كتب عمار مأمون في “درج “
حصلنا في “درج” على نسخ مصوّرة للكثير من الوثائق، ملفات فساد، تقارير استخباراتية، صفقات، وقوائم لا متناهية من الأسماء، أشبه بحلم يتحقق للباحثين في الأرشيف والمحققين الصحافيين والمؤسسات المسؤولة عن تحقيق العدالة في سوريا، لكنه في الوقت ذاته، يخلق الرعب، مئات الأسماء التي لا نعرفها، لكن ضمن هذه القوائم قد يظهر اسم نعرفه، اسم مألوف ذو صوت ووجه نجا من الاعتقال، وأحياناً لم ينجُ.
هرب بشار الأسد، وخلت أفرع الأمن من “حرّاسها” ومجرميها والقائمين عليها، مساحات الموت والتعذيب تحوّلت إلى ما يشبه “مسرح الجريمة”، اقتحمتها قوات المعارضة المسلّحة وأطلقت سراح الموتى-الأحياء فيها، دخلها الصحافيون والناشطون والفضوليون والمحققون للبحث في ما تبقى، إذ عمد رجال النظام إلى حرق الكثير مما فيها، لإخفاء الجرائم المرتكبة، لا فقط منذ عام 2011، بل قبلها أيضاً، نحن أمام أرشيف لـ”كل” السوريين، المتهمون والبريئون موجودون هناك.
حصلنا في “درج” على نسخ مصوّرة للكثير من الوثائق، ملفات فساد، تقارير استخباراتية، صفقات، وقوائم لا متناهية من الأسماء، أشبه بحلم يتحقق للباحثين في الأرشيف والمحققين الصحافيين والمؤسسات المسؤولة عن تحقيق العدالة في سوريا، لكنه في الوقت ذاته، يخلق الرعب، مئات الأسماء التي لا نعرفها، لكن ضمن هذه القوائم قد يظهر اسم نعرفه، اسم مألوف ذو صوت ووجه نجا من الاعتقال، وأحياناً لم ينجُ.
أثناء البحث في الملفات، ظهر تقرير في فرع الخطيب أو (الفرع 251)، موجه إلى رئيس الفرع، مكتوب بتاريخ 13/ 1/ 2012، موضوعه “متابعة تنسيقيّة حرستا”، يشمل مراقبة أشخاص عدة، والتنصت على أحدهم، ورصد مكافأة مقدارها 10 آلاف ليرة سوريّة لـ”المصدر”، أي صاحب التقرير، وفيه يظهر اسم الزميلة الصحافية المقيمة في ألمانيا، رشا عباس.
صفحة واحدة فقط كانت كافية لتثير القشعريرة بينما أقرأ. صفحة واحدة كانت قادرة على تقرير مصير رشا، المتّهمة بالتخطيط لـ”نقل مساعدات من حرستا إلى حمص”، تقرير كتبه مجهول لا اسم له في التقرير، لكنه كما يصف التقرير “ِشارك في تظاهرات حرستا”.
هكذا ورقة تكشف أنه مقابل 10 آلاف ليرة سوريّة (أي ما يعادل 100 دولار حينها) بإمكان أحدهم أن يشي برفاق قد يواجهون مصائر كالاختفاء أو التعذيب في أقبية الفرع، أو حتى الموت، ورقة واحدة تثير القشعريرة، أُرسلت إلى رشا عباس بعد التنسيق مع فريق التحرير والخبير القانونيّ بخصوص محتواها وأثره القانوني.
