاوناً مع التحقيقات في فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، من خلال استئجار عاهرة لإغوائه ثم إرسال شريط فيديو لما فعله إلى زوجته، شقيقة تشارلز كوشنر نفسه. بعدها حوكم كوشنر الأب أمام المدعي العام في ذلك الوقت، كريس كريستي، الذي أصبح حاكم نيوجيرسي في وقت لاحق. وعلى الرغم من صداقته بترامب، وصف كريستي تصرفات كوشنر بأنها “كريهة تجلب الاحتقار” لمرتكبها و”مثيرة للاشمئزاز”، لكنه رفض التعليق على قرار العفو الصادر هذا الأسبوع.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ترامب الذي كان قد وعد في حملته الرئاسية لعام 2016 بـ”تجفيف مستنقعات” المتاجرة بالنفوذ في واشنطن، أصدر عفواً عن أربعة أعضاء جمهوريين سابقين بالكونغرس، رغم إدانتهم بتهم الفساد.
كما أصدر ترامب عفواً عن أربعة متعاقدين أمنيين من شركة “بلاك ووتر” Blackwater، التي أسسها إريك دين برنس، شقيق وزيرته للتعليم، بيتسي ديفوس.
غضب عراقي بسبب عفو ترامب عن مجرمي “بلاك ووتر”
من جهة أخرى، يأتي العفو عن المتعاقدين الأمنيين الأربعة بشركة “بلاك ووتر” على الرغم من إقرار المحققين بارتكابهم مجزرة أفضت إلى مقتل 17 مدنياً عراقياً، منهم نساء وأطفال لا يستطيعون حمل السلاح، في عام 2007. ومع ذلك، جاءت رواية البيت الأبيض لما حدث متعمدةً إخفاء أحداث مروعة، فبحسب بيان العفو: “عندما كانت القافلة العسكرية تحاول تجاوز حصارٍ مفروض عليها خارج (المنطقة الخضراء)، انفلت الوضع وتحول إلى عنف أسفر مع الأسف عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف مدنيين عراقيين”.
لكن بول آر ديكنسون جونيور، المحامي الذي مثّل 5 من عائلات الضحايا العراقيين في دعوى قضائية، قدّم رواية أشد بشاعة لكثير لما حدث، في سلسلة من منشورات تويتر التي أعرب فيها عن غضبه حيال قرار العفو، ومن بين ما وصفه، تحدث ديكنسون عن الطفل العراقي عليّ كناني، وهو صبي كان يبلغ من العمر 9 سنوات، أصيب برصاصة في رأسه أثناء سفره في سيارة. وكتب ديكنسون عن والد علي “الذي فتح باب السيارة بعد أن رأى الدم على النافذة، لتسقط دماغ ابنه على الرصيف بين قدمي والده”.
وتسبب عفو ترامب الأخير هذا بإثارة احتجاجات واسعة ضد استخدام المرتزقة بالحرب، في غضب كبير بين العراقيين وصل صداه إلى البرلمان، الذي طالب بعدم التعامل مع شركات الأمن الأمريكية.
إذ قال عادل الخزعلي، الذي قُتِلَ والده في الهجوم، إنّه صُدِمَ فور تلقّيه الأنباء. وصرَّح لصحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، قائلاً: “العدالة غير موجودة. أطلب من الشعب الأمريكي أن يقف معنا”.
كما أضاف: “لقد فقدت والدي، ومات العديد من النساء والأطفال الأبرياء. أُطالب الحكومة الأمريكية بإعادة النظر في الأمر، لأن هذا القرار يُفقِدُ المحاكم الأمريكية سمعتها. لا يحق لترامب أن يعفو عن قَتَلة الأبرياء”.
