أمران يحتاج إليهما الغرب، لإحكام إطباق الكمّاشة على رقبة موسكو: الاستغناء عن الغاز والبترول المتدفقين من روسيا صوب أوروبا، وعزلها عن الصين، وكلاهما دونه عقبات.
منذ أيام، وأميركا تهدد الصين جهراً، بأن أوروبا تستورد منها 50 في المائة من صادراتها، بينما روسيا لا تستورد سوى 15 في المائة، وبأنها ستخضع لعواقب كبيرة في حال خرقها العقوبات الأميركية على بوتين. الصين أذكى من أن تخسر 500 مليار دولار سنوياً تجنيها من أوروبا، ومثلها صادرات إلى أميركا، وهي ثروة مهولة، من أجل 67 ملياراً تحصدها من روسيا، لكنها دولة المليار و300 مليون مواطن، وثاني أقوى اقتصاد في العالم، ولها شعورها بالعزّة. وهو ما لا تأخذه الولايات المتحدة بعين الاعتبار. لكن «درس العقوبات» الروسي، بات يشكّل نموذجاً، يمكن أن تخضع له أي دولة «مارقة»، بحيث لا يستثني موسيقى لراحل بوزن تشايكوفسكي أو وسيلة تواصل أو حتى أديبا مات وشبع موتاً مثل دوستويفسكي.
وهي سوابق في عالم العقوبات الممتد تاريخياً، وشهد أوجه مع تصاعد السطوة المالية الأميركية على العالم، بفضل ربط الدولار المفصلي بأسعار نفط «أوبك» منذ سبعينات القرن الماضي، ثم جاء نجاح نظام «سويفت»، البلجيكي الباهر، لتكتمل الدائرة. هكذا صار الدولار يشكل أكثر من 60 في المائة من احتياطي النقد الأجنبي العالمي، وبه تسعّر الغالبية الساحقة من المنتوجات حتى التي تدفع بالعملات المحلية.
مفتاح العقوبات هذا، هو الدولار الذي تحاول الانقضاض عليه الدول المتضررة. أميركا أخطأت حين بالغت في عقوباتها، وتفننت في استخدامها حتى صار الخاضعون لها من الكثرة، بحيث يمكنهم معاً، تشكيل تكتلات، لا تزال ضعيفة لكنها تكتسب قوتها، من ثأريتها، بسرعة غير متوقعة.
بيع النفط بين الصين وروسيا، لم يعد بالدولار. إيران أيضاً التفّت على العملة الخضراء، وفنزويلا تمكنت من التحايل على العقوبات، وكوريا الشمالية وثّقت علاقتها بالعملة الصينية اليوان. وأميركا كي تتمكن من تنفيذ عقوباتها الفولاذية على روسيا، باتت بحاجة لإلغاء عقوبات سبقتها على دولتين شيطانتين في نظرها، هما إيران وفنزويلا، رغم أنها لم تتمكن في أي منهما من تغيير النظام، أو كسره، كما كانت تتمنى.
لكن الدول «المارقة» خبيثة هي الأخرى. إيران تحاول تأخير الاتفاق النووي الذي بات حاجة ماسة للغرب، وفنزويلا تملي شروطها، وكل يعرف مكانه فيتدلل.ومع ذلك فإن الاستغناء عن غاز روسيا، تحديداً، سيستغرق وقتاً، تكون خلاله هذه الأخيرة، قد فتحت أبواباً جديدة لتسويق المزيد منه في الصين. فالغاز أصعب نقلاً من البترول ويحتاج إلى بنى تحتية وأنابيب، وعمل طويل، حتى وإن وافقت إيران ورغبت في نقله إلى أوروبا.
