الشركة قلقة من انهيار تقييم تطبيقها بعد التضييق على المحتوى الفلسطيني، وآبل ترفض نجدتها
رفضت شركة “آبل” طلباً من فيسبوك بحذف التعليقات السلبية في متجر التطبيقات، بعد اتفاق محتجين مؤيدين لفلسطين على خفض التقييم الخاص بالتطبيق، بسبب الرقابة المفروضة من قبلها على المحتوى الفلسطيني، خصوصاً خلال الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة.
كان تطبيق فيسبوك قد حصل أمس السبت، 22 مايو/أيار 2021، على تقييم 2.3 من تصنيف الخمس نجوم في متجر التطبيقات، بعد أن كان تقييمه يتجاوز الأربع نجوم الأسبوع الماضي.
الجزء الأكبر من التقييمات هو التقييم بنجمة واحدة، وأشارت العديد من التعليقات إلى أن تقييمها المنخفض جاء بسبب الرقابة التي تفرضها فيسبوك على هاشتاغات مثل #FreePalestine أو #GazaUnderAttack.
شبكة NBC News الأمريكية، قالت الأحد 23 مايو/أيار 2021، إن مهندس برمجيات بارز قال في منشور على لوحة الرسائل الداخلية في فيسبوك، قال إن “ثقة المستخدم تتراجع بدرجة كبيرة بعد التصعيد الأخير بين إسرائيل وفلسطين. ومستخدمونا مستاؤون من طريقة تعاملنا مع الموقف، ويشعرون أنهم خاضعون للرقابة والتقييد، ولا يمكنهم الحديث، ونتيجة لذلك بدأ مستخدمونا في الاحتجاج بترك تقييمات بنجمة واحدة”.
وأظهرت رسالة داخلية راجعتها شبكة NBC أن الشركة تشعر بقلق بالغ إزاء الجهود المنسقة لخفض التقييم، وصنفت المشكلة على أنها SEV1، والتي تعني “severity 1” أو “خطورة من الدرجة الأولى”.
على إثر ذلك، اتصلت شركة “فيسبوك” بمتجر التطبيقات لحذف التعليقات السلبية، لكن “آبل” رفضت طلبها، وفقاً لما أورده موقع Business Insider الأمريكي.
تحرك منظم ضد فيسبوك
كان نشطاء مؤيدون لفلسطين قد عبروا استيائهم إزاء لجوء عديد من مواقع التواصل الاجتماعي إلى تقييد أو حذف المحتوى والحسابات المؤيدة لفلسطين، فعلى سبيل المثال فرض موقع إنستغرام قيوداً على المنشورات التي تحوي هاشتاغات تشير إلى المسجد الأقصى.
أظهر الموقع لبعض المستخدمين الذين أرفقوا منشوراتهم بهذا الهاشتاغ رسالة تقول إن محتواهم مرتبط بـ”عنف أو منظمات خطيرة”، وعلّقت شركة إنستغرام المملوكة لفيسبوك بالقول: إنها “وصفت هذا المكان خطأً بأنه مرتبط بمنظمة إرهابية”.
كذلك قال مستخدمو كلا الموقعين أيضاً إن منشوراتهم المرتبطة بالحرب حُذفت، وعللت الشركة ذلك بوجود خلل في خوارزميات التعديلات.
ولجأ مستخدمون عرب لموقع فيسبوك إلى استخدام الخط العربي القديم الخالي من النقاط، في محاولة لخداع الخوارزمية التي تلاحق ما يكتبونه وتقوم بحذفه، كما لجأ آخرون إلى الخطأ عمداً في تهجئة كلمة مثل فلسطين، وإسرائيل، حتى لا تُحذف منشوراتهم.
“قضيتنا واحدة وإسرائيل تُصنفنا مواطنين درجة أخيرة”.. كيف يعيش فلسطينيو الداخل الثائرون ضد تل أبيب؟
أعاد العدوان الإسرائيلي على غزة تسليط الضوء على فلسطينيي الداخل، الذين تجندوا لدعم أبناء بلدهم في القدس وغزة، والذين أيضاً احتجوا على سياسة القمع والبطش والتمييز التي تتبناها إسرائيل ضدهم، رغم عيشهم داخل “خطها الأخضر”.
ويواصل فلسطينيو الداخل المحتل هبتهم الشعبية التي ازدادت زخماً مع تنفيذ إضرابٍ شاملٍ دعت إليه لجنة المتابعة العربية يوم الثلاثاء الماضي، احتجاجاً على السياسة الإسرائيلية.
وتأتي هذه الهبة لفلسطينيي الخط الأخضر مع تصاعد حدة الاشتباكات في عشرات البلدات والقرى، تركزت في اللد وحيفا وعكا وسخنين ويافا وكفر كنا، وأدت لإصابة العشرات من المتظاهرين واعتقال الشرطة لمئات آخرين.
ويشكل فلسطينيو الداخل 20% من سكان دولة الاحتلال بواقع 1.9 مليون نسمة، ينحدرون من 160 ألف فلسطيني بقوا في فلسطين إبان نكبة 1948، ومرت تجربتهم طوال هذه الفترة بكثير من المحطات عنوانها سعي إسرائيل “لأسرلة” المجتمع، ولكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف، بالنظر إلى اشتعال هذا الحراك الثوري.
فلسطينيو الداخل.. تمييز اجتماعي
تعيش إسرائيل مرحلة طوارئ بعد أن تفجرت جبهات القدس والداخل والضفة الغربية في وقت واحد، مع استمرار العملية العسكرية في غزة، وهي حالة استثنائية لم تشهدها من قبل، لذلك فإنها تخشى من تداعيات الإضراب أن يؤثر على سير العدوان على غزة.
جهاد عيد الله هو إعلامي فلسطيني يعيش في داخل الخط الأخضر، قال: “نحن فلسطينيي الداخل نعيش اليوم في ظل الاحتلال، فالشعب الفلسطيني إذا كان يعيش في الداخل أو الضفة أو قطاع غزة تُمارس ضده كل أساليب القمع، والنهج الإسرائيلي الصهيوني هدفه قتل وتهجير كل المواطنين الفلسطينيين، هذا القمع الذي تمارسه إسرائيل على كل منطقة حسب خاصيتها”.
وأضاف وأضاف في حديث مع “عربي بوست”: “يتم تهجيرنا وقتلنا وقمعنا عن طريق تشتيت الهوية حتى لا تعرف هل أنت عربي فلسطيني؟ أم عربي إسرائيلي؟ أو عربي فلسطيني بجنسية إسرائيلية؟ لكننا اليوم نؤكد أن الجميع يعيش تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، ولا فرق بيننا وبين أبناء بلدنا في الضفة أو في غزة، ففي غزة والضفة يتم القتل وعندنا تتم الأسرلة”.
وقال المتحدث: “نحن لسنا جزءاً من النسيج الإسرائيلي، نحن عرب فلسطينيون نعيش داخل إسرائيل، نطالب بحقوقنا الشرعية والقانونية كمواطنين وندفع للحصول عليها، لكن في المقابل نحن مجتمع لدينا أنظمتنا ومؤسساتنا وأحزابنا ولجاننا التي تمثلنا”.
وعن مستوى عيش فلسطينيي الداخل قال إن “هناك عنصرية تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين في السكن وفي أماكن العمل وفي التعليم، فالطفل منذ اليوم الأول يتلقى تعليماً بمنهاج إسرائيلي يُشوه له الهوية، غير ذلك فنبقى نعيش في درجة أقل بكثير من المواطن الإسرائيلي”.
وأشار المتحدث إلى أن “إسرائيل حاولت أنها تُدمج عرب الداخل في مجتمعها ونجحت مبدئياً، لكننا نبقى شعباً همنا الوحيد فلسطين ولدينا قضيتنا، وأنا شخصياً تم اعتقالي مرتين ، بسبب انتمائي ولأنني أحافظ على هويتي”.
رأي عيد الله يُوافقه عليه تامر نافر، مغني الراب الفلسطيني الذي يعيش في مدينة اللّد المحتلة، والذي قال لـ”عربي بوست” إنهم كـ”فلسطينيي الداخل يعيشون تحت إمرة قوانين عنصرية تميز بين العرب وبين الإسرائيليين”.
وأضاف المتحدث أنه “في صفوف العرب الفلسطينيين، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين تُسجل نسبتي البطالة والفقر عاليتين، مقابل ذلك تبقى نسبة التعليم متدنية جداً، ومدخُول الأسر قليلٌ جداً، وليست هناك تراخيص للأسر العربية لبناء البيوت”.
وقال نافر: “نحن مواطنون من الدرجة الأخيرة، فالبلد تقدم نفسها كيهودية، لو مثلاً وجدت مواطناً مغربياً يهودياً يمكن القول إنه يُعامل كمواطن من درجة ثانية، لكن نحن كمسلمين ومسيحيين لسنا جزءاً من هذا المجتمع، نحن آخر شيء هنا”.
واعتبر المتحدث أنه “في الـ20 سنة الأخيرة، منذ أن صعد اليمين للحكومة الإسرائيلية، أصبحت إسرائيل تبيع الهوى لفلسطيني الداخل، لا شيء مجاني، كما أنها قبل سنتين قررت إصدار قانون القومية، لتقول إن هذه الدولة يهودية”.
مواطنون من درجة “أخيرة”
جزء كبير من التوتر الجاري في الداخل المحتل، مرتبط بتراكمات من السياسات الإسرائيلية العنصرية ضد المواطنين العرب، تشمل قوانين وإجراءات أقرتها الحكومات المتعاقبة تنتقص من الحقوق المدنية والسياسية لهذه الفئة باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثالثة، فضلاً عن تضامنهم مع المسجد الأقصى، واحتجاجهم على العدوان في غزة.
رضوان جبارين، الناشط السياسي والحقوقي من منطقة المثلث في الداخل، قال لـ”عربي بوست” إن “الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا تزال تنظر إلى فلسطيني الداخل على أنهم أقلية غير مرحب بهم، لذلك نجد هذا التمييز في الوظائف الحكومية والحقوق السياسية والاقتصادية والدينية، كما أن الدولة تمارس هذا التمييز الطبقي القائم على الهوية الوطنية والدينية على أمل أن يغادر الفلسطينيون أرضهم من خلال قوانين وسياسات ليس آخرها دراسة قانون نزع صفة المواطنة منهم وترحيلهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية”.
وأضاف المتحدث أن “الخطر الأكبر الذي تخشاه إسرائيل أن تؤدي سياساتها العنصرية على مدار العقود السبعة الأخيرة إلى نتائج عكسية تمثلت في هذه الهبة الشعبية عبر تمسك الفلسطينيين بهويتهم السياسية والوطنية، وباتوا متمردين على الحالة الراهنة، لذلك يأتي إضراب يوم الثلاثاء ليؤكد أن فلسطينيي الداخل لا يزالون يشكلون رقماً صعباً في المعادلة السياسية والاجتماعية”.
وأظهرت نتائج استطلاعات للرأي أجراها مركز “غوتمان” لدراسات الرأي العام، ومعهد إسرائيل للديموقراطية، أن 40% من الجمهور الإسرائيلي أبدى قلقه من ارتفاع نسبة الأطباء والممرضين العرب بالمستشفيات الإسرائيلية، و15% يعارضون وجود لاعبين عرب في المنتخب، و43% يشعرون بالانزعاج عند سماع اللغة العربية، و51% من اليهود يرفضون بناء علاقات اجتماعية وثيقة بين أطفالهم وأطفال العرب، و76% من الأبوين يرفضون أي نوع من المصادقة بين أبنائهم.
نهاد أبوغوش، الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” قال لـ”عربي بوست” إن “كل المحاولات الإسرائيلية لـ”أسرلة” فلسطيني الداخل فشلت بالنظر إلى أن هذا الصراع قائم على الهوية الوطنية، وليس على الحقوق والمكاسب الاقتصادية، كما أن الزخم الذي اكتسبته الهبة الشعبية الحالية من خلال توحد راية الفلسطينيين حول قضية القدس ستدفع بصانع القرار في إسرائيل للتفكير بأن هذا المجتمع العربي لا يمكن أن يكون جزءاً من أي مشروع أو غطاء لتمرير قضاياه الوطنية، حتى لو تعرض لخذلان من الأطر السياسية التي تدعي أنها تمثل المجتمع العربي في الكنيست”.
خذلان سياسي والقضية واحدة
يُمكن تحديد أبرز أشكال التمييز الإسرائيلي ضد فلسطيني الداخل بأنهم يمثلون 5% فقط من موظفي القطاع الحكومي في الدولة، رغم أنهم يمثلون 21% من إجمالي سكانها، ويبلغ مستوى الأجور والدخل في المدن العربية 60% من معدل مستوى الأجور في البلدات اليهودية، وهناك 58% من الأسر الفلسطينية في الداخل تحتاج إلى وحدة سكنية على الأقل خلال السنوات العشر الأخيرة، ولم تتمكن 43% منها من بناء أي وحدة سكنية خلال السنوات العشر الأخيرة.
نظير مجلي، الكاتب والمحلل السياسي من الناصرة، قال لـ”عربي بوست” إن “موقف الأحزاب العربية ممثلاً بالقائمة المشتركة التي تضم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني، والحركة العربية للتغيير والفعاليات الشعبية ذات التوجه الإسلامي واليساري ساندت هذا الحراك، ووفرت ما يشبه الغطاء السياسي الذي بحثت عنه الجماهير العربية، باستثناء موقف منصور عباس الذي تحفظ على مسألة الإضراب حتى يبقي على حظوظه في الدخول؛ أي حكومة قد تتشكل من اليمين أو الوسط”.
