كُشف الأسبوع الماضي، عن خطة رئيس الولايات المتحدة لإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وإلى جانب ترامب وقف رئيس وزراء إسرائيل الذي يواجه اتهامات بالفساد. وتُعتبر مبادرة دونالد ترامب، البعيدة عن كونها خطة سلام «تاريخية» كما وصفها، مجرد إعادة تجميع لأفكار مأخوذة من مفاوضات سابقة فاشلة، منها مفاوضات تعود إلى أيام كنت أعمل حينها مستشارة قانونية لدى فريق التفاوض الفلسطيني.
وقتها، مثلما هو الوضع الآن، كان لخطط إسرائيل الهدف نفسه: حصار أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في أصغر قطعة أرض ممكنة، مع تقنين المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وحرمان الفلسطينيين من حق العودة المكفول لهم. وهذه ليست خطة سلام، وإنما طلبٌ بأن يوافق الفلسطينيون على الاستعباد الأبدي.
ستُعطي هذه الخطة مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، منها غور الأردن، كي لا تضطر إلى هدم أي مستوطنة غير قانونية. وتنص الخطة أيضاً على أن القدس ستكون عاصمة إسرائيل غير المجزأة، في حين يُحال الفلسطينيون إلى ضاحيةٍ ما لتكون عاصمتهم. وتُطالب الخطة أيضاً بأن يتنازل الفلسطينيون عن حق العودة ويقبلوا بإسرائيل «دولة يهودية».
ستكون «دولة» فلسطين المتصوَّرة مجموعة من أحياء للأقليات، لا تملك سيطرة على حدودها، أو مجالها الجوي أو مواردها الطبيعية. وقد أعطت هذه الخطة الضوء الأخضر لرغبة إسرائيل في ضم كل الأراضي التي تحلم بها. وفي الحقيقة، أعلن بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، أنه سيبدأ فعلياً في ضم أراضي الضفة الغربية.
في الفترة التي سبقت الإعلان عن الخطة، لم تفعل الولايات المتحدة شيئاً سوى العمل عن بُعد لتنفيذها نيابةً عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، مُحقِّقةً الأمنية تلو الأخرى في قائمة أمانيه، ومن ذلك نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، وإعلان أن هضبة الجولان السورية جزء من إسرائيل، وقطع المساعدات الموجهة إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى والسلطات الفلسطينية، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة. ومن ثم فمن غير المثير للدهشة أن نتنياهو لم يتمكن من إخفاء فرحته، واصفاً خطة ترامب بأنها تمثل أهم الأيام في تاريخ إسرائيل.
غير أن المشكلة لا تقتصر على محتوى الخطة، ولكنها تكمن أيضاً في تطبيقها. إذ من بين 13 مليون فلسطيني في أنحاء العالم، لم يتمكن ترامب وفريقه من العثور على بعض منهم ليُصدِّق على الخطة. لكن بالنسبة إلى ترامب ومستشاريه، وكلهم مؤيدون للمستوطنات الإسرائيلية وسياسات التوسع، فما يظنه الفلسطينيون وما ينص عليه القانون أمور غير مهمة؛ إذ كل ما يهم هو إسرائيل.
خلال كل المفاوضات التي جرت على مدار العقدين الماضيين، وُضعت رغبات إسرائيل دائماً قبل حقوق الفلسطينيين. ولطالما أخفت إسرائيل شهيتها التي لا تشبع للأراضي الفلسطينية في صورة مخاوف «أَمنية» و «ديموغرافية»؛ وهي طريقة مهذبة لتقول إن إسرائيل لا تريد أي فلسطيني غير يهودي بينها، وهو أمر كان على الفلسطينيين دائماً التكيف معه. على سبيل المثال، بينما كانت هناك درجة كبيرة من الاهتمام بأمن إسرائيل، كان على الفلسطينيين أن يَقنعوا بالعيش في بلد منزوع السلاح، دون وسائل للدفاع عن أنفسهم ومع احتفاظ إسرائيل ومستوطنيها المسلحين، بحق اجتياح المدن الفلسطينية كيفما أرادوا ووقتما أحبُّوا. وتُقابَل «المخاوف الديموغرافية» لإسرائيل بإعادة ترسيم الحدود؛ من أجل استيعاب المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، مع إنكار حق العودة للفلسطينيين، ببساطة لأنهم ليسوا يهوداً. أما رغبة إسرائيل في أن تكون القدس «عاصمة أبدية غير مجزّأة» لها، فستكون نتيجتها تجاهل القانون الدولي، ووضع عاصمة فلسطين في ضاحية نائية بعيداً عن المواقع المقدسة ومركزها الاقتصادي.