هكذا أصبح العالم مرتبكاً أمام فوضى العقوبات، التي بحسب دراسات أممية، لم تؤت أكلها إلا قليلاً، وغالباً ما تزيد من إفقار الناس وإخضاعهم لحكامهم. فالدول تعاقب بعضها، وإن بدت أميركا هي صاحبة اليد الطولى. إلا أن الصين لها عقوباتها على أميركا أيضاً، وبوتين يفرض عقوباته. وستتمكن الصين بقدرتها على التلون، من أن تحتفظ بمكانتها الرمادية من موسكو، وتدعمها في العمق بما يمكنها من الصمود، دون أن يكتب عليها كسر العقوبات، وتجربتها مع إيران وكوريا الشمالية لا تزال حاضرة. فاللهو في الحديقة الروسية يخفف الضغط على بحر الصين. وبكين، تتابع العقوبات بعين التلميذ النجيب، وتتعلم. فقد سارعت بمجرد حرمان روسيا من نعمة فضاءات وسائل التواصل، إلى تعزيز وتمتين شبكتها الاجتماعية الوطنية «بيدو» التي تقدم للصينيين، خدمات «ويكيبيديا»، و«غوغل» و«فيسبوك» و«تويتر»، في ضربة واحدة. أما رد الصين على التهديدات الأميركية لها فقد جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو لي جيان بأن «الدول الكبيرة لا يمكنها التنمر على الدول الصغيرة».
وذكّر الولايات المتحدة بتصرفاتها في كوبا وبنما وغرينادا ويوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، كأمثلة نموذجية للدول الكبيرة التي تتنمر، وأن الحل في أوكرانيا هو وقف نار ومفاوضات، واحتكام إلى الأمم المتحدة، وليس إجبار الآخرين على الانحياز لأحد الجانبين.
أكبر المحللين لا يستطيع التنبؤ بما ستؤول إليه الحرب الأوكرانية، لكن ما يريده الغرب، هو خنق روسيا خنقاً «إرميتيكياً» للحصول على نتائج سريعة، والفكاك من خسائر العقوبات عليه، التي باتت تمسه بشكل مباشر، وتنال من اقتصاده. ثمة ضغط على الدائرة الأوليغارشية المحيطة ببوتين، من خلال تجميد أصولها، بهدف تشجيعها على التجرؤ والانقلاب عليه. وبالنظر إلى تجارب سابقة، لا بد أن محاولات مباشرة وحثيثة، تجري مع بعض هؤلاء. فالتخلص من بوتين نفسه، هو وحده ما يمكن أن يعيد الغرب إلى علاقة طبيعية مع روسيا. وفي أسوأ الحالات فإن عقوبات خانقة قد تساعد على مفاوضات يتنازل فيها بوتين عن بعض مطالبه، وهذا أيضاً ليس بأكيد. كما أن تجييشاً شعبياً للروس ضد رئيسهم لا يبدو ممكناً في الوقت الحالي.
غايات صعبة المنال. ما لا تقرأه أميركا في مزايا العقوبات، أنها تشعر الشعوب بالمهانة والاستصغار، وذاك يعزز المشاعر الوطنية، ويحمّس على النهوض بالاقتصادات المحلية. كثيرة هي الأمم التي عانت من العقوبات المصرّح بها أو التي مورست تحت الطاولة، وقليل منها تمكن من الإفلات حتى اللحظة، لكن وصول العقوبات القاتلة إلى دول ذات وزن استراتيجي واقتصادي كبير مثل روسيا والصين، سيكون له على العالم وقع آخر.
هدى الحسيني:المتغيرات تتحكم بعلاقة الصين مع روسيا بعد أوكرانيا!
في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية الذي أقيم في العاصمة الصينية بكين في 4 فبراير (شباط) الماضي، وقف الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جينبينغ يستعرض أقوياء العالم في الرياضة يمرون أمام منصته، ووقف إلى جانبه أحد أقوياء السياسة في هذا العالم وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي دُعي رسمياً من القيادة الصينية لحضور الاحتفال. وقد أظهرت الصحف العالمية في اليوم التالي صور الرئيس الروسي وبدا مغلقاً عينيه، وانتشرت تعليقات عن عدم اهتمامه بالاحتفال الذي جهدت الصين للتحضير له على مدى أربع سنوات، ودفعت الملايين لجعله احتفالاً مميزاً لينسى العالم أن انتشار فيروس كورونا بدأ من مدينة يوهان الصينية.