وأضاف المتحدث أن “مسألة الإضراب أخذت نقاشاً واسعاً بن الأطر السياسية العربية، وجرى التوافق على أن يكون ذا طابع سلمي ونضالي يحمل رسالة أننا لا نسعى للتخريب والإضرار بالدولة، لذلك تم استثناء قطاع الصحة والمدارس للأشخاص ذوي الإعاقة من الإضراب، لنضمن فاعلية عمل هذه القطاعات في هذا الظرف الطارئ، لكن بقية القطاعات ستلتزم به”.
وحمل إضراب يوم الثلاثاء رمزية كبيرة بعد أن دعمته الفصائل الفلسطينية بالدعوة لإضراب شامل في الضفة الغربية والقدس، ما أكسبه أهمية بالنسبة لتحرك الفلسطينيين للمرة الأولى تحت لواء قضية وطنية وهي نصرة القدس، كما فعلت غزة.
عصمت منصور، المختص في الشؤون الإسرائيلية من الضفة الغربية، قال لـ”عربي بوست” إن “انضمام الضفة الغربية للدعوة إلى إضراب الداخل من شأنه أن ينقل الحالة السياسية الفلسطينية إلى مربع جديد، سيكون لها ما بعدها من خلال كسر وتغيير المنهج الإسرائيلي بالتعامل مع كل قضية في المناطق الفلسطينية على حدة، وهو ما تخشاه إسرائيل، وسيدفعها لتقديم تنازلات ليس أقلها احتواء المطالب الفلسطينية، والإقرار بشرعيتها، والعمل تحت هذا الضغط الشعبي الذي ينفجر لأول مرة منذ عقود بهذا الشكل”.
وأضاف المتحدث أن “البعد الآخر لانضمام الضفة الغربية للإضراب يعني أن كل محاولات التهميش وطمس وإلغاء الهوية ودمج المجتمع و”الأسرلة” والمقايضات والحقوق الفردية، لم تعُد مجدية سياسياً، ومن زاوية أخرى كسرت الضفة الغربية القناعة الإسرائيلية التي حاولت ترسيخها على مدار السنوات الماضية بأنه مجتمع يهتم بالرفاه الاقتصادي، وليس له أي اهتمام بالقضايا الوطنية”.
طلبات الدعم النفسي لإسرائيليين تضاعفت خلال حرب غزة.. أصيبوا بذعر وأزمات نفسية حادة
قالت جمعية إسرائيلية إن طلبات الدعم النفسي التي تتلقاها عبر الهاتف من إسرائيليين، تضاعفت خلال العملية العسكرية الأخيرة على قطاع غزة، وذلك بسبب الخوف من الصواريخ التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية على المدن المُحتلة.
صحيفة “يديعوت أحرنوت” نقلت عن جمعية “عيران”، أنها تلقت منذ بدء عملية “حارس الأسوار” (الاسم الإسرائيلي للعدوان على غزة)، نحو 10 آلاف طلب مساعدة نفسية من الإسرائيليين.
كذلك أشارت الجمعية إلى أن هذا العدد هو ضعف ما تتلقاه في الأيام العادية، موضحةً أن معظم طلبات المساعدة تلقتها من آباء وأمهات كانوا يعانون أزمات نفسية، جراء إطلاق الصواريخ من غزة، أو أرادوا الحصول على استشارة نفسية لأولادهم أو لآبائهم.
وكان 30% من الحالات التي تعاملت معها الجمعية تعاني حالات ذعر، و20% أزمة نفسية حادة زادت حالة الطوارئ من حدتها.
بحسب الجمعية أيضاً فإن “20% من طلبات المساعدة النفسية تعلقت بمشاكل في الأسرة والقلق على الأطفال والمسنين، وباقي الطلبات (30%) كان أصحابها يشكون من الوحدة”.
يأتي ذلك، بينما ذكرت أرقام رسمية إسرائيلية أن الفصائل الفلسطينية أمطرت منذ اندلاع جولة التصعيد الأخيرة في 10 مايو/أيار الجاري، وعلى مدى 11 يوماً، مناطق جنوبي ووسط إسرائيل بنحو 4 آلاف صاروخ.
على إثر ذلك، دخل ملايين الإسرائيليين الملاجئ وأعلنت حالة الطوارئ من مدينة نتانيا (وسط) إلى المستوطنات المحاذية لغزة جنوباً، وتم تعليق الدراسة في تلك المناطق التي تضم أكثر من مليون طالب إسرائيلي.
أسفرت الصواريخ الفلسطينية عن مقتل 12 إسرائيلياً، وأصيب المئات بجروح وحالات من الذعر متفاوتة الشدة، وفق أرقام رسمية.
كانت أجواء الرعب التي عاشها إسرائيليون قد أدت إلى زيادة الضغوط على رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي واجه انتقادات بسبب فشل قوات الاحتلال بإسقاط جميع صواريخ المقاومة من خلال القبة الحديدية التي كانت إسرائيل تتباهى بها دائماً.
وهذا الخوف والفزع في إسرائيل حدث على الرغم من توافر الملاجئ التي كانت تحمي السكان من صواريخ المقاومة، لكن في المقابل، كان المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة قد وجدوا أنفسهم محاصرين بصواريخ الاحتلال الفتاكة، التي تنسف البيوت على ساكنيها.
لا يوجد في القطاع أي مكان أو ملجأ يحمي السكان من القصف المتعمد على بيوتهم، فضلاً عن غياب وجود صفارات الإنذار كتلك الموجودة لدى الاحتلال، والتي تنبه السكان بضرورة الاحتماء من الصواريخ.
لذا فإن كثيراً من العائلات الفلسطينية نُسفت بيوتهم على رؤوسهم دون سابق إنذار، وقُتل ساكنوها كما حصل لعائلة الحديدي، بعدما دمّرت الصواريخ البناء الذي كانت تسكن به.
يُذكر أنه في فجر 21 مايو/الجاري، بدأ تنفيذ وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل بوساطة مصرية ودولية.
أسفر العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية عن 279 شهيداً، بينهم 69 طفلاً، و40 سيدة، و17 مسناً، فيما أدى إلى أكثر من 8900 إصابة، منها 90 صُنفت على أنها “شديدة الخطورة”.
انتهت الحرب، فما مصير الشيخ جراح؟.. مصر قدمت ضمانات و3 سيناريوهات تنتظر سكان الحي المقدسي
بعد توقف الحرب على غزة بوساطة مصرية مدعومة دولياً، لا تزال الأنظار تتجه إلى حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، حيث تدور التساؤلات عما ينتظر هذا الحي الذي يعد السبب وراء اشتعال الموقف في الضفة وغزة والداخل، من إجراءات إسرائيلية يمكن أن تطاله.
“لا نعلم ماذا ينتظرنا”
الناشطة منى الكُرد من حي الشيخ جرّاح المقدسي وهي واحدة من المهددين بالتهجير، قالت لـ”عربي بوست” إنها لا تعلم ماذا ينتظرهم في الأيام القادمة، لكنها أكدت أنها “لا تتوقع خيراً من الاحتلال الذي لا يريدهم موجودين، ونتعامل مع محاكم احتلالية لخدمة الاستيطان”.
غير أن الكُرد توقعت أن تلجأ إسرائيل إلى المماطلة والتسويف في عملية تهجيرهم، بحيث تؤجل خطوة تهجيرهم في محاولة منها لإخماد الحراك الشعبي الفلسطيني على الأرض وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن بالمحصلة، تعتقد مُنى الكرد أن الاحتلال لن يتخلَّى عن تهجيرهم، معربة عن أملها بممارسة ضغط عالمي على إسرائيل لإلغاء تهجيرهم وليس فقط تجميد أو تأجيل الإجراء الاحتلالي، إضافة إلى إعادة المنازل المقدسية التي تم الاستيلاء عليها من قبل المستوطنين في الحي المذكور، لأصحابها الفلسطينيين.
وينتظر سكان حي الشيخ جراح موعداً جديداً لجلسة المحكمة الاسرائيلية التي كانت مقررة يوم 10 مايو/آيار قبل أن يتم تأجيلها.
وقالت الكُرد: “مِن المفروض أن يتم تحديد الجلسة الجديدة في غضون 15 يوماً.. لكننا لا نعرف ماذا سيتمخض عن ذلك، وماذا ينتظرنا”.
مفاوضات لاحقة حول الشيخ جراح وقضايا أخرى
بدوره، رأى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة “التحرير” أحمد مجدلاني أن الاحتلال الإسرائيلي قد أجل عملياً البت بقضية الشيخ جراح لمجرد إحالتها من المحكمة للمستشار القانوني الإسرائيلي، بمعنى أنه من الناحية الإجرائية فإن الحكومة الإسرائيلية أصبحت طرفاً وليس فقط المحكمة.
ورأى مجدلاني في حديثه لـ”عربي بوست” أن وقف النار المتبادل في غزة قد جرى، لكن التفاوض السياسي على قضية الشيخ جراح والقضايا الأخرى سيأتي لاحقاً، وهنا تبدأ المعركة الداخلية بالنسبة لنتنياهو، خاصة أنه سيواجه نتائج العدوان بحملة عليه من قبل اليمين والمستوطنين.
لكنّ جهات حقوقية مقدسية أفادت لـ”عربي بوست” بأن قضية الشيخ جراح ما زالت من الناحية الإجرائية ضمن صلاحيات محكمة “العدل” العليا الإسرائيلية بالرغم من تدخل الحكومة الإسرائيلية وتأجيل جلسة سابقة كانت معدة للبت في القضية.
وتعتقد أنه ربما إذا ضمنت إسرائيل تهدئة الأمور، تذهب المحكمة الإسرائيلية إلى البت في القضية. بيدَ أن هذه الجهات الحقوقية قالت إن الأمور مفتوحة بشأن طبيعة قرار المحكمة.
ثلاثة سيناريوهات قضائية
ويوضح الخبير في القوانين الإسرائيلية المحامي محمد دحلة لـ”عربي بوست” أن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية لم يتدخل بعد، في قضية الشيخ جراح وإنما هو طلب من المحكمة قبل 10 أيام تأجيل البت بالقضية لفحص إمكانية الانضمام والتدخل من قبله.
وتوقع دحلة انضمام المستشار الإسرائيلي إلى القضية بإيعاز من حكومة تل أبيب بسبب الأحداث الميدانية التي وقعت، بغية إيجاد مخرج ما.
وتحدث المحامي دحلة عن ثلاث سيناريوهات للقضية: الأول، ألا يتدخل المستشار القضائي الإسرائيلي، لكن دحلة اعتبر ذلك سيناريو ضعيفاً.
بينما يتمثل السيناريو الثاني، بتدخل المستشار القضائي في قضية الشيخ جراح، وأن يطلب وقتاً إضافياً ويؤجل البت بالقضية لعدة أشهر أخرى من أجل تقديم موقف معين لا يؤدي إلى قلب مسار القضية.
وهذه حيلة ومراوغة من الحكومة الإسرائيلية حتى لا تبقى الناس في حالة مستمرة بالانتفاض ضد الإجراء الاحتلالي، وذلك عبر استنزاف الفلسطينيين إلى وقت تخف فيه حدة الاحتجاجات والتعاطف الدولي، وبالتالي يتوفر الوقت “المناسب” لإخلاء السكان.
أما السيناريو الثالث للقضية، وفق المحامي دحلة، هو أن يتعمق المستشار القانوني الإسرائيلي في موضوع فحص التسجيل المُجدَّد للأرض الذي تم في بداية السبعينيات لصالح الجمعية الاستيطانية (طرف النزاع).
وأضاف دحلة: “إذا تحقق هذا السيناريو قد يؤدي إلى تأجيل القضية لسنوات وفترة أطول إلى أن تجد إسرائيل وقتاً ملائماً لتنفيذ المخطط أو القول إن الأوراق التي بحوزة المستوطنين لا تكفي لتسجيل الأرض على اسمهم، وبالتالي يسحب البساط نهائياً من تحت أسس دعاوى المستوطنين في الشيخ جراح ويعني هذا انتصاراً فلسطينياً”.
حماس: بالحد الأدنى سيُؤجل تهجير سكان الشيخ جرّاح
من جانبه، أكد رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لـ”حماس” وسام عفيفة، لـ”عربي بوست” أن موضوع القدس والشيخ جراح كان دائماً على طاولة مجمل الوساطات والجهود الدولية طيلة أيام العدوان، معتبراً أنها حماس لو تعاملت مع هذه القضية بمرونة لكانت الحرب قد توقفت في يومها الثالث ولما احتاجت 11 يوماً حتى انتهت.
ووفق عفيفة، فإن الوسطاء وخاصة مصر قدموا “ضمانات” بأنّ ملف الشيخ جراح هو جزء من وقف إطلاق النار لكن التعمق بالتفاصيل يحتاج مزيداً من الوقت والجهد اللاحق من قبل الوسطاء.
وبهذا المعنى، فإن بحث موضوع “الشيخ جراح” ومنع تهجير سكانه هو جزء من وظيفة الوسيط المصري التي سيتم استكمالها بالمرحلة القادمة، بموازاة جهد من الأمم المتحدة وأيضاً من الولايات المتحدة.
