عن موقع درج:
“ردع العدوان”: هل نحن أمام نسخة “جديدة” من المعارضة السورية المسلحة ؟
خلال ثلاثة أيام من المعركة، تمكنت قوات المعارضة من بسط سيطرتها على ريف حلب الغربي بشكل كامل، والسيطرة على مركز مدينة حلب بشكل شبه كامل، حلب أكبر مدن الشمال السوري وتبلغ مساحتها ما يقارب الـ180 كيلومتراً مربعاً، وثاني أكبر مدينة سورية من حيث عدد السكان بعد العاصمة دمشق، يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة.
في فترة زمنية قياسية، بسطت فصائل عسكرية من المعارضة السورية سيطرتها على مركز محافظة حلب ومساحات شاسعة من ريفها، ونقاط عسكرية ومراكز حيوية استراتيجية مثل مطار حلب الدولي، ومطاري منغ وكويرس العسكريين، إضافة إلى الأكاديمية العسكرية ومعامل الدفاع في السفيرة.
كذلك، سيطرت المعارضة على كامل محافظة إدلب بحدودها الجغرافية، ومطار أبو الظهور العسكري، ومساحات من ريف حماة الشمالي، وصولاً إلى حدود مدينة حماة، خلال أربعة أيام عقب إطلاق المعارضة السورية معركة عسكرية ضد قوات نظام الأسد.
ملابس موحدة، تحركات مدروسة، طيران مسيّر للرصد والعمليات القتالية، مهاجمة النقاط العسكرية بشكل مباشر من دون غيرها، ما يؤكد رصدهم لها لأشهر، وامتلاكهم معلومات دقيقة عن أماكنها وقدراتها الدفاعية وحجم القوة التي تتمركز فيها، لا صور أو فيديوات لمحال مسروقة أو بيوت مخلوعة الأبواب، وأوامر علنية بالحفاظ على الأملاك العامة، وعدم التعرض للمدنيين، وتوفير سلامتهم وحفظ أمنهم.
هكذا أظهرت فصائل المعارضة السورية تنظيماً عسكرياً غير مسبوق، بعد إعلانها إطلاق معركة عسكرية شمال سوريا في محافظتي إدلب وحلب، تحت اسم “ردع العدوان”،في معركة، تختلف عن الصورة التي كانت تظهر بها الفصائل العسكرية في سوريا خلال السنوات الماضية، إذ أثارت مفاجئة الجميع، على مستوى التخطيط والتنظيم والتكنولوجيا عسكرية والتنسيق العال بين مختلف الفصائل، والأهم تقديم “صورة” مختلفة عن السابق حيث يطمئن “المجاهدون” سكان المناطق مؤكدين الحفاظ على المصالح الخاصة والعامة وحقوق الأقليات، والأهم تطمين الأقليات الدينية والاثنية.
“الوجه الجديد” والتطور العسكري!
خلال ثلاثة أيام من المعركة، تمكنت قوات المعارضة من بسط سيطرتها على ريف حلب الغربي بشكل كامل، والسيطرة على مركز مدينة حلب بشكل شبه كامل، حلب أكبر مدن الشمال السوري وتبلغ مساحتها ما يقارب الـ180 كيلومتراً مربعاً، وثاني أكبر مدينة سورية من حيث عدد السكان بعد العاصمة دمشق، يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة.
بدأت الفصائل العسكرية يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر عملية اقتحام حلب لتتمكن خلال ساعات من بسط نفوذها العسكري على معظم أحيائها، من دون أي صمود يُذكر لقوات نظام الأسد.
وعلى جبهة عسكرية بطول ما يزيد عن 100 كيلومتر من حلب وريفها وصولاً إلى ريف إدلب الشرقي، وتحديداً مدينة سراقب الاستراتيجية التي تطل على طريق m4 حلب- اللاذقية الدولي من جهة، ومن جهة أخرى على طريق m5 حلب- دمشق الدولي، أعلنت إدارة العمليات العسكرية للمعارضة السيطرة عليها أيضاً، بعد ساعات فقط من بدء الهجوم باتجاهها.
