بالرقص والتصفيق والأهازيج، استقبل العراقيون البابا فرنسيس، اليوم.
الأعداد قليلة، والشوارع في بغداد غير مزدحمة، بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، وعلى الرغم من الطوارئ الصحية، كان الناس بانتظاره في الشوارع، وفي المطار بملابسهم التقليدية.
الرقص والغناء والزينة والفرح، عناصر ارتبطت بحضور البابا فرنسيس بين الناس، منذ تسلمه مهامه عام 2013؛ فإن لم يستقبله الناس في الساحات بالموسيقى والألوان، ذهبوا لزيارته في ساحة مار بطرس، ورقصوا له التانغو بمناسبة عيد ميلاده.
عظة بعد عظة، ورحلة بعد رحلة، وموقفاً بعد موقف، يثير فرنسيس الاستغراب، لكون شخصيته الظاهرة مرنة، متسامحة، وكاريزماتية، بما يختلف عن وقار وجلال الأداء العلني المتوقّع من رجل دين بمنصبه، يرأس الكرسي الكنسي لديانة يتبعها أكثر من ملياري شخص.
يتبع الصحافيون البابا فرنسيس كأنّه نجم سينما، يلاحقونه بعدسات التصوير، وعند كلّ مناسبة تتحوّل تسجيلاته وصوره إلى مادة للمشاركة عبر الانترنت، تماماً كما هي الحال اليوم مع المغنين والممثلين ونجوم التنس وكرة القدم.
طار ثوبه، ابتسم، عبس، قبّل طفلاً، التقط سيلفي، لاعب كلباً، احتضن عروساً… وإلى جانب انحيازه المعلن للفقراء، والجياع، والمشردين، لا يفوته التعليق على كلّ ما يهمّ الشباب اليوم، خصوصاً حماية البيئة ورعاية الكوكب، والتسامح مع الفئات المهمشة.
وعبر حساباته على مواقع التواصل، كما في عظاته ومقابلاته، يحكي كثيراً عن الحب، والرحمة، والعطف، والحنان، ويحلم بعالم أفضل، حتى يخال المتابع لحضوره الإعلامي أنّ فرنسيس “نجم”، من طينة الملهمين، مثل جون لينون، وبوب مارلي، فريدي ميركوري، وليس رجل دين.
بإصراره على الذهاب إلى العراق، رغم الوباء، ورغم التفجيرات، ورغم التحذيرات الأمنية، يقدّم البابا فرنسيس للعالم مشهداً سينمائياً عاطفياً، أشبه بحضن حبّ، ولكن ليس لحبيب أو حبيبة، بل لشعب كامل.
وصل البابا فرنسيس إلى بغداد، الجمعة 5 مارس/آذار 2021، في أكثر رحلاته الخارجية خطورة منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية عام 2013، قائلاً إنه شعر بأن من واجبه القيام بتلك الزيارة “الرمزية”، لأن العراق عانى كثيراً ولفترة طويلة.
إذ خصص العراقيون استقبالاً حافلاً لبابا الفاتيكان، من خلال الرقص على الأغاني التراثية والطبول والسيوف، بمشاركة مجموعة من الفرق الموسيقية في حفل الاستقبال.
أول زيارة يقوم بها البابا فرانسيس للخارج منذ أزمة كورونا
هبطت طائرة تابعة لشركة أليطاليا تقلُّ البابا فرنسيس ومرافقيه وطاقماً أمنياً ونحو 75 صحفياً في مطار بغداد الدولي، قبل موعد الوصول بقليل، نحو الساعة الثانية ظهراً بالتوقيت المحلي.
نشر العراق آلافاً من قوات الأمن؛ لحماية البابا (84 عاماً)، خلال الزيارة التي تأتي بعد موجة من الهجمات بالصواريخ والقنابل أثارت المخاوف على سلامته.
قال البابا فرنسيس في تصريحات مقتضبة للصحفيين على متن طائرته: “يسرُّني القيام بزيارات من جديد”، في إشارة إلى جائحة كورونا التي منعته من السفر. وزيارة العراق هي الأولى للبابا فرنسيس خارج إيطاليا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
أضاف في تصريحاته: “إنها زيارة رمزية وواجب تجاه أرض عانت لأعوام كثيرة”. ثم وضع كمامة وحيّا الصحفيين دون أن يصافحهم باليد.
