يثبت رمزي علم الدين، في كتابه «إحكي جالس»، أنه ليس من الضروري أن تكون أديباً مكرساً، وصاحب أسلوب خارق، كي تسطر كتاباً، يقرأ كالماء الزلال، دفعة واحدة، دول ملل، أو رغبة بالتوقف أو حتى استراحة.
اهتممت بالكتاب بداية، لأن مؤلفه هو والد المحامية أمل علم الدين، التي تحولت إلى واحدة من أشهر نساء العالم، بعد زواجها من نجم هوليوود جورج كلوني. لكن المفاجأة كانت، إضافة إلى ما بحثت عنه، هو ذاك الظرف والتلقائية، اللذين روى بهما الرجل، سيرة مليئة بالمغامرات، والتسفار، والعلاقات التي ربطته مع كبار الأدباء والشعراء مثل سعيد عقل، ونزار قباني، إضافة إلى سياسيين مثل سليم الحص، هذا عدا رفقته لأخواله خصوصاً الأديب سعيد تقي الدين، وملازمته له ما يقارب عشر سنوات وتأثره الشديد بشخصه، وحتى بأسلوبه. يقول المؤلف: «أحببت الكتابة ولكنني لم أجد الوقت الكافي لأكتب، وأعبر عما يختلج في نفسي». ويصف كتابه هذا بأنه «الأول وبالتأكيد الأخير».
– الزواج الأول والثاني
يتحدث عن زواجه الأول من أسما مصطفى فتح الله، التي أنجب منها ابنيه زياد وسامر. اكتشف بعد ذلك: «هي تحب القراءة والمتاحف، وأنا أحب الرياضة والنشاطات الاجتماعية. وكان فراقنا على تفاهم». ومن ثم ارتباطه الثاني و«الأخير» ببارعة. «تعرفت إلى بارعة مكناس عندما كانت تعمل محررة في (دار الصياد). جاءت إليّ لتكتب مقالاً موسعاً عن المشروع الذي شاركت فيه… جاءت بارعة مع جمالها لأول مرة، وبدأنا نتحدث… وبعد أن أتت عدة مرات لتكتب عن المشروع… اتفقنا أن ننغرم، وكانت بداية رحلة انتهت بالزواج السعيد». ورزق الزوجان بابنتين هما: أمل وتاله.
يحرص الكاتب على إبقاء الابتسامة على ثغر قارئه، يختار من حياته لقطاتها المرحة، حتى النكد يحوله إلى فكاهة. يعرج على قلة مهارة زوجته بارعة بقيادة السيارة. «كانت تتصل بي عن الطريق تطلب مساعدة لإخراجها من ورطة بسبب قيادتها… أذكر مرة أني ذهبت لأتفقدها وأرى ما المشكلة، فإذا بالسيارة عالقة على صخرة بعلو 5 أمتار…».
– ولادة أمل العسيرة
وعندما كانت زوجته حاملاً بابنتها أمل سمع للمرة الأولى بمرض «بلاسنتا بريفيا» أو «انزياح المشيمة»، وكانا يقيمان في دبي. بعد عدة أسابيع في المستشفى، فضل نقلها إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، رغم أن الأطباء حذروه من خطر على حياتها وحياة الجنين إذا حصل أي نزيف وهي على الطائرة.
«توكلنا على الله وهيأت خطة كاملة للنقل – ابيلا يرفع بارعة إلى الطائرة بواسطة سلم الأكل… طبيب وممرضين يسافرون معنا إلى بيروت. 6 كراس درجة أولى للوفد.
(الميدل إيست) أمنت كل شيء في دبي، وخلال الرحلة، وفي بيروت، عندما نصل يكون طبيبها بانتظارنا على باب الطائرة. بعد كل هذه التحضيرات على الطائرة وقبل الإقلاع، طلبت بارعة نقلها إلى الحمام!!! مع العلم أنها يجب ألا تتحرك. ماذا نفعل؟ ننقلها إلى الحمام!!! مشي الحال… والحمد الله».
وصلت الأم بخير إلى منزلها في بيروت. «كاد هذا المشهد يبكينا، إذ أنها كانت المرة الأولى منذ أسابيع تغادر بارعة المستشفى! وبعد عدة أيام اضطررنا لنقلها إلى المستشفى من جديد بسبب تعرضها لنزيف قوي… وجاءت حبيبتنا أمل إلى العالم بتاريخ 3 شباط 1978… بعد عذاب (ولكنها بتحرز كل عذاب!!)».
