في عظاته الأسبوعية المتتالية من بكركي، طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي عقد مؤتمر دولي؛ لوضع حد للأزمة السياسية في لبنان.
وجاء الطرح بعد نحو شهرين من مناداته أيضاً بـ”حياد” لبنان عن المحاور الإقليمية، مسجلاً اعتراضه الكبير على خطف الدويلة للدولة، وامتعاضه الشديد من رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي لم يستجب لمبادرة سيد بكركي في تقريب “المسافات الحكومية” بينه وبين الرئيس المكلف سعد الحريري.
وكان الراعي في عظاته يشدد على سيادة الدولة على أراضيها بالكامل، ويصرخ عالياً بوجوب التحرك لوقف الانهيار الاقتصادي، ويحمّل صراحةً القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة في لبنان، المسؤولية عن ذلك.
وإذا كانت مناداة بكركي بحياد لبنان تُقدم السجالات السياسية الداخلية بين مؤيد رأى في ذلك خشبة خلاص للبنانيين، ومعارض اتهم البطريرك بالخيانة، فإنّ طرح المؤتمر الدولي اعتبره السيد حسن نصرالله دعوة مباشرة إلى الحرب.
فالتدويل في قاموس حارة حريك هو استدعاء الغرب لنزع سلاح المقاومة وتسليم لبنان إلى المحور الصهيو-أمريكي، ومن ثم ضرب كل إنجازات الحزب العسكرية وغير العسكرية، وقطع الطريق عليه لتحقيق مشروعه في لبنان بشكل نهائي.
بطبيعة الحال البطريرك الراعي لم يطرح المسألة من هذه الزاوية، إنما كان واضحاً في قوله: “نريد مؤتمراً شبيهاً بالطائف لحل الأزمة الداخلية، أنا لا أدعو إلى مؤتمر تأسيسي جديد، إنما أريد تطبيق الطائف نصاً وروحاً”. وهذا الكلام في السياسة، ليست فيه إشارات عسكرية ولا مناظير ليلية، بل هو واضح بنصه ومدلولاته.
لكن الحزب توجَّس منه، وتوجُّسه في مكانه، فهو صادر عن بكركي وليس عن حزب سياسي له مطامع سلطوية، أو مآرب انتخابية، بكركي لا تناور في ثوابتها الوطنية، تتأخر في التحرك، تغضُّ النظر عن تحالف هنا وآخر هناك، لكنها في نهاية المطاف تنتصر لـ”الكيان” اللبناني، ولذلك قيل إنَّ “مجد لبنان أُعطي لها”.
فأن يصدر كلام كهذا عن سيد بكركي، معناه أن الحزب سينتفض ويستنفر سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، لكن استنفاره مضبوط على قاعدة: نردُّ على تصاريح الراعي بكلام عالي النبرة ثم نبدأ بالهبوط الآمن والدعوة إلى الحوار، بالتالي الهدف ليس الاشتباك مع بكركي؛ بل العمل على الحد من تداعيات خطابها واستيعابه واحتوائه؛ لأن السجال مع بكركي مكلف داخلياً وخارجياً، ومنثم اعتماد سياسة الاحتواء بهدف تفريغ الطرح من محتواه هو السلوك الأكثر أهمية والأجدى استراتيجياً.
لذلك صعّد الحزب موقفه تجاهها عبر النائب حسن فضل الله، وسمح لجيشه الإلكتروني بأن يسرح ويمرح على تويتر، لكنه بالوقت عينه أكد أن الطرق ليست مقطوعة بينه وبينها، وأن الحوار هو السبيل الأفضل لبحث طروحاتها، ولذلك نشطت اللجنة الثنائية بينهما لتحضير لقاء يجمع بين وفد من حزب الله والبطريرك الراعي.
يعلم حزب الله أن بكركي كانت إلى حد كبيرٍ قريبة منه، وهي بالحد الأدنى لم تعادِه كما فعلت أيام البطريرك الاستقلالي مار نصرالله بطرس صفير، ولسنوات خلت قيل علناً، إن الراعي في خندق واحد مع محور الممانعة. لذا فالمعركة معه اليوم وفي ظل الضغط الممارَس خارجياً على الحزب، ستكون مكلفة بنتائجها، على اعتبار أن خلف بكركي هناك الفاتيكان، ودول عربية وغربية أيدت طرحها وإن رأت أن توقيته غير مثالي كفرنسا مثلاً، لكن مجرد استعداء الحزب لها، سيجعل كل هؤلاء وغيرهم كثيرون في صفها ومع مؤتمرها الدولي، وربما تحت عناوين مخالفة لتلك التي يريد الراعي تحقيقها.
