بالنسبة إلى مسافر مبكر، تأخرت كثيراً عن تونس. وإذ أفكر الآن في الأسباب يُخيَّل إليَّ أن الإعلام التونسي أهمل التواصل مع الإعلام العربي، أو هو لم ينتبه إلى ذلك. والسبب الآخر فرديٌّ، وهو أننا لم نشعر بالسفر إلى تونس والتعرف إليها، بسبب الاعتناء بمعرفة مثقفي تونس في الخارج أمثال الشاذلي القليبي، ومحمد المزالي، وأحمد الهرقام، وجميعهم كانوا مع الجامعة العربية، بالإضافة خصوصاً، إلى محمد المصمودي، وزير إعلام بورقيبة و«إمام» المثقفين.
عندما ذهبت إلى تونس أخيراً لتغطية القمة العربية، كان لي طلبان من وزارة الإعلام: زيارة منزل الحبيب بورقيبة في المنستير، وزيارة القيروان. تونس المبكرة في علمنة الدولة، وتونس المبكرة في اعتناق الإسلام ونشره، والمدينة التي عُدّت ذات يوم رابعة الديار المقدسة بعد مكة والمدينة والقدس. مثل فاس، جارتها المغاربية، احتشدت القيروان بالعلماء والفقه، ومهندسي العمارة الإسلامية الرائعة. لكنها كانت السبّاقة فيها جميعاً. فقد بُني «الجامع الكبير»، الذي سوف يصبح أهم معالمها، بعد 38 عاماً على رقاد النبي (محمد صلى الله عليه وسلم). تأسست القيروان عام 670 م وازدهرت في عهد الأغالبة المتحدرين من تميم.
تضم المدينة بعض الآثار الرائعة بما في ذلك المسجد الكبير الذي يمثل تحفة معمارية كانت بمثابة نموذج للكثير من مساجد المغرب العربي، التي بُنيت بعده، لا سيما من حيث زخارفه الفريدة. ومسجد الأبواب الثلاثة، الذي يمثل أقدم واجهة منحوتة موجودة في الفن الإسلامي.
تشكل أحواض الأغالبة، وهي عبارة عن خزان مفتوح يتكون من صهريجين متصلين يعودان إلى القرن التاسع، واحدة من أجمل المجموعات الهيدروليكية التي تم تصميمها كشبكة تزود المدينة بالمياه.
المسجد الكبير الذي أُعيد بناؤه في القرن التاسع، ليس فقط أحد المعالم الرئيسية للإسلام، لكنه أيضاً تحفة معمارية عالمية، وهو رباعي الأضلاع، وفي نهايته الجنوبية غرفة للصلاة على شكل أعمدة مؤلفة من 17 بلاطة تدعمها «غابة» من الأعمدة المصنوعة من الرخام، والرخام السماقي. في الشمال يوجد فناء واسع من الحَجر الرملي تحيط به أروقة، تقطعه في منتصف الطرف الشمالي الأصغر مئذنة ضخمة مربعة الشكل من ثلاثة طوابق. وفي القيروان أيضاً مسجد الأبواب الثلاثة، الذي بُني عام 866 م، ويعد أقدم مسجد معروف بواجهة منحوتة.
محمية بأسوارها وبواباتها (باب تونس، باب الخوخة، باب الشهداء)، تتخلل أفق المدينة المآذن والقباب التي تعلو مساجدها وزواياها، وقد حافظت على شبكة شوارعها المتعرجة، ومنازلها ذات الباحات (أو فناء منازلها). في الجدران الخارجية عدد قليل جداً من النوافذ الصغيرة أو المداخل المقوسة، لكن الجدران الداخلية فيها فتحات أكبر تؤدي إلى الفناء المركزي.
بالصور- القيروان .. مدينة شاهدة على معالم حضارة إسلامية خالدة

كتبت – سارة عبد الخالق :
تطل علينا بمعالمها وآثارها الإسلامية الشهيرة الباقية على مر العصور.. هذه المدينة التي أسسها القائد المسلم “عقبة بن نافع” قديما لتكون عزا للإسلام إلى آخر الدهر.. كان لها دور استراتيجي كبير في الفتح الإسلامي، ويطلق عليها “رابعة الثلاث” بعد مكة والمدينة المنورة والقدس.. تبعد حوالي 160 كيلو مترا عن العاصمة التونسية.. إنها مدينة (القيروان).
أراد أن يبني “مدينة تكون عزاً للإسلام إلى آخر الدهر”.. هكذا قال القائد المسلم الشهير (عقبة بن نافع) الملقب بفاتح إفريقية عن القيروان، ويعود السبب وراء تأسيسها – وفقا لما جاء في (تاريخ الدولة الأموية) للدكتورة إيناس محمد البهيجي – أنه “في سنة 50 هـ بدأت إفريقية الإسلامية عهدا جديدا مع عقبة بن نافع، المتمرس بشئون إفريقية منذ حداثة سنه، فقد لاحظ كثرة ارتداد البربر، ونقضهم العهود، وعلم أن السبيل الوحيد للمحافظة على إفريقية ونشر الإسلام بين أهلها هو إنشاء مدينة تكون محط رحال المسلمين، ومنها تنطلق جيوشها فأسس مدينة القيروان وبنى جامعها”.