سألت رشا عباس: ماذا يعني أن يظهر اسمها في تقرير كهذا، فكتبت: “عندما قرأت اسمي، وسياق التقرير الذي ورد فيه، فكرت في عبثية الحياة في سوريا، في كوني وغيري جزءاً من هذه الحقبة المظلمة من تاريخ البلاد. أن ترى اسمك في تقرير أمني هو شأن مرعب، على الرغم من وجود المسافة الزمنية والجغرافية. أمضيت أنا وغيري سنوات في الخارج، غير قادرين على العودة إلى سوريا، أكثر من 10 سنوات لم أرَ أهلي فيها، من دون أن أكون حتى متأكدة إن كنت مطلوبة أو لا، خصوصاً أن نظام “الفيش” أثبت عدم فاعليته مع الكثيرين، فلم أتبعه، وكان من الممكن أن أمضي عمري خارجاً من دون أن أعلم، وإن لم يسقط النظام، لما كنت عرفت إن كنت مطلوبة أو لا”.
تضيف رشا: “المرعب في ورود اسم أحدهم في تقرير من هذا النوع، في بلد كسوريا، يعني أن يمضي عمره وهو لا يعلم ما هو الإجراء الذي سيتخذ ضده أو كان سيتخذ لو قررت البقاء فترة أطول، هل سيعتقل على الحاجز مثلاً أو سيتم استدعاؤه للتحقيق، أو ستتم مداهمة منزله في أي لحظة، وهنا مُفارقتان، الأولى أنك لا تعلم إن كنت مطلوباً، والثانية، غموض الإجراءات التي ستُتخذ بحقك”.
سألت رشا عن اسم أحدهم المذكور في التقرير، والذي عيَّنها لـ”توصيل المساعدات”، تقول: “الاسم الذي ورد في التقرير انقطعت أخباره منذ اعتقاله عام 2012، ولا أعلم شيئاً عنه، أعاد ألي شعور من الأسى ، فالآن بعدما كان مفقوداً لأكثر من 10 سنين، أرى اسمه في تقرير أمني. استعدت بعضاً من مشاعر رعب الكابوس السوري الذي يستعيده الجميع، أن تكون عالقاً في سوريا، وعاجزاً عن تجربة قطع الحدود كونك لا تعلم إن كان اسمك لديهم أو لا. ما رسخته منظومة الرعب من مرارة طغت حتى على شعور الفرحة لسقوطها”.
ينتهي التقرير بموافقة رئيس الفرع على الإجراءات فيه، تضاف إليه لاحقاً موافقات أخرى ومراسلات بين الأفرع لإتمام “العمل”، تقول رشا: “يتضاعف شعور الأسى والارتياع لرؤية “إيصال المساعدات” أو حتى شبهتها كتهمة في هذه التقارير، ومنها التقرير الذي ضم اسمي، لا التظاهر أو الإرهاب أو غيرهما من التهم التقليدية التي يكيلها النظام السوري لمعارضيه، ببساطة كان من الممكن أن أخسر حياتي بسبب شبهة كهذه، من النظام الذي اعتقل رفيقات ورفاقاً لي، لمجرد محاولة إنقاذ حياة آخرين، من هذا النظام نفسه”.
“لن ترى نور الشمس في حياتك”
يحوي فرع الجوّية في منطقة المزّة في العاصمة دمشق، غرفة “الأمانات”، هناك حصلنا على قوائم بأسماء بعض الموقوفين عام 2011، هناك قائمة باسم “الموقوفين في سجن فرع التحقيق الذين شاركوا في أعمال الشغب وأُخلي سبيلهم أو أحيلوا إلى القضاء”.
تحوي القائمة أكثر من 500 اسم، وُجهت الى غالبيتهم تهم “المشاركة في أعمال شغب” أو “التحريض على التظاهر” أو “توزيع أموال في المقهى” أو “التحدث عن الظلم الذي يعانيه الشعب وضرورة الدفاع عن دم الشهداء”، تهم ملفّقة في الوقت ذاته تحمل شعارات الثورة نفسها، بل يمكن القول إنها مطالب محقّة!
بعض التهم تكشف عن توزّع النفوذ كأن يكون أحدهم “مطلوباً في لوائح درعا الثلاثيّة” أي يتم تبادل الأسماء بين الأفرع، وأحياناً نجد ملاحظات غير منطقية كأن أحدهم “شارك بالتظاهر بتحريض من خال زوجته” أو “تظاهر من تلقاء نفسه”، قوائم طويلة من الأسماء التي كان من الممكن أن يختفي أصحابها في الأقبية، لكن كل من في القائمة أخلي سبيله، منهم الصديق والزميل جود حسن.