على رغم وجود فصائل عسكرية عدة تتبع للمعارضة، لكن من الواضح أن التنسيق بينها اليوم عالي المستوى، من حيث توقيت التحرك والتمهيد المدفعي والعمليات العسكرية على جبهات مختلفة، ولكن بتوقيت واحد. هذه الفصائل التي لطالما حصلت بينها مواجهات عسكرية وصدامات مسلحة خلال السنوات الماضية، يبدو أنها حيدت خلافاتها جانباً، ونسقت في ما بينها لتحقيق تقدّم غير مسبوق على الأرض.
قيادي عسكري، رفض التحدث باسم فصيله، قال إن “الجميع اليوم يتكلم باسم غرفة العمليات الموحدة”، وأكد لموقع “درج” أن “إدارة العمليات العسكرية التي تقود المعركة، لم تستخدم لليوم إلا جزءاً من قدراتها العسكرية، وأن هناك ألوية عسكرية كاملة مدربة، إلى الآن لم تشارك في المعركة لعدم الحاجة إليها، وأنها قد تشارك في الأيام المقبلة حسب الوضع في الميدان”.
وقال القيادي إن “هناك ألاف الشبان الذي يريدون الانضمام إلينا والمشاركة في المعركة، لكن للآن لم نقبل طلبات جديدة في المعركة التي يشارك فيها العناصر المدربة فقط، لتحقيق النتائج المرجوة وتنفيذ الخطط بأفضل شكل، وعدم حدوث انتهاكات في حال مشاركة عناصر غير مدربة وغير منضبطة”.
إدارة العمليات العسكرية نشرت مقاطع مصوّرة معدودة عن سير العمليات، لكنها كانت كافية للتعريف بما سمتها “كتائب شاهين”، التي أُعلن عن وجودها مع بداية المعركة، وهي مجموعة عسكرية متخصصة باستخدام المسيّرات، ومن الواضح أنها مدربة بشكل متقن على استخدام أنواع مختلفة من الطائرات المسيّرة، منها ما يطلقها شخص بدفع أولي، ومنها ما يُطلَق من منصة، والمسيّرات ذات الأربع مراوح، إضافة إلى مسيّرات طُوِّرت محلياً.
فيديوات عمل “كتائب شاهين” واستهدافها نقاط تمركز قوات النظام والميليشيات الداعمة له، وتدميرها الآليات العسكرية، ومهاجمتها عناصر نظام الأسد وإيران، كانت احترافية من حيث الدقة، مثبتة فعالية كبيرة في المعركة، ما دفع البعض الى التعليق على فيديوات المسيّرات بالقول “هذه في سوريا وليست في أوكرانيا”، مشيرين إلى درجة التشابه الكبير بين الفيديوات التي ينشرها الجيش الأوكراني، وبين تلك الواردة من معارك حلب وإدلب.
مها غزال – صحافية سورية
“1”: عن النفوذ الدولي وجغرافيات النزوح والتغير الديموغرافي”
المؤكد أن روسيا ستواصل لعب دور الوسيط، وقد تسعى لتحقيق توافق يضمن مصالحها ويخفف التوتر مع تركيا. لكنها ستحافظ على نهجها المرن في إدارة التصعيد، مع احتفاظها بخطوط حمر قد تؤدي إلى تدخل مباشر إذا تجاوز الهجوم مصالحها.
منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بدأت فصائل من المعارضة السورية المقربة من تركيا مثل “هيئة تحرير الشام” و”الجبهة الشامية”، عملية عسكرية واسعة النطاق استهدفت مدينة حلب ومحيطها، مما أدى إلى تغيير جذري في المشهد العسكري والسياسي السوري. هذا التحرك جاء في ظل غياب تأثير أميركي واضح، في فترة انتقالية تسبق تسلم الرئيس دونالد ترامب ولايته الجديدة، ووسط غياب التصريحات الأوروبية والعربية، مما ترك الساحة الإقليمية والدولية مفتوحة لتأثيرات روسية وتركية.
لا شك أن هذا التطور المفاجئ وضع الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، مثل دمشق وموسكو وأنقرة وطهران، أمام تحديات جديدة، بينما تسعى كل منها لتحقيق مكاسب استراتيجية وسط ديناميكيات متغيرة.
هذه المعركة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات من الجمود السياسي، وتعنّت نظام الأسد، والتوترات بين حلفائه وخصومه. مما دفع أنقرة وموسكو إلى خطوات تصعيدية لضمان مصالحهما في سوريا بعيداً عن تعنّت دمشق.
