أبدت موسكو انزعاجها من الضربة التي نفذتها الطائرات الأمريكية صباح الجمعة 26 فبراير/شباط 2021، فيما كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 22 شخصاً من الميليشيات الإيراني قد قُتلوا على الأقل في هذا القصف الذي يعد الأول في عهد إدارة بايدن الجديدة.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أشار، الجمعة، إلى أن الولايات المتحدة حذرت روسيا قبل عدة دقائق فحسب من تنفيذها ضربة جوية في سوريا، وهو ما وصفه بأنه “غير كافٍ”.
وكالة إنترفاكس الإخبارية الروسية نقلت عن لافروف دعوته للولايات المتحدة لإعادة الاتصالات مع موسكو بشأن سوريا، لتوضيح موقف إدارة الرئيس جو بايدن.
في السياق الميداني، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن حصيلة قتلى القصف الجوي الأمريكي على الميليشيات الموالية لإيران في ريف دير الزور وصل إلى 22 قتيلاً على الأقل، جميعهم من الحشد الشعبي وحزب الله العراقي.
بحسب المرصد، فقد استهدف القصف الجوي مواقع وشحنة أسلحة لحظة دخولها الأراضي السورية قادمة من العراق عبر طريق عسكري قرب معبر القائم ضمن منطقة البوكمال شرق دير الزور.
فيما أشار المرصد إلى أن عدد القتلى مرشح للارتفاع نظراً لوجود جرحى بعضهم في حالات خطرة.
هجوم بأمر من بايدن
فجر اليوم الجمعة، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن مقاتلاتها شنت غارات على منشآت عسكرية تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران في شرق سوريا، في رد على هجمات صاروخية استهدفت مؤخراً قوات أمريكية متمركزة في العراق.
المتحدث باسم البنتاغون، جيمس كيربي، قال إنه “بناء على توجيهات من الرئيس بايدن، شنَّت القوات العسكرية الأمريكية غارات على بِنى تحتية تستخدمها جماعات عسكرية مدعومة من إيران في شرق سوريا”، مضيفاً أن هذه الغارات جاءت “رداً على الهجمات الأخيرة ضد جنود أمريكيين وآخرين من قوات التحالف في العراق، وعلى التهديدات المستمرة التي تطال هؤلاء الجنود”. فيما لم يذكر البيان إن كانت الغارات قد أسفرت عن وقوع إصابات.
ووصف كيربي الغارات بأنها “متناسبة”، قائلاً إنها “نُفذت بالتزامن مع إجراءات دبلوماسية” تشمل التشاور مع حلفاء الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية”، مضيفاً: “العملية تبعث برسالة بالغة الوضوح: الرئيس بايدن سيتحرك لحماية الجنود الأمريكيين وقوات التحالف”.
وتأتي هذه الغارات بعد ثلاث هجمات بالصواريخ مؤخراً على منشآت يستخدمها الجيش الأمريكي وقوات التحالف في العراق في حربهما ضد تنظيم داعش.
وأدى هجوم صاروخي في 15 فبراير/شباط على قاعدة جوية في كردستان تؤوي جنوداً أمريكيين إلى مقتل مدني ومتعاقد أجنبي وجرح آخرين بينهم عسكري أمريكي.
الهجمات في العراق التي يعتقد أن جماعات مسلحة تعمل بتوجيه من إيران تقف وراءها شكلت تحدياً لإدارة الرئيس جو بايدن، مع فتح الأخيرة الباب أمام استئناف المفاوضات مع طهران حول برنامجها النووي.
إذ تقول إدارة بايدن إنها تريد إحياء الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015 الذي يهدف إلى منع الجمهورية الإسلامية من امتلاك أسلحة نووية، لكنها مع ذلك ترى أيضاً في إيران تهديداً أمنياً مستمراً في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وأدى القصف الذي جرى عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل بتوقيت دمشق لتدمير 3 شاحنات للذخيرة بشكل كامل، ووفقاً لمصادر المرصد، فإن القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها عمدت بعد الضربة مباشرة إلى إخلاء مواقع ومقرات عدة في البوكمال وإعادة التموضع بمواقع ونقاط أخرى خوفاً من استهدافات متتالية.