كما سيزور البابا فرنسيس أربع مدن في شمال وجنوب العراق، حيث يستخدم في تنقلاته طائرة وطائرة هليكوبتر وربما عربة مصفحة، إلى مناطق لا يستطيع معظم المسؤولين الأجانب الكبار الوصول إليها، فضلاً عن حدوث ذلك في تلك الفترة القصيرة للرحلة.
كما يترأس البابا قداساً في كنيسة ببغداد، ويلتقي المرجع الأعلى لشيعة العراق في النجف بجنوب البلاد، ثم يسافر شمالاً إلى الموصل، حيث اضطر الجيش إلى إخلاء الشوارع لأسباب أمنية، العام الماضي؛ استعداداً لزيارة رئيس الوزراء العراقي.
كانت الموصل معقلاً لتنظيم الدولة الإسلامية، وما زالت كنائسها ومبانيها تحمل آثار الصراع.
زيارة وسط إجراءات أمنية خاصة
منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2017، يشهد العراق درجة أكبر من الأمن، على الرغم من استمرار أعمال العنف، خاصة في صورة هجمات صاروخية، تشنها فصائل متحالفة مع إيران، على أهداف أمريكية، وضربات أمريكية رداً على ذلك.
صباح الأربعاء الماضي، سقطت عشرة صواريخ على قاعدة جوية تستضيف قوات أمريكية وعراقية وقوات تابعة للتحالف الدولي. وبعد بضع ساعات من هذا الهجوم، أكد البابا أنه ذاهب للعراق.
ما زال تنظيم الدولة الإسلامية يمثل تهديداً. ففي يناير/كانون الثاني قتل هجوم انتحاري- أعلن التنظيم مسؤوليته عنه- 32 شخصاً، في أدمى هجوم من نوعه تشهده بغداد على مدى سنوات.
يلتقي البابا فرنسيس رجال الدين في كنيسة ببغداد، حيث قتل متشددون أكثر من 50 من المصلين عام 2010. وتسبب العنف ضد الأقليات بالعراق، خاصة عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على ثلث البلاد، في تناقص حجم الطائفة المسيحية القديمة إلى خُمس عددها، الذي كان ذات يوم 1.5 مليون نسمة.
لقاء المرجع الشيعي علي السيستاني
سيزور البابا فرنسيس كذلك مدينة أور مسقط رأس النبي إبراهيم، وسيجتمع مع آية الله العظمى علي السيستاني (90 عاماً)، المرجع الأعلى لشيعة العراق.
بينما سيكون اجتماعه مع السيستاني، الذي يحظى بنفوذ هائل على الساحة السياسية العراقية وبين الأغلبية الشيعية، الأول من نوعه لبابا من الفاتيكان.
ورغم أن بعض الفصائل الشيعية المسلحة تعارض زيارة البابا وتعتبرها تدخلاً غربياً في شؤون العراق، فإن كثيراً من العراقيين يأملون أن تعزز الزيارة صورة جديدة للعراق.
قال علي حسن (30 عاماً)، وهو أحد سكان بغداد جاء لمرافقة أقاربه من المطار: “قد لا تغير الزيارة الكثير على الأرض لكن على الأقل عندما يزور البابا فرنسيس العراق، فإن الناس سيرون بلادنا في صورة مختلفة، ليس مجرد تفجيرات وحروب”
العراق يتأهب لزيارة البابا.. عٌبِّدت طرق، وأزيل الدمار، ورُمِّمت كنائس، وسيمر فوق مناطق ينتشر بها داعش
وجه البابا فرانسيس الجمعة 5 مارس/آذار 2021 رسالة تضامن مصورة إلى العراقيين قبيل زيارته التاريخية التي ستجري في ظل تدابير أمنية وصحية مشددة، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
زيارة البابا غير المسبوقة جاءت في وقت يشهد فيه العراق ارتفاعاً كبيراً في أعداد الإصابات بفيروس كورونا، إذ تخطت خمسة آلاف في يوم واحد، وهو رقم قياسي، فيما تفرض السلطات إغلاقاً تاماً يتزامن مع الزيارة. كما تشهد البلاد توترات أمنية.