ترامب يبحث العفو عن أفراد أسرته وعن نفسه
في تاريخ قرارات العفو الرئاسي الأمريكي، سيكون من الصعب أن تجد شبيهاً لتلك القرارات التي أصدرها ترامب. إذ يتجنب الرؤساء عادةً العفوَ عن قتلة الأطفال الخارجين عن أي سيطرة، ويكفي سبباً لعدم فعلهم ذلك ما تجلبه عليهم مثل تلك القرارات من فقدٍ للمصداقية وإساءةٍ للسمعة السياسية.
لكن ترامب اختطَّ لنفسه سياسةً تتحدى معايير الحكمة التقليدية ووضع تعريفاً جديداً لما يعتبره عدالة. فهو يحتج بأنه يصحح أخطاء إنفاذ القانون الذي يعتقد أنه ظلمه أيضاً، حتى إنه يبحث العفو عن أفراد أسرته وعن نفسه، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز. ومع بقاء نحو أربعة أسابيع له في المنصب، فقد يكون لديه المزيد لقوله في هذه المسألة.
السناتور الجمهوري بن ساسي يهاجم فورة العفو عن دونالد ترامب بعد منح روجر ستون وبول مانافورت ووالد جاريد كوشنر الرأفة مع وعد بالمزيد في المستقبل
واتهم السناتور الجمهوري بن ساسي الرئيس دونالد ترامب في أحدث موجة من العفو عن الأصدقاء والحلفاء السياسيين بأنه “فاسد حتى النخاع”، وسط توقعات بأن ترامب سيصدر المزيد منهم. وأصدر ساسي، وهو ناقد منتظم لترامب، بيانه بعد أن أصدر ترامب عفواً عن الرئيس السابق للحملة الانتخابية بول مانافورت، والمستشار غير الرسمي منذ فترة طويلة روجر ستون، وتشارلز كوشنر، وهو والد ابنه في القانون، جاريد كوشنر.
ترامب يصدر موجة جديدة من قرارات العفو تضم والد جاريد كوشنر ورئيس حملته السابق بول مانافورت
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارات عفو جديدة تضم مدير حملته الانتخابية عام 2016 بول مانافورت ومستشاره السابق روجر ستون، بالإضافة إلى تشارلز كوشنر، والد صهره جاريد كوشنر.
وأدين مانافورت في عام 2018 في إطار تحقيق بشأن التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية عام 2016.
وكان ترامب قد خفف في السابق الحكم على ستون، الذي أدين بالكذب على الكونغرس.
وحصل 26 شخصا على عفو كامل، بينما حصل ثلاثة آخرون على تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، في قرارات ترامب الأخيرة قبل أن يترك منصبه الشهر المقبل.
وعادة ما يكون تخفيف العقوبة بمثابة عقوبة سجن مخففة، لكنه لا يلغي الإدانة أو يشير إلى البراءة.
والعفو يمنح امتيازات مثل استعادة حق الشخص المدان في التصويت أو المشاركة في هيئة المحلفين.
وأنقذ قرار العفو مانافورت من قضاء معظم فترة سجنه البالغة سبع سنوات وستة أشهر بتهمة الاحتيال المالي والتآمر لعرقلة التحقيق.
وكان مانافورت يقضي عقوبته في المنزل منذ إطلاق سراحه من سجن فيدرالي في مايو/ أيار بسبب مخاوف من فيروس كورونا.
وعلق مانافورت عبر تويتر قائلا: “السيد الرئيس، أسرتي وأنا نشكركم بكل تواضع على العفو الرئاسي الذي منحته لي. لا يمكن للكلمات أن تعبر عن مدى امتناننا الكامل”.
وصدر عفو آخر بحق تشارلز كوشنر، أحد أقطاب العقارات ووالد مستشاره جاريد كوشنر، زوج إيفانكا ترامب.
وحُكم على كوشنر الأب، الذي تمتلك عائلته مجموعة من 20 ألف عقار، بالسجن لمدة عامين في عام 2004 بتهم تشمل التهرب الضريبي وجرائم مرتبطة بتمويل الحملات والتلاعب بالشهود.
وتتعلق تهمة التلاعب بالشهود بانتقام كوشنر الأب من صهره الذي كان يتعاون مع السلطات ضده. واستعمل كوشنر الأب عاملة جنس لإغواء صهره، وسجل لقاءهما وأرسله إلى أخته.
وقال كريس كريستي، مستشار ترامب السابق، الذي سجن كوشنر الأب بصفته مدعيا عاما في نيو جيرسي، لشبكة “سي إن إن”: “هذه واحدة من أكثر الجرائم البغيضة والمثيرة للاشمئزاز” التي تعاملت معها.
وكانت هذه الموجة الثانية من قرارات العفو التي أصدرها ترامب في غضون أيام قليلة. وأصدر الرئيس الأمريكي الثلاثاء عفوا عن 15 شخصا وخفف الأحكام الصادرة بحق خمسة آخرين.
وكان من بينهم اثنان أدينا في تحقيق بشأن التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء سابقين في الكونغرس عن الحزب الجمهوري وأربعة متعاقدين عسكريين من شركة “بلاك ووتر” شاركوا في مجزرة عام 2007 في العراق.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أصدر ترامب عفوا عن مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين الذي أدين خلال التحقيق بشأن التدخل الروسي.
واعترف فلين بالكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي، قبل أن يحاول التراجع عن إقراره بالذنب.
وخلص تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر الذي دام 22 شهرا إلى أنه لا يمكن الجزم بتآمر ترامب أو مساعديه مع الكرملين للتأثير على انتخابات عام 2016 لصالحه.
ووجه ترامب انتقادات كثيرة لهذه التحقيق، وقد أصدر الآن عفوا عن خمسة أشخاص أدينوا خلاله.
أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الثلاثاء، عفواً مثيراً للجدل عن عدة أفراد، بينهم شخصان على صلة بالتحقيق بشأن التعاون المفترض بين فريق حملته الانتخابية وروسيا، وعناصر من شركة «بلاك ووتر» الأمنية، قبيل أسابيع من انتهاء ولايته.
وتثير خطوته مزيداً من الجدل، وتأتي في وقت يواصل فيه الرئيس الجمهوري رفض الإقرار بهزيمته أمام خصمه الديمقراطي جو بادين في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني). وتضاف إلى قرارات عفو سابقة صدرت بحق حلفاء سياسيين لترمب الذي سيغادر منصبه في 20 يناير (كانون الثاني).
وفتحت هذه القرارات بالعفو باباً من الجدل بين قانونيين وصفوا الخطوة بأنها تسييس لسلطة العفو الرئاسي لصالح حلفاء ترمب قبل أسابيع قليلة من ترك منصبه، وتستهدف حماية أصدقائه وحلفائه المقربين، كما تفتح الباب أمام احتمالات لموجة أخرى من قرارات العفو، قد تشمل الرئيس نفسه وأفراد أسرته ومحاميه وشركاء آخرين.
– 15 مستفيداً
وأعلن البيت الأبيض في بيان أن الرئيس منح عفواً كاملاً لنحو خمسة عشر شخصاً، وخفف جزئياً أو كلياً الأحكام الصادرة بحق خمسة آخرين. ومُنِح عفو كامل لجورج بابادوبولوس، المستشار السابق لترمب خلال حملته الانتخابية عام 2016 الذي اعترف بأنه كذب على مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بشأن اتصالاته مع الروس. وكان بابادوبولوس مستشار ترمب للشؤون الخارجية عندما ترشح الأخير للرئاسة في 2016، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. واعترف في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بأنه كذب على مكتب التحقيقات الفدرالي بشأن اتصالاته بأستاذ وعده بأن يعرفه على مسؤولين روس كبار.