حسب القائمة، اعتقل جود بسبب “مشاركته في التظاهرات” بتاريخ 27/03/2011، وحين عرضنا عليه اسمه في القائمة أخبرنا: “كانت هذه ربما أول تظاهرة أشارك فيها، لم يكن شعار إسقاط النظام مرفوعاً حين خرجنا يومها من المسجد الأموي، حينها، خرجت بوجهنا مسيرة مؤيدة، وبينهم الكثير من عناصر الأمن، وبينما كنا على الطريق نحو ساحة المرجة في دمشق، هجموا علينا، وبدأوا حملة اعتقالات، وتعرض المتظاهرون للضرب قبل أن يسوقوا كل واحد إلى فرع مختلف”.
يضيف جود: “كل الأسئلة في المُعتقل كانت من أنتم؟ ومن حرضكم؟…الخ، بعدها فوراً عصبوا عينيّ ووضعوا الأصفاد في يدي وفتشوني ثم نزعوا ثيابي، بعدها لبست الثياب وألقوا بي في المنفردة”.
يكمل جود: “بقيت مكبلاً ومعصوب العينين خلال الاعتقال، وفي آخر يوم ساقوني إلى التحقيق أواجه أسئلة وتهديدات وضرب، ثم صوّروني، بعدها وقعت على ورقة فارغة، ثم فكوا العصابة عن عينيّ وحاولوا إجباري على الظهور على شاشة التلفزيون السوري كوني صحافياً، لأكرر خطابهم عن وجود مؤامرة ومندسّين، لكني رفضت”.
يضيف جود: “أعادوني إلى الأسفل، ثم بعد بضع ساعات أخذوني إلى محقق آخر، حيث أجبرني على مشاهدة المسيرات المؤيدة على شاشة التلفاز، وأعطاني درساً وطنياً ثم قال لهم، خذوه!، بعدها أعطوني أغراضي وقالوا لي:”اذهب، لكن إن القينا القبض عليك مرة أخرى، لن ترى نور الشمس بحياتك”، كما هددوني أيضاً بأهلي وأخوتي والإلقاء بي على الحدود كوني فلسطينياً-سورياً”.
“كل الأسئلة في المُعتقل كانت من أنتم؟ ومن حرضكم؟…الخ، بعدها فوراً عصبوا عينيّ ووضعوا الأصفاد في يدي وفتشوني ثم نزعوا ثيابي، بعدها لبست الثياب وألقوا بي في المنفردة”.
“تظاهر من تلقاء نفسه”
تتدفق الأسماء تباعاً مرتبةً حسب تاريخ الاعتقال، لوهلة تبدو كل الأسماء مألوفة، ذات أوجه نراها في تسجيلات التظاهرات ذات الدقة المنخفضة، تعود حماسة الـ2011 أثناء التصفح، ليحل بعدها لاحقاً رعب، إن كان هؤلاء من أفرج عنهم، فما حال الذين لا تظهر أسماؤهم، أولئك الذين اختفوا أو انتهوا في أقبية التعذيب.
أثناء المرور على الأسماء، ظهر اسم الزميل محمد ديبو، الكاتب والصحافي، والذي وصف بأنه “تظاهر من تلقاء نفسه”، بعكس آخرين قيل إنهم تظاهروا بتحريض من أحد ما. اللافت أيضاً التهم الموجهة إلى ديبو أو أقواله، إذ نقرأ: “أفاد بأن لديه أفكاراً يريد إيصالها وطرحها، ومن أهمها المطالبة بمكافحة البطالة والفساد والنظر في قانون الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإعطاء الجنسية للأكراد، وقد قضى قرار سيادتكم باستمرار توقيف المذكور لاستكمال التحقيق معه وإجراء دراسة ميدانية والبت بالموضوع على ضوء النتيجة”.