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، جون كيربي، أكد أن الجيش الأمريكي شنَّ -بتوجيه من الرئيس الأمريكي- غارات جوية استهدفت بنية تحتية تستخدمها مجموعات مسلحة مدعومة من إيران، في شرق سوريا.
وأكد أن الضربات دمرت عدة منشآت تقع عند نقطة مراقبة حدودية يستخدمها عدد من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، بما في ذلك “كتائب حزب الله” و”كتائب سيد الشهداء”.
الحرب في سورية – صحف عربية
ناقشت صحف عربية السياسات الروسية والأمريكية المحتملة تجاه الأزمة في سوريا.
ورأى كُتاب أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرشح لأن يقود عملية تسوية للأزمة السورية عن طريق تفاهمات مع إسرائيل تهدف لتقليص الدور الإيراني في سوريا.
غير أن كتابا آخرين رأوا أن الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن ستسعى للانفراد بالتسوية في سوريا كإحدى أوراق استعادة الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
تفاهمات روسية-إسرائيلية
يقول محمد السعيد إدريس في صحيفة الخليج الإماراتية إن “مؤشرات جديدة لتسوية الأزمة السورية بدأت تتكشف في الأسابيع الأخيرة، منذ مجيء إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خلفًا لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، التي كانت شديدة الارتباك والتردد في تفاعلها مع الأزمة السورية، ما بين نوايا الانسحاب من سوريا، وبين تأكيد البقاء للسيطرة على النفط السوري”.
وأضاف إدريس: “… وللحيلولة دون تمكين روسيا من جني ثمار تدخلها العسكري والسياسي في سوريا، ولدعم المطالب الإسرائيلية، وعلى الأخص إخراج إيران من سوريا، وإغلاق الحدود السورية- العراقية أمام إيران”.
ورأى الكاتب أن “التوجه الإسرائيلي نحو روسيا بكثافة في الأسابيع الأخيرة جاء ضمن مخاوف إسرائيلية من مبادرة أمريكية لحل الأزمة السورية لا تنسجم مع المصالح الإسرائيلية”.
وتابع إدريس: “… وبالذات في ضوء ما فهمه نتنياهو من وجود نوايا جادة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران متجاوزة كل التحفظات الإسرائيلية، وامتناع وزير الخارجية الأمريكي الجديد أنتوني بلينكن عن تأييد اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة”.
ويشير عبد الحميد صيام في صحيفة القدس العربي اللندنية إلى وجود علاقة “استراتيجية وليست آنية” بين روسيا وإسرائيل.
ويرى صيام أن “السر في هذه العلاقة هو الموقف من إيران بين أسباب أخرى. صحيح أن روسيا تزود إيران بصواريخ إس-300 الاستراتيجية، وتحارب في سوريا إلى جانب حزب الله والميليشيات الشيعية المقبلة من إيران، لمنع نظام بشار الأسد من السقوط”.
ويضيف الكاتب: “إلا أن هذه المعادلة انتهت، وحُسم الأمر في سوريا لصالح النظام الروسي، الذي أصبح صاحب الكلمة العليا والنهائية في البلاد، وأصبح من مصلحة روسيا أن تغلق ملف الوجود الإيراني في سوريا”.
وذهب الكاتب إلى أنه “مع مجئ الرئيس الأمريكي بايدن واحتمال عودة الولايات المتحدة للاتفاقية النووية لعام 2015، فإننا سنشهد تحسنا كبيرا في العلاقة بين روسيا وإسرائيل، التي فترت قليلا خلال سنوات ترامب الأربع”.
