لا شكّ في أنّ إعادة انتخاب ترامب خلطت جميع الأوراق في مسائل مصيرية وأساسية، في طليعتها القضية الفلسطينية والحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان ومصير وكالة الأونروا إلى جانب الكثير من التساؤلات الأخرى. إلّا أنّ انتخاب ترامب وضع قضايا كثيرة إضافية على المحك، من أبرزها التغيّر المناخي والبيئة.
“يُعرف ترامب بالريبة، لذا كل ما سيجلبه معه بعد انتخابه هو المزيد من الريبة”…“علينا أن نستمر في الضغط، ولا نعرف ما الذي سيحدث بعد عامين من الآن. قد يكون ترامب في مؤسسة عقلية… بعد عامين أو ثلاثة أو خمسة أعوام من الآن، قد تكون هناك حالة سياسية مختلفة تماماً”…
ما سبق، بعض ما سمعته خلال مؤتمر المناخ المنعقد هذا العام في باكو، أذربيجان، أثناء حديثي مع ناشطين بيئيين أميركيين مشاركين في المؤتمر. فقبل أيام من بدء مؤتمر المناخ العالمي السنوي الذي يُعقد هذا العام في عاصمة أذربيجان، باكو، بين 11 و22 تشرين الثاني/ نوفمبر، ويشارك فيه موقع “درج”، حقق دونالد ترامب انتصاراً كبيراً وانتُخب مجدداً رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
لا شكّ في أنّ إعادة انتخاب ترامب خلطت جميع الأوراق في مسائل مصيرية وأساسية، في طليعتها القضية الفلسطينية والحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان ومصير وكالة الأونروا إلى جانب الكثير من التساؤلات الأخرى. إلّا أنّ انتخاب ترامب وضع قضايا كثيرة إضافية على المحك، من أبرزها التغيّر المناخي والبيئة.
قال لي شاب أميركي تعرفت عليه في مؤتمر المناخ: Trump is known to be uncertain so all he got with him after his election is more uncertainty” أي “يُعرف ترامب بالريبة، لذا كل ما سيجلبه معه بعد انتخابه هو المزيد من الريبة”، وهذا ما هو عليه فعلياً الوضع الحالي، بخاصة في قمة المناخ السنوية في باكو ، والذي يؤثر بشكلٍ أو بآخر على المفاوضات.
فمن ينسى أنه عند انتخاب ترامب رئيساً عام 2016، انسحب من اتفاقية باريس للمناخ؟!
في هذا السياق يقول شون سويني، وهو أميركي من منظمة Climate Action Network International، في مقابلة مع موقع “درج” من باكو: “كنت في مؤتمر الكوب عندما انتُخب ترامب للمرة الأولى عام 2016. استيقظ الناس وكانوا في حالة صدمة تامة، والآن الوضع أسوأ. لكن هذه فرصة للجنوب العالمي لتولي القيادة السياسية. بلدان الجنوب هي الأكثر تأثراً بتغير المناخ حالياً، وهناك فراغ الآن بسبب التغييرات أيضاً في الاتحاد الأوروبي… وبالتالي، يمكننا أن نرى الولايات المتحدة وأوروبا تتراجعان عن التزاماتهما المناخية”.
أضاف سويني: “ترامب واضح تماماً في عدم دعمه أجندة المناخ بأي شكل من الأشكال. بينما كان الديمقراطيون يقولون: “أوه، المناخ المسكين، المناخ المسكين… وجدنا في النهاية السياسات نفسها، اذ أصبحت الولايات المتحدة الآن أكبر مصدر للنفط والغاز في العالم، أو على الأقل كانت كذلك أخيراً”.