التهم الموجّهة إلى ديبو على درجة من الخطورة إلى حد عدم إطلاق سراحه، لكن عبارة “إجراء دراسة ميدانيّة” تبدو غامضة، هل تعني التعذيب؟ الاستجواب؟ سألنا ديبو عن ذلك اليوم، فقال: “اعتقلتني من القرية المخابرات الجوية/ فرع طرطوس، وحوّلت إلى دمشق في 21 آذار/ مارس 2011. وأعتقد أن المكتوب في الوثيقة هو رسالة موجهة من فرع المخابرات الجوية في طرطوس إلى فرع المخابرات الجوية في دمشق، لأنني أثناء التحقيق سئلت عن مطالبي، وقد أجبت (وكان هذا في الأيام الأولى للثورة) بأننا نريد الإصلاح ومحاربة الفساد وإطلاق الحريات وإطلاق سراح السجناء السياسيين وإلغاء المادة الثامنة من الدستور… وبناء على ذلك تم تحويلي إلى فرع دمشق لاستكمال التحقيقات”.
يضيف ديبو: “في ما يخص عبارة “تظاهر من تلقاء نفسه”، فلهذا حكاية قد تبدو طريفة من جهة، ومفجعة من جهة ثانية، وتعكس مدى خبث الاستبداد من جهة ثالثة، إذ لم أعترف في فرع طرطوس على أي أحد ممن كنت أعرفهم ممن سعوا الى التظاهر في ذلك اليوم. لكن الذي حصل في دمشق، ولا أعرف إن كان مصادفة أم تنسيقاً من المحققين، أنه كان معي في الزنزانة قريب الصديق عمر إدلبي، وهنا بدأنا نثرثر بكلّ ما نعرف. وفي اليوم التالي تفاجأنا بأن كل كلامنا أصبح أمام المحققين، وحينها عرفت أنّ ثمّة مخبراً في الزنزانة، فأخبرت الآخرين سراً بعدما عرفته أو عرفناه لتفادي الحديث أمامه، ولكن كان الفأس قد وقع في الرأس كما يقال، وكان لا بد من الاعتراف بما كانوا قد عرفوه أصلاً بعدما نقله لهم المخبر”.
يتابع ديبو قائلاً: “حين أعدت قراءة هذه “التهم” كما أرسلتها لي، كان أول ما فكرت به: هل كنت شجاعاً أم أحمق، كي أقول هذا الكلام للمحقق في “سورية الأسد”؟ لا ننسى أننا نتحدث عن الأيام الأولى للثورة، وحتى قبل أن تبدأ التظاهرات بشكل فعلي وحقيقي على الأرض، وقبل أن أعرف عما إذا كانت سوريا تتّجه نحو ثورة أم لا؟ إذ أتذكر الآن أن الجو العام وقتها كان جو ترقب واستشكاف لمعرفة إن كانت سوريا ستثور أم لا؟ وأعتقد من موقعي الآن، أن الحماسة التي بثّها وزرعها فينا سقوط الأنظمة في تونس ومصر وليبيا كان أحد أسباب هذه “الشجاعة أو الحماقة” ربّما، إضافة إلى كوني كنت ناشطاً بالشأن العام وقريباً من دوائر المعارضة السياسية والمعتقلين السياسيين منذ ربيع دمشق”.