ولا يمكن في هذه الظروف تجاهل التعقيدات السياسية التي تتزايد في المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية الكردية “قسد”، ودورها في هذه المعادلة المتشابكة.
نظام الأسد: سياسة صفرية وانكشاف عسكري
سياسة نظام الأسد الصفرية ورفضه أية مبادرات إقليمية أو دولية لتطبيع العلاقات أو إعادة اللاجئين، أجبرت القوى الكبرى في الملف السوري، خاصة روسيا وتركيا، على التفكير في حلول بديلة، منها العمليات العسكرية الأخيرة.
بالإضافة الى أن النظام استغل الدعم الإيراني من دون تقديم أية تنازلات، لا سيما خلال الحرب اللبنانية الإسرائيلية التي خسرت فيها إيران أحد أقوى أذرعها الخارجية “حزب الله”، مما أضعف موقفه مع حليفته الأولى.
تعرض نظام الأسد أيضاً لضربات موجعة كشفت هشاشة قواته البرية، في ظل غياب الميليشيات الإيرانية التي تواجه ضغوطاً متزايدة في سوريا. وغياب التفوق الجوي، الذي كانت تديره روسيا سابقاً، الذي يعكس تحييداً متعمداً من موسكو، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول أهدافها الفعلية. هذا التراجع جعل النظام يبدو أقل مركزية في المشهد السوري، حيث بدا كأنه أداة ضمن صراع النفوذ بين تركيا وإيران وروسيا.
روسيا: ضبط الإيقاع بدون خسائر
حرصت روسيا على الحياد النسبي في التصعيد الأخير، لا سيما في الأيام الأولى من الهجوم، حيث اكتفت بتصريح حذر عبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، واعتبر ما يجري اعتداء على سيادة سوريا، من دون الإشارة إلى دور تركيا، في حين يشير تردد موسكو في الدعم الجوي، إلى رغبة موسكو في الضغط على دمشق وطهران لتمرير تفاهمات جديدة، مع أنقرة، وربما إعادة إحياء اتفاقية أضنة 1998 التي تضمنت ترتيبات أمنية بين أنقرة ودمشق، أو صياغة تفاهمات جديدة تضمن مصالحها في سوريا.
تركيا لاعب متعدد الأدوار
هدف تركيا الرئيسي يبدو واضحاً: إعادة رسم خارطة النفوذ بما يتناسب مع مصالحها الإقليمية، خصوصاً مع اقتراب إدارة ترامب من استلام السلطة. لوحظ تدخل خجول للـ”الجيش الوطني السوري”، المدعوم من أنقرة، عن المعارك الحالية، هذه الخطوة قد تعكس استعداد تركيا للتخلي عن بعض الفصائل المشاركة في المعارك الأخيرة في حال تحقيق تفاهمات جديدة مع روسيا وإيران.
في ذات الوقت أطلق “الجيش الوطني السوري” عملية “فجر الحرية” واشتبك مع قوات كردية، ما يثير تساؤلات حول مصير هذه القوات إذا قررت تركيا المضي في تفاهمات قد تترك المعارضة تواجه مصيرها منفردة أو توظف في الاشتباك مع القوات الكردية المعادية لتركيّا، خصوصاً مع أخبار عن تهجير الآلاف الأكراد من ريف حلب، ومحاولة سيطرة الفصائل الكردية عى مطار حلب ثم تسليمه لفصائل “ردع العدوان”.
وصف نظام الأسد الهجوم بأنه مؤامرة دولية مدعومة من فرنسا وأوكرانيا وتركيا واتهم إعلام النظام فصائل المعارضة بأنها تعمل بإمرة نتنياهو، بينما حذرت إيران تركيا من المضي في دعم الفصائل، معتبرة ما يجري جزءاً من مشروع أميركي- إسرائيلي.
غياب الموقف الأميركي والأوروبي
غياب رد فعل واضح من الولايات المتحدة يعكس انشغالها بالفترة الانتقالية قبل تولي ترامب السلطة. يُتوقع أن تتابع واشنطن عن كثب التطورات دون تدخل مباشر، طالما أن العمليات لا تمس مصالحها في شرق سوريا.