حضر الرئيس بوتين إلى الصين ومعه وفد من 54 شخصية ضمت كبار رجال الأعمال والصناعيين والتجار والمصرفيين والخبراء في شتى القطاعات، وهؤلاء لم يحضروا الاحتفال مع رئيسهم، بل بقوا في فنادقهم وانكبّوا على دراسة ملفاتهم لمحادثات سيقوم بها بوتين في اليوم التالي مع القيادة الصينية، وكان هذا هو الهدف الأهم لحضوره. وقد تم التوقيع على عقود لتزويد النفط والغاز قيمتها 117 مليار دولار ضمنها عقد مدته 30 سنة لزيادة تزويد الصين من الغاز الروسي عن طريق سيبيريا بكمية 10 مليارات متر مكعب سنوياً تضاف إلى اتفاقية سابقة لتزويدها بـ35 مليار متر مكعب بحلول العام 2025. كذلك تم التوقيع على عقود لتصدير القمح والشعير، وقد أعلن ناطق روسي أن كل العقود سيتم تسديد قيمتها باليورو. وصرح الرئيس بوتين في مؤتمر صحافي في نهاية الزيارة، بأن الاتفاقات التي توصل إليها البلدان إنما هي أمر طبيعي وامتداد للتكامل التاريخي بينهما. في السياسة، أعلن جينبينغ أن الصين تنظر بكثير من الريبة لتوسع حلف الناتو وتتفهم الموقف الروسي في أوكرانيا.
من يستعرض المشهد يتبين له أن قرار الرئيس بوتين اجتياح أوكرانيا كان قد اتُخذ عند زيارته بكين، وأن الاتفاقيات الاقتصادية كانت لتعويض ما يمكن أن تقوم به الدول الأوروبية والولايات المتحدة من عقوبات ومنع للاستيراد من روسيا. وفي معلومات دبلوماسية غربية، طلب الرئيس بوتين من نظيره الصيني أن تتوفر تسهيلات مالية مصرفية صينية في حال جمّدت المراكز المالية الكبرى حسابات المصارف والبنك المركزي وثروات المتمولين الروس، وقد وافق جينبينغ على الطلب، ونصحه بتوخي الحذر الشديد في أي عملية عسكرية بأوكرانيا، والتي بحسب رأيه، يجب أن تتم بفترة وجيزة تسمح بأن يتبعها جهد دبلوماسي لحسم قضية أوكرانيا لمصلحة روسيا.
مع دخول الحرب أسبوعاً ثالثاً من دون أن يتمكن الروس من الحسم الذي نصح به الزعيم الصيني، فإن الوضع أصبح أكثر تعقيداً. ففائق القوة الروسية اهتزت صورته مع مقاومة من الأوكرانيين لم تكن في الحسبان، واعتقد الروس خطأً أن دخولهم إلى أوكرانيا سيكون بسهولة ضم شبه جزيرة القرم ولن يتكاتف العالم لشجب العملية. ومع توالي الأيام بلا تحقيق حسم روسي، أصبحت القضية الأوكرانية قضية إنسانية بامتياز يصعب على الصين أن تتجاهلها أو ألا تشجبها.
في دراسة نشرها معهد «بروكينغز» عن الأزمة، وخاصهً تأثيرها على الاقتصاد العالمي والأوروبي تحديداً، قالت، إن الصين ستتأثر سلباً بسبب ضعف القدرة الشرائية المستوردة للإنتاج الصيني. فاستيراد أوروبا من الصين قبل الجائحة كان يقارب 560 مليار دولار، انخفض أثناء الوباء وإقفال الأسواق عام 2020 إلى 442 مليار دولار، ومع بداية انحسار الوباء أظهرت الأرقام بوادر للتعافي الاقتصادي. إلا أن الدراسة تخشى أن يؤدي استمرار الحرب الأوكرانية وتصاعد أسعار النفط والغاز ومواد أولية وغذائية إلى تضخم كبير وانهيارات مالية. وتوقعت الدراسة انخفاض الاستيراد من الصين إلى ما دون 380 مليار دولار في الربع الأول من العام 2023. وتتجه أنظار الكثيرين في العالم إلى الصين لتقوم بدور الوسيط والضغط على روسيا للقبول بتسوية، وهذا ليس جهداً ستمتنع الصين عن القيام به، إلا أنها بمنطق المصالح بين الدول، ستطلب ثمناً لضغطها على روسيا، وهو الموافقة الدولية على عودة تايوان إلى حضن الدولة الأم. وهناك استحالة لتحقيق هذا؛ إذ إن ضم تايوان إلى الصين إلى جانب كونه كسراً لكل المواثيق والمعاهدات والوعود الدولية سيجعل الصين الدولة الأكثر قوة وسيطرة وتفوقاً في العالم. فتايوان تنتج 92 في المائة من الشرائح الإلكترونية (micro chips) الأكثر تطوراً، وهذه تشّغل معظم ما يستعمله البشر في حياتهم اليومية، من الهواتف المحمولة إلى أجهزة الكومبيوتر والراديو والتلفزيون إلى السيارة والطائرة والأجهزة الطبية والآلات الصناعية والزراعية، والقائمة لا تنتهي، فإذا ضمت الصين تايوان فإنها ستحكم سيطرتها على العالم، وهذا ما لن يتم القبول به.