ومن هنا تم اختيار القيروان لتكون معسكرا ومدينة في نفس الوقت للمسلمين آنذاك، أما عن أصل تسميتها بهذا الاسم، فقد اختلف اللغويون حول ذلك، فبعضهم يرى أنها تعني جمعا من الخيل، ويرى آخرون أنها تعني معظم الكتيبة أو الجيش أو القافلة، وقد استندوا في هذا ذلك إلى قول الشاعر امرؤ القيس: “وغارة ذات قيروان كأن أسرابها الرعال”.
وهناك آخرون يرون أن أصل تسميتها يعود إلى الكلمة الفارسية (كيروان) والتي تعني المعسكر أو المكان الذي يدخر فيه السلاح، والتي تم تعريبها إلى (القيروان).
ولكون هذه المدينة لها شأن عظيم في الحضارة الإسلامية، ولأنها ما زالت زاخرة بالآثار الإسلامية الشامخة على مر العصور، يلقي مصراوي الضوء في التقرير التالي على بعض أشهر هذه المعالم والآثار الإسلامية الموجودة بها:
1- جامع عقبة بن نافع
يأتي على رأس هذه الآثار الإسلامية الباقية حتى الآن، جامع (عقبة بن نافع) الذي أسسه القائد المسلم في القيروان، ويسمى أيضا بالجامع الكبير، ويقال عنه إنه أقدم من المدينة نفسها كناية عن علاقة الجامع بالمدينة، كان في بادئ الأمر مسجدا بسيطا صغيرا في المساحة، ولكنه بعد ذلك لقى اهتماما كبيرا من قبل الخلفاء والأمراء في مختلف مراحل الحضارة الإسلامية، وهو يعتبر الآن من أضخم المساجد في الغرب الإسلامي، ويعد تحفة معمارية ومعلم إسلامي رائع من روائع المعالم الإسلامية، وهو من أكبر المساجد الجامعة في الإسلام.
ويوحي الجامع للناظرين بأنه حصن ضخم منيع، حيث بنيت جدرانه من الأحجار السميكة ذات الارتفاع العالي، ويتميز تخطيطه بالبساطة فهو يتكون من جزئين تقع على مساحة تزيد عن 9500 متر مربع، وفقا لصحيفة عكاظ السعودية، ويشتهر المسجد ويتميز بمآذنه الفريدة من نوعها والتي تعد من أجمل المآذن التي بناها المسلمون في أفريقيا، حتى أن معظم المآذن التي بنيت بعدها في المغرب العربي جاءت على شاكلتها أو تختلف قليلا، كما أن قبة محراب المسجد تعد أقدم قبة بُنيت في المغرب الإسلامي.
2- مقام الصحابي أبي زمعة البلوي
وهو من أشهر المزارات الدينية في مدينة القيروان بل في تونس ككل، وهو يتمتع بمكانة دينية كبيرة ويقصد مسجده آلاف المصلين والزوار من مسافات طويلة خاصة في المناسبات الدينية، وفقا لما جاء في (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار ومناقب السادة الأطهار) لأبي الثناء الصفاقسي محمود بن سعيد مقديش.
يقع المقام بالقرب من المسجد الجامع، والضريح مزين بفسيفساء تمت زخرفتها برسوم طيور على رؤوسها تيجان ذهبية، يذهب إليه مريدوه للتضرع للرفع البلاء والمصائب وجلب الرزق، ويقال إنه يحتفظ بثلاث شعرات من لحية الرسول – صلى الله عليه وسلم -، إذ يقال أيضا إنه كان حلاق الرسول – عليه السلام -، وفقا لما جاء في (مسرى الغرانيق في مدن العقيق) لأميمة الخميس.
صاحب المقام هو (الصحابي أبي زمعة البلوي) من أصحاب الشجرة الذي استشهد في عام 34 هـ في إحدى الغزوات الإسلامية لإفريقيا، وقد تم دفنه في موضع مدينة القيروان قبل تأسيسها.
3- جامع الأبواب الثلاثة
يعد مسجد ابن خيرون أو جامع الأبواب الثلاثة أحد أقدم مساجد القيروان، ويعتبر من شواهد الفن المعماري الزخرفي لـ “الأغالبة” وهم سلالة عربية حكمت في شمال أفريقيا وجنوب ايطاليا، صقلية، سردينيا، وكورسيكا، وينسب بناء المسجد إلى (محمد بن خيرون) عام 252 هـ ، وفقا لما جاء على موقع batuta.com.
ويتمتع المسجد بواجهة مزخرفة ومنقوشة، وتعتبر أقدم نموذج معروف في وقتنا الحالي.