قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الخميس 11 مارس/آذار 2021، إن تركيا وروسيا وقطر تبذل محاولة مشتركة للدعوة إلى حل سياسي للصراع في سوريا المستمر منذ عشر سنوات.
التحركات الدبلوماسية تأتي في ظل رغبة مختلف الأطراف المتدخلة في سوريا في إيجاد حل سياسي للأزمة القائمة منذ عام 2011، إضافة إلى مناقشة أزمات منطقة الشرق الأوسط، خاصة الملف النووي الإيراني وأيضاً ملف السلام في أفغانستان.
البحث عن حل سياسي للأزمة السورية
قال تشاووش أوغلو بعد محادثات في الدوحة مع وزيري خارجية روسيا وقطر “أطلقنا اليوم عملية تشاور ثلاثية جديدة… هدفنا هو مناقشة كيف يمكننا المساهمة في الجهود الرامية إلى حل سياسي دائم”.
كما أكد الوزراء الثلاثة في اجتماعهم أن الحل الوحيد للصراع الذي راح ضحيته مئات الآلاف وتشرد بسببه الملايين هو تسوية سياسية تتماشى مع قرارات الأمم المتحدة.
إذ قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الدول الثلاث لا تسعى لطرح بديل للجهود التي تبذلها تركيا وروسيا وإيران منذ عام 2017، للحد من القتال في سوريا ومناقشة حل سياسي.
كما أضاف المسؤول الروسي: “لا يسعني إلا أن أرحب برغبة قطر في الإسهام في تهيئة الظروف للتغلب على الوضع المأساوي الحالي في سوريا”.
من جهته، قال الوزير القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إنهم بحثوا كذلك آليات إيصال المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا، مضيفاً أن هناك حاجة ماسة لتخفيف معاناة السوريين.
تابع قائلاً إن أسباب تعليق عضوية دمشق في جامعة الدول العربية في 2011 لا تزال قائمة، في حين قال تشاووش أوغلو إن التواصل الدولي مع حكومة الأسد في الآونة الأخيرة أعاق الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي بإضفاء مزيد من الشرعية عليها.
رفض مساعي الانفصاليين في سوريا
في بيان مشترك، عقب اجتماع ثلاثي لوزراء الخارجية الثلاثة، أكدوا إصرارهم على الوقوف في وجه مساعي الانفصاليين في سوريا. وأوضح البيان أن وزراء الخارجية اجتمعوا في الدوحة لبحث سبل التعاون التي من شأنها الإسهام في حل سياسي دائم للصراع في سوريا.
كما شدد على الالتزام بحماية سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، والاتفاق على عدم وجود حل عسكري للصراع.
فيما أكد الوزراء عزمهم محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، ومواجهة مساعي الانفصاليين التي تضر بسيادة سوريا ووحدة أراضيها والأمن القومي لدول الجوار.
أشار البيان إلى أهمية دور اللجنة الدستورية وضرورة الالتزام بالنظام الداخلي ومبادئ عملها الأساسية من قبل الأطراف السورية.
وأعرب عن دعمه لجهود المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، من أجل ضمان العمل المستدام والفعال للجنة الدستورية والإصلاح الدستوري، من خلال التواصل المستمر مع الأطراف السورية.
التنبيه للوضع الإنساني الخطير
أعرب البيان المشترك عن القلق من الوضع الإنساني في سوريا، وتأثير جائحة كورونا على النظام الصحي والاجتماعي والاقتصادي.
إذ طالبت الدول الثلاث منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة والمنظمات الأممية ومبادرة “كوفاكس” العالمية الرامية إلى توفير لقاحات كورونا للدول النامية، بإعطاء الأولوية للتطعيم في سوريا.
كما دعا وزراء الخارجية المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إلى تكثيف الجهود في زيادة المساعدات الإنسانية لجميع السوريين في أنحاء البلاد دون تمييز وتسييس وشروط مسبقة.
