يكتشف هابل التغيرات في معدل التوسع التي لا يمكن تفسيرها بالفيزياء الحالية
يكتشف هابل التغيرات في معدل تمدد الكون التي لا يمكن تفسيرها بالتيار:
تمدد الكون في علم الفلك، هو تمدد أبعاد الكون ويظهر في ابتعاد أي نقطتين في الكون عن بعضهما البعض من دون أن تكون لهما حركة. طبقا لنظرية الانفجار العظيم نشأ الكون من نقطة واحدة بتواجد كمية هائلة عظيمة من الطاقة شديدة السخونة وتمددت خلال العدة بملايين من السنين الأولى بعد تضخم كوني سريع بعد نشأته مباشرة، ثم بدأ معدل تمدده تقل حتى وصلت إلى المعدل الحالي. يتعلق تفسير ما نرصده من ظاهرة تمدد الكون بمجهودات العلماء حاليا، وهو لا يزال في مجال البحث. وترتبط محاولات تفسير تمدد الكون حاليا بفكرة تفترض ما يسمى طاقة مظلمة.
تشير القياسات الحديثة أن معدل تمدد الكون في تزايد ويعزي العلماء هذا التزايد إلى المادة المظلمة التي تظهر في النموذج النظري على صورة الثابت الكوني. أصبحنا في استطاعتنا حديثا قياس تسارع تمدد الكون، وتعتقد النظرية أن تمدد الكون في الماضي كان « تباطئيا، كابحا» تحت تأثير قوة الجاذبية بين المادة التي نشأت في الكون. حاليا يفترض العلماء نموذج لامبدا-سي دي إم لتفسير ما يجري في الكون، ويعزز هذا النموذج أن تمدد الكون تحت تأثير الطاقة المظلمة سوف يتزايد في المستقبل.
أظهر بحث جديد من تلسكوب هابل الفضائي أن هناك تناقضًا كبيرًا بين معدل تمدد الكون الحالي مقارنةً بالملاحظات من بعد الانفجار العظيم مباشرة. أكمل المرصد المداري الأيقوني لتوه ماراثونًا دام 30 عامًا من جمع البيانات. باستخدام هذه المعلومات ، تمكن هابل بعد ذلك من تحديد أكثر من 40 "علامة ميل" للمكان والزمان لمساعدة العلماء على قياس معدل تمدد الكون بشكل أكثر دقة. ومع ذلك ، قالت وكالة الفضاء الأمريكية إنه كلما زادت دقة هذه الإجراءات ، كلما أشارت إلى حدوث "شيء غريب".
وشبه العلماء ابتعاد المجرات عن بعضها مع تمدد الكون بتباعد نقاط مرسومة على سطح بالون في حالة انتفاخ، فكلما زاد حجم البالون زادت المسافة الفاصلة بين تلك النقاط.
واستنتج عالم الفلك الأميركي أن تمدد الكون يتبع نمطا خطيا تتناسب فيه المسافة وسرعة الهرب، فكلما كانت إحدى المجرات أكثر بعدا عن الأرض زادت سرعة ابتعادها. ووضع قانونا رياضيا يصف هذا التناسب بمعامل ثابت سمي ثابت هابل.
وأدرك العلماء أهمية معرفة مقدار هذا الثابت لتقدير عمر الكون، حسب نموذج الانفجار الكبير، وحساب كتلته وقياس المسافات الفاصلة بين مكوناته. فبمعرفة سرعة ابتعاد إحدى المجرات يمكننا تحديد المسافة التي تفصلها عنا.
كما يتيح قياس بعد المجرات وسرعة هربها حساب الوقت الذي استغرقته المجرات لبلوغ المسافة التي تبتعد بها عنا، وبالتالي تحديد عمر الكون. وكلما كان ثابت هابل دقيقا كانت التقديرات أقرب للحقيقة.
وخلال الأعوام التسعين الماضية استطاع العلماء تطوير أساليب مختلفة لقياس هذا الثابت للوصول إلى تحديد قيمته بدقة. لكن مع زيادة دقة القياس زادت حيرة العلماء بعد أن تبين لهم أن قيمته تختلف حسب طريقة القياس المعتمدة.
قيم مختلفة
يستخدم العلماء طرقا مختلفة لقياس ثابت هابل من بينها التدقيق في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي المنبعث من المادة بعد فترة وجيزة من الانفجار الكبير لرصد التغيرات الطفيفة فيه.
ويمكن لمراصد الموجات الدقيقة الشديدة الحساسية مثل مرصد بلانك الفضائي اكتشاف أصغر التغيرات في هذا الإشعاع وقياس ثابت هابل.
وباستخدام هذه الطريقة توصل العلماء إلى قياس ثابت هابل وتحديد قيمته بـ67 كيلومترا في الثانية في كل مليون فرسخ (الفرسخ الفلكي يساوي 3.26 سنوات ضوئية). وبعبارة أخرى فإن سرعة تباعد جسمين في الفضاء تبلغ المسافة بينهما 3.26 ملايين سنة ضوئية تبلغ 67 كيلومترا في الثانية. ويعتقد العلماء أن هامش الخطأ بالنسبة لهذا القياس لا تتعدى 1%.