لقد اعتبر الكثيرون الصين أهم حليف لروسيا في غزو أوكرانيا. ومع ذلك، بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع من القتال بلغ الإرباك ذروته حول موقف الصين من الحرب. ففيما يتعلق بكل من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، امتنعت الصين عن التصويت بدلاً من التصويت إلى جانب روسيا. وفيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على روسيا، لم تُظهر الصين الكثير من الاستعداد للمساعدة حتى الآن. يبدو أن الصين تسحب دعمها من روسيا، من الدبلوماسية إلى الاقتصاد. من ناحية أخرى، يبدو أن التصريحات الصينية قبل الحرب مباشرة أشارت إلى دعم بكين الكامل لموسكو، وأن انتظار روسيا لانتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين يؤكد شائعات بأن الرئيس الصيني طلب من بوتين القيام بذلك؛ مما يعني أن الصين كانت على دراية كاملة بما سيأتي، وقررت دعمها بمعرفة كاملة. وهكذا كانت المعادلة: الدعم الكامل للاجتياح قبل أن يبدأ، ولكن بعد ذلك التراجع التدريجي بمجرد بدئه.. ما الذي حدث؟ هل غيرت الصين رأيها بسبب بعض الأحداث غير المتوقعة؟ أم كانت استراتيجية متسقة لتشجيع روسيا على الهجوم في البداية، لكنها تتراجع عن دعمها بعد بدء الحرب؟ بمعرفة تاريخ العلاقات الصينية – الروسية، لا يبدو أن انتصار روسيا في مصلحة الصين. فما يصب في مصلحة الصين هو حرب استنزاف مطولة، واستنزاف موارد روسيا قدر الإمكان، وإضعافها قدر الإمكان، وفي الوقت نفسه عزلها عن الغرب قدر الإمكان، ومع هزيمة روسية في النهاية.
طوال معظم تاريخ العلاقات الصينية – الروسية، كانت روسيا خصماً للصين وليست حليفاً لها. ليس هدف روسيا أن تصبح الشريك الأصغر في تحالف صيني – روسي، ولكن أن تكون قوة عظمى في حد ذاتها.
تحسنت العلاقات بين البلدين فقط بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث أصبحت روسيا ضعيفة بما يكفي للبحث عن صداقة الصين، وأن ينظر إليها على أنها غير ضارة. وكان التعاون الصيني – الروسي في السنوات الأخيرة يتعلق فقط بإيجاد أرضية مشتركة ضد الولايات المتحدة، بدلاً من أن ينظر الطرفان إلى بعضهما البعض على أنهما حليفان جديران بالثقة حقاً.
لن يكون انتصار روسيا بالتأكيد في مصلحة الصين. من خلال زيادة عدد سكان الاتحاد الأوراسي، مجال نفوذ روسيا الأوسع، من 185 مليوناً إلى 226 مليوناً من خلال دمج أوكرانيا، وتعزيز المواقف الاستراتيجية لروسيا ضد الناتو والاتحاد الأوروبي من خلال القضاء على دولة عازلة يبلغ عدد سكانها 41 مليون نسمة، ستصبح روسيا أقوى بكثير مما كانت عليه قبل الحرب، وسيكون مثل هذا التغيير قريباً من الناحية الجيوسياسية من نوع إعادة إنشاء الاتحاد السوفياتي أقوى بشكل ملحوظ؛ مما يعني أقل استعداداً للتعاون مع الصين، وأكثر استعداداً لمتابعة أجندة القوة العظمى الخاصة بها، ومتابعتها إلى درجة قد تضر بالمصالح الصينية، وتهدف إلى وضع نفسها لاعباً ثالثاً بين الولايات المتحدة والصين.. يساوي كليهما، وليس حليف الصين.