– جلسات الأدب
منزل رجل الأعمال وزوجته الصحافية بارعة، كان مزاراً للعديد من الشعراء والأدباء والفنانين «توثقت علاقتنا بفيروز سفيرتنا إلى النجوم وبالشاعرين نزار قباني وسعيد عقل والفنان عمر خورشيد وماجدة الرومي ووديع الصافي وهاني مهنا. وزاد جو منزلنا فرحاً عندما كانت تغني لنا ماجدة (وكان عمرها لا يتجاوز العشرين) أو يعزف عمر خورشيد الألحان على غيتاره. وزاد تألقاً عندما نستمع إلى نزار قباني وسعيد عقل يلقيان أجمل الأبيات وأحلى القصائد». كان «نزار يردد أمام الأصدقاء والزوار في منزلنا أن من لديه حسابات أو هموم تقلقه فليذهب إلى الشرفة، أما هنا فموضوعنا هو الشعر». يعرج الكتاب على مصاب نزار بعد مقتل زوجته بلقيس في انفجار السفارة العراقية في بيروت في زمن الحرب، ثم علاقة آل علم الدين التي توثقت به وبابنته هدباء، بعد انتقال العائلتين إلى لندن. ويصف الشاعر سعيد عقل بأنه كان «شخصية مؤثرة وحالماً كبيراً».
– يوم غنت فيروز في السفارة
يتذكر أن دعوة عشاء جمعته بفيروز لدى السفير الكويتي في لبنان عبد الحميد البعيجان. «قبل العشاء بقليل قامت فيروز إلى الهاتف وطلبت رقم أحدهم، ثم قالت لسعادة السفير: بعد إذنك قمت بدعوة الفنان فيلمون وهبة. وكان لحضور فيلمون وهبة وخفة دمه وعزفه المميز على العود حضور الفلفل في الطعام. غنت فيروز في تلك السهرة كما لم تغنِ من قبل، غنت وأجادت عن (ورقو الأصفر شهر أيلول) و(سألوني الناس)». ويصف تلك السهرة بأنها «من أجمل أيام العمر».
عندما ولدت ابنته تاله «تحيروا ما يسمونها: اقترح علينا الشاعر سعيد عقل اسم رندلى. أما عاصي الرحباني فاقترح أن يسميها (صيف أو شتي)، والشاعر الصديق نزار قباني قال بل (ندى). ولكن الروائية العراقية الصديقة ديزي الأمير اقترحت اسم (تاله)، وهكذا كان».
– شهادات الأصدقاء
يخصص الكاتب صفحات لأعمامه وأخواله، وجورج كلوني وعرس أمل وعيد ميلاده الثمانين الذي أقامته له أمل في بيتها في إيطاليا وجمعت له كل العائلة، وصفحات أخرى للسفر والمغامرات التي خاضها، إضافة إلى شهادات من أصدقائه، بينهم نضال الأشقر والزميل سمير عطا الله ومروان اسكندر ومن ابنته تاله وزوجته. ومن طرائف الكتاب، نشر علم الدين، لنعوته كما تصورها وسطرها بيده، كذلك العديد من الصور العائلية. صفحات لأولاده، سامر وزياد، تاله التي دخلت عالم تصميم الأزياء، ثم أمل التي يصفها بأنها «منذ دخولها أول مدرسة ابتدائية في بريطانيا أثبتت جدارتها وتفوقها». وهو فخور بأنها أصبحت واحدة من بين 12 امرأة منحتهن مجلة «تايم» لقب «امرأة العام». وهو بذلك يشبه خاله الأديب سعيد تقي الدين الذي كان يردد على مسامع ابنته: «لا أريد أن يقولوا انك بنت سعيد تقي الدين، بل أن يقولوا هذا والد ديانا تقي الدين».
