سمير عطاالله:المايسترو
كان لبنان المستقل بلداً صغيراً بسياسيين كبار. رؤساء من طينة بشارة الخوري، المتقدم في العرب، ورؤساء حكومات من فئة رياض الصلح، وقائد جيش من طراز فؤاد شهاب، ووزراء خارجية من درجات شارل مالك العلمية.
الأهم من رجالات الحكم، كان رجال المعارضة: كمال جنبلاط، وكميل شمعون، وريمون إده، وغسان تويني. كان جنبلاط يمثل الدروز، أصغر الطوائف عدداً. لكنه في شخصيته الاستثنائية اتخذ حجم وموقع الزعامات الأولى، وكان شريكاً أول في صناعة الرؤساء وفي إقلاقهم. ولما قامت الحرب في لبنان قاد كمال جنبلاط «الحركة الوطنية». كان نجله وليد جنبلاط، الذي يدرس الاقتصاد في الجامعة الأميركية، يتجه إلى أجواء غير سياسية. لكن بعد اغتيال والده عام 1977 لم تعد السياسة، أو الزعامة، خياراً.
اغتيل كمال جنبلاط بسبب استقلاليته ونظرته إلى الصراع. وانتقلت الزعامة إلى نجله وليد في ظروف صعبة، إذ كان لبنان في ذروة الصراع المحلي والأممي. كانت التحديات أمام وليد كثيرة: صيانة الدروز، وحساسيات الغرب والشرق، وخصوصاً حماية «الجبل» الذي من أجله خاض حرباً ضارية.
في القتال وبعده في الحروب السياسية، لم يغب وليد جنبلاط لحظة عن قصر المختارة. هو الركن التقليدي وهو القارئ النهم لثقافات الحاضر والتيارات الفكرية حول العالم.
بل مضى إلى أبعد من قراءات الأب في زمن العولمة والحداثة. والذين على لائحة «منشوره» الخاص يعرضون مدى الفارق الثقافي بين سياسيي اليوم وبين أشهر قارئ متغيرات في لبنان الحديث.
أول زعيم سياسي غير سوري اتصل بأحمد الشرع كان وليد جنبلاط. وبينما كان العالم لا يزال يتساءل عن صورة الحكم، كان هو يرأس وفداً من المشايخ المعمرين إلى دمشق يشبهون الصور الطالعة من عبق التاريخ.
يلقب الرجال البارعون والمهرة في حقولهم «المايسترو»، أو «قائد الفرقة» أو «المعلم». ويعطي الألمان هذا التوقير للمحافظين ورؤساء البلديات، باعتبارهم أمناء على شؤون الرعية. عندما ظهر وليد جنبلاط في دمشق، لم يترك شكاً أنه المايسترو الثاني.
نديم قطيش:البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية… أيهما تربح السباق؟
تمثل رحلة التحول من أبو محمد الجولاني إلى أحمد الشرع والتموضع الجديد لـ«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) في المشهد السوري، ظاهرة معقدة تحمل في طياتها إشكاليات سياسية وفكرية غير مسبوقة. فالجولاني الذي كان رمزاً للتطرف العابر للحدود، يتحدث اليوم بلسان أحمد الشرع وبلغة تتبنى مفردات الوطنية السورية الجامعة والاستقرار الإقليمي والتنمية الشاملة، وصولاً إلى إطراء أكثر الرؤى التنموية والاقتصادية نموذجيةً كـ«رؤية السعودية 2030».