وبيَّن عفيفة أنه بناء على لهجة الإدارة الإمريكية، فإنها مُدركة أن قضية الشيخ جراح هي عنصر تفجير وإذا تم فتحه مجدداً من قبل إسرائيل ستنفجر الأمور، وليس بالضرورة على شكل حرب، بل مواجهات شاملة أكثر حدة في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية.
وشدد عفيفة على أن الموقف الدولي هو الآخر يتماهى مع عدم تهجير سكان الشيخ جراح.
وتوقع عفيفة أنه بالحد الأدنى سيتم تجميد خطوة الاحتلال بتهجير سكان حي الشيخ جراح على الأقل في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وسيكون ذلك سارياً ما دامت هناك قوة على الأرض تمنع تغييره.
الاستيطان مستمر
لكنّ أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، عنان وهبة، يعتقد أن التوجه الاستراتيجي الإسرائيلي عموماً هو المضي قدماً بسياسة الاستيطان بالقدس، خاصة أن هناك ذريعة للجمعيات الاستيطانية بشراء المنازل في الشيخ جراح.
لذلك، فإن وهبة يرى في حديثه لـ”عربي بوست” أنه لن تغير إسرائيل سياستها الاستيطانية في القدس، كما أنها ستعمل على عدم “إعطاء حماس إنجازاً خاصاً بالقدس”.
غير أن وهبة لا يستبعد أن تؤجل إسرائيل خطوة تهجير حي الشيخ جراح أو ربما تكون هناك صيغة معينة من المحكمة الإسرائيلية ببقائهم لفترة من الزمن في المنازل.
“الموقف الدولي وصمودنا يمنعان التهجير”
ويقول نائب محافظ القدس عبدالله صيام لـ”عربي بوست” إن الخطر على المواطنين بالشيخ جراح لا يزال قائماً، مضيفاً أن الابتلاع والتهجير القسري بمثابة سياسة إسرائيلية مستمرة.
وشدد صيام على أن المطلوب لمنع التهجير هو أن يدفع الموقف الدولي الذي شاهدناه بالأمم المتحدة وفي كل مناطق العالم في الأيام الماضية، باتجاه تطبيق القوانين الدولية الخاصة بالشعب الذي يرزح تحت الاحتلال في القدس وكل المناطق الفلسطينية، مبيناً أنه حينما يتحقق ذلك يكون حي الشيخ جراح وحي البستان والأحياء الأخرى في القدس بخير.
وبالنسبة لما يُنتظر من محكمة الاحتلال بشأن القضية، قال صيام إن قرارات القضاء الإسرائيلي متماشية مع سياسة الاحتلال العنصرية، وبالتالي لا تعويل على الموقف القضائي الإسرائيلي وإنما “صمودنا في مكاننا والموقف الدولي المساند لنا”.
خشية من انفجار شعبي ضدها، وهواجس أمنية تقلق عباس.. السلطة الفلسطينية بأضعف حالاتها بعد حرب غزة
يُجمع مُراقبون وقيادات من داخل السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” على أن السلطة الفلسطينية الآن تمر بأضعف حالاتها في خضم الأحداث الميدانية غير المسبوقة في حجمها وتزامنها، والتي عصفت بكافة أماكن الوجود الفلسطيني بالداخل.
يأتي هذا في أعقاب الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة بعدما استهدفت حركة “حماس” بصواريخها مدينة القدس المحتلة بعد تهديدات مستوطنين باقتحام المسجد الأقصى.
ومع إعلان وقف إطلاق النار في غزة، وعدم وجود دور ملموس للسلطة في التظاهرات الغاضبة التي اجتاحت الضفة الغربية ومدن من الداخل الإسرائيلي، بدأت تدور أسئلة ملحة تتعلق بما ينتظر السلطة بعد وقف الحرب على غزة، وتبعات هذه الحرب والأحداث المصاحبة لها والمواجهات مع الاحتلال الاسرائيلي على مستقبلها خاصة في الضفة الغربية؟
وهل يُعد ما يجري مخاضاً يهيئ لتغيير في توازنات القوى الفلسطينية أم أن ما يجري من أحداث سيصب بالمُحصلة اتجاه المحافظة على هذه التوازنات؟ وماذا ستفعل الجهات الإقليمية والغربية “القلقة” من أجل الحفاظ على بقاء السلطة الفلسطينية وما يُصطلح عليها دولياً “حماية الوضع الراهن”؟
كما ظهر سؤال آخر يبدو أنه ملح أكثر بالنسبة للمستويات الأمنية الإسرائيلية؛ ألا وهو: هل ستضطر حركة “فتح” إلى الانخراط في المواجهات مع إسرائيل على غرار الانتفاضة الثانية، إذا ما تطورت الأحداث، حفاظاً على قوتها ووجودها واحتكارها للسلطة ومنعاً لسحب البساط من تحت أقدامها لصالح حركة “حماس” وقوى شبابية جديدة باتت تفرض نفسها في الساحة؟
“فتح” مُغيّبة عن أحداث الميدان الأخيرة
أوضح مصدر سياسي فلسطيني في أراضي 48 لـ”عربي بوست” أن المعلومات الواردة إليهم من مصادر أمنية إسرائيلية تشير إلى أن كل الأحداث الميدانية المستجدة في الضفة الغربية في الأيام الأخيرة لا تزال حركة “فتح” من الناحية العملية بعيدة عنها ولم يُسجل أي علاقة لها بها.
لكنّ المسؤول أعرب في الوقت ذاته عن خشيته من أن استمرار المواجهات وتطورها قد يدفع إلى تصاعد الميدان على نحو خطير في الضفة الغربية، لاسيما أن “فتح” لديها كميات كبيرة من الأسلحة، ولديها آلاف النشطاء الذين يتمتعون بإمكانات وقدرات لافتة.
وتابع المسؤول: “تقديرنا أن فتح والسلطة حتى اللحظة لديها قرار بعدم الانخراط عسكرياً في أي مواجهة مع إسرائيل”.
هذه الأحداث الميدانية والمواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي تبدو للوهلة الأولى وكأنها فرصة لإنقاذ السلطة من انفجار حتمي في وجهها من قبل الشارع الفلسطيني على ضوء الفجوة الكبيرة بينه وبين القيادة التي تحظى بالامتيازات والرفاهية بفعل الفساد والمحسوبية والاحتكار، بالإضافة لانسداد الأفق السياسي بعد قرار تأجيل الانتخابات.
غير أن هذا لا يضمن أن خطر الانفجار قد زال تماماً، بل إنه قد يعود بقوة من جديد بعد وقف إطلاق النار في غزة، بحسب مراقبين.
انتشار أمني فلسطيني بلباس مدني تحسباً لفقدان السيطرة!
ورصد موقع “عربي بوست” في الساعات الأخيرة انشاراً أمنياً فلسطينياً غير مسبوق بمنطقة البالوع في مدينة رام الله على مساحة مربع أمني كامل في محيط منزل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، امتداداً إلى مسافة قريبة من منطقة المواجهات اليومية مع قوات الاحتلال شمال مدينة البيرة، وأيضاً في محيط مقر “المقاطعة” (الرئاسة).
اللافت أن الانتشار الأمني هو لعناصر أمنية بلباس مدني ومركبات مدنية (بعضها من شركات إيجار) في الشوارع وبين الأشجار، في سبيل القيام بعملية الرصد والمتابعة كخطوة استباقية لشيء ما يقلق السلطة.
وأكد ضابط في جهاز الاستخبارات الفلسطينية لـ”عربي بوست” أن هذا النشاط الأمني ضرورة في ظل الأحداث المستجدة، بعد مخاوف من اندلاع تظاهرات ضد السلطة بعد وقف حرب غزة وهدوء المواجهات مع الاحتلال في الضفة.
وأفاد الضابط بأن هناك مخاوف ليس فقط من تنامي قوة “حماس” ونشاطها في الضفة الغربية، وإنما أيضاً جهات أخرى لا سيما قوى محسوبة على القيادي المفصول من “فتح” محمد دحلان إضافة إلى ما يُعرف بـ”الحراك المجتمعي”.
يأتي هذا خاصة في أعقاب خروج مسلحين محسوبين على دحلان في الأيام الأخيرة في رام الله ومحافظات أخرى بالضفة بطريقة استعراضية، مُعرّفين أنفسهم بـ”كتائب الأقصى العائدة بعد غياب”!
وأضاف المصدر لـ”عربي بوست” أن الانتشار الأمني لقوات “حرس الرئيس” والاستخبارات جاء بعد واقعة إطلاق النار تجاه الجنود الإسرائيليين شمال مدينة البيرة قبل يومين، ما أدى إلى إصابة جنديين بجراح طفيفة في قدميهما.
وتعتقد أوساط أمنية فلسطينية أن هدف مطلق النار هو جر مناطق السلطة الفلسطينية لعمليات إطلاق النار و”خلخلة” سيطرة السلطة على مناطقها.
كما تتحسب السلطة لسيناريو متمثل بمظاهرات ضدها في المرحلة المقبلة، على ضوء معلومات مزعومة لديها أن مجموعة من “الحراكيين” يحاولون اقتحام مقر المقاطعة في رام الله.
قلق عباس
وعلم موقع “عربي بوست” من مصادر أمنية أن رئيس السلطة اجتمع مؤخراً بقادة الأجهزة الأمنية بعد عملية إطلاق النار المذكورة وخروج ملثم بفيديو يدعي فيه أنه أحد عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مهدداً بعمليات ضد أهداف إسرائيلية.
وطلب عباس من قادة الأمن عدم السماح بفقدان السيطرة على الوضع ومنع أي “عسكرة” للمواجهة مع اسرائيل.
وأفاد المصدر الأمني أيضاً لـ”عربي بوست” بأن هناك مراقبة أمنية حثيثة لما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل النشطاء الفلسطينيين وفي الشارع.
وأوضح أن ثمة قراراً داخلياً في أروقة السلطة أنه بعد توقف حرب غزة وتراجع حدة المواجهات، فإن السلطة تنوي ملاحقة منتقديها وكل من كتب شيئاً ضدها بدعوى “التحريض ضدها”، وذلك في محاولة للمحافظة على “هيبتها”.
محاولات “فتح” والسلطة للاحتواء: هل تنجح؟
وفي الوقت ذاته، سعت السلطة وحركة “فتح” إلى تعزيز مشاركة مسؤوليها وقيادات “فتح” وحتى طارق عباس، نجل رئيس السلطة، في المسيرة الضخمة برام الله التي نظمت يوم الثلاثاء 18 مايو/أيار الذي شهد إضراباً شاملاً في كل أماكن الوجود الفلسطيني، بناء على تعليمات ونصائح أمنية لاحتواء الانتقادات الشعبية ضدها.
كما شارك عضو مركزية فتح جبريل الرجوب وزميلاه عباس زكي ووليد عساف في تشييع شهداء “بلعين وام الشرايط” بمحافظة رام الله، الخميس 20 مايو/أيار. كل هذا فقط للقول “نحن قريبون من الشارع وموجودون في الميدان”.
غضب فلسطيني من الدول العربية
الواقع أن الدول العربية والغربية هي الأخرى تخشى على وضع السلطة. ولذلك، تحاول هذه الدول تعزيز مكانة السلطة في المرحلة القادمة بعد وقف العدوان على غزة، بل وإظهار السلطة وكأنها في صُلب الاتصالات الدولية التي تمخضت عن وقف إطلاق النار في غزة.
عكس ذلك، إعلان القطب الفتحاوي جبريل الرجوب مساء الأربعاء 19 مايو/أيار على قناة “الشرق” الإماراتية عن هدنة مرتقبة في قطاع غزة.
الرجوب نفسه اشتكى قبل أيام من عدم تلقي مقر “المقاطعة” في رام الله أي اتصالات عربية ودولية، في إشارة ضمنية منه إلى غضب السلطة من تركز هذه الاتصالات مع حركة “حماس” وإهمال السلطة.
لكنه سُرعان ما عاد كي يشيد بالجهود العربية في عملية تحقيق التهدئة، فيما يبدو إدراكاً من السلطة بأن هذه الأطراف الدولية ما زالت مهتمة بالمحافظة على توازنات القوى وعدم المساس بمكانة السلطة.
تخوف أمريكي ودولي على مستقبل السلطة
كما أن رسالة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة المكتوبة إلى محمود عباس بدت وكأنها تخفي خلفها خشيةً أمريكية من ضعف السلطة.
يعتقد سفير فلسطين الأسبق نبيل عمرو في حديثه لـ”عربي بوست” أنه لا بد من ألا تتوقف أمريكا وأوروبا عند إطفاء حريق غزة، بل يجب أن يتبعه امتداد سياسي عبر إطلاق جهد لتسوية سياسية.
ولعل إطلاق جهد سياسي دولي تحتاجه السلطة في هذا التوقيت لإعادة الاعتبار لوجودها بعد أن قامت إسرائيل بإضعافها إلى أقصى حد، ولكن دون قتلها.
هل تتغير التوازنات داخل السلطة؟
والسؤال: هل نشهد مقاربة سياسية جديدة من المجتمع الدولي لإنقاذ السلطة وحفظ توازنات القوى الفلسطينية، خاصة مع بروز جيل فلسطيني جديد بلا مرجعية قادر على التمرد على أي شيء وغاضب من السلطة، وقد أبرزت معركة “القدس” هذا الانطباع؟
الباحث الأردني منذر حوارات قال لـ”عربي بوست” إن هذا الوضع الذي تفرضه الفصائل الفلسطينية والسلطة لا بد أن يتغير ولن يدوم مهما كانت رغبة الأطراف الدولية. ذلك أن جيلاً جديداً قد نشأ ولا يمكن احتواؤه، موضحاً أن ما بعد “معركة القدس” ليس كما قبلها.