– جن جنونه من جورج كلوني
لم يكن رمزي علم الدين قد سمع باسم جورج كلوني، قبل أن يرى صورة ابنته برفقته منشورة في الصحف. يكتب: «صعقني النبأ. صورة يظهر فيها كلوني مع ابنتي أمل، في سيارة تاكسي بعد تناولهما العشاء في أحد المطاعم. جن جنوني، وقلت أمام تاله إنني لا أحتمل ذلك… ابنتي ترافق ممثلاً مشهوراً هذا لا يجوز. وأعلمت أمل برأيي هذا».
بعد مده قصيرة اتصلت به أمل تعلمه أن جورج يود التعرف إليه ويدعوه لزيارته في إيطاليا ليلعبا الغولف سوياً. «أجبتها إنني ابن جبل، فإن أراد التعرف بي، فعليه أن يأتي إلي… وبما أن لبنان كان غير آمن بالنسبة له، اتفقنا أن نلتقي في مكان محايد عند أهل زوجتي (آل مكناس) في دبي، وهكذا كان. وبعد قضاء ثلاثة أيام معاً، وجده. كامل الأوصاف، وسيم، ذكي، متواضع، كريم، محب، مخلص ومهضوم».
– امتصاص النقمة بعد عرس أمل وكلوني
أما حفلة العرس الشهيرة في البندقية، فتسببت بمشكلات عديدة، لأن العروسين قررا دعوة 100 شخص فقط، من أقرب المقربين. عتبت ابنة عم الكاتب المقيمة في أميركا. «طلبت مني أن أدعوها فاعتذرت. طلبت مني أن أرسل لها دعوة، وهي لن تأتي، لتريها لأصحابها، فقلت لها: ولكن ماذا لو خالفت الوعد؟ قالت: أعدك بأنني لن آتي».
لإرضاء العاتبين «اضطررنا أن نقيم عشاء في إنجلترا بعد العرس لأكثر من 250 شخصاً… حيث امتصصنا بعض النقمة على عدم دعوتهم إلى العرس في إيطاليا».
سافر رمزي علم الدين كثيراً، وله أجنحة يمكن أن توصله حيث يريد، لكنه اختار العيش بين بيروت وبيته في الشوف: «كنت وما زلت أحب بعقلين وأهلها حباً جماً وأستمتع بسماع طقطقة القاف الدرزية!! كما وأستمتع بجمال طبيعتها وأشجارها الباسقة وهوائها الندي النقي».
– حب الرياضة
يفتتح الكتاب بالكلام على والده الشيخ خليل الذي كان مدير مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت لمدة 33 عاماً وقبلها كان رئيساً لبلدية بعقلين وأستاذاً للرياضيات، والدته آدال تقي الدين الشقيقة الكبرى لستة رجال هم خليل وبهيج ومنير وبديع ونديم، وكانوا يلقبونها بالوزيرة… وجميعهم معروفون وتبوأوا مناصب كبيرة. عاشق للرياضة على أنواعها. «بقيت أثابر على الرياضة، وأخلق الوقت لألعب كرة المضرب التي أحببتها. بعد فترة اتجهت إلى لعب الغولف. ولكني لاحظت أنه كلما كبر الإنسان بالعمر صغرت الطابة. هكذا من كرة السلة إلى كرة القدم إلى كرة المضرب إلى كرة الغولف». قرر منذ تخرجه، ألا يسعى إلى وظيفة أبداً.
بدأ حياته بتأسيس مكتب سفريات في بيروت، وهو لا يعرف شيئاً عن المهنة. ومع ذلك اجتهد وتمكن من أن يأتي بالسياح بطائرات تشارتر من فنلندا. انتخب رئيساً لنقابة السفر والسياحة في لبنان، ونائباً لرئيس اتحاد المنظمات السياحية العربية. وانتخب عضواً للجنة التنفيذية في الاتحاد العالمي للسفر والسياحة (أوفتا)، ثم نائباً للرئيس، ثم أمين المال لهذه المؤسسة العالمية. كما عمل أستاذاً محاضراً في مادة السياحة، في عدة جامعات لبنانية.
هذه المذكرات التي تصدر بعد أيام، عن «دار نلسن» في بيروت، هي لرجل له من الذكاء والعفوية والخبرة، ما يجعلها متعة للقراءة، فهي تجمع بين الشخصي والعام، وتؤرخ لجانب من الحياة اللبنانية، من خلال شخصيات أدبية وسياسية وفكرية، عرفها الكاتب، بطريقة فكهة وخفيفة الظل.