يكمل ديبو: “كان أول ما تذكرته حين قرأت اسمي، المنفردة التي بقيت بها وحدي لمدة يومين في طرطوس قبل أن أحوّل إلى دمشق. ورغم أنّها كانت كابوساً إلا أنها ستبدو لي في الأيام اللاحقة قصراً مقارنة بزنزانة المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري، والتي كانت أقل حجماً مع عدد وصل إلى 11 معتقلاً أحياناً. أما الأمر الثاني الذي تذكرته، فهو المحققون الذين تولوا التحقيق معي على مدى يومين في فرع طرطوس، كان هناك اثنان وكاتب قلم كان يبدو لي بوضوح أنه متعاطف معي بشدة، في حين كان أحد المحققين لئيماً جداً (ولؤمه هذا لعب أطفال أيضاً قياساً بما حصل في دمشق لاحقاً)، والثاني أقل لؤماً. لا أزال أتذكر وجهيهما جداً. والغريب أني لا أحمل أية ضغينة شخصية ضدهما، وفي الوقت نفسه أتمنى أن أراهما يوماً في قفص المحكمة (ومعهما كل الذين تولوا التحقيق في دمشق أيضاً)، وإن كنت متأكداً أنني سأسامحهما بعد ذلك، وقد أسقط حقي الشخصي عنهما أيضاً. ما أتذكره أيضاً، أنّ الضابط الذي حقّق معي بعدما انتهى العنصران من التحقيق معي، كان “لطيفاً”. لم أره ولا أْعرف وجهه، لأني كنت مطمّشاً. لكن صوته لا يزال يرن في ذاكرتي. كان هادئاً ولم يحاول الضغط، سمع مطالبي واكتفى بذلك”.
إقرأوا أيضاً:
“حاقد طائفيّ”
لا يمكن التعامل مع التهم والمبررات التي تساق ضمن القوائم بوصفها “حقيقة”، فلغة أفرع الأمن تحوي تهماً زائفة موجّهة إلى المعتقلين، وفي الوقت ذاته تتكرر عبارة “حسب قوله” بعد التهم، والتي عادة ما تكون لاحقةً على العبارات التي تمس نظام الأسد أو تحوي مطالب محقّة، وكأنها محاولة من المحقق لتبرئة نفسه أو لتأكيد أن كلاماً كهذا لا يصدر سوى عن “الإرهابيين”.
ما نلاحظه في القوائم والتقارير، أن الناس يُقسمون إلى “أصدقاء”، وهم الإيرانيون ومقاتلو حزب الله، و”الأعداء” وهم دوماً إسرائيل، و”الخونة” والمقصود بهم المنشقون أو العاملون السابقون ضمن النظام، وهناك “الإرهابيون” وهم المدنيون الذين تظاهروا في الشوارع، هذه التقسيمات تتضح ضمن التهم الموجّهة، والتي قد تشمل مجموعة كاملة من السوريين، كما حصل مع ثامر البرجس الذي وُصف بـ”حاقد طائفي تأثر بالإعلام يعمل ضمن مجموعة منظمة”.
اعتُقل ثامر البرجس مع أصدقاء له وردت أسماؤهم جميعاً في القائمة، بتهمة التظاهر وترديد شعارات (الله سوريا حرية وبس ـ بالروح بالدم نفديك يا درعا ـ إلغاء حالة الطوارئ)، تواصلنا مع ثامر وعرضنا عليه التهم الموجهة إليه فأجاب: “بدايةً أنا سعيد بأن النظام سقط، وأني كنت جزءاً ولو بسيطاً وصغيراً في ذلك، قدمت أقصى ما باستطاعتي شخصياً، كما أني سعيد لأني لم أُعتقل مرة أخرى، لأن في اللحظة التي خرجت فيها من المعتقل، كنت متيقناً أني مستحيل أن أعتقل مرة ثانية، وفي الكثير من التظاهرات التي شاركت فيها لاحقاً، كنت قريباً جداً من الاعتقال، سواء في دمشق أو في دير الزور، وقراءة اسمي أعادت لي الذكريات تلك، سواء كانت حول الاعتقال أو التظاهر”.
