“ماذا يأكل السوريون اليوم”، قد تكون الإجابة عن هذا السؤال ونحن ندخل عام 2022، مخجلة ومحزنة في الوقت نفسه، ويمكن أن يجيبنا البعض بأنهم لا يأكلون شيئاً، وبعضهم الآخر ينتظرون بقايا الأحياء الغنية والمتوسطة كي يطعموا أولادهم.
حملنا سؤالنا المحرج وجلنا به أسواق دمشق المتخصصة ببيع الخضار واللحوم، ولكن ليس من الضروري السؤال كثيراً؛ فحركة البيع الجامدة فضحت الإجابة، فقررنا أن نسألهم كيف غيَّرتم طريقة أكلكم وأي حلول ابتكرتموها للالتفاف على الغلاء.
في أحد محال بيع الدجاج أخبرتنا سيدة بأنها اليوم تحلم بشراء الدجاج الذي كانت تشتريه قبل سنتين، موضحة أن الوضع قبل سنتين ورغم سنين الحرب كان أفضل من اليوم.
وتتابع أنها كانت تشتري شرحات دجاج بالكيلو ولكن اليوم تشتري بالقطعة كي تمنح طبخته نكهة دجاج ولو بسيطة، وتدعمها ببودرة مرق الدجاج الذي تشتريه من محلات التوابل وليس المكعبات المغلفة؛ لأن هذه الأخيرة ارتفعت أسعارها كثيراً وخاصة الماركات المعروفة.
ويخبرنا صاحب المحل أن الوضع سيئ جداً وأن الارتفاع الأخير مصدره من المداجن التي رفعت أسعارها بسبب غلاء العلف وغلاء المحروقات المستخدمة في المداجن.
ويتابع المتحدث أن الكمية التي تُطلب منه مضحكة ومحزنة، فقد يطلب منه كباب بألف ليرة سورية، وهي كمية لا تُذكر ولكنه يضطر لتلبية طلب الزبون لعلمه بوضع الناس.
ويتابع بحرقة أن الطلب اليوم على جلود الدجاج وعظمه وهي عادة كانت تباع للقطط والكلاب، ازداد هذا العام بشكل كبير، وبعضهم يشتري أعضاء الدجاج الداخلية من أمعاء ومعدة ويطحنها كي يضيفوها للطعام.
وفي المكان نفسه أخبرنا رجل أربعيني بأنهم اعتادوا تناول الدجاج مرتين بالأسبوع لكن العدد تقلص اليوم لمرة بالأسبوعين، وأنهم نسوا طعم اللحم من عدة سنوات، وفي أحسن الأحوال يطحنون شرحات الدجاج بشكل ناعم لتمسي مشابهة للحم، ويستخدمونها بكمية قليلة كي تترك نكهة في الطبخ.
مونة في القمامة
اعتاد السوريون عادة في الصيف استغلال رخص أسعار بعض المأكولات، وتخزين بعضها في الثلاجات بما يُسمى “المونة”، وهذه المونة تكفيهم عادة في أيام الشتاء، لكن الكهرباء في الصيف الفائت لم ترحهم، واستمرار انقطاعها لساعات طويلة دفع الغالبية لرمي كل ما عمل عليه من مونة في القمامة، هادرين بذلك ساعات طويلة من العمل وأموال اقتطعوها من لقمتهم اليومية كي يؤمنوا لهم شيئاً يسندهم بالشتاء.
وتخبرنا سيدة أربعينية، أنها أمضت الصيف وهي تجهز البازلاء وورق العنف والبامياء، لكن للأسف جهدها ذهب بدون مقابل، فبعد انقطاع الكهرباء لست ساعات متواصلة في كثير من الأحيان، تلفت كل مدخرتها ورمتها في القمامة.
وتنوه سيدة أخرى بأنها تعلمت من أخطاء السنوات السابقة وانقطاعات الكهرباء المستمرة فاعتمدت أساليب الجدات بالتيبيس والتجفيف، وكانت مونتها عبارة عن حبوب ومجففات، وختمت ساخرة: “في هذه البلاد لا يمكن أن تضمني شيئاً”.
أكل العصافير
في كل دول العالم، ينثر المارة الطعام من بقايا خبز وحبوب للطيور كي يتغذوا عليها، لكن المنظر في دمشق مختلف، فثمة سيدة افترشت الأرضت كي تجمع ما نثره الناس وتطعم به أولادها.
لم تكن حصيلتها شيئاً مهماً، فهي مجرد بقايا خبز يابس أو ربما عفن والقليل من الحبوب، مع هذا رضيت السيدة بنصيبها، وجمعته في كيس بلاستيكي عتيق سيكون وجبة أولادها لهذا اليوم.