كما يستخدم العلماء طريقة أخرى لقياس ثابت هابل تعتمد على لمعان النجوم المتغيرة وعلى نوع محدد من المستعرات العظمى -انفجارات النجوم في نهاية عمرها- المسمى “سوبرنوفا 1 أ” الصادرة عن نجوم قزمة بيضاء لها نفس اللمعان تقريبا.
وتمكن العلماء من خلال دراسة لمعان هذه الأجرام من تحديد المسافة التي تفصلها عن الأرض وحساب سرعة ارتدادها خلال ثمانية مليارات سنة مضت ومن ثم تحديد قيمة ثابت هابل مع هامش خطأ صغير جدا. وبينت نتائج القياسات باستخدام هذه الطريقة أن قيمة ثابت هابل تبلغ 73 كيلومترا في الثانية في كل مليون فرسخ.
وما زاد في صداع علماء الفلك هو نتائج القياس الأخيرة التي استخدم فيها العلماء لأول مرة أشباه النجوم “الكوزارات” -وهي أجرام بعيدة (وقديمة) نشأت في بداية الكون تدور حول ثقوب سوداء هائلة- لحساب معدل تمدد الكون خلال فترة تمتد على نحو 12 مليار سنة من التاريخ الكوني ووجدوا قيمة ثابت هابل تساوي 72.5 كيلومترا في الثانية في كل مليون فرسخ.
وإن كانت هذه القيمة تتطابق مع تلك التي جرى قياسها باستخدام النجوم المتغيرة والمستعرات العظمى، فإنها تتباين مع القيمة المحددة لثابت هابل باستخدام إشعاع الخلفية الكونية الميكروي خلال المليارات الأربعة الأولى من عمر الكون.
وبفضل هذه القياسات الدقيقة الجديدة أصبح لدى الباحثين تأكيد أن ديناميكية توسع الكون في بداياته كانت مختلفة تماما عن ديناميكيته الحالية. كما تأكدت لديهم كذلك المشكلة الشائكة التي أثارها العلماء منذ بضعة أعوام المتعلقة بتغير قيمة ثابت هابل حسب الطرق المعتمدة في القياس.
وهذا يعني أن هناك تباينا بين التطور الملحوظ للكون وما تتوقعه النماذج الكوزمولوجية المعروفة بما في ذلك النماذج التي ترتكز على نظرية الانفجار الأعظم.
ولتفسير هذا التباين يقف العلماء أمام جملة من الفرضيات المحتملة، فهل يتعلق الأمر بأخطاء في عملية القياس أم في الطرق المستخدمة نفسها؟ وهل هناك شيء ما مازال مختفيا خلف ستار الكون المظلم لم يكشف بعد؟
ما سر تغير قيمة الثابت؟
لقد تأكدت النتائج التي توصل إليها العلماء مرات عدة بواسطة مرصدي هابل وبلانك الفضائيين ومرصدي ليغو وفيغو لقياس موجات الجاذبية، لذلك فإن تسرب أخطاء في عمليات القياس تبدو مستبعدة حسب الكثير من العلماء.
في المقابل يسود الاعتقاد بوجود سر لم يكشف بعد يقف وراء هذا التباين قد يتطلب مراجعة النماذج النظرية المعتمدة بشكل جذري. وقد بدأ الفيزيائيون بالفعل في مغامرة تطوير بعض الفرضيات.
من بين الفرضيات المطروحة هو دور الطاقة المظلمة في هذا التباين. والطاقة المظلمة هي طاقة لا نعرف طبيعتها لكنها تلعب دورا أساسيا في توسع الكون.
ويقدر العلماء أن الطاقة المظلمة تمثل 68.3% من كتلة الكون، والمادة المظلمة 26.8% بينما لا تمثل المادة العادية (الذرات التي تشكلنا على سبيل المثال) سوى 4.9%. ويعتقد بعضهم أن نسبة الطاقة المظلمة تغيرت منذ الانفجار الكبير لذلك قد تكون وراء اختلاف قياسات ثابت هابل.
فرضية أخرى يطرحها العلماء تتعلق بالنيوترينات الخاملة (أو العقيمة) وهي جسيمات افتراضية لا تتفاعل سوى مع الجاذبية. وعلى عكس الأنواع الثلاثة الأخرى من النيوترينات المعروفة جيدا لدى الفيزيائيين، فإن محاولات الكشف عن هذه الفئة الرابعة لم تكن ناجحة حتى الآن.
هذه الفرضيات وغيرها، إن ثبتت صحتها، سوف تتطلب تعديلا في النماذج الكوزمولوجية المعروفة اليوم وبناء فيزياء جديدة لشرح هذا الغموض. وتبدو الفيزياء الفلكية على أعتاب ثورة علمية جديدة تمثل كثرة الأسئلة المطروحة وفشل النماذج النظرية في تقديم أجوبة مقنعة لها أولى بوادرها.