ومع ذلك، فإن هزيمة روسيا، التي لا تزال تبدو ممكنة، لا سيما إذا جاءت في نهاية حرب استنزاف مطولة؛ مما يؤدي إلى إضعاف روسيا بشكل كبير وعزلها عن الغرب في الوقت نفسه،
من شأنها أن تضعها في وضع يمكّنها بالكاد من أن لا يكون لديها أي خيار آخر سوى أن تصبح شريكاً صغيراً في تحالف صيني – روسي، إن لم يكن مجرد قمر صناعي للصين.
ان القوة العسكرية لروسيا، التي جعلتها تبدو حتى الآن على أنها مساوية للصين، لم تظهر فقط من خلال هذه الحرب أنها أقل خطورة مما كان يعتقد العالم، ولكنها تكبّدت أيضاً خسائر فادحة، وستستمر في تكبد خسائر فادحة طالما استمرت الحرب.
إن روسيا الضعيفة، والمعزولة عن الغرب، لن يكون لديها خيار سوى التحالف مع الصين بأي شروط تطلبها الأخيرة، وهذا من شأنه أن يوفر للصين حليفاً استراتيجياً ملتزماً وسهل الانقياد، وإمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية لسيبيريا. الخطر الرئيسي الوحيد للصين في حالة هزيمة روسيا هو إمكانية تغيير النظام والإتيان بنظام موالٍ للغرب. لا تريد الصين أن تنتصر روسيا لأن روسيا المنتصرة من المحتمل أن تصبح حازمة للغاية بحيث لا يمكن التعامل معها، في حين أن روسيا المهزومة والضعيفة والمعزولة لن يكون لديها خيار سوى أن تصبح حليفاً استراتيجياً سهل الانقياد للصين؛ مما يمنح الوصول إلى الموارد الطبيعية لسيبيريا في العملية. وبالنظر إلى حقيقة أن الصين على ما يبدو كانت على دراية بالخطط الروسية لغزو أوكرانيا منذ البداية، وشجعت روسيا على القيام بذلك، فقط للتراجع عن دعمها بمجرد بدء الحرب، كل هذا يشير إلى أن الصين ربما كانت تراهن على الهزيمة الروسية طوال الوقت. على كلٍ، وفي هكذا نزاع دولي تتصارع فيه الدول الكبرى لتحقيق مصالحها ولعدم جدوى اللجوء إلى الأمم المتحدة لفض النزاع وإنهاء المآسي الإنسانية، يظهر دور متزايد لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت للقيام بدور وسيط. فالدولة العبرية لها جذور راسخة وعميقة في أوكرانيا وروسيا وفي شتى المجالات من كبار المتمولين إلى الصناعيين والمقربين في الحلقات الضيقة من أصحاب القرار في البلدين. وتقول مصادر موثوقة، إن هناك عدداً من الروس والأوكرانيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية والذين تقدر ثرواتهم بـ700 مليار دولار، وهم يدعمون مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي للتوصل إلى حل. ومن جهة أخرى، يعرف القاصي والداني مدى عمق العلاقة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وهكذا ترى القيادة الإسرائيلية أن لديها فرصة سانحة للقيام بدور على المسرح الدولي مع الكبار، وبهذا تنهي نظرة العالم إلى إسرائيل كصانع للحروب والأزمات إلى صانع للسلام العالمي. وقد اقترح بنيت يوم السبت الماضي بعد اجتماع مطول مع بوتين في الكرملين بموسكو أن ترعى إسرائيل محادثات بين المتحاربين ودول أخرى في القدس. ومن الممكن أن يتقدم الدور الإسرائيلي في هذا الاتجاه إلا إذا حصلت في هذه الأثناء أحداث في المنطقة تدخلها في حرب إقليمية لا ترغب أو تسعى إليها في الوقت الراهن.