ويخبرنا أحد الباعة في المنطقة أن هذه السيدة اعتادت القدوم يومياً لهذا المكان لجمع هذه البقايا، ويأسف لعدم قدرته وقدرة غيره على مساعدة هؤلاء المحتاجين؛ لأن الجميع بات اليوم كما يقول “على باب الله”، وغالبية الناس اختصروا وجبة من وجباتهم، والكثيرون نسوا معنى الحلويات العربية والشوكولا، وحتى الفلافل التي كانت وجبة “الدراويش” بات يُحسب لها ألف حساب؛ فقرص الفلافل الواحد بحدود المئة ليرة، وأي شخص يحتاج لحوالي خمسة أقراص، وبالتالي أصبح السعر ألف ليرة دون حساب الحمص والخبز وبقية المكملات.
غير بعيد عن المكان تجمع عدة أطفال صغار لنبش حاوية قمامة ممتلئة، وقفز أحدهم لداخلها كي يُسرع عملية النبش لأصدقائه، وحينما عثر على شيء قابل للأكل وضعوه جانباً كي يأكلوه بعدما ينهون تفريغ هذه الحاوية ويبحثون عن حاوية أخرى.
المفركات
يمكن القول بأن “المفركات” باتت سيدة المائدة في سورية، طبعاً مفركات من دون لحم، وهي أكلة تُصنع عادة من أحد أنواع الخضار مع قليل من اللحم والبصل، مثل مفركة البطاطا أو الكوسا وغيرها.
يخبرنا أحد المشترين أنه اعتمد لأسرته نظام المفركات فهي تملأ البطن نوعاً ما مع الخبز، وتقدم للجسم الخضار، وعن بدائل اللحمة ابتسم قائلاً:” الله يخليلنا الماجي”.
التطبيع العربي مع نظام الأسد
زاد الحديث عن التطبيع العربي مع الأسد بعد تحركات سعودية أخيرة، وصفقة نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، إضافة إلى المواقف الأردنية.
ثمّة من يرى أن الحرب في سوريا حُسمت عسكرياً لصالح قوات النظام والقوات الحليفة لها منذ عام 2018، بخروج مقاتلي المعارضة المسلحة من محيط العاصمة ومحافظة درعا القريبة منها، وأن فرص إسقاط النظام عسكرياً باتت “معدومة” تماماً.
بدفع من حكومات عربية، يدور نقاش عميق في أوساط جامعة الدول العربية حول إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإعادة مقعد سوريا المعلّق في الجامعة، حسبما ورد في تقرير لوكالة الأناضول.
من الواضح أن النقاش العربي حول عودة سوريا للجامعة العربية يتركز على تخفيف النفوذ الإيراني في دمشق، أما مسألة وضع المعارضة أو حقوق الشعب السوري أو إجراء بعض الإصلاحات الدستورية، ففي الأغلب تراجعت أهميتها.
لكن اللافت في التطورات الأخيرة، المتعلقة بسوريا، أنها لا تؤشر إلى توجه لإنهاء عزلتها العربية، بل هناك مؤشرات على توجه قد يكون أخف لإنهاء عزلة الأسد الدولية أيضاً، حسبما يظهر من صفقة نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا والأردن التي هي فكرة أمريكية.
غوتيريش يكشف أرقام «المأساة السورية»: 90 % من سكانها فقراء
صدم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أعضاء مجلس الأمن، بإظهار عمق المأساة السورية، ودقّه ناقوس الخطر، لدى قوله إن 90 في المائة من السوريين يعيشون «في فقر» و60 في المائة منهم يعانون من «انعدام الأمن الغذائي»، إضافة إلى أن «7.78 مليون لم يكن لديهم عدد أطباء أو مرافقة طبية مستوفية للمعايير الدنيا المقبولة عالمياً». المفاجأة الأخرى كانت تأكيده أن نحو 9 ملايين سوري يعيشون «في مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة، بينهم 5.6 مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية».
جاء ذلك في تقرير يقع في 19 صفحة، قدّمه غوتيريش إلى مجلس الأمن، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، لدعم تمديد القرار 2585 الخاص بتمديد آليات المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» 6 أشهر أخرى، الأمر الذي حصل بالفعل أمس.
وبعد انتقادات علنية من مسؤولين روس للقرار الدولي، وطلب وزير الخارجية سيرغي لافروف من واشنطن إصدار بيان مشترك، الأمر الذي رفضته الإدارة الأميركية، وافقت موسكو على تمرير الآلية الأممية دون ضجة، ما يفتح الباب لاستئناف الحوار الروسي – الأميركي حول سوريا.