ينعكس هذا الموقف في رؤية ترامب لمواطني إسرائيل من الفلسطينيين أيضاً. إذ منذ تأسيس إسرائيل في 1948، أعرب بعض القادة الإسرائيليين عن أسفهم لعدم طرد جميع الفلسطينيين، مع استمرار وجود 150 ألف فلسطيني فيما صار دولة إسرائيل. وصار هؤلاء الـ150 ألفاً الآن 1.8 مليون شخص، وهم يمثلون 21% من تعداد سكان إسرائيل، يُعامَلون معاملة الطابور الخامس، مع وجود أكثر من 60 قانوناً يمارس التمييز ضدهم.
تنص خطة ترامب على أن تكون البلدات الفلسطينية الرئيسية داخل إسرائيل جزءاً من «دولة فلسطين». ولم يجرِ التشاور مع أي فلسطيني في إسرائيل بشأن الخطة، ويبدو المسؤولون الإسرائيليون في صدمة؛ لعدم تأييد الفلسطينيين لهذه الفكرة.
ظل هذا السلوك الاستعماري -الممثَّل في قول إسرائيل والولايات المتحدة إنهما تعرفان الأفضل للفلسطينيين- قائماً دون رادع عقوداً، وخلال ذلك الوقت كنتُ أسمع الإسرائيليين يرفضون فكرة المساواة، ومعهم ممثلو الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى يحذون حذوهم. وقيل لنا كيف أنه من «غير الواقعي» أن نطلب امتثال إسرائيل للقانون الدولي، وكيف كان وجود الولايات المتحدة «ضرورياً» لتأمين الاتفاقية. وقد أدى السماح بأن يسود هذا الموقف الاستعماري أكثر من 5 عقود إلى أن يطلب الفلسطينيون إذن إسرائيل في كل ضروريات الحياة ومُتعها تقريباً؛ وضمن ذلك أمور عادية مثل رؤية الأحبّاء وتلقِّي التعليم والحصول على رعاية طبية وبناء البيوت أو رؤية البحر. وهو أمر قاسٍ أن اضطر الفلسطينيون إلى تحمُّل الجبروت الاستعماري، فقط لإرضاء شهية الإسرائيليين التي لا تهدأ للأراضي الفلسطينية.
ولنكن واضحين، فالأمر ليس متعلقاً بفلسطين وحسب، لكنه متعلق أيضاً بالنظام القانوني الدولي كما نعرفه. مكافأة إسرائيل على سرقة الأراضي الفلسطينية، ومساعدتها في التطهير العرقي ضد المواطنين الفلسطينيين ستكون لهما عواقب وخيمة على الصعيد الدولي، إذ يبعث ذلك برسالة إلى ديكتاتوريات العالم، مفادها أنهم أيضاً يمكنهم فعل ما يحلو لهم، وأنهم أيضاً سيكافأون على ذلك.
ينبغي أن يصير تاريخ الاستعمار في العالم والحاضر الاستعماري لإسرائيل، شيئاً من الماضي. لكن ليست إسرائيل وحدها من يجب أن يتعرض للمساءلة، يجب أن تفهم كل الدول التي طلبت أن يُقدّم الفلسطينيون «تنازلات» لتحقيق «السلام»، أن السلام لن يتحقق من خلال تلبية رغبات الإسرائيليين ولكن بتحقيق المساواة.
وتماماً مثلما لن يوافق العالم أبداً على أن تصير تل أبيب قابلة للتداول، يجب أن تكون المدن والأحياء والأراضي الفلسطينية أيضاً غير قابلة للتداول. ومثلما لن يوافق العالم على نزع سلاح إسرائيل، ينبغي ألا يُطلب من الفلسطينيين أن يكونوا غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم في وجه العدوان الإسرائيلي.