سألنا ثامر عن سياق الاعتقال، فأجاب: “بدأت بالتنسيق مع أصدقائي لمعرفة أي جامع ستخرج التظاهرات منه، وأذكر أنه يوم 25 /3 كانت هناك تظاهرات عدة، كنت أنا في دمشق، وعلمت من أصدقاء في دير الزور أن هناك تظاهرة ستخرج من جامع الصفا وأخرى من جامع عثمان بن عفان في دير الزور، واعتقل يومها الكثير من أقربائي وأصدقائي، أما في دمشق حيث كنت، فتوزعنا في جوامع عدة، وكانت هناك محاولة للتظاهر في جامع صلاح الدين في دمشق في ركن الدين ولم تنجح، ومن خلال مشاورات، تبين معنا أن هناك تظاهرات ستخرج من كفر سوسة وشارع خالد بن الوليد، وحين توجهنا إلى جامع الرفاعي، كانت هناك تظاهرة داخله، لكنه كان محاطاً بالشبيحة ورجال الأمن، ولم أستطع دخول الجامع، لكن واحداً من أصدقائي اتجه نحو دوما حيث التظاهرة، إلا أنها انتهت، والأمن منتشر في كل مكان، اعتقلته هناك دورية تابعة للمخابرات الجويّة، وهناك تحت التعذيب يبدو أنه اعترف على المجموعة كلها، الموجودة أسماؤهم في ملف الاعتقال”.
يتابع ثامر قائلاً: “بعيد يومين اتصل بي أهلي حين كنت في الجامعة، قالوا لي إن الأمن جاؤوا إلى المنزل وعلي أن أهرب، لكن يبدو أني مراقب، إذ أخذت تاكسي من الكلية، وحين وصلنا تحت جسر الثورة في دمشق، وقف التاكسي بسبب الازدحام، وفجأة جاءت سيارة الأمن وأمسكوني، كنت أعلم بدقة لمَ اعتقلت، فقلت لرجال الأمن ساخراً: “دعني أحاسب التاكسي”، فقال لي السائق: “مسامح”.
يضيف ثامر: “طمشوا عيني وأنزلوني تحت المقعد، وكنا كثراً في السيارة، لكن يبدو عبر التحقيقات أن المخبرين وصلوا الى قناعة أنني كنت من المحرضين على التظاهر، وأنني من ذوي الارتباطات مع آخرين، فركزوا علي وعلى صديق آخر لي”.
سألنا ثامر عن التهمة الموجهة له فقال: “تعرضت للتعذيب والشبح والصعق الكهربائي لنحو أسبوع كنت خلالها محروماً من الطعام والماء ومتهماً كما باقي المعتقلين بالتظاهر والاندساس وغيرهما، لكن أظن أن تهمة “حاقد طائفي” تم توجيهها إلى داخل المعتقل نفسه، والسبب أن الزنزانة التي كنا فيها كانت تحوي عنصراً معاقباً، وعادة من يقبل أن يعاقب بين المعتقلين ينال مكافأة أيضاً، أذكر بدقة، مساعداً علوياً من تلكلخ، وتجادلت معه بخصوص استغلال النظام الطائفة العلوية وخطفها في سبيل الحفاظ على الحكم”.
يتابع ثامر: “أثناء التحقيق، اتضحت التهمة، لأنهم في النهاية ركّزوا على هذا الموضوع كوني من دير الزور، وأن حافظ الأسد والمحقق نفسه قاما بترقيتي (من وراء البقر) وبنيا لنا البلاد، وأنا بخروجي في التظاهرات كفرت بهذه النعمة! وأظن أن هذا سبب تأخير إطلاق سراحي، كوني خرجت بعفو، حينها استخدم والدي الواسطات ودفع الكثير من المال كي يوضع اسمي بين المعفو عنهم”.
يختم ثامر حديثه: “بعدما أفرج عنا، تركنا الجامعة، لأننا كلنا طلاب، واتجهنا إلى دير الزور، هناك تعرضنا للملاحقة، وأمضينا وقتا طويلاً متخفين وهاربين، وحين تحررت مناطق في دير الزور من النظام، بقينا فيها ناشطين في مجالات مختلفة، بين إعلاميين ومستشفيات ميدانية، وجهود إغاثية، الغالبية منا غادرت نحو أوروبا، باستثناء واحد من أبناء عمومتي، علاء الدين البرجس، بقي مفقوداً إلى الآن…”.