– عملية معقدة
وكان مجلس الأمن قد جدّد في يوليو (تموز) تفويض نقل المساعدات «لمدة 6 أشهر حتى 10 يناير (كانون الثاني) 2022» عبر معبر باب الهوى على الحدود السورية مع تركيا. ونصّ القرار على «تمديد لـ6 أشهر إضافية حتى 10 يوليو»، رابطاً ذلك بتقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً حول المسألة.
وعدّ الغرب أن التمديد حتى يوليو 2022 تلقائي، عندما أثارت روسيا إمكان طلب تصويت جديد في مجلس الأمن، وهو أمر امتنعت عنه حتى الآن.
وكان غوتيريش قدّم الشهر الماضي لأعضاء المجلس تقريراً غير علني، شدد على استحالة استبدال الآلية العابرة للحدود في هذه المرحلة بآلية المرور عبر خطوط الجبهة من دمشق، والتي ترغب موسكو في تعزيزها للاعتراف الكامل بسيادة سوريا على أراضيها. وقال إن تقريره استند إلى معلومات الأمم المتحدة وبيانات الوكالات الإنسانية والجهات الشريكة ولقاءات في دمشق وغازي عينتاب وعمان، لافتاً أن سوريا تشهد «إحدى العمليات الإنسانية الأكثر تعقيداً».
وقال: «يعيش 6.9 مليون شخص في مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة (من أصل نحو 22 مليوناً)، بينهم 5.6 مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية. ويتركز المحتاجون في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة في الأجزاء الشمالية من البلد، مع وجود عدد أقل في الجنوب الشرقي في مخيم الركبان. وتعتبر الاحتجاجات الإنسانية في المناطق غير الخاضعة للحكومة حادة بسبب ارتفاع مستويات الأعمال العدائية في الشمال الغربي والشمال الشرقي خلال فترات مطولة، وارتفاع نسبة النازحين الذين يعيش عدد منهم في مخيمات أو مستوطنات عشوائية أو مراكز جماعية».
– شمال ـ شرق
بين 2.7 مليون يعيشون في شمال شرقي سوريا، هناك 2.2 مليون يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، بينهم نصف مليون نازح. و«يعيش 140 ألفاً في مخيمات، بما في ذلك الهول الذي يضم 57588 شخصاً، معظمهم من الأطفال». وقال غوتيريش: «يمكن الوصول إلى شمال شرقي سوريا، عبر خطوط النزاع من مناطق الحكومة أو العراق، لكن الإذن لم يجدد للأمم المتحدة في 2020 للقيام بإرسال المعونات عبر العراق من معبر اليعربية. لذلك فإن المنظمات غير الحكومية هي الجهات الوحيدة التي تضطلع بعمليات عبر الحدود عبر معبر فيش خابور مع كردستان العراق.
وزاد أن مؤسسات الأمم المتحدة تقدم مساعدات غذائية لـ650 ألف شخص شهرياً، و«أصبحت استجابة الأمم المتحدة الإنسانية في المخيمات محفوفة بالتحديات بسبب طائفة من العوامل، بينها طول الوقت الذي تستغرقه الموافقات على تنفيذ المشروعات وعدم إمكانية أو انعدام الأمن في مخيم الهول»، لافتاً إلى أن «الوصول عبر خطوط النزاع مقيداً بين رأس العين وتل أبيض (الخاضعة لسيطرة فصائل مدعومة من تركيا)… وتعثر التوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف لتشكيل بعثة» توصل مساعدات إلى تلك المنطقة.
– شمال ـ غرب
بين 4.2 مليون شخص يعيشون في شمال غربي سوريا، حسب التقرير، هناك 3.4 مليون «يحتاجون لمساعدات إنسانية، بينهم 2.8 مليون نازح». وأشار غوتيريش إلى قيود تعرقل إيصال المساعدات، إذ «توجد أهم القيود المفروضة في خطوط المواجهة حيث تم الإبلاغ عن زيادة في الأعمال العدائية في الأشهر الستة الماضية… بما في ذلك تلك التي وقعت في مناطق قريبة من طرق الإمداد وقريبة من مستودعات كيانات الأمم المتحدة والمؤسسات غير الحكومية». وزاد أنه بعد مفاوضات «أوفدت قافلتان عبر خطوط النزاع» من حلب إلى إدلب في أغسطس (آب) وديسمبر (كانون الأول) و«في 17 أكتوبر (تشرين الأول)، حصل برنامج الغذاء العالمي على موافقات الأطراف لتوقيع مساعدات عبر خطوط النزاع في شمال غربي سوريا، وستبدأ عمليات التوزيع في النصف الثاني» من الشهر الحالي، و«رغم التقدم المحرز بإيصال المساعدات عبر الخطوط… لا يزال تلقي الضمانات الأمنية اللازمة والمناسبة من أطراف النزاع أمراً حاسماً لضمان المرور الآمن للقوافل، في حين يمثل القصف والغارات الجوية والألغام الأرضية والمتفجرات تهديدات أمنية حقيقية». كما أشار إلى تدهور أوضاع 12 ألفاً في مخيم الركبان قرب قاعدة التنف الأميركية جنوب شرقي سوريا.