وفي حين تدفع إسرائيل إلى ضم الضفة الغربية، أخشى أنني سأستمر في سماع الإدانات الدولية نفسها التي سمعتُها على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، منذ أن بدأت اتفاقية أوسلو. إذ لن تغير هذه الإدانات عقلية إسرائيل والولايات المتحدة الاستعمارية، وستُثبت للفلسطينيين مجدداً أن القوة والقدرة والتنمر هي الأهم وليس القانون.
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية.
ديانا بوتو هي محامية كندية فلسطينية ومستشارة قانونية سابقة للفريق الفلسطيني المشارك في مفاوضات السلام
مع وصول مسلسل عزل ترامب إلى نهايته بتبرئة الرئيس الأمريكي، يصبح لزاماً علينا التساؤل عن السبب الذي دفع قيادة الحزب الديمقراطي في هذا المسار؟ وما الذي جُني منه؟ إن تم جني أو حصد أي شيء في الأساس.
الإجابة عن السؤال الأول بسيطة للغاية، فالسبب هو مساءلة الرئيس دونالد ترامب على مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس الأوكراني، رَهن خلالها تقديم المساعدات العسكرية الأمريكية على التحقيق في مزاعم وشبهات فساد حول خصمه السياسي ونائب باراك أوباما، جون بايدن.
هل كان هذا هو المسار الوحيد المطروح على طاولة الديمقراطيين؟
إن العزل والمحاكمة البرلمانية ليست الأداة الوحيدة في جعبة الكونغرس لمساءلة الرئيس على أفعاله. فعلى سبيل المثال، كان بإمكان الكونغرس تفعيل «اختيار الإدانة القوية«، وهو ما كان من شأنه أن يمثل صفعة قوية لترامب على إساءة استغلاله للسلطة، ولربما حينها حاز هذا المقترح دعم بعض أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري -صاحب الأغلبية- ويمر القرار وتقر «الإدانة القوية». لكنَّ إصرار الديمقراطيين على سلك مسار العزل حال دون ذلك.
أما فيما يتعلَّق بما جناه الديمقراطيون من مكاسب، فيبدو أنَّهم لم يجنوا الكثير.
فطوال هذه العملية، سعت نانسي بيلوسي، بصفتها رئيسةً لمجلس النواب، ومعها النواب الديمقراطيون بالمجلس لفرض أرضية أخلاقية قوية تسمح بمحاكمة ترامب، لكنَّهم أغفلوا حقيقتين مهمتين. الأولى، أنَّ عملية العزل هي محاكمة البرلمانية أي عملية سياسية بحتة، وليست قانونية. بعبارة أخرى، المحاكمة البرلمانية لم تكن محاكمة جنائية، فلا قضاة، ولا توجد هيئة محلفين. لذلك عندما ارتأى الحزب الجمهوري -صاحب الأغلبية- عدم استدعاء الشهود والأدلة الجديدة، لم يتم استدعاؤهم.
والحقيقة الثانية هي أنَّ ترامب سيستخدم فشل هذه المحاكمة وانتهاء محاولة عزله لصالحه، تماماً كما أمكنه عمل ذلك مع تقرير المحقق مولر من خلال تصويره باعتباره يمثل تبرئة له من كل وأية مخالفة، على الرغم من أنَّ التقرير لا يذكر إلا أنَّه لم يمكن إثبات حدوث تواطؤ. وبتبرئة مجلس الشيوخ للرئيس، فليربط الجميع الأحزمة للذهاب في «جولة التبرئة والنجاة من العزل»، التي سيصحبنا فيها ترامب خلال الشهور القادة، وهي جولة على الأرجح سترفع من فرص فوزه بولاية ثانية على رأس أكبر دولة في العالم.
ولدى ترامب أسباب وجيهة للشروع في هذه الجولة. فربما يكون الرجل مصاباً بجنون العظمة، لكنَّ الديمقراطيين يترصَّدونه بشكل حثيث مما يسهل وضعهم في موقع العدو وجعلهم هدفاً في خطاباته وجولاته السياسية، مما سيُنشِّط ويحفز قواعده الانتخابية.