وتعاون مع محققي المدعي الخاص روبرت مولر الذي أجرى تحقيقات استمرت عامين، وتتعلق بوجود تواطؤ محتمل بين روسيا وفريق ترمب. ولم يتوصل التحقيق إلى إثبات وجود تواطؤ بين موسكو والملياردير الجمهوري.
وقضى بابادوبولوس 12 يوماً في السجن. وقال البيت الأبيض إن «العفو اليوم يُصحح الضرر الذي ألحقه مولر بأشخاص كثيرين». كما أصدر ترمب عفواً عن المحامي الهولندي أليكس فان دير زفان، المتهم كذلك في إطار التحقيق الروسي.
كما شملت قائمة العفو ثلاثة أعضاء جمهوريين سابقين في الكونغرس، بينهم النائب الجمهوري السابق عن نيويورك كريس كولينز، والنائب الجمهوري السابق عن كاليفورنيا دنكان هانتر الذي أقر بالذنب بسرقة أموال من حملته الانتخابية، وحُكم عليه بالسجن 11 شهراً في مارس (آذار) الماضي؛ بينما خفف ترمب من الحكم الصادر بحق النائب الجمهوري السابق عن تكساس ستيف ستوكمان الذي أدين بإساءة استخدام الأموال الخيرية، والنائب فيل ليمان عن ولاية يوتا الذي أدين بقيادة احتجاجات غير قانونية.
ولعل قرارات العفو التي تسببت في القدر الأكبر من الاستياء، أميركياً وفي الخارج، هي تلك التي شملت أربعة حراس أمنيين من شركة «بلاك ووتر» أدينوا بقتل عراقيين في 2007، بمن فيهم نيكولاس سلاتن الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وأدين هؤلاء بفتح النار في ساحة النسور المزدحمة في بغداد في 16 سبتمبر (أيلول) 2007 في حادثة تسببت في فضيحة دولية، واستياء متزايد من الوجود الأميركي. وأسفر إطلاق النار عن مقتل 14 مدنياً عراقياً على الأقل، وإصابة 17 آخرين. وأكد الحراس آنذاك أنهم تصرفوا من باب الدفاع عن النفس، رداً على تعرضهم لإطلاق نار من قبل مسلحين. وأفاد بيان البيت الأبيض بأن لدى العناصر الأربعة السابقين في الجيش «تاريخاً طويلاً من خدمة الأمة».
– انتقادات أميركية
وأثار القرار انتقادات لدى كثير من الخبراء الذين أشاروا إلى أن تلك القرارات بالعفو لعدد من الشخصيات المثيرة للجدل والشخصيات المرتبطة بمصالح وعلاقات وثيقة بالرئيس ترمب، تضيف بعداً جديداً غير مرحب به على تسخير ترمب سلطاته كرئيس لصالح حلفائه السياسيين.
وسارع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الديمقراطي، آدم شيف، إلى التنديد بهذه الخطوة، وقال: «إذا كذبت للتستر على الرئيس، فستحصل على عفو. إذا كنت سياسياً فاسداً أعلن تأييدك لترمب، فستحصل على عفو. إذا قتلت مدنيين أثناء الحرب، فستحصل على عفو».
وانتقد المدعي العام الفيدرالي السابق غلين كيرشنر قرارات ترمب، قائلاً في تصريحات لشبكة «إن بي سي» إن قرارات العفو ضد أشخاص كذبوا على مكتب التحقيقات الفيدرالي في تحقيقات التدخل الروسي «تعد اعتداء على سيادة القانون». وأضاف: «إنه يعفو عن أشخاص كذبوا على العملاء الفيدراليين، وعن نواب جمهوريين كانوا إما يسرقون من أموال المانحين أو يرتكبون انتهاكات في تمويل الحملات». وأضاف: «لكن أكثر ما يزعجني هو العفو عن الأربعة المتعاقدين مع شركة (بلاك ووتر) الذين ذبحوا الأبرياء وغير المسلحين من الرجال والنساء والأطفال العراقيين، وربما يكون هذا العفو أكبر إهانة لحقوق الضحايا العراقيين خلال 30 عاماً قضيتها كمدعٍ عام».