الصمت الأوروبي والعربي يعكس تراجع اهتمام هذه القوى بالملف السوري، مما ترك الساحة مفتوحة أمام موسكو وأنقرة لإعادة ترتيب المشهد، وعلى الرغم من اتصالات قام بها الأسد مع دول أقليميّة كالإمارات والعراق، أكدت الأخيرة أن حدودها مغلقة كلياً مع سوريا، في تخوف دائم من خلايا داعش التي قد تظهر مرة أخرى للعلن، ناهيك بأخبار عن قصف قوات التحالف لأرتال عسكرية تابعة لمليشيات إيرانية وعراقية كانت في طريقها نحو سوريا.
أما في إسرائيل، على رغم تحذيرات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لبشار الأسد، استفاد النظام من سياسة إسرائيلية ثابتة بعدم السعي لإسقاطه، مما أثار تساؤلات عن دور إسرائيل في الصراع، خصوصاً أنها تنتظر أي فرصة لقصف المليشيات الإيرانية وميليشيات حزب الله في حال تحركها، كون اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان لم يشمل سوريا ما تحويه من عناصر مسلحة.
إعادة رسم خريطة النزوح والتغير الديموغرافي
تسعى تركيا لإعادة توطين ملايين اللاجئين في المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا، مما قد يغير البنية السكانية ويثير توترات مع القوى الكردية ومع نظام الأسد. هذا التحرك يثير قلقاً دولياً بشأن إمكانية تصاعد الأزمات الإنسانية والأمنية.
أما مع وصول الفصائل إلى مدينة حلب، تواجه المعارضة المسلحة تحديات كبيرة تتعلق بإدارة منطقة تضم 4 ملايين نسمة من مشارب قومية ودينية وفكرية متعددة، خصوصاً الأقليات الدينيّة التي طمأنتها “هيئة تحرير الشام” لكن ذلك لا ينفي تاريخ هذه “الهيئة” في التعامل مع الأقليات الدينية والحقوق الفردية. كما سيكون تأمين الغذاء والخدمات الصحية وضبط الأمن، اختباراً رئيسياً لقدرة المعارضة على تقديم بديل فعال للنظام. خاصة في ظل غياب موارد دعم مستدامة.
في ذات الوقت هناك الأكراد الذين بعد سيطرة “الجيش الوطني السوري” على تل رفعت، وخوفاً من حرب والاشتباكات قرر الآلاف الاتجاه نحو مناطق شمال شرقي سوريا (الإدارة الذاتيّة)، على رغم تطمين “هيئة تحرير الشام لهم”، لكن لا نعلم إن كان “الجيش الوطني السوري” سيتفرد بالقرار فيما يخص العلاقة مع الأكراد أم يتبنى خطاب “الطمأنة” الذي تصدره “إدارة العمليات العسكريّة” وفي الوقت ذاته، قد تضطر “قسد” إلى تقديم تنازلات سياسية أو عسكرية لتجنب المواجهة المباشرة مع تركيا أو لتثبيت نفوذها في المنطقة.
في هذه الظروف، سيعتمد استمرار المعارضة في التقدم على قدرتها في إدارة المناطق المحررة، والحفاظ على زخمها العسكري، والاستفادة من دعم تركيا دون الوقوع ضحية لأي اتفاقيات سياسية محتملة. خاصة وأن الاعتماد المفرط على تركيا قد يجعل المعارضة عُرضة للضغوط إذا تغيّرت أولويات أنقرة.
القصف الجوي الروسي واستهداف المدنيين يُعتبران التحديين الرئيسيين أمام المعارضة، حيث تستخدم روسيا هذه الأساليب للضغط على تركيا والفصائل.تبقى الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مسار المشهد السوري، حيث تُرسم الخطوط العريضة لمعادلات جديدة، مع تراجع دور النظام وتصاعد نفوذ القوى الإقليمية والدولية.
والمؤكد أن روسيا ستواصل لعب دور الوسيط، وقد تسعى لتحقيق توافق يضمن مصالحها ويخفف التوتر مع تركيا. لكنها ستحافظ على نهجها المرن في إدارة التصعيد، مع احتفاظها بخطوط حمر قد تؤدي إلى تدخل مباشر إذا تجاوز الهجوم مصالحها.