تذكروا معي النائبة بمجلس النواب عن ولاية ميشيغان رشيدة طليب، في أسبوعها الأول في المجلس، في يناير/كانون الثاني 2019، عندما قالت إنها «ستحاكم ابن اللعينة برلمانياً». أو النائب آل غرين عن ولاية تكساس، الذي دعا لمحاكمة ترامب برلمانياً لأول مرة عام 2017، والذي تعهَّد بدوره بالدفع من أجل محاكمة برلمانية جديدة بعد تبرئة ترامب. أضيفوا إلى ذلك رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، النائب جيرولد نادلر، الذي أشار إلى أنَّه سيدعو مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون للإدلاء بشهادته، ومن الواضح أنَّ كابوس ووسواس العزل الذي ضرب البلاد لن ينتهي حتى يغادر ترامب منصبه.
ووفقاً لاستطلاع رأي لشبكة CNN الأمريكية، على الرغم من الساعات التي لا تُحصى من الشهادات السلبية في مجلس النواب والمحاكمة التي جرت بمجلس الشيوخ، لا يزال الأمريكيون منقسمين بالتساوي تقريباً حيال المحاكمة البرلمانية. وفي غضون ذلك، بلغ معدل قبول أداء ترامب وفقاً لاستطلاعات مؤسسة غالوب أعلى المعدلات منذ بدء فترة رئاسته وحتى الآن، وهو ما يشير إلى أنَّ محاولة العزل لم تؤثر على نظرة الرأي العام لإدارته.
لقد فشل مديرو المحاكمة البرلمانية الديمقراطيون في مجلس النواب في إقناع كلٍّ من مجلس الشيوخ والشعب الأمريكي بجُرم ترامب. ولا يُغيِّر تصويت السيناتور ميت رومني عن ولاية يوتا مع العزل، ليكون السيناتور الجمهوري الوحيد الذي يصوت لصالح إدانة ترامب في إحدى مادتي الاتهام، من هذه الحسابات السياسية.
علاوة على ذلك، اتضح أنَّ المحاكمة البرلمانية قدمت عطيّة مالية لحملة ترامب الانتخابية بشكل غير مباشر. إذ نجحت الحملة في جمع 46 مليون دولار خلال الربع الأخير من عام 2019. وفي الوقت نفسه، تنفق الساحة الرئاسية الديمقراطية معظم مواردها على التنافس بين المرشحين الديمقراطيين وبعضهم البعض في الوقت الراهن.
ذكَّرتنا بيلوسي بأنَّ المحاكمة البرلمانية «مستمرة إلى الأبد». وهذا، بلا شك، صحيح. ففي حال كان هدف الديمقراطيين من المحاكمة البرلمانية هو تلطيخ إرث ترامب بوصمة شائنة، فإنَّ هذه المهمة أُنجِزَت. لكن إن ساعد الديمقراطيون بمحاكمتهم البرلمانية ترامب على الفوز بإعادة انتخابه لولاية ثانية، فإنَّ أربع سنوات قد تُخلِّف تداعياتٍ أفدح من أي وقتٍ مضى.
دوغلاس هيي هو محلل سياسي بشبكة CNN الأمريكية
للحصول على وجهة نظر مختلفة بشأن خطة ترامب وصهره كوشنر للسلام، قررتُ استدعاء أفضل محلل وخبير أعرفه في الشرق الأوسط. هذا المحلل اسمه الطبيعة الأم (Mother Nature).
لذا، أيتها الطبيعة الأم، ماذا كان رأيك فيما يتعلق بصفقة القرن؟
حسناً، توم، لم أرَ فيها الكثير. فمبدئياً، الخطة لم تذكرني إلا في بضع جمل قصيرة فقط. واسمح لي بأن نتصفحها مرة أخرى، كما أراها أنا. ولكن دعني أحذرك في البداية: لا تحتوي خرائطي على خطوط حدودية ولا جدران، ولا توجد تقسيمات مناطق من نوعية «أ» و «ب» و «جـ» في الضفة الغربية أو غيرها.