بيدَ أن السلطة الفلسطينية تعتزم القيام بعدة خطوات في الفترة القادمة لاحتواء الأضرار التي طالت مكانتها على ضوء حرب غزة والمواجهات مع الاحتلال، إذ إنها تريد استثمار الأحداث لاستعادة زمام المبادرة السياسية في المجتمع الدولي بما يعزز دورها، بموازاة إطلاق حوار وطني مع حماس وبقية الفصائل لمناقشة عدة قضايا، بينها تشكيل “حكومة وحدة”.
واعتبر قيادي مقرب من رئيس السلطة محمود عباس في حديث لـ”عربي بوست” أن قضية الشيخ جراح والقدس وأي ترتيبات لاحقة ستتم عبر “الشرعية الفلسطينية” أي السلطة، مضيفاً أن “الموقف الدولي واضح في كون السلطة هي المرجعية، وأن إخواننا المصريين يضعوننا بصورة كل شيء”.
سمحت لطبيب واحد بدخول القطاع، ولا توجد “قوافل” مساعدات.. هذه حقيقة دور مصر الإغاثي خلال حرب غزة
منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة التي انتهت ليلة الخميس 20 مايو/أيار بعد تثبيت الهدنة بين فصائل المقاومة وإسرائيل، بدا واضحاً وجود حالة من التضخيم الإعلامي من قبل وسائل الإعلام المصرية حول دور مصر الإغاثي الذي تقوده القاهرة في هذه الجولة من الحرب على غزة.
فقد ادعت وسائل إعلام مصرية أن القيادة المصرية أمرت الجهات المعنية في الدولة بتوفير كل الاحتياجات الإغاثية التي يحتاجها قطاع غزة في هذه الحرب، علاوة على تقديم الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي مبادرة لتوفير 500 مليون دولار للمساهمة في إعادة إعمار غزة.
لكن مصادر خاصة في قطاع غزة كشفت لـ”عربي بوست” حقيقة المساهمة المصرية في إغاثة القطاع واستقبال المصابين.
نفي حكومي
نفت أوساط فلسطينية في غزة لـ”عربي بوست” حقيقة ادعاءات وسائل الإعلام المصرية، مؤكدة أن ما دخل قطاع غزة هي بعض الشاحنات التي حملت مساعدات غذائية وبعض المساعدات الطبية فقط، لكنها “ليست بالحجم الذي أعلنت عنه مصر في وسائل الإعلام”.
من جانبه، أكد سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أنه جرى تنسيق بين مصر ووزارة الصحة لسفر 11 جريحاً فلسطينياً فقط لتقديم خدمة العلاج لهم في المستشفيات المصرية، دون أن تستقبل الجهات الحكومية الفلسطينية أي سيارات إسعاف مصرية دخلت القطاع.
لم تكن هناك آلية محددة لاختيار الجرحى الفلسطينيين الذين يتم معالجتهم، سواء من الجانب الفلسطيني أو المصري، لكنهم تركزوا من الجرحى في الجزء الجنوبي من قطاع غزة، خاصة مدينتي خانيونس ورفح، القريبتين من معبر رفح، أما باقي الجرحى من مدن غزة الشمالية فقد تكفلت المشافي المحلية بعلاجهم.
ولم يعرف بعد ما إذا كانت مصر قد وافقت على جرحى بعينهم أو رفضت آخرين، لكن الجرحى الـ11 بالعموم من المواطنين العاديين، وليس من المقاومين المسلحين، الذين وجدوا خطورة على أنفسهم من مغادرة غزة في أوقات الحرب.
كما أن عدد الجرحى القليل الذين استقبلتهم مصر قد يعود إلى قدرة وزارة الصحة على تقديم العلاج لهم في مشافيها المحلية، دون الحاجة لعلاجهم في المشافي المصرية.
لا توجد “قوافل” مساعدات
أما ما يتردد عن قوافل المساعدات التي يتم الإعلان عنها من قبل وسائل الإعلام المصرية، فأشار معروف إلى أنها لم تدخل القطاع حتى هذه اللحظة.
وأضاف لـ”عربي بوست” أن طبيباً مصرياً واحداً فقط دخل قطاع غزة، “رغم أننا تلقينا تأكيدات بأن الكثير من الأطباء المصريين أبدوا استعدادهم للوصول إلى قطاع غزة لمساعدة الطواقم الطبية الفلسطينية في علاج المصابين، وكان جزء منهم قد وصل القاهرة، وجزء آخر يجري ترتيبات لدخول غزة عبر معبر رفح من خلال التنسيق مع السلطات المصرية”.
وأكد أن ما استقبلته الوزارات والجهات الحكومية في غزة من مواد ومساعدات هي فقط ما استطاعت بعض المؤسسات الأهلية والأجنبية أن تشتريه وتوفره من المخزون التجاري في غزة، نظراً لأن مستودعات وزارة الصحة شبه خالية، كون الإجراء المعمول به منذ سنوات لدى الجهات الحكومية هو عدم تخزين أي مواد أو أجهزة أو أدوية طبية، كونها باتت في دائرة الاستهداف الإسرائيلي.
إغلاق معبر رفح
رغم التضخيم المصري لموضوع المساعدات الطبية المقدمة إلى غزة، لكن الشواهد على الأرض عكس ذلك، فمعبر رفح الواصل بين قطاع غزة ومصر لا يعمل بشكل كامل منذ بدء الحرب، ومن يسافر على المعبر هم أصحاب التنسيقات الخاصة التي تجري مع المخابرات المصرية.
عبداللطيف الحاج مدير عام المستشفيات في قطاع غزة قال لـ”عربي بوست” إن معبر رفح لا يعمل بشكل اعتيادي في هذه الحرب، ورغم أنه لا يزال مفتوحاً بشكل جزئي لمرور من طرف واحد للمواطنين الذين يودون مغادرة القطاع بأعداد محدودة، ولكن على الصعيد الإنساني لم يصل أي وفود من أطباء أو قوافل إغاثية تم الإعلان عنها في وسائل الإعلام، وما تم إدخاله حتى الآن شاحنات لبعض الأغذية والأدوية والمستهلكات الطبية.
وكشف أنه تم التواصل مع المؤسسات الإغاثية ذات العلاقة بموضوع المساعدات الطبية، ولكن التواصل مع الدول هو مسؤولية ملقاة على عاتق السلطة الفلسطينية، كما تم التواصل مع مؤسسات وجمعيات مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسف والصليب الأحمر وبعض الصناديق العربية والمؤسسات الخيرية الموجودة في تركيا، ولكن لم نتواصل مع حكومات، لأنها تحتاج إلى جانب رسمي.
منظومة صحية متهالكة
يعاني القطاع الصحي في غزة من أزمة متفاقمة جراء حالة الاستنزاف الكبيرة التي تعاني الطواقم الطبية، من حيث التعامل مع أعداد الإصابات التي تجاوز 1700 حالة خلال الأيام الأخيرة.
وكانت وزارة الصحة في غزة قد أطلقت نداء عاجلاً لتوفير 46 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الصحية الطارئة في القطاع، وهي تشمل وفق بيان الوزارة أدوية ومستهلكات طبية وأجهزة عمليات وعناية مركزة وأشعة تشخيصية وأدوات جراحية ومختبرات وغيرها من الاحتياجات العاجلة لضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية.
أدهم أبوسلمية الناشط في مؤسسة الخير الخيرية للإغاثة قال لـ”عربي بوست” إننا ننظر بقلق إلى عدم إيفاء الكثير من الدول بمسؤولياتها المنوطة بها لإنقاذ قطاع غزة من هذه الحرب، لذلك قررنا أن نتحمل هذه المسؤولية من خلال القيام بسلسلة فعاليات على أمل أن تساهم في التخفيف من معاناة المواطنين وهي تقديم مساعدات غذائية ووجبات طعام للأسر المشردة، وتوفير مساعدات نقدية كبدل إيجار للبيوت التي تم تدميرها.
وأضاف: “كما قمنا بدعم قطاع الصحة من خلال توفير 4 سيارات إسعاف تم تجهيزها بشكل طارئ من إمكانيات ذاتية بتكلفة 60 ألف دولار لكل سيارة، إضافة إلى توفير وقود السولار لمواتير توليد الكهرباء الخاصة في المستشفيات، كما تبرعنا بوضع مشفى الخير الخاص بالجمعية تحت تصرف وزارة الصحة آملاَ أن تساهم في تخفيف الضغط على المستشفيات”.
لعل الأزمة الأكبر التي تواجه وزارة الصحة في هذه الحرب هي حالة الاستنزاف الكبير التي تعاني منها المستشفيات، فبالإضافة إلى أزمة الحصار، جاءت أزمة كورونا التي تفشت في قطاع غزة منذ أغسطس/آب 2020، لتزيد من حالة الاستنزاف الكبير لمرافق وزارة الصحة.
يضم قطاع غزة 32 مستشفى ومركزاً صحياً، 13 منها يتبع لوزارة الصحة وهي من تتولى مسؤولية توفير خدمة العلاج في أوقات الأزمات كالحروب، أما عدد الأسرة في القطاع فلا يتجاوز 3 آلاف سرير تخدم 2.2 مليون مواطن نسبة إشغالها في الوضع الطبيعي 95%، أما غرف العمليات المركزية فوصل عددها إلى 63 غرفة، كما يضم القطاع آلفي طبيب، ونحو 3 آلاف ممرض.
وعن الواقع الصحي داخل مرافق وزارة الصحة فيصل عجز أصناف الدواء الرئيسية إلى 47%، وعجز أخر بنسبة 33% في المستهلكات الطبية، و55% نسبة العجز من لوازم المختبرات وبنوك الدم.
عصام يوسف رئيس قوافل “أميال من الابتسامات” قال لـ”عربي بوست” إن “هنالك اجتهادات كبيرة تبذل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوضع الصحي الكارثي في غزة، نحن نجري تنسيقاَ مع وزارة الخارجية المصرية لتأميم الطلبات التي تم الإعلان عنها من قبل وزارة الصحة بغزة، سيتم توفيرها عبر شرائها المباشر من دولة مصر، ونأمل أن تجري الأمور بالشكل المناسب دون أي مضايقات أو شروط”.
لا توجد كلمات لوصف هذا الفشل.. انتقادات إعلامية لاذعة لجيش وحكومة إسرائيل ومستقبل نتنياهو على المحك
شنت الصحافة والمراسلون والمحللون الإسرائيليون هجوماً حاداً على أداء الحكومة والجيش الإسرائيلي في حرب غزة بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار بدءاً من الساعة الثانية فجر يوم الجمعة 21 مايو/أيار، بعد 11 يوماً من القتال، معتبرين أن المبادرة الإسرائيلية بوقف إطلاق النار من جانب واحد هي إقرار بالهزيمة أمام حماس التي سجلت في هذه الحرب أداء سياسياً وعسكرياً لافتاً، مقابل تراجع الحكومة الإسرائيلية.
جاء هذا نتيجة لعجز الحكومة الإسرائيلية في رأيهم عن تحقيق إنجاز عملياتي خلال هذه الحرب، والمتمثل بالوصول إلى قادة الجهاز العسكري لحركة حماس الذين وضعتهم إسرائيل على قائمة الاغتيال وأبرزهم محمد الضيف أو نائبه مروان عيسى أو يحيى السنوار زعيم الحركة، أو بضرب البنى التحتية لصواريخ حماس التي لم تتأثر نظراً لاستمرار إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية حتى الدقائق الأخيرة من سريان قرار وقف إطلاق النار.
هذه القضية حظيت بنقاش كبير على وسائل الإعلام الإسرائيلية التي انشغلت في بث موجات مفتوحة للتحليلات السياسية والميدانية لما جرى في ميدان حرب غزة.
اعترافات بالجملة
يائير لابيد، زعيم حزب يش عتيد، اتهم حكومة نتنياهو بالفشل في هذه الحرب قائلاً: “ما الذي كانت الحكومة تحاول تحقيقه في الأيام الأحد عشر الأخيرة، الحكومة فشلت في كل المجالات الواقعة تحت مسؤوليتها، لا توجد كلمات بسيطة لوصف هذا الفشل، لقد قوَّى نتنياهو حماس وأضعف السلطة وفشل أيضاً في إعادة الجنود”.
أما رون بن يشاي، الخبير العسكري الإسرائيلي، فقال إن “الأهداف الاستراتيجية للحرب على غزة لم تتحقق بعد، ورغم ضراوتها، لكنها لم تنجح بإقامة ردع ثابت وطويل الأمد للمنظمات المسلحة، التي باتت قيادتها قريبة من تزعم المنظومات السياسية والوطنية والدينية للفلسطينيين أينما كانوا، بما في ذلك 48”.
لم تتوقف صواريخ المقاومة في غزة من السقوط في المدن الإسرائيلية طوال أيام الحرب، بل إن مستوى الصواريخ من حيث مداها وصل لأول مرة لمناطق تبتعد 250 كيلومتراً عن قطاع غزة، أو من حيث كثافتها وعددها التي وصلت لـ4300 صاروخ خلال 11 يوماً، وهو نفس عدد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في حرب العام 2014 التي استمرت 51 يوماً.