كما انتقد عضو الكونغرس الجمهوري المنتهية ولايته ويل هيرد هذه الخطوة على «تويتر»، قائلاً إن «العفو عن أشخاص منتخبين ذوي حظوة في السلطة لارتكابهم جرائم عن عمد اعترفوا بارتكابها، ليست سياسة محافظة على الإطلاق».
بينما قال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين على «تويتر»: «لا شيء يفعله بات يثير الدهشة بعد الآن، ولكن يا لها من إساءة استخدام فاضحة وحزبية وجسيمة للسلطة». وأضاف: «هذا هو المستنقع في أسوأ حالاته. يبدو 20 يناير بعيداً».
– استياء عراقي واسع
وفي العراق، أعرب كثيرون عن غضبهم وحزنهم أمس، إثر سماعهم قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته العفو عن أربعة حراس أمن أميركيين دينوا بقتل مدنيين عراقيين في بغداد عام 2007.
وقال العميد فارس سعدي، وهو ضابط شرطة ترأس التحقيق فيما حصل: «أشعر باليأس من زمان». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية: «13 سنة؟ أتذكر كل شيء كأنه أمس، وليس أول من أمس». وتابع: «كان رمياً عشوائياً بالكامل، أخذت ضحايا إلى المستشفى، ولكنني كُنت أعرف أننا لن نصل إلى العدالة».
كان سعدي محققاً رئيسياً من قبل الشرطة في ذلك الحادث المأسوي، وتولى التنسيق مع فريق مكتب التحقيقات الفدرالي الذي أرسل لبغداد حتى الإدلاء بشهادات الشهود في المحكمة الأميركية. في بادئ الأمر، دين ثلاثة حراس هم بول سلاو وإيفان ليبرتي ودستن هيرد بالقتل العمد ومحاولة القتل العمد، إضافة إلى استخدام أسلحة نارية، وحُكم على كل منهم بالسجن ثلاثين عاماً. وحكم على رابع هو نيكولاس سلاتن بالسجن مدى الحياة كونه أول من أطلق النار.
كما صدر حكم مماثل بحق سلاتن لدى إعادة محاكمته في أغسطس (آب) 2019. وبعد شهر خفضت عقوبة سلاو وإيفان وهيرد إلى النصف أو دون ذلك. وأضاف سعدي: «كنت أتابع كل شيء، رأيت تخفيف الأحكام تدريجياً بالمحاكم، وعرفت أنه لن تكون هناك محاسبة. لذلك لم أفاجأ» بالقرار الأخير.
وجاء عفو ترمب بعد أسابيع قليلة من إغلاق المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً أولياً في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات البريطانية في العراق، بعد غزوه عام 2003. وبعدما أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية عام 2017 أن هناك «أساساً معقولاً» لمثل هذه الجرائم، قالت هذا الشهر إنها لم تجد دليلاً على أن بريطانيا قامت بحماية جنودها من الملاحقة القضائية.
واعتبر عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي، أن القرارين المتتاليين يظهران أن هناك «احتراماً قليلاً لحقوق الإنسان في الخارج»، على حد قوله. وقال للوكالة الفرنسية: «هذا الأمر يؤكد مخالفة هذه الدول لمعايير حقوق الإنسان والقانون الدولي. إنهم يوفرون الحصانة لجنودهم مع أنهم يدعون حماية حقوق الإنسان».
ولم يشهد العراق أي محاكمة في قضية ساحة النسور، بسبب ظروف الصراع الطائفي التي كانت تضرب البلاد.
وأعلنت بغداد آنذاك رفضها تجديد رخصة عمل شركة «بلاك ووتر»، كما رفضت وزارة الخارجية الأميركية تجديد عقدها مع الشركة للعمل هناك.