يمكنك أن تكون على يقين بأن الرئيس الأمريكي ترامب، الذي سبق أن أعلن أن التغير المناخي ما هو إلا محض خدعة، ليست لديه بالطبع أي فكرة عن أن شرق المتوسط ما انفكَّ يعاني من ظروف الجفاف طوال الأعوام الـ15 الماضية، وهو ما لا مثيل له في السجل التاريخي الحديث. وتتنبأ دراسة أجرتها جامعة تل أبيب مؤخراً، بأن شرق البحر المتوسط سيصبح أعلى حرارة وأشد جفافاً، وسيعاني فقداناً تدريجياً لنحو شهرين من فصل الشتاء –أي شهور هطول الأمطار- في غضون 25 عاماً. وفي الوقت نفسه، فإن عدد سكان إسرائيل في عام 1948 كان يبلغ 800 ألف شخص، أمَّا الآن فقد بلغ 8.7 مليون نسمة. وكان عدد سكان الأردن 450 ألف شخص، في حين أنه بلغ الآن 10 ملايين نسمة. وكان عدد سكان سوريا 3 ملايين، وهو الآن 17.5 مليون. ومن ثمَّ، فإن المستقبل ينطوي على عدد أكبر من السكان باطراد، ومياه أقل في الآن نفسه.
ما الآثار المترتبة على ذلك؟
اعتادت إسرائيل ضخ ما يصل إلى 500 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من بحيرة طبرية (بحيرة الجليل)، وهي بحيرة مياه عذبة، تلبي الاحتياجات المحلية، ومنها الحقول الزراعية في جنوبي إسرائيل، وتحويل أجزاء من الصحراء إلى أراضٍ زراعية. لكن في عام 2018، استطاعت إسرائيل ضخ 30 مليون متر مكعب فقط.
في صيف عام 2018، كانت مستويات المياه بالبحيرة منخفضة جداً، بسبب الجفاف وسحب الناس المتزايد للمياه، لدرجة أنه كان يهدد بأن تصبح البحيرة بحيرةً مالحة أخرى، مثل البحر الميت. هل تتذكر أن المسيح مشى على الماء في بحيرة الجليل؟ حسناً، لربما كان بإمكانك فعل ذلك أيضاً، لأن مستوى المياه كان منخفضاً جداً بحيث أصبحت هناك جزيرتان بارزتين في وسط البحيرة.
كيف يؤثر ذلك في نهر الأردن وكل من يعتمد عليه؟
للأسف، في السنوات الخمسين الماضية، انخفض التدفق السنوي لنهر الأردن إلى حد كبير. ومع تجميع كل من إسرائيل والأردن وسوريا أكبر قدر ممكن من المياه النظيفة، فإن مياه الصرف الصحي هي التي تجعل النهر يتدفق اليوم. ولكن لمّا كان جزء كبير من النهر يقع في مناطق عسكرية مغلقة، فإن معظم الناس لا يعرفون أن النهر يجف.
المياه المضمونة الوحيدة لمراكز إسرائيل الحضرية ومزارعها الكبيرة على امتداد السهل الساحلي هي المياه المُحلاة والمياه العادمة (مياه الصرف) المُعالَجة، التي بها مشاكل كيميائية أخرى. والآن، من أجل التكيف مع التغير المناخي، يتعين على إسرائيل أن تعكس نظامها الوطني لنقل المياه، أي نقل المياه المُحلاة من محطات المياه الساحلية إلى الشمال إلى بحيرة طبرية [للحفاظ على مستويات المياه العذبة وحماية البحيرة من التملُّح]، والتي لولا هطول الأمطار المستمر هذا الشتاء والذي بدأ بملئها إلى حد ما، لظلت مستويات المياه فيها على تضائلها حتى تفقد أهميتها كمصدر للمياه العذبة الأول في إسرائيل.
في الوقت نفسه، لا توجد في غزة مرافق كافية لمعالجة مياه الصرف الصحي، لذلك يتدفق نحو 100 مليون لتر من مياه الصرف الصحي الخام من غزة يومياً إلى البحر المتوسط. يأخذها التيار السائد بعد ذلك إلى الساحل الشمالي مباشرة، حيث تدخل نفايات غزة في مرشحات محطةِ تحلية مياه عسقلان الكبيرة بإسرائيل، والتي تعيَّن إغلاقها أكثر من مرة؛ لإزالة النفايات المتراكمة فيها.