يعكس هذا التطور النوعي لحماس فشل المنظومة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية التي لم تكن تتوقع أن تمتلك حماس صواريخ بهذا الشكل، كما أن تسيير حماس للمعركة وتحكمها في مستوى التصعيد بإدارة دفة المواجهة لصالحها عبر تشتيت الجيش واستنزافه، أسقط مفهوم الردع الإسرائيلي بصورة كبيرة.
يوسي يهوشع، الكاتب الأبرز في صحيفة يديعوت أحرونوت، علق على الفشل الاستخباري وسوء تقدير الموقف بالنسبة للجيش في هذه الحرب قائلاً إنه “لم يقدر أحد في الجيش أن حماس كانت تتجه نحو الحرب، وأن صفعتها الأولى هي القدس، واستمر الفشل بعد الهجوم الصاروخي الشاهق من غزة نحو تل أبيب وضواحيها، رغم أن تقدير هيئة الأركان أن إطلاق الصواريخ على غوش دان كان خياراً وارداً، ولكن لم يفكر أحد بإمكانية إطلاق 100 صاروخ بهذا الشكل”.
أليكس فيشمان، المحلل العسكري في الصحيفة قال إنه “رغم الضربات الجوية الكبيرة من الجيش، إلا أن حماس سجلت إنجازات مهمة، فنظام القيادة والسيطرة الخاص بها لم يتضرر، ولم تتضرر قيادتها العسكرية في هذه المواجهة”.
الانتقاد الأبرز كان من قائد أركان الجيش السابق غادي آيزنكوت لسياسة الحكومة في التحضير الجيد للمعركة، وقال في مؤتمر لمعهد دراسات الأمن القومي إن “عملية الجرف الصامد في 2014، منحت إسرائيل 4 سنوات من الهدوء، وكانت هناك دعوة من المصريين لترتيبات خاصة تتطلب 6 معايير، ولكن تم تنفيذ معيار واحد”، متسائلاً عن استراتيجية إسرائيل في قطاع غزة بعد العملية، وماذا ستكون على الساحة العالمية.
مستقبل نتنياهو على المحك
جاءت هذه الحرب في ظروف لم تكن في صالح نتنياهو، الذي خسر معركة تفويض تشكيل الحكومة لصالح منافسه يائير لابيد قبل أيام فقط من وصول التوتر في القدس إلى ذروته، وقد حاول نتنياهو تسيير المعركة عبر إطالة أمدها لتسجيل انتصار سياسي يخدمه في ملف تشكيل الحكومة في حال فشل لابيد في مهمته وهو الخيار المتوقع.
نجح نتنياهو نسبياً في هذه النقطة بعد أن عاد شريكه السابق نفتالي بينت، زعيم حزب يمينا ليفض شراكته مع لابيد ويمنح الولاء مجدداً لنتنياهو، لكن مستقبله السياسي بات على المحك بسبب الفشل في هذه الجولة مع حماس، حيث إن حلفاءه التقليديين وجهوا له انتقادات لاذعة بسبب قرار وقف إطلاق النار.
عضو الكنيست من الصهيونية الدينية إيتمار بن غفير قال إن اتفاق وقف إطلاق النار مع غــزة شكل “بصقة” في وجه المستوطنين في الجنوب، يريد السكان من الجيش استكمال العملية العسكرية، سكان الجنوب أقوياء وعازمون، لكن الحكومة للأسف ليست كذلك، لن نساند نتنياهو بأي ثمن.
أما جدعون ساعر، زعيم حزب الأمل الجديد، فعلق على قرار وقف إطلاق النار من جانب واحد، بأنه “لا يفرض قيوداً على حمـاس لمنع التسلح مجدداً، ودون عودة الجنود الأسرى، مما سيقوض الردع الإسرائيلي، وسيكون فشلاً سياسياً ندفع ثمنه”.
في حين تساءلت إيليت شاكيد، الشخصية الأبرز في قائمة “يمينا” بأنهم “يتحدثون عن نصر في هذه المعركة، رغم أنه لا يوجد انتصار طالما لم نستعد جنودنا المحتجزين لدى حماس”.
تمثل الفشل الذي مُني به نتنياهو في هذه الجولة بعدم قدرته على إيجاد حل لمشكلة استمرار سقوط الصواريخ من غزة نحو البلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود والمعروفة بغلاف غزة، ولذلك أكد الصحفي الإسرائيلي ألموغ بوكير أن “الجمهور الإسرائيلي يطالب بخروج رئيس الوزراء ووزير الدفاع للإدلاء بتصريحات للتأكيد على أن المعادلة تغيرت، وأنه لن يسمح بعد الآن بإطلاق الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة، وإلا فإن هذه العملية ليست مجدية”
عائلات تتبادل بعض أبنائها حتى تضمن بقاء النسل.. قصص مأساوية لسكان غزة في مواجهة القصف الإسرائيلي
مع دخول ساعات المساء يعيش أهالي غزة مرحلة تشبه انتظار الموت، تبدأ باستعداد الأهالي لاستقبال أطنان القذائف التي تسقط على رؤوسهم بشكل عشوائي من الطائرات الحربية الإسرائيلية، في مشهد يعكس حدة القصف الذي أخفى ملامح أحياء سكنية بعد تسوية مبانيها بالأرض.
اثنتا عشرة عائلة بأكملها تم مسحها من السجل المدني، وفقاً لبيان وزارة الصحة في غزة، بعد أن دفنتها صواريخ الطائرات الإسرائيلية تحت ركام المنازل التي تم قصفها، وتركزت تلك العائلات في منطقة شرق وشمال مدينة غزة التي شهدت أعنف المجازر الإسرائيلية.
هذا الأمر دفع الفلسطينيين في غزة للبحث عن طرق لتجنب هذه الإبادة الكاملة لعائلاتهم.
كسر للطبيعة الإنسانية
تداول الفلسطينيون قصة عن أحد الآباء، الذي اضطر لاستبدال اثنين من أبنائه مع شقيقه، آملاً أن يبقى نسل العائلة ممتداً في حال تعرضوا لقصف مفاجئ من الطائرات الحربية.
هذا المشهد بات سمةً تنتشر في مناطق مختلفة من قطاع غزة منذ بدء هذه الحرب، فالعديد من العائلات التي عاشت فصول الموت اضطرت إلى تقسيم وتوزيع أبنائها في مناطق جغرافية، خوفاً من أن ينضموا إلى قافلة العائلات التي اختفت من السجل المدني.
تقول أم أحمد لـ”عربي بوست” “هذا الأمر ليس بالهين، فمن الصعب أن تضحي بأحد أبنائك في وقت عصيب كهذا، ولكن مشاهد الموت التي رأيناها لعائلات تم اغتيالها بدم بارد دفعتني إلى الخروج عن الطبيعة الإنسانية والبشرية، بأن أقوم بهذه المجازفة”.
وتضيف أن المشاعر هنا متناقضة، لا شيء يصف هذه الحالة التي أنا عليها الآن، فما بين خوفها على أبنائها المستمر خشية تعرضهم للموت، إلى التفكير فيهم على مدار الساعة وهم بعيدين عنها.
وأضافت “الحياة يجب أن تستمر حتى لو كان ذلك على حساب المشاعر وغريزة الأمومة، رائحة الموت في كل مكان، جميع من في غزة هم على قيد الحياة مع وقف التنفيذ، رائحة الدم منتشرة في كل مكان، ومشاهد الدمار ووجع الآباء وصرخات الأمهات هي السبب الذي دفعني لأن أقدم على هذه الخطوة؛ كي لا أعيش هذه اللحظة”.
وتابعت أنها لا تعلم الهدف من استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين والأطفال بهذه الوحشية، “هم لم يرتكبوا ذنباً ليكونوا في هذا المصير، على العالم والمجتمع الدولي أن يتحرك بسرعة لوقف هذه المجازر التي تُرتكب بحق الآمنين”.
لا مكان آمناً في غزة
في غزة يسقط مصطلح المناطق الآمنة، كل من في غزة معرض للموت في أي لحظة، فالترسانة العسكرية الإسرائيلية عبر سلاح الجو والمدفعية والبحرية الإسرائيلية لا تتوقف عن القصف في كل ساعة.
عائلة الكولك في غزة واحدة من تلك العائلات التي فقدت 16 فرداً من أبنائها في القصف الإسرائيلي الوحشي الذي استهدف بنايتهم السكنية في شارع الوحدة وسط مدينة غزة، فجر الأحد 16 مايو/أيار الجاري.
يصف عدلي الكولك، أحد الناجين من المجزرة، لـ”عربي بوست” اللحظات الأولى للقصف قائلاً: “كنا في المنطقة لحظة القصف، سمعنا أصواتاً وانفجارات هزت المكان، مع سحابة سوداء تتوسطها نيران مشتعلة من وسط الحي، ثلاثة من إخوتي كانوا في البناية المستهدفة المكونة من ثلاثة طوابق، ومنزل عمي بجانبنا لا يفصله سوى ممر ضيق لا يتجاوز عرضه المترين”.
وأضاف: لحظة القصف ذهبوا مسرعين لتفقد المكان، فوجد أخاه وعائلته المكونة من 8 أفراد قد استشهدوا جميعاً، ونجا أخوه الأكبر بمعية الله من القصف، رغم أنه يقطن في الطابق الأرضي، واستشهد خمسة من أبناء عمومته بالبناية المجاورة، إضافة إلى والده وشقيقيه الصغيرين، في حين لا تزال زوجته وولداه في مشفى الشفاء، يتلقيان العلاج، نتيجة تعرضهما لحروق وتشوهات في كافة أنحاء الجسد بسبب القصف الوحشي.
التأثيرات النفسية
دفعت مشاهد الموت والدمار الذي لحق بغزة في هذه الحرب إلى التحذير من التداعيات النفسية للأطفال في مرحلة ما بعد توقف الحرب، نظراً لأن حجم هذا الضرر سينعكس على سلوكهم في المستقبل، ويؤثر بشكل أو بآخر على نظرتهم للحياة.
حسن القطراوي، الأكاديمي الفلسطيني المختص في علم النفس، يقول لـ”عربي بوست” إن قطاع غزة يعاني منذ فترة طويلة من حصار سياسي واقتصادي فظيع، جاء على جميع مناحي الحياة، وكانت تأثيراته النفسية واضحة على السكان هناك، فجاءت هذه الحرب التي ما زالت تدور رحاها لتعزز من تفاقم الأزمة النفسية التي يعاني منها المواطنون الفلسطينيون.
وأضاف أن المشاهد الدموية الحاصلة ستكون لها تأثيرات سيكولوجية ستدوم طويلاً، وربما تؤسس لصدمات نفسية طويلة المدى، خاصة لدى الأطفال والنساء، لذلك فإن المعاناة النفسية اليومية للسكان أثناء الحروب تؤسس لحالة من التشوهات الفكرية والمعرفية، التي ستنعكس على طبيعة الممارسة للحياة اليومية، هذا يعني أن الحالة النفسية التي تولد في الحروب لا تنتهي بانتهائها، وتبقى أعراضها لشهور طويلة، وهو ما يؤسس لأمراض نفسية قادمة سيعاني منها الشخص طويلاً، وتكون أشبه بحالة من الارتباط الشرطي، الذي يولد كلما جاء الحديث عن الحروب والمعاناة.
تدمير المرافق
لم تقتصر معاناة أهل غزة في هذه الحرب على موت أو فقدان أو إصابة ذويهم، بل إن السياسة الإسرائيلية في هذه الحرب تقوم على أساس إلحاق أكبر أذى بالبنية التحتية للطرقات، وهو ما يعيق وصول طواقم الإنقاذ من الدفاع المدني والإسعاف إلى المناطق المستهدفة، الأمر الذي يتسبب في زيادة حجم الضرر من بعض الإصابات التي يتعرض أصحابها للموت بسبب تأخر الإنقاذ.
سالم الخطيب، ضابط الدفاع المدني المسؤول عن إجلاء المفقودين بعد القصف، يقول لـ”عربي بوست” إن هنالك سياسة إسرائيلية يتم انتهاجها في هذه الحرب لأول مرة، وهي إعاقة عمل طواقم الإنقاذ والدفاع المدني، عبر تدمير الطرقات والشوارع الرئيسية والفرعية، ما يتسبب في تأخر الوصول إلى المناطق المستهدفة، كثير من الذين ارتقوا شهداء ماتوا اختناقاً بسبب مكوثهم تحت الأنقاض لفترة طويلة.
وأضاف: “أجرينا مناورات على مدار السنوات السابقة للتعامل مع سيناريوهات كهذه، ولكن الإمكانيات المتوفرة لا تسمح لنا بأن نعمل بطاقة كبيرة، نظراً لعدم توفر معدات الإنقاذ والإجلاء الكافية، بسبب الحصار المفروض على غزة منذ 15 عاماً”.
صلاح عبدالعاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد”، قال لـ”عربي بوست” إن هناك قوة مفرطة من قِبل آلة الحرب الإسرائيلية في هذه المواجهة غير المتكافئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، فمعدلات الشهداء والإصابات ونوعيتها تشير إلى استخدام مفرط للقوة العسكرية التي استهدفت المدنيين بشكل مباشر، نظراً لوجود أكثر من 230 شهيداً، نصفهم من الأطفال والنساء وكبار السن، ونحو ألفي إصابة، إضافة إلى رصد تدمير ما يزيد عن 11 ألف وحدة سكنية تضررت بشكل كامل، و7 آلاف أخرى بشكل جزئي، إضافة إلى تدمير 100 مقر حكومي بما فيها مقر وزارة الصحة المركزي و12 مدرسة، ونزوح أكثر من 50 ألف مواطن إلى مدارس الأونروا، وضعفهم نزحوا بشكل قسري من أماكن القصف إلى مناطق أخرى.