البابا قال في رسالة مصورة موجهة إلى الشعب العراقي: “أخيراً سوف أكون بينكم.. أتوق لمقابلتكم ورؤية وجوهكم وزيارة أرضكم، مهد الحضارة العريق والمذهل”.
تحضيرات لزيارة البابا فرانسيس إلى العراق
جزء كبير من العراقيين سيكتفي بمشاهدة البابا من خلال شاشاتهم التلفزيونية، وسيستخدم البابا على الأرجح سيارة مصفحة في تنقلاته على طرق أعيد تأهيلها خصوصاً استعداداً للزيارة، بالإضافة الى مروحية وطائرة خاصة للتنقلات البعيدة سيعبر خلالها فوق مناطق لا تزال تنتشر فيها خلايا لتنظيم الدولة داعش الذي أعلنت القوات العراقية الانتصار عليه وتحرير العراق منه منذ 2017.
ومن أبرز المحطات في زيارة الزعيم الروحي لـ1.3 مليار مسيحي التي ستشمل مناطق في شمال البلاد وجنوبها، النجف الأشرف حيث سيلتقي المرجع الشيعي آية الله العظمى علي السيستاني.
وستغيب بسبب التدابير الوقائية من وباء كوفيد-19، الحشود التي اعتادت ملاقاة البابا في كل زياراته، باستثناء قداس سيحييه الأحد في الهواء الطلق في أربيل في كردستان بحضور نحو أربعة آلاف شخص حجزوا أماكنهم للمشاركة فيه مسبقاً.
وجرت التحضيرات على قدم وساق لاستقبال الحبر الأعظم خلال الأسابيع الأخيرة، من شوارع بغداد الرئيسية وصولاً إلى النجف ومروراً بأور الجنوبية والبلدات المسيحية شمالاً، حيث رفعت لافتات تحمل صوره مرفقة بعبارات ترحيب.
وتحضيراً للزيارة، أزيلت آثار ثلاث سنوات من دمار تسبب به تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق كثيرة، ولكن أيضاً آثار عقود من الفساد والإهمال أنهكا البنى التحتية، فعبّدت طرق، وأعيد تأهيل كنائس في مناطق نائية لم تشهد زائراً بهذه الأهمية من قبل.
رسالة البابا فرانسيس
البابا فرنسيس البالغ 84 عاماً ينوي في أول زيارة له إلى الخارج منذ انتشار الجائحة، توجيه رسالة تضامن ليس للمسيحيين فقط بل لجميع سكان العراق، مع برنامج حافل في مناطق عدة من البلاد. ومن بغداد إلى النجف وأور وأربيل والموصل وقرقوش، سيعبر مسافة 1445 كلم، في بلد لا يزال فيه الاستقرار هشاً.
وبعد ساعات من هجوم صاروخي في غرب البلاد استهدف قاعدة عسكرية تؤوي جنوداً أمريكيين، أكد البابا فرانسيس الأربعاء عزمه على المضي بالزيارة لـ”لقاء هذا الشعب الذي عانى كثيراً”.
وقال في رسالته المصورة: “أوافيكم حاجاً تائباً لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سني الحرب والإرهاب.. أوافيكم حاجاً يسوقني السلام”.
ويرى سعد الرسام، وهو مسيحي من سكان الموصل، أن هذه الزيارة تأتي بوقتها وقال لفرانس برس: “أتمنى من البابا الذي يزورنا في وقت عصيب أن يوضح للحكومة العراقية أن الشعب في حاجة إلى تعويضات وبالأخص أهل الموصل، والكل بشكل عام، لأن الجميع تعرضوا للأذى”.
وللمرة الأولى في التاريخ، يزور رأس للكنيسة الكاثوليكية مدينة النجف الأشرف في جنوب العراق، حيث يلتقي بالمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني البالغ من العمر 90 عاماً والذي لا يحبذ الظهورات العلنية.
وكان البابا وقّع قبل عامين في أبوظبي وثيقة تدعو إلى حرية المعتقد إلى جانب إمام الأزهر، أحد أبرز المرجعيات الإسلامية السنية في العالم.
وسيشارك البابا في أور التي يعتقد أنها مسقط رأس النبي إبراهيم والواقعة في الجنوب النائي، في صلاة ستضم رجال دين شيعة وسنة وأيزيديين وصابئة.