بإزاء تحول بهذا الحجم، يثار سؤال جوهري بشأن ما إذا كنا أمام تغيير حقيقي يُعيد صياغة دور «هيئة تحرير الشام» فاعلاً سياسياً محلياً وإقليمياً، أم أن الجاري أمام أعيننا هو مجرد مناورة متقنة تهدف إلى كسب الشرعية والوقت؟
أياً تكن الإجابة، فالأكيد أن السياستَين العربية والإسلامية بعد سقوط نظام الأسد، باتت في خضم صراع غير مسبوق بين براغماتيتين مختلفين في الرؤية والهدف: البراغماتية التقدمية التي تسعى إلى بناء دول وطنية مدنية من خلال التركيز على الإصلاح الداخلي والتنمية المستدامة، وسياسات السلام والتكامل، ومن جهة أخرى «براغماتية إسلاموية جهادية» تحاول التكيف مع الواقعَين المحلي والدولي من دون التخلي بالضرورة عن جذورها الآيديولوجية، بما في ذلك الجذور المتطرفة. وليس من باب المبالغة القول إن نتيجة هذا الصراع بين تيارين يمتلكان رؤى متعارضة لمستقبل العالمَين العربي والإسلامي ستكون حاسمة في تشكيل ملامح المنطقة لعقود قادمة.
حافظت البراغماتية التقدمية على وجودها في وجه صعود الآيديولوجيات العقائدية الثورية القومية والبعثية والصراعات العابرة للحدود التي استنزفت مقدرات الدول العربية وأضعفت كياناتها السياسية والاجتماعية. هذا التيار، الذي تجسد في تجارب تونس مع الحبيب بورقيبة، والإمارات مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والسعودية مع الملك فيصل، وكانت له بذور في تجربة جنينية مع الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب في السودان، انحاز بشكل واعٍ إلى مفهوم الدولة الوطنية الناهضة على بناء مؤسسات قوية، وتحقيق التنمية البشرية، والخطاب السياسي الواقعي التصالحي مع المجتمع المحلي ومع المحيط.
ولئن تفاوتت مسارات هذا التيار السياسي العربي نجد مثلاً أن بورقيبة، قدم نموذجاً لدولة وطنية حديثة من خلال إصلاحات اجتماعية شجاعة، مثل تعزيز حقوق المرأة، وإرساء نظام تعليمي قوي، وتحقيق الاستقرار السياسي بعيداً عن الآيديولوجيات العاطفية كالقومية العربية، في حين أن الإمارات، ركزت مع الشيخ زايد على البراغماتية الاقتصادية والتنموية، الذي حوَّل البلاد نموذجاً للاستقرار والازدهار في منطقة مضطربة. أما في السودان، فقد اختار عبد الرحمن سوار الذهب تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، في خطوة حملت رهانات غير مسبوقة على تأصيل قيم التداول السلمي للسلطة، ولم يُكتب لها النجاح.
على النقيض، برزت «البراغماتية الإسلاموية الجهادية» تطوراً نوعياً في الفكر السلفي «الجهادي» التقليدي، الذي كان يركز تاريخياً إما على إشعال الحرب بين فسطاطي «دار الإسلام ودار الحرب» وإما على إقامة «الخلافة» العابرة للحدود بشكل فوري كما فعل «داعش».
جسدت «طالبان» في أفغانستان و«هيئة تحرير الشام» في سوريا هذا التحول الذي تمثل في إسقاط التبني الحرفي للعمل «الجهادي» العالمي والرهان على صياغة «حاكميات محلية» تتسم بالبراغماتية، وتضع في الحسبان المعوقات الواقعية لمشروعها من دون أن تنفصل كلياً عن أصولها الفكرية.
حتى الآن، لا نملك مثلاً، تصوراً دقيقاً لمعنى فك الارتباط بين «هيئة تحرير الشام» وتنظيم «القاعدة»، أو المرتكز الحقيقي للطلاق بين الجولاني وأبو بكر البغدادي. وليس بوسعنا الوصول إلى استنتاجات حاسمة بشأن تقييم تجربة «الهيئة» والمؤسسات التي أنشأتها لإدارة المناطق التي سيطرت عليها في إدلب.
أما «طالبان» التي أبدت مرونة سياسية مذهلة عبر توقيع اتفاق الدوحة 2020 مع الولايات المتحدة، رغم عدائها العقائدي الصارخ للغرب، فقد استغلت الاتفاق كمرحلة تكتيكية لتحقيق انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وقفزت فوراً نحو تعزيز مشروعها الأساسي بإقامة نظام حكم إسلامي متشدد وفق رؤيتها الخاصة للشريعة الإسلامية، ومن دون أي اكتراث بتعهداتها السابقة.