وأضاف أن هناك حالة إنسانية معقدة في غزة، الحياة بالكاد تعمل بالحد الأدنى لاستمرار الحياة الآدمية، نظراً لضرب منظومة البنى التحتية كمياه الشرب والكهرباء والاتصالات والإنترنت والطرق الرئيسية، إضافة إلى الأضرار النفسية التي تسبب فيها القصف، خصوصاً حالات الذعر والخوف لدى الأطفال والنساء، واستخدام أسلحة محرمة دولياً كالغازات السامة والفسفور وقنابل اختراق التحصينات في المناطق الآمنة.
“مترو حماس الذي يخشاه نتنياهو”.. مدينة كاملة تحت أرض غزة، فهل نجحت إسرائيل في تدميرها؟
مع اضطراب القيادة الإسرائيلية في تعيين أهداف محددة لحرب غزة، يمكنها التباهي بتحقيقها مثل اغتيال قائد الجناح العسكري لـ”حماس” محمد الضيف، ركزت بعض المصادر الإسرائيلية على تأكيد نجاح تل أبيب في إلحاق ضرر جسيم بشبكة أنفاق المقاومة في غزة، التي تسميها “مترو حماس”.
وتزعم إسرائيل أنها دمرت كثيراً من شبكة أنفاق المقاومة بقطاع غزة في قصف مكثفٍ، ليل الخميس 14 مايو/أيار 2021.
إذ قصفت المروحيات والطائرات النفاثة والزوارق الحربية والمدفعية، الأجزاء الشمالية والشرقية من غزة بأكثر من 1000 قنبلة وقذيفة كجزء من عملية “معقدة” لتدمير أنفاق حماس تحت مدينة غزة.
ودفع أطفال غزة ثمن هجوم إسرائيلي خاطف على مترو حماس، وقع في بداية الحرب، واستخدمت فيه إسرائيل كمّية هائلة من القنابل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
بينما يؤكد يحيى السراج، رئيس بلدية مدينة غزة، أن الضربات الإسرائيلية لم تستهدف المواقع العسكرية وبدلاً من ذلك أصابت الطرق والبنية التحتية المدنية، مما أرجع الاقتصاد لسنوات إلى الوراء. ووصف الضربات بأنها عقاب جماعي، وطالب المجتمع الدولي بوقف الاعتداءات على البنية التحتية الحيوية في غزة.
وجاء هذا الهجوم العنيف بعد صدور خبر زائف من قيادة الجيش الإسرائيلي في بداية حرب غزة، بأن قواته قد دخلت إلى القطاع، والهدف كان حسب المصادر الإسرائيلية، هو خداع مقاتلي حماس؛ لدفعهم إلى الاختباء في الأنفاق، وبالتالي توجيه ضربة لهم سواء خلال دخولهم وخروجهم من الأنفاق أو خلال وجودهم فيها، (حيث تختلف الروايات الإسرائيلية في هذا الشأن).
كما تختلف الروايات الإسرائيلية بشأن نجاح هذه الخدعة، فتحدث البعض عن فضيحة تسبب بها هذا الخبر الزائف، في حين تحدث تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية، المحسوبة على اليمين الإسرائيلي، عن نجاح عملية القصف في استشهاد عدد كبير من المقاومين.
بينما قال رئيس تحرير صحيفة Haaretz الإسرائيلية اليسارية، ألوف بن، إن الخدعة الفاشلة لم تنجح، لأنه على ما يبدو لم يكن هناك عدد كبير من مقاتلي حماس داخل الأنفاق التي قُصِفَت.
وأضاف ألوف بن، أن تدمير أنفاق مترو حماس بقنابل قوية كشف القدرات الاستراتيجية لإسرائيل دون أن يتسبب في أي ضرر كبير لقدرات القتال لدى الحركات الفلسطينية.
وفي غارة أخرى، قال المقدم جوناثان كونريكوس، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن 160 طائرة، لإضافة إلى المدفعية والوحدات المدرعة (من خارج القطاع)، شاركت فيما وصفه بأكبر عملية قصف ضد هدف محدد منذ بدء القتال.
وقال في إفادة صحفية: “ما كنا نستهدفه هو نظام متطور من الأنفاق يمتد تحت غزة، ومعظمها في الشمال”.
فما قصة شبكة أنفاق مترو حماس؟ ولماذا تخشاها إسرائيل لهذا الحد؟ وما الحقيقة في الروايات الإسرائيلية المتضاربة حول إلحاق ضرر كبير بها؟
تخشى إسرائيل هذه الأنفاق لأسباب عدة، منها:
أولاً: أنفاق المقاومة في غزة هي الوسيلة الأساسية للحصول على السلاح من الخارج، بل تعد وسيلة مهمة لغزة للحصول على البضائع في ظل القيود المفروضة على القطاع من مصر وإسرائيل، ولكن يُعتقد أن دور الأنفاق كمصدر للسلاح والسلع قد تراجع في ضوء الجهود المصرية لتدميرها، كما تحسنت العلاقة بين حماس والقاهرة؛ مما أدى إلى تخفيف القيود المصرية على القطاع، إضافة إلى تزايد اعتماد حماس على نفسها في تصنيع السلاح، إلى جانب تقارير تفيد بتزايد الاعتماد على البحر في الحصول على السلاح، حيث يتم إلقاء الأسلحة معبّأة في أغلفة قبالة ساحل غزة، بحيث يتم حساب حركة الأمواج والرياح والتيارات البحرية لتصل إلى القطاع، وهي طريقة يكاد يستحيل على إسرائيل وقفها، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-monitor.
ثانياً: الأنفاق أداة المقاومة الرئيسية لحماية أسلحتها لاسيما الصواريخ، وحتى قادتها وقواتها ومراكزها من غارات الطيران الإسرائيلي.
ثالثاً: الأنفاق وسيلة للهجوم على الجيش الإسرائيلي في حالة توغله داخل غزة، في ظل تفوق إمكاناته العسكرية، لاسيما الدبابات.
رابعاً: الأنفاق وسيلة بإمكان المقاومة التسلل عبرها إلى الداخل الإسرائيلي؛ للقيام بعمليات عسكرية مباغتة قد تشمل الهجوم على مواقع إسرائيلية أو القبض على أسرى كما حدث من قبل مع جلعاد شاليط، ويعد هذا السبب واحداً من أكثر عوامل القلق لدى إسرائيل من الأنفاق، رغم أنها بذلت جهداً كبيراً لمنع ذلك عبر تشييد حائط في باطن الأرض على الحدود مع قطاع غزة مزود بمستشعرات؛ لكشف حفر الأنفاق.
وفي هذا الإطار، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” قامت بإنشاء بنى تحتية واسعة النطاق تحت قطاع غزة، واستخدمت مناطق مأهولة لتخزين أسلحة وشن هجمات على إسرائيل.
وبصفة عامة، على الرغم الجهود الإسرائيلية التي نجحت أحياناً في التصدي لـ”مترو حماس”، فإن الأنفاق تمثل واحدة من أهم استراتيجيات حماس العسكرية، وبينما تسمى إسرائيل شبكة الأنفاق “مترو حماس” أو “مترو غزة”، يسميها البعض في القطاع “غزة التحتانية”.
كيف بدأت فكرة الأنفاق؟
ظهرت الأنفاق لأول مرة في غزة رداً على الحصار الإسرائيلي المفروض بعد تولي حماس السلطة.
في البداية، تم استخدامها لتهريب البضائع إلى الجيب وتمييز المشاريع غير المشروعة بدلاً من النزعة العسكرية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
لكن سرعان ما تم استخدامها لأغراض أخرى.
ففي عام 2006، استخدمت حماس نفقاً لأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. واحتُجز شاليط لمدة خمس سنوات قبل إطلاق سراحه في إطار صفقة تبادل أسرى عام 2011.
وكانت الأنفاق من بين أكثر أدوات حماس فاعلية خلال حرب 2014 مع إسرائيل، حيث استخدمها المسلحون لنقل الأسلحة، ودخول إسرائيل، ونصب الكمائن لجنود الجيش الإسرائيلي، وفي بعض الأحيان حتى العودة إلى غزة عبر ممرات تحت الأرض.
حددت إسرائيل شبكة الأنفاق تحت الأرض باعتبارها تهديداً خلال الجولة الأخيرة من القتال في عام 2014؛ مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى شن غزو بري لغزة؛ للعثور على الممرات المؤدية إلى الأراضي الإسرائيلية وتدميرها.
وكان توغل إسرائيل وقصفها لهذه الأنفاق أحد أسباب مجزرة الشجاعية التي راح ضحيتها نحو 74 فلسطينياً، كما أن التوغل كان كارثة للجيش الإسرائيلي.
وقال اللفتنانت كولونيل بيتر ليرنر، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في عام 2014: “عندما دخلنا الشجاعية استقبلتنا صواريخ مضادة للدبابات وقذائف آر.بي.جي ونيران أسلحة ثقيلة كثيفة أُطلقت على القوات من المنازل ومن المباني المحيطة”.
وآنذاك نزح عشرات الآلاف من الحي، وتعرض الجيش الإسرائيلي لأكبر خسارة بشرية له منذ حرب لبنان 2006، ولكن لم يقضِ ذلك لا على المقاومة ولا أنفاقها.
أين تقع هذه الأنفاق؟
تتفرع شبكة الأنفاق أو ما تسميه إسرائيل مترو حماس الآن عشرات الكيلومترات عبر قطاع غزة، لتصل إلى مدن خانيونس وجباليا ومخيم الشاطئ. ويعتقد أنها تمتد أيضاً إلى إسرائيل.
وتستخدم الجماعات الفلسطينية شبكة الأنفاق لإخفاء الصواريخ والذخائر الأخرى، وتسهيل الاتصال داخل منظماتها، وإخفاء المسلحين، وشن الهجمات.
ويُعتقد أن بعض الأنفاق الأكثر تكلفة يصعب اكتشافها، وتركز إسرائيل على أنفاق مترو حماس الواقعة في شمال غزة لأنها تمثل خطراً أكبر في حال توغل الجيش الإسرائيلي أو أنها قد وسيلة لاختراق الأراضي الإسرائيلية.
والأنفاق داخل مترو حماس معززة بالخرسانة؛ لحمايتها من الضربات الجوية ومن الانهيار، حسب صحيفة Dailymail البريطانية.
حماس تستخدم آلات حفر ثقيلة واكتشاف نفق يمتد كيلومترات تحت إسرائيل
في عام 2015، بدأت حماس باستخدام الآلات الثقيلة، وضمن ذلك الجرافات والجرارات، وكذلك الأدوات الهندسية؛ لتسريع بناء الأنفاق.
وذكرت صحيفة صنداي تلغراف البريطانية في ذلك الوقت، نقلاً عن مصادر استخباراتية، أن إعادة الإعمار موَّلتها إيران إلى حد كبير. كما قدمت طهران الصواريخ والقذائف؛ لتجديد ترسانة حماس.
في عام 2018، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه اكتشف ودمَّر أطول وأعمق نفق حفرته حركة حماس، ويُزعم أن النفق، الذي تقول إسرائيل إنه تكلف الملايين من أجل بنائه، بدأ أسفل قطاع غزة وامتد “لعدة كيلومترات” حتى داخل الأراضي الإسرائيلية.
وتقول إسرائيل إنَّ هذا النفق جاء من المنطقة الشمالية من جباليا، وكان يتم حفره في اتجاه مجتمع ناحال عوز بإسرائيل، وكان مرتبطاً بالعديد من الأنفاق الأخرى داخل غزة.
أكبر مما كان لدى الفيتناميين
تفاخر مسؤولو حماس بحجم شبكة الأنفاق الخاصة التي يحويها مترو حماس، حيث قال زعيم حماس، إسماعيل هنية، في عام 2016 (قبل أن يصبح رئيس المكتب السياسي لحماس)، إن الحركة لديها ضعف عدد الأنفاق التي استخدمتها القوات الشيوعية ضد القوات الأمريكية في حرب فيتنام.
تُعلق صحيفة الواشنطن بوست قائلةً: “قد تكون هذه مبالغة، لكن أولئك الذين درسوا النظام يشيرون إلى أنه معقد”.
ففي ورقة حديثة، قال رامي أبو زبيدة من المعهد المصري للدراسات، إن المقابلات مع المسلحين كشفت عن مجموعة متنوعة من الأنفاق المستخدمة لأسباب استراتيجية، من ضمنها تلك المستخدمة للقتال، وتلك التي يمكن أن تتجمع فيها قيادات المقاومة، وغيرها حيث يتم تخزين الصواريخ والأسلحة، كما أن هناك أيضاً أنفاقاً أصغر تُستخدم للنقل السريع.
كيف تتعامل إسرائيل مع الأنفاق؟
إنها تبني حائطاً مضاداً
حاولت إسرائيل منذ حرب 2014 البحث عن وسائل أكثر فعالية للتصدي لأنفاق حماس في غزة وتدميرها، منها بناء جدار طيني ضخم تحت الأرض على طول القطاع؛ لمنع المقاومين من بناء أنفاق “هجومية”.