وتابع صيام: “خلال فترة أوباما، وكنوع من التعبير عن عدم رضى إسرائيلي لسياسته تجاه إيران، قام نتنياهو بزيارات لموسكو أكثر من واشنطن، وكان يستقبل في كل مرة استقبال الأبطال”.
ما هي سياسة بايدن تجاه سوريا؟
على الجانب الآخر، يرى جمال نصار في موقع عربي 21 أن الرئيس الأمريكي جو بايدن له مخططات أخرى في سوريا.
ويقول نصار إن هناك مؤشرات على أن إدارة بايدن “ستتجه لتبنّي استراتيجية مختلفة عن إدارة سابقه دونالد ترامب، حيث ستعمل على استعادة الدور الأمريكي في سوريا، بعد تراجعه بشكل كبير خلال المرحلة السابقة، لصالح روسيا”.
ويضيف الكاتب أن إدارة بايدن تدرك “أن استمرار سوريا كدولة فاشلة، سوف يترتب عليه تداعيات خطيرة، في مقدمتها استمرار معاناة الشعب السوري، وتدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى الدول المجاورة، وتوفير أرضية خصبة للمنظمات الإرهابية المتطرفة، واحتمال عودة الاشتباكات المسلحة بين أطراف النزاع، مما قد ينعكس سلبيًا على استقرار دول الجوار”.
ويتابع نصار: “يبقى الاختبار الأهم لسياسات الرئيس جو بايدن وإدارته في سوريا، في مدى تعاطيه مع قرار مجلس الأمن 2254، الذي تم التصويت عليه في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، ونصّ على بدء محادثات السلام بسوريا في يناير/كانون الثاني 2016، وأكد أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد، ودعا لتشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات برعاية أممية، ووقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري”.
ويتناول محمد بكر في صحيفة رأي اليوم اللندنية فُرص التقارب السوري-الأمريكي، ويقول إن العائق الوحيد في سيناريو هذا التقارب “هو طبيعة العلاقة بين الأسد وإيران والتي تصرّ واشنطن وحتى الروس ضِمنًا على ضرورة الحدّ منها وتقليم أبعادها الاستراتيجية والقومية”.
ويدعو الكاتب دمشق وطهران للتعامل مع هذا السيناريو ببرغماتية “إن كان في التقارب مع إدارة بايدن هو مصلحة الوطن السوري والمواطن الذي يعاني من أسوء ضائقة اقتصادية مرت بها سوريا”.
غير أن علي اليوسف في صحيفة البعث السورية يشكك في نوايا الرئيس بايدن تجاه الملف السوري.
ويقول اليوسف: “مؤخرًا ظهر تقرير بعنوان ̍الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة جديدة بشأن سوريا̍ على شكل خريطة طريق معاد كتابتها، لكن الظاهر أن خريطة الطريق هذه قد تكون خادعة. هي في الواقع ليست أكثر من محاولة تكتيكية لتبييض وحشية العقوبات الاقتصادية. وأما الخطير في هذا التقرير فهو يحاول إحياء خطط التقسيم، التي وضعها جزئيًا جيفري فيلتمان، السفير الأمريكي في بيروت من 2004 إلى 2008”.
ويشير الكاتب إلى أن ورقة السياسة العامة الصادرة عن مؤسسة راند بعنوان ‘الاحتشاد ومستقبل الصراع ‘ تتحدث عن “التكتيكات المحتملة التي ستنشرها إدارة بايدن، باستخدام وكلائها المتعدّدين لتنفيذ هجمات معزولة على البنية التحتية الأساسية والأهداف العسكرية والمدنية السورية من أجل الحفاظ على عدم الاستقرار وزيادة الضغط على سوريا … مما يعني أن بايدن لن يغيّر سياسة دعم الإرهاب التي استمرت 10 سنوات، بل سيستغل العقوبات التي فرضتها الذراع الاقتصادية الأمريكية، للهيمنة الكاملة على المنطقة”.