يقول أشفق خلفان، مدير العدالة المناخية في منظّمة أوكسفام – أميركا، في مقابلة مع موقع “درج”، إنّ “إدارة ترامب لن تحقق أي تقدم في مجال الطاقة المتجدّدة. مع ذلك، كانت الإدارة السابقة أيضاً تسمح بإنتاج الكثير من الوقود الأحفوري، لذلك من الصعب رؤية تغيير كبير. قد تكون هناك قصة حول المزيد من استكشاف النفط، ولكن ربما ليس أكثر بكثير مما كان عليه سابقاً. السؤال الكبير سيكون حول قانون خفض التضخم والأموال التي خُصِّصت بالفعل للطاقة النظيفة، مثل الاعتمادات الضريبية للطاقة النظيفة وتدفئة المنازل وما إلى ذلك. ترامب قال إنه يريد إلغاء بعض هذه الأمور، لكنه… قد لا يكون قادراً على إلغاء الكثير من تلك السياسات بسبب الفوائد التي تقدمها، حتى في المناطق الجمهورية”. لكن قد يشجّع انسحاب ترامب دولاً أخرى على الانسحاب.
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن الأرجنتين بالفعل سحبت مفاوضيها من قمة المناخ. ويرجع حبيب معلوف، الصحافي البيئي ورئيس الوفد اللبناني إلى الكوب (في غياب وزير البيئة ناصر ياسين بسبب ترؤسه لجنة الطوارئ)، في مقابلة مع موقع “درج”، انسحاب الرئيس الأرجنتيني إلى فوز ترامب في الانتخابات الأميركية بالدرجة الأولى. لكنه أشار إلى أن مقارنة منح تراخيص التنقيب بين ترامب وبايدن تظهر أن “بايدن أصدر تراخيص أكثر بنسبة 20 في المئة من ترامب خلال ولايته، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية”، لكنه أضاف: “في المقابل، قدم بايدن بالطبع تمويلًا أكبر للطاقة المتجددة”.
بحسب معلوف، قد لا ينسحب ترامب من اتفاقية باريس فقط، بل أيضاً من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي تنظّم قمة المناخ السنوية (الكوب) (UNFCCC)، ما سيشكّل مشكلة كبيرة لمؤتمر الكوب نظراً الى التمويل الأميركي الكبير الذي يوفره للمؤتمر. وأشار موقع Climate Change News: “يُقال إنه [ترامب] يتعرض لضغوط لسحب الولايات المتحدة من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) إذا أصبح رئيسًا”.
خلفان من أوكسفام أكّد لموقع “درج” أنّ الجميع يتوقع انسحاب ترامب بالفعل. التأثير الأكبر، وفقاً له، سيكون على ميزانية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، حيث تشكل الولايات المتحدة 20 في المئة من ميزانيتها، ولكن “من الصعب رؤية تأثير سلبي كبير على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية نفسها”، لأن دولاً أخرى قد تعوّض الفرق.
الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، كشف أنه في اجتماع قادة القمة العشرين الذي ينعقد حالياً في البرازيل تزامناً مع الكوب، “بعث قادة مجموعة العشرين برسالة واضحة إلى مفاوضيهم في مؤتمر المناخ COP29: لا تغادروا باكو من دون التوصل إلى هدف مالي جديد ناجح. فهذا يصب في مصلحة جميع الدول بشكل واضح”.
وفي المؤتمر ناقش السيناتور الأميركي إد ماركي ونواب من “البرلمانيين من أجل مستقبل خالٍ من الوقود الأحفوري”، تداعيات إعادة انتخاب الرئيس ترامب في الكوب. وقال: “دونالد ترامب سيخرج من اتفاقية باريس، لكننا سنواصل نشر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. سيتعين عليه أن يطلب من المناطق المحافظة تدمير وظائف الطاقة النظيفة التي أنشئت بفضل قانون خفض التضخم. ولن يوافق عدد كافٍ منهم على ذلك. يمكننا تجاوز السنوات الأربع المقبلة”. وأضاف: “يجب أن يكون المستقبل الخالي من الوقود الأحفوري هو الهدف”.