ماذا عن الوضع في غزة والأردن والضفة الغربية؟
حسناً، نزلت عمّان مؤخراً بساعات انقطاع خدمات المياه البلدية من يومين في الأسبوع إلى ثماني ساعات في الأسبوع لسكانها. وهم مضطرون إلى شراء بقية احتياجاتهم من المياه من القطاع الخاص. وقد أجبرت الظروف الأردن على استيعاب 1.5 مليون لاجئ هربوا من الحرب الأهلية في سوريا، والتي كان الجفاف جزءاً من أسبابها هي ذاتها. يجب أن يحصل الشعب الأردني على جائزة نوبل للسلام عن قدرته على استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين سلمياً.
الأردن فيها نحو 600 ألف شخص يعيشون على جانبها المطل على غور الأردن. وفي وقت تعطلت فيه الأسواق بكل من العراق وسوريا، وانخفضت إمدادات المياه نتيجة للجفاف، فإن نسبة البطالة بين الشباب على الجانب الأردني من الغور بلغت نحو 40%. وعلى الجانب الآخر، فإن المحاصيل الكثيفة الاستخدام للمياه، والتي تشمل الفواكه الاستوائية وشبه الاستوائية مثل الموز والحمضيات والفواكه والخضراوات لأغراض التصدير، والتي يزرعونها هم والإسرائيليون في غور الأردن، ليست مستدامة. وقد أخذت تلك الظروف تجعل من معظم هذه المجتمعات مجتمعات فقيرة.
كيف أثرت هذه الظروف في الحرب على الإرهاب؟
كان الأردن ثالث أكبر مساهم من حيث عدد مجنديه المنضمين إلى القتال ضد تنظيم داعش في العالم العربي. ويمكنك التأكد من أن كثيراً من هؤلاء المجندين كانوا من غور الأردن، المليء بالشباب المحبَط الذي لا يستطيع الحصول على وظائف؛ ومن ثم لا يمكنه الزواج. إنها ثلاثية اضمحلال التوازن البيئي، والفقر، والتطرف.
ماذا عن غزة في ظل سيطرة حماس؟
عمدت كل من إسرائيل وغزة تقليدياً إلى سحب معظم مياههما من طبقة المياه الجوفية الساحلية. وقد انهار جزء غزة بالكامل في ظل سوء إدارة «حماس» والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع والإفراط في الاستخدام. ومن ثم فإن نحو 97% من طبقة المياه الجوفية في غزة لم تعد مصدر مياه صالحة للشرب. ويعيش الناس هناك على ملء الجراكن وخزانات المياه بالماء من محطات تحلية المياه الصغيرة التي يُديرها القطاع الخاص ومنظمات دولية. والنتيجة أن نحو ربع الأمراض المنتشرة في غزة، اليوم، يرجع سببه إلى مياه الشرب غير الصحية.
هذا بالإضافة إلى أن طبقة المياه الجوفية التي تمثل المصدر الأساسي للمياه في الضفة الغربية وإسرائيل يجري استنفادها وتلويثها بسرعة كبيرة. وفي حين يرتبط المستوطنون اليهود في الضفة الغربية بنظام المياه الإسرائيلي من خلال شبكة متطورة تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، فإن المدن الفلسطينية ليست كذلك. وهكذا، فإنه في أشهر الصيف الحارة في بيت لحم، على سبيل المثال، يحصل السكان على إمدادات المياه البلدية عرضاً فحسب.
يعاني أيضاً عدد كبير من القرى والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية من غياب المرافق اللازمة لمعالجة مياه الصرف الصحي. ومن ثم فإن مياه الصرف الصحي يجري التخلص منها من خلال مجارٍ وبالوعات –فُتحات دون تخطيط في الأرض- تسمح للنفايات بالتسرب إلى المياه الجوفية وللمواد الصلبة بالتجمع، لتلقى بعد ذلك في الوديان. وهكذا تتدفق مياه الصرف الصحي في منطقة الخليل الكبرى، على سبيل المثال، والتي يزيد عدد سكانها على 300 ألف نسمة، من خلال قناة الخليل، إلى مدينة بئر السبع الإسرائيلية، لتصبح جزءاً من تدفق «خط بئر السبع»! فالطبيعة لا تعرف خرائطها أي حدود، كما قلت لك في البداية.
