أثار تمديد توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، استغراب الرأي العام اللبناني وترحيبه بالقرار في آنٍ معاً، تماماً كخبر سجنه من مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار. الترحيب له أسبابه الوجيهة، أما الاستغراب فسببه أن قضية شركة “أوبتيموم” ليست من القضايا الطارئة ضمن الملفات التي اتُّهم بها سلامة والمتورطون معه.
في هذا السياق، قال مصدر في حاكمية مصرف لبنان لـ”درج”، إن لـ”حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، دوراً بارزاً في تحريك ملف “أوبتيموم” لدى مدعي عام التمييز”. وأضاف المصدر أن “منصوري وضع الملفات المتعلقة بتدقيق شركة “ألفاريز ومارسال” كلها، في عهدة النيابة العامة التمييزية منذ أشهر”.
يُذكر أن النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، كانت قد طلبت المستندات المتعلقة بتقارير “ألفاريز ومارسال”، لكنها لم تحصل عليها. وهنا، أوضح المصدر نفسه أن “رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أصدر قراراً منع فيه تسليم أي مستند لعون”.
بموازاة ذلك، شدد المصدر على أن “حاكمية مصرف لبنان سبق أن سلمت عون بعض المستندات المتعلقة بتجاوزات سلامة أثناء فترة حاكميته، لكنها لم تحرك ساكناً”، حسب قوله، وهو ما نفته القاضية عون بشكل قاطع في اتصال مع “درج”.
لذلك، وتماشياً مع قرار ميقاتي، أودع منصوري المستندات كافة في عهدة النيابة العامة التمييزية، على أن يقدم المزيد من الملفات في الأيام المقبلة.
لكن، سبق أن حضر سلامة إلى قصر العدل لاستجوابه في ملف شركة “فوري أسوشيتس”، المملوكة لشقيقه ندي، والمتهم فيها باختلاس ما لا يقل عن 300 مليون دولار من المصرف المركزي، وتحويلها إلى الشركة المعنية، ولم يحتجز حينها ساعة واحدة، فماذا تغيّر اليوم؟
أدلة قضائية دامغة
أحال مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار ملف توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إلى النيابة العامة المالية، حيث ادعى عليه القاضي علي ابراهيم، وأحاله موقوفاً أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي. وبهذا المعنى، آثر ميقاتي تسليم ملف سلامة إلى قاضٍ مقرب من الثنائي الشيعي (حلاوي) متفادياً تسليمه إلى قاض مقرب من التيار العوني (غادة عون).
إنها مرحلة قضائية جديدة تمر على لبنان، وتقتضي محاسبة صاحب الهندسات المالية والمتهم بقضايا اختلاس الأموال في لبنان وأوروبا وغسلها، ليتحول “الرجل العبقري” الذي أشيد بعمله لسنوات طويلة رسمياً إلى موقوف تحت مجهر المحاسبة.
من المؤكد أن الحجار لم يُقدم على توقيف سلامة قبل أن تتوافر لديه أدلة دامغة تثبت تورطه في قضية اختلاس ملايين الدولارات المتعلقة بشركة “أوبتيموم”، هذا ما أكده المحامي المتخصص بقانون الضرائب المالية كريم ضاهر، لموقع “درج”.
تتمحور قضية شركة “أوبتيموم” حول روايتين رئيسيتين. الرواية الأولى تتعلق بفتح شركة “أوبتيموم” حساباً في مصرف لبنان تحت تصرف سلامة، إذ تم تحويل نحو 8 مليارات دولار أميركي إلى هذا الحساب، بناءً على عقود موقعة بين الشركة ومصرف لبنان، وفقاً لما ذكره ضاهر، وعندما حاولت شركة “كرول” للتدقيق الجنائي تتبّع كيفية صرف هذا المبلغ، لم تتمكن من الوصول إلى نتيجة واضحة.
أما الرواية الثانية، فتزعم شراء سندات خزينة من مصرف لبنان بأسعار منخفضة، ثم بيعها بسعر مضاعف تقريباً، حسبما أوضح المحامي المتابع للملف جاد طعمة. وفي هذا السياق، أشار ضاهر إلى أن الأدلة المتوافرة لدى القاضي الحجار “أقوى من أن يتم التعامل مع الملف وكأنه خالٍ من الشبهات”.
من ناحية أخرى، لفت ضاهر إلى أن الملف قد انتقل إلى مرحلة جديدة في المسار القضائي، مرجحاً أن القاضي الحجار لم يكن لديه خيار آخر، وكان عليه اتخاذ هذه الخطوة بهدف “إثبات النزاهة القضائية أمام المجتمع الأوروبي، الذي بات يشعر أن لبنان ليس جدياً في تحقيقاته”.
إقرأوا أيضاً:
ما بعد الإحالة إلى قاضي التحقيق
بعد إحالة سلامة إلى قاضي التحقيق في بيروت، هناك احتمالان أساسيان، وفقاً لما شرح طعمة لـ”درج”:
بناءً على المستندات والملف المرفوع إلى حلاوي، قد يخضع سلامة لجلسات استجواب وتحقيق اعتيادية. إذا قرر القاضي استكمال التحقيق مع سلامة تحت تدبير احترازي، فقد يمدد فترة توقيفه.
أما الاحتمال الثاني فيتمثل بإصدار قرار بإخلاء سبيل سلامة مقابل كفالة مالية، على أن يبقى رهن التحقيق مع إمكانية فرض منع سفر عليه.
ومع ذلك، فإن سلامة قد يواجه صعوبة في مغادرة البلاد، نظراً الى أنه صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية من الإنتربول.
الالتفاف على الاختلاسات الكبرى
حُصرت قضية توقيف سلامة بالاستفادة من نحو 40 مليون دولار فقط من شركة “أوبتيموم”، بينما تشير التقارير إلى أن الحاكم السابق استفاد بما لا يقل عن 8 مليارات دولار، وفقاً لما ذكره ضاهر استناداً إلى تقرير شركة “كرول”.
في هذا السياق، اعتبر ضاهر أن حصر القضية بمبلغ مالي ضئيل مقارنة بالمبلغ الحقيقي، يهدف إلى تجنب إحراج مصرف لبنان بشأن الخسائر التي تكبدها المودعون والدول الأجنبية المعنية.
وأكد ضاهر أن المصلحة الوطنية والأمن الاقتصادي، وفقاً لمبادئ القضاء اللبناني، يستلزمان حصر المسؤولية بالرشى والفساد والعمولات، والابتعاد عن التركيز على اختلاس الأموال لتغطية خسائر الهندسات المالية، التي لم تنجح في يوم من الأيام.
إقرأوا أيضاً: