ماذا سيرتدي أردوغان؟.. هل “المُصافحة السياسية” للنساء تُثير الغرائز وماذا خلف حقيقة مشاهد فصل الذكر السوري عن الأنثى السورية؟ وهل الأمل في سورية “هش”؟
تحوّل مشهد سُقوط النظام السوري، إلى مسلسل من المشاهد اليومية التي لا يتوقّف فيها المراقبون عن رصد المشهد السوري الانتقالي، وفيه كل هذه الكميات من الجدل، والتجادل والإثارة، والمخاوف، والتساؤلات، وكل هذا يحصل مع مقدم حكومة أحمد الشرع الإسلامية بخلفية متطرفة، وطريقة حُكمها للبلاد بعد عهد بعثي علماني (نظام الأسد) يقول مُعارضوه إنه كان عهدًا دمويًّا، وقمعيًّا بامتياز.
سورية والشريعة الإسلامية
تتكرّر العبارة ذاتها بين جميع السوريين التي تقول بأن سورية لا يُمكن أن تُحكم بالشريعة الإسلامية، فشعبها راق، ومثقف، ومتنوع، لن يقبل أن تتحول دمشق، إلى تورا بورا، لكن السؤال هل يعي حكام سورية الجدد هذا الواقع، أم يُريدون تغيير هذا الواقع بالإجبار، وبقوّة السلطة؟
مُحاربة التحرّش أم فصل أبدي بين الجنسين؟
لم تمض ساعات على جدل التعديل بالمناهج الدراسية، حتى دخل السوريون في الساعات القليلة الماضية، في جدل جديد، تمحور حول مقاطع فيديو أظهرت عناصر من هيئة تحرير الشام وهم يُبعدون الشباب عن أماكن تجمّع الفتيات، اللافت أن هذه الأفعال جرى تقديمها من المُوالين للهيئة بأنها تصرّفات إيجابية، وتأتي من باب الأخلاق والدين، بل ومصحوبة بأناشيد دينية وعبارات تمجد أفعالهم.
يقول المُدافعون عن الخطوة بأن إبعاد الشباب عن الفتيات يأتي في سياق حملة يُقال إنها تهدف إلى “مُحاربة التحرش”، وهذا ما أيّده السوريون دون اعتراض، ولكن نبّه آخرون إلى أن عناوين مُحاربة التحرّش قد تكون طريقًا لتطبيق سياسات الفصل الجنسي في الجامعات، بعدما طُبّقت بالفعل في بعض المدارس المُختلطة، وحصل ذلك في مدارس عامّة في بانياس، ما يعني تطبيق الفصل الديني المُطبّق بالمُجتمعات المُحافظة، والتي لا تُفرّق بين علاقات العمل والزمالة والصداقة بين الذكر والأنثى، وبين العلاقات غير الشرعية، وتعتبرها في سياق تحريمي واحد.
معروف ومنكر سورية
مقطع فيديو آخر تداوله السوريون، ظهر فيه أحد رجالات هيئة تحرير الشام، وهو يرصد تواجد شاب وفتاة معًا في مكان عام، فقام رجل الهيئة بتحذير الشاب، وطلب منه عدم تكرار مُقابلته للفتاة، في مشهد أعاد للأذهان شكل السلطات التي كانت ممنوحة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العربية السعودية وتحكّمها بالعباد والبلاد تحت يافطة تطبيق الشريعة، وذلك قبل مجيء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للسلطة، والإطاحة بهم، فأي سورية هذه التي يتراقص السوريون لأجل “تحريرها” في الساحات، يسأل أحد السوريين.
هل تخشى مصر تصدير ثورة سورية إليها؟
ولا يبدو أن الحكومة المصرية مُرتاحة لوصول حكومة أحمد الشرع للسلطة في سورية، فالإعلام المصري لا يزال يُصوّب سهام نقده للشرع وحكومته، وخلفيته الإخوانية، حيث أشارت تقارير صحفية مصرية إلى إصدار مصر تعليمات جديدة بحظر دخول كافة السوريين القادمين من مختلف دول العالم إلى بلادها، ويأتي هذا القرار على خلفيّة مخاوف مصر من تصدير “ثورة السوريين” إلى مصر، والقضاء على الدولة المصرية وجيشها، بعد القضاء على الجيشين السوري، والعراقي.
وكشفت التقارير أنه تم تنبيه شركات السفر والطيران بمنع قبول أي راكب سوري على الرحلات القادمة إلى مصر من مختلف دول العالم، عدا حاملي الإقامة المؤقتة لغير السياحة بالبلاد، وجاء وذلك بعد أيام قليلة من صدور قرار بوقف دخول السوريين من حاملي الإقامة الأوروبية والأمريكية والكندية إلى البلاد دون الحصول على الموافقة الأمنية.
وفي لبنان أيضًا، هناك إجراءات لبنانية مماثلة منعت دخول السوريين الذين لا يحملون إقامة لبنانية سارية المفعول.
ومنع الأمن العام اللبناني اللبنانيين من عبور نقطة المصنع الحدودية (في البقاع شرق البلاد) باتجاه سوريا، منذ ليل أمس الخميس، بناءً على توصيات سورية بمنع دخول اللبنانيين إلى البلد، إلّا لمن يحمل إقامة سورية، وأفادت تقارير أن إجراءات جديدة اتّخذها الجانب السوري على معبر المصنع، تحديداً من جهة جديدة يابوس، بمنع دخول اللبنانيين بحجّة أن هناك ترتيبات جديدة يتم العمل عليها، ويرجح أن هذه الترتبيات جاءت من قبل حكومة سورية الجديدة بناء على منع السوريين من دخول لبنان.
سترة ألمانية واقية
ويبدو أن الحالة الأمنية المُعقّدة في سورية بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، ومخاوف اندلاع صراع بين الفصائل التي توحّدت لإسقاط الأسد، تُفسّر مشهد وصول وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك إلى دمشق على متن طائرة عسكرية من قبرص وظهرت بسترة واقية من الرصاص.
وحرصت الوزيرة على ارتداء السترة الواقية واستلمتها من قبل أحد العسكريين قبل نزولها لأرض مطار دمشق الدولي، ما يُشير إلى حالة من انعدام الأمن بالنسبة للزائرين الأجانب لسورية بعد سقوط الدولة السورية.
مُصافحة النساء في سورية الجديدة “ممنوعة”!
وكان في استقبال الوزيرة الألمانية ممثلين اثنين من الإدارة السورية الجديدة، وفي سياق يُدلّل على نوايا الحكم السوري الجديد بالشريعة الإسلامية، جرى الترحيب بالوزيرة من قبل ممثلي الحكومة الجديدة دون مُصافحتها، عملًا بأن مُصافحة النساء عمل يُثير الغرائز، ويجب تجنّبه، وذلك وفق أدبيّات رجال هيئة تحرير الشام الدينية، ما يطرح تساؤل حول ما إذا كانت المُصافحة السياسية للنساء تُثير الغرائز، فيما ذكّر نشطاء سوريون بأن ألمانيا كانت من أكثر الدول استضافةً للاجئين السوريين.
مشهد ارتداء السترة الواقية من قبل الوزيرة الألمانية، يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة الجديدة على تأمين البلاد دون مُساعدة خارجية، ويطرح تساؤلات أخرى حول قُدرة هذه الحكومة السورية الانتقالية على تأمين زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث سيكون الزعيم الإسلامي الأوّل الذي سيزور سورية بعد سُقوط الأسد، وتحقيق أمنيته بالصلاة في المسجد الأموي.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك: زيارتنا إلى دمشق إشارة من الاتحاد الأوروبي على إمكانية بداية علاقة سياسية جديدة مع سورية.
أمل حقيقي ولكن!
والتقى زعيم هيئة تحرير الشام والقائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع، مع وزيري خارجية فرنسا جان نويل بارو وألمانيا أنالينا بيربوك في دمشق، ويبدو أن الدول الغربية تتعامل بحذر وترقّب مع الحاكم الفعلي لسورية الشرع وحُكومته، حيث شدّدت الوزيرة الألمانية على أهمية رؤية الأفعال وليس الأقوال من أجل بناء العلاقات بين دمشق والدول الأوروبية في المستقبل، بينما أعرب وزير خارجية فرنسا عن أمله بأن تكون سورية “ذات سيادة ومستقرة وهادئة”، وقال “قبل أقل من شهر، بزغ أمل جديد بفضل تعبئة السوريات والسوريين… أمل حقيقي، لكنه هش”، ودعا الإدارة السورية الجديدة إلى إطلاق حوار يجمع كل مكونات الشعب.
منحت زيارة وزيرة الخارجية الألمانية إلى سوريا، المراقبين، عدة دلالات على أنها زيارة “غير اعتيادية”، حملت معان كثيرة، حللناها في الموضوع التالي.
وسافرت أنالينا بيربوك، مع نظيرها الفرنسي جان نويل بارو، إلى سوريا، الجمعة، بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي.
الطائرة العسكرية
البداية “الغريبة” كانت من رحلة السفر، حيث قررت بيربوك السفر إلى سوريا، على متن طائرة عسكرية، برفقة عناصر عسكرية.
ولم تكتف بيربوك باختيار الطائرة الحربية للسفر، بل جرى تصوير “فيديو” للوزيرة من داخل الطائرة، وهي تقوم بتحية العناصر العسكرية، وارتداء السترة المضادة للرصاص.
هذه اللقطة كان من الواضح إنها تهدف لإرسال رسالة معينة، فالزيارات الألمانية إلى الدول الأخرى، لا تحمل في طياتها “فيديو من داخل الطائرة”.
سترة واقية
اللقطة الغريبة الثانية، كانت لحظة نزول بيربوك في مطار دمشق، حيث ترجلت من الطائرة العسكرية، مرتدية سترة واقية للرصاص.
هذه اللقطة حملت رسالة أخرى، مفادها أن ألمانيا لا زالت “حذرة” من سوريا الجديدة، ولا تأمن بأن تكون هناك دون “واق” يحميها من المخاطر المقبلة.
بعدها جاءت لحظة دخول القصر، ولقاء قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، حينها ظهرت بيربوك بزي لا يناسب الزيارات الدبلوماسية، وفقا لنقاد.
اختارت بيربوك ارتداء ملابس “كاجوال”، أو ملابس يومية عادية، وهي القميص البيج الفاتح وبنطال بنفس اللون، وحذاء شتوي يومي، وابتعدت عن الملابس الرسمية التي يتم ارتداؤها في الزيارات بين الدول.
ملابس بيربوك “الكاجوال” اعتبرها البعض أنها رسالة على أن ألمانيا لا تعترف بحكومة سوريا الجديدة بعد، كي تمنح وزيرتها الملابس الرسمية التي ترتديها عند زيارة زعماء دول العالم.
الرسالة الثانية، التي فسرتها مصادر ألمانية، هي أن بيبروك أرادت أن ترتدي زيا يعبر عن “انفتاح المرأة”، لتواجه الشرع المعروف بخلفيته الإسلامية.
ملابس بيربوك في المقابل، لاقت انتقادات واسعة بين نشطاء ألمان، قالوا أنها “أحرجت” نفسها وظهرت بشكل سخيف، ولم ترسل رسالة حقيقية كما أرادت.
تصريحات “حذرة” وملامح حادة
الرسالة الألمانية الرابعة من الزيارة، كانت عبر ظهور الوزيرة بملامح حادة لم توزع فيه الابتسامات أمام الكاميرات كما يحدث في اللقاءات الدبلوماسية المعتادة لكن الأهم كانت تصريحات بيربوك، بعد لقاء الشرع.
بيربوك قالت إن ألمانيا ستقف “إلى جانب البلاد إذا تحركت نحو مستقبل سلمي ومنفتح، إلا أنها لن تدعم أسلمة سوريا“، كما قالت إنها جاءت لتقييم الوضع، وإن الأموال الأوروبية لن تذهب إلى “هيئات إسلامية”.
وقالت في تصريح صحفي، إن انطباعها الأول تمثل في وجود مجتمع منقسم، فمن ناحية، هناك أمل في الحرية بعد سنوات الحرب الأهلية والتعذيب والقمع. ومن ناحية أخرى، يشعر الكثيرون بالقلق من أن الآمال قد تتبدد بالنسبة للنساء والأقليات الدينية والعرقية.
وكشفت بيربوك أنه في نهاية المناقشات، كان الحكام السوريون الجدد قد أكدوا بشكل قاطع أنهم يفهمون ذلك ويريدون النظر في مسألة مشاركة المرأة.
كل هذه التصريحات، مثلت “تشكيكا” ألمانيا وأوروبيا تجاه سوريا الجديدة، وأشارت إلى أن ألمانيا لن تمد يدها للشرع إلا إذا تحققت مطالبها وزالت شكوكها.