إذن ما مبادئ سلام الطبيعة الأم؟
بادئ ذي بدء، أيُّ خطة تقسم الضفة الغربية إلى مساحات وجدران وطرق سياسية معزولة، مدفوعة برغبة «خطة ترامب وكوشنر» في تبنّي «الواقع» الذي أخذ المستوطنون اليهود يقيمونه ويستقرون فيه عشوائياً حول الضفة الغربية- ليست خطة منطقية بالنسبة إليّ. هذا نظام بيئي واحد، ولن يكون أمن مادي (physical security) لأحد، إذا لم يكن هناك أمن بشري (human security) للجميع. وقد رأينا أكثر من مرة، تسبُّب الفيضانات المفاجئة في تدمير الحاجز الأمني الذي أقامته إسرائيل حول طولكرم والقدس.
عليك أن تبدأ بالسؤال الصحيح: كيف يمكننا إحلال السلام بهذه المنطقة في عصر النمو السكاني المتزايد والتغير المناخي المهيمن؟ وليس كيف نحقق السلام في هذه المنطقة بطريقة تعطي الأولوية لمطالب المتعصبين الإسرائيليين أو الفلسطينيين أو متطرفي المسيحيين الإنجيليين؟
كيف ستبدو خريطتك أنتِ أيتها الطبيعة الأم؟
جاء السلام والازدهار إلى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من خلال إنشاء السوق الأوروبية المشتركة. وأقيمت السوق المشتركة على أساسٍ من تداول مصادر الطاقة والمواد الخام الصناعية الأساسية في القرن الماضي، أي الفحم والصلب. وعلى النحو ذاته، فإن السلام بين الإسرائيليين والأردنيين والفلسطينيين سيأتي من خلال اتحاد لكياناتهم السيادية القائمة على أساس من تبادل الاستفادة من البحر والشمس. فالطريقة الوحيدة للوصول إلى أمن المياه والطاقة للإسرائيليين والفلسطينيين والأردنيين هي من خلال تحلية المياه على نطاق واسع، والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك، دون مفاقمة مساوئ التغير المناخي، هو من خلال توليد الطاقة الشمسية بكميات هائلة.
كيف يمكن أن تعمل هذه الخطة؟
إسرائيل وغزة كلتاهما لديها إمكانية هائلة للاستفادة من البحر الأبيض المتوسط في الحصول على مياه مُعالَجة. أما الأردن فلديه إمكانية كبيرة للاستفادة من الصحاري المهجورة الشاسعة في الحصول على الطاقة الشمسية. يجب ربطهم جميعاً في اتحاد، بحيث ينتفع الجميع من موارد البحر والشمس، وفي ظل لجان مشتركة لإدارة المياه والطاقة والأمن الغذائي، فإن ذلك من شأنه أن يخلق علاقات متبادلة صحية؛ ومن ثم يكون بإمكانهم الارتقاء اقتصادياً معاً، بدلاً من التواكل المتبادل غير الصحي والقرارات أحادية الجانب التي ينتهجونها الآن، في مسار يتنافسون فيه على الماء والطاقة والغذاء، ويلوث كل منهم موارد الآخر؛ وهو ما سيفضي إلى سقوطهم جميعاً.
لمعرفة المزيد حول هذا كله، انظر إلى عمل منظمة «إيكوبيس الشرق الأوسط» EcoPeace Middle East، خاصةً دراسات الجدوى والخطط القابلة للتنفيذ لديها. فهذه المجموعة تفهم الطبيعة أكثر من أي أحد آخر.
وفي الختام، إذا اخترت خطة قائمة على ما أشرت لك به، فسيتعين أن ينطوي أي سلام على الاحترام والاحترام المتبادل للأنظمة الإيكولوجية البيئية الخاصة بي، على النقيض من المعادلات الصفرية للمتطرفين السياسيين الذين يتولون زمام الأمر الآن، ويعبثون بالظروف الطبيعية في المنطقة. وأنا أقول لك: ليس من الذكاء سلوك الفوضى مع الطبيعة الأم، واسأل الأستراليين عما حدث لهم من جراء ذلك.
– هذا الموضوع مترجم من موقع صحيفة The New York Times الأمريكية.