بكركي رفعت الصوت عالياً ودعت إلى تحرير الدولة بعد تحرير الأرض، وجمعت حولها أحزاباً سياسية مسيحية وتجمعات ثورية وقوى وطنية، وما يعوز طرحها اليوم هو التبني الوطني له، لأن في التبني الوطني استهدافاً مباشراً لحزب الله، إلا أن هذا التبني غير متوافر، فالحزب الاشتراكي لم يعلن حتى الآن موقفاً واضحاً حول ذلك، تيار المستقبل شدد على موضوع الحياد تحت سقف إعلان بعبدا، حركة أمل ربما يكون عبّر عن موقفها المفتي الجعفري أحمد قبلان ببياناته النارية ضد الراعي، وأي طرح لا يحوز الإجماع الداخلي يبقى طرحاً غير قابل للحياة.
ويدرك الحزب أن عدم حيازة بكركي إجماعاً وطنياً لطروحاتها، من شأنه أن يُضعف موقفها، كما يدرك أن الحوار معها حول هذه النقاط يعني تقديم المماطلة والتسويف على التوصل إلى نقاط مشتركة يمكن أن يؤسس عليها.
لذا هل نشهد مع الأيام المقبلة تطورات حول هذا الملف؟ أم توترات تستفيد من حركة الناس في الشارع وتأخذنا إلى حيث ما لا تحمد عقباه؟
ذكرت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن 7 محتجين لبنانيين أصيبوا، السبت 6 مارس/آذار 2021، بجروح في حادث دهس متعمد لمحتجين على طريق رئيسي جنوبي العاصمة بيروت.
الوكالة قالت في بيانها، إن “إشكالاً وقع بين عدد من المحتجين (على تردي الأوضاع المعيشية)، كانوا يقطعون طريق عام الشويفات، وسائق سيارة كان مُصراً على تخطي العوائق والمرور عبرها”.
الأمن يلقي القبض على المتهم
أضافت الوكالة اللبنانية أيضاً: “بعدما رفض المحتجون السماح له بالمرور عمد السائق إلى دهسهم؛ ما تسبب بجرح 7 منهم”، دون تفاصيل عن حالتهم الصحية. وأشارت إلى أن القوى الأمنية “ألقت القبض على سائق السيارة”، دون مزيد من التفاصيل.
يُذكر أن العاصمة بيروت ومدينة طرابلس شهدتا يوم السبت، احتجاجات لليوم الخامس على التوالي، رفضاً للأوضاع المعيشية واحتجاجاً على تراجع قيمة العملة المحلية “الليرة” بشكل حاد.
هبوط العملة اللبنانية
إذ هبطت العملة المحلية إلى أدنى مستوى، لتتخطى للمرة الأولى 10 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء، فيما لا يزال السعر الرسمي للدولار عند 1510 ليرات.
في حين هدد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بالتوقف عن عمله للضغط باتجاه تشكيل حكومة جديدة، مؤكداً أن “الظروف الاجتماعية تتفاقم والسياسية تزداد تعقيداً”.
من جرّاء خلافات بين القوى السياسية، لم يتمكن لبنان حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة، منذ استقالة حكومة دياب في 10 أغسطس/آب الماضي، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت.
يُذكر أنه في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020، كلف الرئيس اللبناني ميشال عون، سعد الحريري بتشكيل حكومة، عقب اعتذار مصطفى أديب؛ لتعثر مهمته في تشكيل حكومة.
احتجاجات وغلق طرق
في المقابل ذكر شهود عيان لـ”الأناضول”، أن مئات المحتجين أغلقوا 10 طرق بكل من العاصمة بيروت، ومدن طرابلس (شمال) وصيدا (جنوب) والبقاع (شرق).
كما عمد المحتجون إلى إحراق الإطارات المطاطية بتلك الطرق؛ ما تسبب في وقف حركة السير عبرها.
وشهدت تلك المدن تهافتاً كبيراً على شراء الاحتياجات والمواد الغذائية المدعومة (الحليب، الزيت وغيرهما)، وفق الشهود.
كما ندد عشرات المحتجين في البقاع بـ”السياسات التي تسببت في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع سعر صرف الدولار”، وفق الوكالة الرسمية.
يُذكر أن لبنان يمر بأزمة سياسية واقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990).