في هذا السياق، يقول بيكا لورانس-سونغا، نائب من أوغندا ورئيس لجنة التغير المناخي في برلمان أوغندا، وعضو في مبادرة “برلمانيين من أجل مستقبل خالٍ من الوقود الأحفوري”، في مقابلة مع موقع “درج” في باكو: “نحتاج إلى تعزيز السياسات التي تُمكّن بلدنا من التطور وفي الوقت نفسه مواجهة تحديات تغير المناخ. نعتقد أن الولايات المتحدة قد تفكر في الانسحاب من اتفاقية باريس مرة أخرى، وهذا ستكون له تداعيات كبيرة”.
وأشار إلى ثلاثة تداعيات رئيسية لهذا الانسحاب، أولها، التأثير على التعاون التنموي، إذ تسعى الدول إلى التعاون في قضايا تغير المناخ. إذا شاهدوا دولة مثل الولايات المتحدة تنسحب، فسيكون لذلك أثر سلبي على البيئة. ثانيها هو أن الولايات المتحدة تحتل موقع القيادة في قضايا المناخ والبيئة. إذا انسحبت، ستفقد تلك المكانة لصالح دول أخرى.
أخيراً، أكد أن ذلك سيؤثر على تمويل المناخ، إذ كانت الولايات المتحدة تقدم دعماً مالياً كبيراً للعالم لمواجهة تغير المناخ في الكثير من البلدان. قد تنسحب دول أخرى إذا اعتقدت أن تغير المناخ لم يعد أولوية.
وتابع: “هناك تحالف مكون من 24 ولاية يحكمها ديمقراطيون ملتزمون بالعمل المناخي، يُطلق عليه اسم “تحالف المناخ الأميركي، وهناك أيضاً ائتلاف من الحكام ورؤساء البلديات والشركات يُسمى America All In، كذلك ثمة “رابطة رؤساء البلديات المعنيين بالمناخ”. يضيف خلفان: “هؤلاء يمثلون حوالى ثلثي السكان وثلاثة أرباع الاقتصاد، وهذه الولايات لديها الكثير من السلطة، فإذا كانت لديهم الإرادة السياسية الكافية، يمكنهم حقاً مواصلة التحدي. لذا فإن المعركة ما زالت قائمة”.
في سياق منفصل، عنونت CNN تقريرها بأن “ترامب قد يتخلى عن دور أميركا كقائد في تكنولوجيا المناخ”، وأشارت إلى أن الصين تقوم بتركيب مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى على الكوكب. وأضافت CNN في تقريرها: “مع احتمالية تراجع الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن دور الولايات المتحدة كقائد عالمي في مجال المناخ، يقول الخبراء إن الصين ستضطر إلى قيادة هذا التحول. وباعتبارها أكبر ملوث للكربون في العالم، تمتلك الصين تأثيراً أكبر من أي دولة أخرى لإحداث تغيير ملموس في الانبعاثات العالمية”.
يقول سويني لموقع “درج”: “أعتقد أن القيادة الصينية عليها أن تتخذ قراراً بشأن ما إذا كانت جادة في الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية وترغب في قيادة العالم في ما يتعلق بما يسمونه ‘الازدهار المعتدل’”.
وتابع، “علينا أن نستمر في الضغط، ولا نعرف ما الذي سيحدث بعد عامين من الآن. قد يكون ترامب في مؤسسة عقلية… بعد عامين أو ثلاثة أو خمسة أعوام من الآن، قد تكون هناك حالة سياسية مختلفة تماماً. المناخ أصبح الآن فاعلاً سياسياً، وأنا متفائل بهذا الشأن. عندما قال ترامب في عام 2016 إنه سيمزق اتفاقية باريس، أولاً وقبل كل شيء، لا يمكنه فعل ذلك بمفرده لأنه يمثل بلداً واحداً فقط”، مشيراً إلى أن الكثير من الولايات الأميركية لم تلتزم بقرار ترامب، والذي من المرجّح أن يحصل في فترة ولايته المقبلة أيضاً.
كل هذه النقاشات على هامش مؤتمر الكوب، وعدد الصحافيين الذين يغطون تأثير إعادة انتخاب ترامب على المناخ والبيئة، تشير إلى أن ترامب، رغم غيابه، هو واحد من أكثر الشخصيات حضوراً في هذه القمة.
أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.