– الإنعاش المبكر
وقال غوتيريش: «انخفضت قدرة الشعب السوري على الصمود بعد عقد من النزاع والأزمة الاجتماعية والاقتصادية الحادة والأزمات المتصلة بالمياه و(كوفيد 19) وحلول فصل الشتاء. ويعيش حالياً 90 في المائة من السوريين في فقر، ودمرت أجزاء كبيرة من الهياكل الأساسية المدنية، أو أصبحت آخذة بالتفكك. وفي العام 2020 لم يعد متوسط الدخل الشهري للفرد قادراً على تلبية الحاجات الأساسية… ومع تزاد الإجهاد المائي وانخفاض محصول الحبوب في موسم 2020 – 2021، فإن الفرصة كبيرة لحصول مزيد من النقص في الغذاء. وتعاني نسبة 60 في المائة من السوريين من انعدام الأمن الغذائي. وأظهر تقييم خدمات المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم أن خللاً يشوب نصف المناطق الفرعية الـ131 في البلاد. وفي العام الماضي، كان هناك 7.78 مليون يعيشون في 100 منطقة فرعية لم يكن لديهم عدد الأطباء أو المرافقة الطبية مستوفية للمعايير الدنيا المقبولة عالمياً».
وبعدما أشار إلى أن جهود «الإنعاش المبكر» ترمي إلى منع حصول زيادة أخرى في عدد المحتاجين، قال غوتيريش إنها تركز على 5 مجالات، هي «إزالة الحطام والنفايات الصلبة، والأنشطة المدرة للدخل، والتدريب المهني، والتماسك الاجتماعي، وأعمال الإصلاح الخفيفة، وإعادة تأهيل البنية التحتية المدنية الحيوية». وأشار إلى مثال «إعادة تأهيل 7 مخابز عامة في حلب ودرعا ودير الزور لتلبية حاجات مليون شخص من الخبز».
وتعارض أميركا والدول الحليفة المساهمة في إعمار سوريا قبل تحقيق تقدم في العملية السياسية بموجب القرار 2254، لكن الجانب الأميركي وافق على إدخال بند يسمح بتمويل مشروعات «الإنعاش المبكر» وتوسيع المساعدات عبر خطوط النزاع، ما مهد لتوافق مع الروس لتقديم مسودة تمديد القرار الدولي في يوليو الماضي.
وقال غوتيريش: «بذلت الأمم المتحدة جهوداً لتوسيع نطاق أنشطة الإنعاش المبكر منذ يوليو الماضي»، وفي 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي «قدّم مكتب الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية تعديلاً للإجراءات المفروضة على سوريا لتوسيع نطاق التراخيص الممنوحة للمنظمات غير الحكومية بحيث تتمكن من المشاركة في بعض المعاملات والأنشطة»، لتشمل «الاستثمارات الجديدة شراء منتجات نفطية مكررة من أصل سوري، وبعض المعاملات مع عناصر من حكومة الجمهورية العربية السورية. ولا يسمح بها إلا لدعم الأنشطة غير الساعية للربح».
وكانت إجراءات واشنطن لتخفيف إجراءات العقوبات الأميركية وعدم فرض عقوبات جديدة بموجب «قانون قيصر» من بين التنازلات التي قدّمتها لموسكو لتمديد القرار الدولي لإيصال المساعدات.
وختم: «بعد عقد من النزاع، لا تزال الاستجابة الإنسانية تدعم ملايين الأشخاص… وعلى رغم التحديات، تجب مواصلة استغلال كل فرصة لتلبية الاحتياجات، بما في ذلك توسيع نطاق جهود الإنعاش المبكر. لكن أكثر ما يحتاجه الناس في الجمهورية العربية السورية لا يزال إيجاد حل مستدام للنزاع، بما يتماشى مع القرار 2254».