بدأ بناء المشروع الذي تبلغ تكلفته ثلاثة مليارات شيكل (640 مليون جنيه إسترليني) في منتصف عام 2017 وانتهى في مارس/آذار 2021.
ورفض المسؤولون الإسرائيليون الإفصاح علانية عن مدى عمق الجدار، ولكن يُعتقد أن عمقه نحو ثمانية أمتار ويمتد لمسافة 41 ميلاً على طول الحدود بين إسرائيل وغزة، وهو مزود بأجهزة استشعار الحركة المصممة للكشف عن عمليات حفر الأنفاق.
في أكتوبر/تشرين الأول 2020، رصدت أجهزة استشعار للحركة مثبتة على الجدار نفقاً من مدينة خانيونس جنوبي غزة يمتد عشرات الأمتار داخل الأراضي الإسرائيلية.
وتستخدم أسلحة سرية، بعضها مخصص لإيران
قال مسؤول إسرائيلي إن سلاح الجو الإسرائيلي كان يضرب “نقاط الاختناق” (النقاط المفصلية) في مترو حماس وليس نظام الأنفاق بأكمله.
وقال مسؤول ترأس قسم الحرب السرية في الوحدة التكنولوجية للجيش الإسرائيلي، للصحفيين، متحدثاً على هامش مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) في واشنطن عام 2018، إن إسرائيل لديها تقنيات جديدة متطورة للعثور على الأنفاق لكنه رفض الحديث عن التفاصيل.
كما تمتلك إسرائيل العديد من الأسلحة القادرة على ضرب ما تحت الأرض، وقد تم تطوير العديد منها في الأصل للتعامل مع المخابئ الإيرانية.
هل نجحت إسرائيل في إفساد استراتيجية حماس؟
تجب ملاحظة أن حماس تنبهت مبكراً إلى أن إسرائيل استطاعت التصدي للأنفاق التي تخترق أراضيها، ولهذا، وحسب تقارير إسرائيلية، فإنها باتت تركز على تطوير الطائرات المسيَّرة والصواريخ؛ لعلمها بصعوبة استخدام الأنفاق كسلاح هجومي.
أما أنفاق المقاومة في غزة نفسها كوسيلة للحماية والتحصن، فكما سبق الإشارة، فإن التقارير الإسرائيلية متضاربة بشأن نجاح عمليات قصف الأنفاق خلال الحرب الحالية، والأهم أن هناك تقارير تفيد بأن حماس لم تبتلع الطعم (حماس نفت وجود غزو بري وقتها).
كما أنه من الواضح أن تأثير الغارة التي أعقبت خدعة الغزو، كان محدوداً، بسبب قلة مقاتلي حماس الموجودين في الأنفاق، وفي الوقت ذاته أدت الغارة إلى كشف قدرات القنابل الإسرائيلية في القصف، حسب تقرير صحيفة هآرتس. المشار إليه سابقاً، وبالتأكيد، ستدرس حماس قوة هذه القنابل؛ لتحصين الأنفاق لتحمُّلها.
كما أن مصادر الجيش الإسرائيلي عندما تتحدث في التفاصيل في عمليات قصف مترو حماس، فإنها تقر بأنها تستهدف نقاطاً معينة في الأنفاق، وليس كلها (على الأغلب مَواطن الخروج والدخول)، ومن ثم يمكن ترميم الأنفاق.
الأهم أن مسؤولاً في سلاح الجو الإسرائيلي قال إن حماس ما زالت تملك صواريخ كافية والقدرة على مواصلة مهاجمة إسرائيل فترة طويلة، وهذا يعني اعترافاً إسرائيلياً بأن المقاومة مازالت تخبّئ صواريخ في الأنفاق، وهو ما يعني اعترافاً غير مباشر بمحدودية الضرر الذي لحِق بأنفاق المقاومة في غزة أو ما تسميه إسرائيل بـ”مترو حماس”.
شروطها تغيرت ولا تتعلق بغزة فقط بل كل فلسطين.. هكذا تعيد حماس رسم المشهد السياسي والعسكري مع إسرائيل
تقود حركة حماس مواجهة عسكرية مع إسرائيل جاءت في سياقات وظروف مختلفة عن المعارك التي خاضتها منذ الانسحاب من غزة في 2005، وما تلاه من سيطرتها على غزة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية 2006.
فمن ناحية ميدانية، لا تزال الحركة تسجل إنجازات عسكرية لأول مرة بقصف للصواريخ يستهدف بلدات إسرائيلية بعمق 250 كم، وتحقيقها تفوقاً بمفهوم الردع والخطاب العسكري للجبهة الداخلية الإسرائيلية.
ومن الناحية السياسية، جاء سياق هذه المعركة مختلفاً عن الحروب الثلاث الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة أعوام 2008 و2012 و2014، عبر توظيفها لأحداث القدس لمحاولة فرض رؤية وواقع جديد يقوم على مبدأ ربط الحالة الفلسطينية الوطنية ببعضها البعض، في كسرٍ واضح للسياسات الإسرائيلية التي تقوم على مبدأ التعامل الجغرافي والسياسي المنعزل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والداخل المحتل.
ظهر هذا الأمر فيما سرَّبته شبكة “سي إن إن” الأمريكية نقلاً عن قيادي في حماس، بأن جهود كل من قطر ومصر من أجل التوصل إلى قرار للتهدئة تعثرت بسبب عقبتين؛ تتمثل أولاهما في إصرار تل أبيب على أن تأخذ المقاومة المبادرة في وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي رفضته حماس. بينما العقبة الثانية هي إصرار الحركة على إنهاء الاستفزازات بالأقصى وقرار إخلاء الشيخ جراح.
تثبيت قناعات جديدة
هذا الاستدراك من قِبل حماس أربك الحسابات الإسرائيلية، التي كان بتقديرها أن الحركة تتحرك ميدانياً وعسكرياً فقط إن شعرت بتهديد لمقدراتها السياسية والعسكرية في غزة، كما أن التعامل الإسرائيلي مع حماس يقوم على مبدأ محاولة امتصاص ونزع فتيل أي توتر في جبهة غزة، بغرض تحييدها ومنعها من الدخول في مواجهة لا ترغب إسرائيل في الدخول بها.
عماد أبوعواد، مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية، قال لـ”عربي بوست” إنه لا تغيير طرأ في سياسة حماس في هذه الجولة العسكرية، لكن هناك محاولة من قِبلها لتثبيت قناعات لدى إسرائيل والأطراف الإقليمية بأن تراكم القوة لديها في غزة لخدمة الحالة الوطنية الشاملة، أهمها الحفاظ على القدس كهوية وطنية، وإثبات خطأ الرهان على أن غرض الحركة من قوتها العسكرية هو الحفاظ على بقاء حكمها في غزة فقط.
قد يكون الهدف الذي تسعى إليه حماس من وراء هذه الجولة القتالية بناء معادلة جديدة، لكنها لا تتحمل هذا الضغط الذي وضعت نفسها فيه بالدفاع عن القدس والضفة الغربية والداخل المحتل.
يضيف أبوعواد أنه بإمكان حماس تحمل هذا العبء، فالحالة الفلسطينية تشهد تراجعاً كبيراً في الحضور على مستوى الاهتمام الإسرائيلي والإقليمي والأمريكي، وإسرائيل لم تعد تمتلك أوراق ضغط على حماس، التي استطاعت في هذه الجولة أن تمتلك زمام المبادرة بقدرات قتالية على مستوى عالٍ تظهر حجم الاستعداد وتراكم الخبرات لديها في التعامل العسكري مع الاحتلال، سواء دقة الصواريخ، وقوتها التدميرية، ووصولها لكافة المناطق المحتلة، وتفوقها في جوانب أخرى كالسايبر والقدرات البحرية والأنفاق الهجومية.
على مدار حكم حماس في غزة منذ 2007 وحتى اليوم، خاضت أكثر من 50 جولة قتال قصيرة و3 حروب مدمرة، واقتصر سقفها في التفاوض خلال هذه المواجهات على الحفاظ على مكتسباتها السياسية والاقتصادية في غزة، والمطالبة بتحسين الظروف المعيشية لسكانها، والمطالبة بممر مائي وتجاري لتنقل الأفراد والسلع للخروج من التبعية الإسرائيلية.
لكن حماس في هذه الجولة، ووفقاً لما صدر من تصريحات على لسان قياداتها في المستوى الأول، تضمن سقف مطالبها شروطاً تركزت على الحفاظ على هوية القدس، ومنع أي تغيير في واقع المدينة.
تفعيل جبهة الضفة الغربية
يوسف الشرقاوي، اللواء المتقاعد والخبير العسكري، قال لـ”عربي بوست” إن تغيير حماس لسلوكها الميداني من غزة، بناء على تطورات أحداث القدس أو الضفة الغربية، سيكون مجدياً في حال دخلت مواجهة عسكرية تحت هذا العنوان، وتساندها باقي المناطق كالضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، لأن جزءاً لا بأس به من المكاسب الميدانية لحماس في هذه المعركة جاء بسبب تشتت الطرف الإسرائيلي على أكثر من جبهة.
وأضاف أن البعد الآخر للخطر الذي سيواجه حماس بعد أن رفعت سقف التحدي، أن تقوم إسرائيل بوأد واستئصال قواعدها التنظيمية في الضفة الغربية والقدس، رغم أن هذا الأمر يجري على الأرض، إلا أننا قد نشهد تحركاً أكبر من قِبَل المخابرات الإسرائيلية لتفتيت الحركة، وقطع الطريق أمام أي محاولة لإعادة بناء نموذج حماس غزة في الضفة الغربية.
ساري عرابي، المختص بشؤون الحركات الإسلامية، قال لـ”عربي بوست” إنه من المهم في هذه الجولة من القتال التي نجحت حماس في إدارتها أن تنظر باهتمام لإعادة بناء تنظيمها في الضفة الغربية، لأن غيابه في الأيام الأولى لهبة القدس أثَّر على سير الأحداث لصالح إسرائيل بشكل نسبي، قبل خروج الجماهير الجمعة الماضي، وهذه القضية يجب أن توضع على أولوية اهتمام حماس، لكن لا يمكن أن تتم بعيداً عن التنسيق مع السلطة الفلسطينية كونها المسؤولة الأولى والمباشرة عن حفظ الأمن في الضفة الغربية.
وأضاف أن تطور حماس هو السبب الذي دفعها للخروج من النفق الذي حاولت إسرائيل أن تضعها فيه، بتركيز وحصر مشروع المقاومة لديها على حماية مصالحها في غزة، لأن القضية لم تعد تحتمل هذا التقاعس الرسمي والعربي أمام ما تقوم به إسرائيل من جرائم بحق الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها القدس.
معركة كسر الحصار
لعل ما تنظر إليه حماس في هذه الجولة هو أبعد من الأهداف التي حددتها، فالحركة تفاوض إسرائيل بنفس المنتصر، وبإمكانها أن تجبرها على إعادة التفكير بأي مغامرة قد تقدم عليها ضد الحركة في غزة والضفة والقدس، كما أن الحركة لا تخفي هدفها من أن هذه المعركة قد تكون نهاية الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها من قِبل إسرائيل منذ 15 عاماً.
تعتقد الأوساط الإسرائيلية أن حماس خرجت لهذه المعركة في هذا التوقيت بشكل مخطط وبمبادرة منها، لأن قائدها العسكري محمد الضيف وجد أن إسرائيل لن تقدم على تنفيذ مشاريع اقتصادية ضخمة في غزة دون أن تحملنا تكلفة بشرية عبر إيقاع الأذى بالجنود سواء بقتلهم أو أسرهم.
خليل شاهين رئيس قسم الأبحاث في المركز الفلسطيني للسياسات والدراسات الاستراتيجية-مسارات قال لـ”عربي بوست” إن حضور حماس السياسي والشعبي يتزايد، مما سيدفع إسرائيل لإعادة النظر في الكثير من السياسات التي تنتهجها ضد الحركة، ومنها الخضوع للتفاوض على قرارات استراتيجية كالحصار المفروض عليها في غزة، كما أن رفع حماس لسقف الشروط التي حددتها وأهمها مسألة الاعتداءات في القدس سيكون بمثابة تهديد مستمر لإسرائيل لإجبارها على الالتزام بالشروط التي ستضعها الحركة، ومن بينها كسر حصار غزة.
بعد أسبوع من الحرب على غزة.. كيف فشلت إسرائيل في الانتصار؟ وهذه أبرز الخسائر
دخلت حرب إسرائيل على قطاع غزة أسبوعها الثاني اليوم الإثنين 17 مايو/أيار، فكيف جاءت فاتورة الأسبوع الأول؟ ولماذا فشلت تل أبيب في تحقيق الانتصار؟
وقبل أن ندخل إلى لغة الأرقام الجافة، من المهم سرد القصة من بدايتها حتى تكتسب الأرقام معنى وسياقاً واضحاً يبرز دلالاتها. لم يكن إطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية أول رشقة صواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل هو ضربة البداية في هذه الحرب. الحرب بدأتها إسرائيل لأسباب داخلية تتعلق برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وسعيه للتمسك بمنصبه تفادياً لإدانته، فهو متهم ويحاكم الآن في ثلاث قضايا منفصلة بتهم تلقي الرشوة وخيانة الأمانة واستغلال النفوذ.