وهنا تتجلى تحديات قوى البراغماتية التقدمية في مواجهة هذا النوع من القدرة على الموازنة بين التشدد العقائدي، الذي يتجاوز الجولاني شخصاً، والمرونة اللافتة للتكيف مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والجيوسياسية ما يجعلها عصية على الاحتواء. لا تقتصر التحديات على الجاذبية الصاعدة لفكر الإسلام السياسي بصورته الجديدة الآتية من دمشق، بل تطول ضرورة إعادة التفكير في الاستراتيجيات الإقليمية والدولية للتعامل مع جماعات أصبحت أكثر براغماتية وأقل انغلاقاً؛ مما يمنحها قدرة متجددة على البقاء وحصد النفوذ وتهديد البنى السياسية القائمة.
الصراع الذي تجلى في السابق بين الدول الوطنية التقدمية وبين الدول العقائدية التي توسلت الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بوصفه عملةَ تداول في هذا الصراع، انتقل الآن ليصير صراعاً على مصادر الشرعية السياسية بين البراغماتيتين، التقدمية والإسلاموية، واللتين تعكسان رؤيتين مختلفتين للدولة والمجتمع. تعتمد البراغماتية التقدمية في نهاية المطاف على ترسيخ قيم المواطنة أساساً لعقد اجتماعي مدني، في المقابل، ترتكز البراغماتية الإسلاموية «الجهادية»، حتى إشعار آخر، على شرعية دينية – آيديولوجية تُقدم نفسها بصفتها ممثلاً «للشريعة الإلهية» مع ما ينطوي عليه ذلك من احتمال إقصاء الهويات الأخرى.
هنا يكمن التحدي الأكبر: هل ستنتصر شرعية الإنجاز والإصلاح على شرعية العقيدة؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد ملامح المستقبل السياسي والاجتماعي للعالمَين العربي والإسلامي.
سمير عطا الله:الخوف صار هذه الناحية وجهتا العقل والقلب
تتشابه نهايات المراحل الجائرة في حلقات عدة، وتتفاوت في درجات القسوة والفظاعة والعدمية. ومع كل سقوط تكثر ظواهر الانتقام والرغبة في استعادة الأعمار الضائعة في الخوف والظلم، وممالقة العتاة والقهّار. ويشعر أهل الطبقة المستفيدة بشيء من الذنب، سواء أرغموا على المشاركة في عملية الاستعباد والاستبداد، أو توسلوها وبرعوا فيها، وتمتعوا بساديّتها.
وتحاول جميع الطبقات، على اختلافها، إنكار كل شيء. بعد الحرب العالمية الثانية، ادعى كثيرون من الفرنسيين أنهم كانوا في المقاومة السرية، مع أنهم كانوا من المتعاونين مع الاحتلال النازي. وأشهرهم آنذاك المارشال بيتان، الذي أصبح رمز العمالة في التاريخ الفرنسي، برغم كل ما ادعى أن تعاونه كان من أجل الفرنسيين، وهي دعوى تُساق دائماً لا يقبلها أحد.
ثمة طبقة من الناس في سوريا ولبنان الآن رأت نفسها فجأة في برزخ الاتهام والإنكار. ولا شك أن قسماً كبيراً منها لم يكن يريد أكثر من ألّا تعرف الدولة بوجوده. أو أن تنسى تاريخ ولادته. ومعروف أنه لم يكن ممكناً أن توقع عقد إيجار إذا لم تكن لك صلة ما في مكان ما.
وسط هذه المكونات الطبيعية، كانت هناك الفئة الطاغية. المجموعة التي استغلت النفوذ المعطى لها في التنكيل، وأقصى درجات الفجور والفساد.
في أعقاب حالات من هذا النوع، يرتفع صوتان: واحد يدعو إلى المصالحة، وآخر يدعو إلى العقاب. الأولى هي الأولَى. لكنّ هناك نوعاً من الجرائم لا يجوز عليه العفو، ولا السماح.
ما إن غادر الرئيس السابق بشار الأسد دمشق حتى انقلب كل شيء، كما هو متوقع. وقد ألصق به ذوو الضحايا شخصياً قرار الاغتيالات الكبرى مثل جبران تويني، وسمير قصير. جميعها طبعاً ملفات ثقيلة لا نهاية لها.
الآن في الحزن والحداد، وليس في لبنان قضاء قادر على مهمة في هذا الحجم. سوف تبقى المسألة في إطارها: أمهات يرفعن صور أبنائهن المفقودين، وآباء سُمح لهم، للمرة الأولى، بالبحث في أرشيف البقايا.
معظم المنطقة عاشت وعانت من متلازمة التطرف التي يرمز لها بـ1979، وهي السنة التي وصل فيها آية الله الخميني إلى الحكم وأقام نظاماً ثيولوجياً آيدولوجياً متطرفاً نشر عدواه في أنحاء المنطقة. أصيبت به المجتمعات العربية وتسلل إلى عمق بعض الأنظمة، في التسعينات وما بعدها.
فهل الدور على سوريا التي تحتفل بالخلاص من واحد من أكثر الأنظمة فظاعة وقسوة في العالم؟ هل يعقل أن معظم العالم العربي الذي لفظ حديثاً التطرف وقضى على معظم «القاعدة» و«داعش»، وحاصر «حزب الله»، وأبعد «الإخوان»، يمكن أن يولد من جديد وفي دمشق؟
ليس خفياً أن هناك قلقاً إقليمياً ودولياً، وبالطبع سوريّاً، من أن يعتلي المتطرفون الحكم ويحيلوا حياة سوريا والمنطقة إلى أزمات وحروب في وقت يحتاج 23 مليون سوري إلى الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والعيش حياة كريمة.
«هيئة تحرير الشام»، حتى اليوم، أظهرت تقبلاً للأنظمة الاجتماعية والدولية، وتعاملت بحساسية مع مكونات البلاد المتنوعة، وصدر عن رئيسها أحمد الشرع العديد من التصريحات المطمئنة للحكومات والمواطنين، بأنه مع دولة للجميع، وأنهم ليسوا جماعة تريد تغيير سوريا والعالم وفق رؤية متطرفة.
ستتضح الصورة عندما يستقر الوضع، ويفعّل النظام الجديد نشاطه، ويدير عجلة مؤسساته. أما الآن فليس لنا إلا أن نفترض أن المنخرطين في الثورة السورية تعلموا دروساً صعبة من تجاربهم الطويلة. قائدهم، أحمد الشرع نفسه مر بتحولات فكرية كبيرة، وسبق له أن تحدث عنها. عندما كان شاباً في مطلع العشرينات يختلف عنه اليوم، 42 عاماً، حيث يبدو أكثر هدوءاً وحكمة. ونفترض كذلك أن المتطرفين لم يصلوا إلى أسوار دمشق إلا بعد سنوات من تجاربهم ومعرفتهم بما حدث للأمم التي في محيطهم الجغرافي.
لم ينجح نظام ديني متطرف واحد، كل ما وصل منها أو كاد يصل سقط، باستثناء نظام الخميني في طهران، وتجربته نموذج وعبرة يستحقان التأمل. نجح في نقل إيران من مزدهرة إلى فقيرة. سخّر كل إمكاناتها لأحلامه الدينية المتشددة، وها هو اليوم يواجه مخاطر مع سقوط الدومينو خارجياً، ورفضاً شعبياً واسعاً داخلياً لثقافته. استوطن المتطرفون أيضاً السودان وتركوه خراباً. مروا سريعاً على القاهرة، حكموها لعام واحد، كانت تجربة أيقظت المصريين وأعادتهم إلى الميادين للتظاهر لإقصائهم. وهناك الدول التي ابتليت قهراً بجماعات مسلحة متطرفة مثل «حزب الله» في لبنان، وميليشيات ليبيا والصومال واليمن وغيرها تسببت في تدمير بلدانها. ومن ثمّ ليس أمام حكام دمشق الجدد نموذج واحد ناجح.
تاريخ 1979 رمز يعبر عن تاريخ التطرف والفشل. يعبر عن كارثة نصف قرن حلت بالمنطقة. الخمينية، والقطبية، والسرورية، والسلالية مثل الحوثية، جاءت امتداداً لقطار الآيديولوجيات الساعية إلى الحكم، من شيوعية واشتراكية وبعثية.
سوريا البعثية أخذت نصيبها تحت نظام عسكري لجيلين من بيت الأسد. إنْ ترث الحكم وتحتكره آيديولوجيا إسلاموية متطرفة فسيعني ذلك أن ليل سوريا طويل. ولهذا تحث الأمم المتحدة والقوى الدولية المختلفة القابضين على السلطة في دمشق على تبني المشاركة السياسية لاستيعاب الجميع. ليس لأن المشاركة فقط تعكس تنوع الوضع الاجتماعي السياسي في سوريا، بل والأهم، لأنها الوصفة الوحيدة التي يمكن أن تتجنب الفوضى والاقتتال والتدخلات الخارجية.
منذ هجوم «حماس»، الذي فجَّر المنطقة على مدى لم تعرفه من قبل، حضرت كل أسباب الحرب، وغاب عنها سلاحها الأهم: الدبلوماسية. فالحرب تُخاض عادة من أجل أن تُربَح. لكن في ذلك اليوم بغزة لم نعرف لماذا تخوض «حماس» حرباً سوف تدمر غزة، ولا لماذا سينضم إليها «حزب الله» في معركة تدمر نصف لبنان. وما من أحد منا سوف يعرف ذات يوم لماذا عادت «حماس» وقبلت وجود إسرائيل «المؤقت» في التسوية، بعدما حوّلت غزة قاعاً صفصفاً. لماذا لم يحدث ذلك القبول قبل شهرين، أو ثلاثة، بحيث توفر على غزة مزيداً من القتل والدمار؟
هل يمكن أن يكون هناك انتصار أو صمود في كل هذا البؤس والخراب والهوان؟ وهل من العار على الفلسطيني أن يبقى حياً؟
هل من العار أن يُحسَب في الحرب حساب الحد من الخسائر وحفظ الأرواح والكرامة والأملاك والبيوت؟ أو حساب القوى أمام عدو منفلت يُشهر في وجه العالم أفظع آلة قتل في التاريخ؟
أحياناً يتساءل المرء عما إذا كان للعقل العربي أي علاقة ببديهيات المنطق. كيف يمكن التخيل لحظة واحدة أن يهتم فلاديمير بوتين بحالة بشار الأسد، وحتى سوريا كلها، وهو يخوض حرب روسيا الأخيرة في أوكرانيا؟ إن أي قارئ يتابع شؤون هذا الكون في غير صحيفة «تشرين» يعرف أن العالم كله في كفة، ومعركة أوكرانيا في كفة. مصير الإمبراطورية في كييف وليس في حميميم.
الغريب في كل ما حدث؛ من غزة إلى ليلة التبخّر في دمشق، أنه كان معلناً سلفاً. إسرائيل تحدد موعد ومكان القصف، ونحن نهرع إلى الملاجئ. ونكرر. وإسرائيل تدمر قوة سوريا حتى 20 عاماً، والعالم يكاد يصفق، ونحن نتحدث عن التوازن الاستراتيجي الذي كان حافظ الأسد يشرعه لزواره كل يوم.
المشهد ليس في سوريا وحدها؛ على ضخامته. ثمة شعور بالتحرر في كل مكان… أولاً نهاية الحقبة، ومن ثم، فالآتي لا يمكن إلا أن يكون أفضل من الصور والأخبار الخارجة من ظلام الكوابيس.