البداية جاءت من خطط حكومة نتنياهو تهجير عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، ثم إغلاق باب العامود بداية شهر رمضان والاعتداء على المسجد الأقصى من جانب المستوطنين اليمينيين المتطرفين في حماية شرطة الاحتلال، والإعلان عن تنظيم فعالية ضخمة يقتحم من خلالها أكثر من 30 ألفاً من المستوطنين باحات المسجد في ليلة القدر.
ورداً على الاعتداءات المتكررة من جانب المستوطنين وقوات الاحتلال على المسجد الأقصى وتحويل ساحته إلى معركة غير متكافئة مع المصلين الفلسطينيين العزل، وجهت فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس نداءات متكررة لحكومة نتنياهو بوقف تلك الاعتداءات والتراجع عن السماح للمستوطنين باقتحامه، ومع تجاهل نتنياهو وحكومته لتلك النداءات -رغم تحذيرات أجهزة الأمن الإسرائيلية من أن ذلك قد يؤدي لانتفاضة فلسطينية- انطلقت الصواريخ من غزة ومعها فتح جيش الاحتلال الإسرائيلي نيرانه جواً وبحراً وبراً على القطاع المحاصر، لتندلع “الحرب” مساء الإثنين 10 مايو/أيار.
الخسائر البشرية في غزة وفي إسرائيل
وبحسب الإحصاءات الرسمية لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أدى العدوان الإسرائيلي خلال الأسبوع الأول إلى استشهاد 197 فلسطينياً، بينهم 58 طفلاً، و34 سيدة، و15 من كبار السن، فضلاً عن إصابة 1235 آخرين.
وخلال الأسبوع الأول، ارتكبت إسرائيل مجازر راح ضحيتها عدد من العائلات الفلسطينية، التي أُبيد بعضها بشكل كامل، كما غيّرت هذه الغارات، من طبيعة المظهر العام لمعالم عدة مناطق حيوية في مدينة غزة، محوّلة إياها إلى “خراب” وأكوام من الركام والرماد.
وعلى الجانب الآخر، قالت السلطات الإسرائيلية إن عشرة من مواطنيها قد قتلوا، بينهم طفلان، بينما تتفاوت أعداد المصابين بين الإسرائيليين، والملاحظ هنا أن وزارة الصحة في الدولة العبرية لا تصدر بيانات دورية تفصيلية حول القتلى والمصابين جراء سقوط صواريخ المقاومة على المدن الإسرائيلية.
ويرى مراقبون أن هذا أمر متعمد في ظل الوضع السياسي الداخلي، إذ يسعى نتنياهو إلى إخفاء الخسائر في صفوف الإسرائيليين قدر المستطاع حتى يستطيع “الاحتفال” بالانتصار على الفلسطينيين في غزة، وكان هناك بالفعل مؤتمر صحفي مقرر اليوم الإثنين لنتنياهو بمناسبة انتهاء الأسبوع الأول من الحرب على غزة لكن تم إلغاؤه بعد أن لم يجد نتنياهو ما يمكن “الاحتفال به”، بحسب مصادر تحدثت لوسائل إعلام إسرائيلية.
لكن الأحداث التي تشهدها المدن الإسرائيلية، من تل أبيب لعسقلان لأسدود واللد وغيرها، ومقاطع الفيديو التي تظهر الحرائق والمباني شبه المهدمة والسيارات المحترقة نتيجة لسقوط الصواريخ الفلسطينية تشير إلى أن الخسائر البشرية الإسرائيلية على الأرجح أعلى مما يتم الإفصاح عنه.
الخسائر الاقتصادية في قطاع غزة
لا توجد حتى الآن تقارير تفصيلية بشأن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي في الأسبوع الأول من الحرب، على عكس الموقف في غزة، حيث نشرت حكومة حماس في القطاع تقريراً يرصد خسائر القطاع.
وتعرّضت البنى التحتية في مناطق القطاع المختلفة، من شبكات المياه، والصرف الصحي، وخطوط الكهرباء، للتدمير، فقد شنّت المقاتلات الحربية الإسرائيلية نحو 1200 غارة واعتداء منذ بداية العدوان، بحسب بيان صدر عن المكتب الإعلامي الحكومي (تديره حماس).
وقال بيان لحماس إن الغارات الإسرائيلية تركّزت على “المنازل والمباني السكنية، والمقرات الحكومية، والبنى التحتية من طرق وشبكات المياه والصرف الصحي، والكهرباء”، وذكر المكتب الإعلامي الحكومي، أن إجمالي الخسائر الأولية، التي تكبّدها قطاع غزة، منذ بداية العدوان، وصل إلى 177 مليوناً و500 ألف دولار.
وأشار إلى أن قيمة الخسائر المباشرة بلغت حوالي 127 مليون دولار، فيما قدّر قيمة الخسائر غير المباشرة بنحو 50 مليوناً و500 ألف دولار، بحسب تقرير لوكالة الأناضول التركية.
كما وثّق مكتب الإعلام الحكومي في غزة تعرّض أكثر من 770 وحدة سكنية بين الهدم الكلي والبليغ، فضلاً عن تضرر ما لا يقل عن 4 آلاف و976 وحدة أُخرى، لأضرار وصفت بين المتوسطة والجزئية جراء القصف المتواصل.
كما رصد المكتب قصف 97 بناية سكنية، وهدمها بشكل كامل، وقال إن الخسائر الأولية المباشرة في قطاع الإسكان، من بين إجمالي الخسائر، وصل إلى 36 مليون دولار، وبيّن المكتب أن الغارات تسببت في تضرر 36 مدرسة، وعدد من المرافق الصحية وعيادات الرعاية الأولية بشكل بليغ وجزئي جراء القصف الشديد في محيطها.
ودمّرت إسرائيل نحو 32 مؤسسة إعلامية، من خلال قصف عدة أبراج تواجدت هذه المؤسسات بداخلها، وفق المكتب، ومن هذه الأبراج “الجوهرة، والجلاء، والشروق، والسوسي، والوليد، والرؤية”.
وأضاف المكتب أن العدوان الإسرائيلي أسفر عن إصابة 10 صحفيين بجراح مختلفة، خلال تغطيتهم للأحداث الميدانية، ومن بين هؤلاء، يوجد 3 صحفيين أصيبوا باستهداف طائرة استطلاع لمركبة تابعة للصحافة، وأوضح المكتب أن الغارات طالت أيضاً منازل 5 صحفيين في مناطق مختلفة بغزة، ما تسبب باستشهاد أحد أفراد عائلاتهم.
كما بلغ عدد المقرات الحكومية والمنشآت العامة، التي استهدفتها الطائرات الإسرائيلية الحربية نحو 65 مقراً، بحسب المكتب، وتنوّعت تلك المنشآت بين “مقرات شرطية وأمنية ومرافق خدماتية”، بخسائر مباشر تقدّر بـ16 مليون دولار، من إجمالي الخسائر. ومن أبرز هذه المقرات: مقر قيادة وزارة الداخلية والأمن الوطني غربي مدينة غزة، ما تسبب بتدميره بالكامل وبأضرار كبيرة في عدد من المقار الحكومية المجاورة.
كما تم تدمير مقر جهاز الأمن الداخلي في محافظات غزة والشمال وخان يونس (جنوب)، وإلحاق أضرار كبيرة بمركز شرطة بيت لاهيا شمال قطاع غزة نتيجة القصف، وتدمير مبنى وزارة العمل بشكل كامل، وتعرض مبنى وزارة التنمية الاجتماعية لأضرار كبيرة.
كما قال المكتب الإعلامي إن استهداف الشوارع، والبنى التحتية المتمثلة بشبكات المياه والصرف الصحي، تسبب بخسائر أولية تقدّر بـ14 مليون دولار، وأما قطاع الطاقة، فقد تكبّد خسائر قدّرها المكتب بنحو 10 ملايين دولار، جرّاء قصف شبكات ومحوّلات وخطوط الكهرباء.
وفي القطاع الاقتصادي والتجاري، رصد المكتب وجود خسائر بقيمة 21 مليون دولار، جرّاء غارات إسرائيلية طالت 4 مقرات لبنوك محلية، ومصانع، كما تضررت، بحسب المكتب، عشرات المركبات بشكل كامل وجزئي بقيمة تقديرية للخسائر وصلت إلى 5 ملايين دولار.
وفاق إجمالي الخسائر الأولية للعدوان الإسرائيلي على قطاع الزراعة بغزة، 17 مليون دولار، وقالت الوزارة، في بيان الأحد، إنها تتوقع تضاعف “الأضرار والخسائر في القطاع الزراعي، نتيجة تواصل القصف المركّز لمئات الأراضي والمنشآت الزراعية، واستهداف مخازن ومستودعات مدخلات ومستلزمات الإنتاج الزراعي بشكل مباشر”.
وحذّرت الوزارة من حدوث كارثة حقيقية في قطاع الإنتاج الحيواني “بسبب استمرار إغلاق المعابر، منوهة إلى أن الأعلاف الخاصة بالدواجن والأغنام والأبقار لا تعد تكفي بالمطلق لتغذيتهم”.
خسائر إسرائيل الاقتصادية
وعلى النقيض من ذلك، من الواضح أن حكومة نتنياهو تسعى لإخفاء الخسائر الضخمة التي يعاني منها الاقتصاد الإسرائيلي، على الرغم من أن اتحاد الصناعات في إسرائيل كان قد أصدر بياناً واحداً مقتضباً الخميس الماضي قال فيه إن خسائر القطاع بلغت نحو 177 مليون دولار خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب.
ويمكن رصد منشآت اقتصادية حيوية أصابتها الصواريخ الفلسطينية مثل خط أنابيب إيلات-عسقلان وصهاريج المشتقات النفطية الضخمة في ميناء عسقلان والتي ظلت النيران مشتعلة فيها لأكثر من يومين متواصلين، وهناك أيضاً حقل غاز تمار الإسرائيلي الذي تم استهدافه بغواصة غير مأهولة من جانب المقاومة ما اضطر إسرائيل إلى إغلاقه.
كما تعرض قطاع الطيران المدني في إسرائيل لما يشبه الشلل التام طوال الأسبوع بعد أن وصلت صواريخ المقاومة إلى محيط مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب مما أدى لتعليق العمل فيه وإعلان غالبية شركات الطيران تعليق رحلاتها من وإلى إسرائيل.
وتأثر قطاع السياحة في إسرائيل أيضاً بعد أن كانت تل أبيب قد أعلنت عودة استقبال السائحين بداية من 23 مايو/أيار الجاري في أعقاب اكتمال تلقيح غالبية مواطنيها ضد وباء كورونا، لكن مع اندلاع الحرب على غزة أعلنت غالبية شركات السياحة إلغاء رحلاتها التي كانت مقررة إلى إسرائيل.
قائمة خسائر الاقتصاد الإسرائيلي تطول بالتأكيد، في ظل حالة الشلل التام التي تعاني منها خوفاً من الصواريخ الفلسطينية، وتكلفة صواريخ غزة مقارنة بتكلفة محاولة التصدي لها من جانب قبة إسرائيل الحديدية تمثل عنصراً آخر من عناصر الفاتورة الباهظة التي تتحملها إسرائيل.
صحيفة “جروزاليم بوست” الإسرائيلية أشارت في تقرير لها إلى التكلفة الباهظة جداً لاعتراض كل صاروخ محلي الصنع يطلقه فلسطينيون من غزة، وقالت الصحفية، إنه “في القتال المستمر بين إسرائيل وحماس حول أي طرف يمكنه الصمود أكثر من الآخر ومن سيبدو أكثر يأساً لوقف إطلاق النار أولا، فإن القضية الرئيسية هي التكلفة”.
وأضافت: “من المعروف أن صواريخ القبة الحديدية المعترضة تكلف أكثر بكثير من صواريخ حماس التي تسقطها”، مشيرة إلى أن هذه التكلفة تقدر بـ50 إلى 100 ألف دولار لكل اعتراض، بينما ذكرت أن “تكلفة صاروخ حماس قصير المدى تقدر ما بين 300 إلى 800 دولار لكل صاروخ”.
كما نقلت عن طال إنبار، الرئيس السابق لمركز أبحاث الفضاء في معهد “فيشر” الإسرائيلي، أن تكلفة الصاروخ بعيد المدى تبلغ مرتين إلى 3 مرات أكثر من الصواريخ قصيرة المدى.
وكان وزير الدفاع بيني غانتس قد قال في تصريحات نقلتها وسائل إعلام عبرية إن منظومة القبة الحديدية للدفاع الصاروخي سجلت أكثر من 1000 حالة اعتراض خلال الأسبوع الأول من الحرب الحالية، بينما قال جيش الاحتلال في بيان اليوم الإثنين إن “حماس والجهاد الإسلامي أطلقتا 3100 صاروخ خلال 7 أيام من قطاع غزة باتجاه إسرائيل”.
الخلاصة هنا أن الأسبوع الأول من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تسبب في فاتورة باهظة من الدماء الفلسطينية بسبب استهداف إسرائيل للمدنيين والأبنية بشكل مباشر، والهدف -بحسب المراقبين- هو إجبار الفصائل الفلسطينية على وقف إطلاق الصواريخ والاستسلام دون قيد أو شرط، لكن خسائر إسرائيل خلال الأسبوع الأول يبدو أنها أضخم بكثير، على الرغم من أن تلك الحرب يفترض -بحسابات القوة العسكرية المجردة- أن تكون غير متكافئة وتصب لصالح تل أبيب.