وشددوا على ضرورة تسهيل العودة الآمنة والطوعية لطالبي اللجوء والنازحين، واستعدادهم للعمل المشترك مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمات الدولية وجميع الأطراف ذات الصلة.
أشاروا إلى ضرورة المساهمة في تقدم العملية السياسية من خلال خلق مناخ إيجابي مبني على الثقة المتبادلة بين الأطراف السورية، وتسليط الضوء على أهمية التعاون ودعم مبادرات بناء الثقة للإفراج عن السجناء، لاسيما النساء والأطفال وكبار السن.
السعودية كانت الأكثر رفضاً للأسد.. فما سر دعوتها المفاجئة لعودة سوريا للجامعة العربية؟
جاءت دعوة المملكة العربية السعودية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية لتمثل مفاجأة من العيار الثقيل، وتؤشر إلى أن المنطقة قد تكون مقبلة على تغييرات كبيرة.
وأول عناصر المفاجأة أن السعودية كانت السبب الرئيسي لعدم عودة سوريا للجامعة العربية، بعد أن تعرضت دمشق لتجميد أنشطتها بالجامعة العربية في عام 2011، إثر عمليات قمع النظام بوحشية للثورة السورية في بدايتها.
فأغلب الدول العربية ليس لديها اعتراض على عودة سوريا للجامعة العربية.
وسبق أن طالبت مصر بعودة سوريا للجامعة العربية، والإمارات لديها علاقة وثيقة مع النظام، وأغلب دول المغرب العربي ليس لديها مشكلة في عودته، وخاصة الجزائر، التي كان لها دوماً مواقف أقل حدة تجاه النظام السوري عن باقي الدول العربية، فيما يعد العراق من أقرب الدول العربية للنظام السوري، خاصة أن كلاهما يعتبر تحت مظلة النفوذ الإيراني، إضافة إلى التقارب المذهبي بين الأقلية العلوية التي تحكم سوريا والنخب الشيعية التي تحكم العراق.
ومن بين باقي الدول العربية، فإن قطر تعتبر أبرز الداعمين للثورة السورية، وإذا رفعت الرياض تحفظها على عودة سوريا فإن موقف الدوحة سيلعب دوراً في هذه المسألة.
لماذا كانت تتحفظ السعودية على عودة سوريا للجامعة العربية؟
السعودية كان لديها التحفظ الأكبر على عودة سوريا للجامعة العربية، وهو تحفظ لا يرتبط في الأغلب بممارسات النظام تجاه شعبه خلال قمعه للثورة فقط، بل هو سابق على ذلك، وقد يكون هذا هو الذي دفع الرياض لانتهاز فرصة الثورة السورية للدفع بعزل النظام عربياً، رغم معارضتها للثورة في مصر مثلاً.
فتاريخياً، كان هناك عدم ارتياح بين النخب البعثية التي تحكم سوريا والسعودية، وزاد الأمر بسيطرة العلويين على البلاد، ولكن تقاربت المصالح في قضايا عدة منها لبنان، الذي تم إنهاء حربه الأهلية في نهاية الثمانينات بتوافق سعودي سوري.
ولكن لبنان نفسه كان سبباً رئيسياً للتوتر بين البلدين، وزاد التوتر تقارب سوريا مع إيران، ودعمها لحزب الله، ووصل الأمر إلى ذروته عندما وصف الرئيس السوري بشار الأسد الحكام العرب الذين انتقدوا إشعال حزب الله لحرب 2006 مع إسرائيل بأنهم أنصاف رجال.
ولذا كان طابع التوتر والجفاء يسيطر على العلاقة بين البلدين في السنوات السابقة على الثورة السورية، وبعد أن هُزمت الثورة وتخلت الرياض عن دعمها ظلت متحفظة على عودة دمشق للجامعة العربية، وألمح مسؤولو الجامعة العربية من قبل إلى أن هناك حاجة لوجود توافق عربي لعودة سوريا، لافتين إلى أن هذا التوافق غير موجود.
فما الذي غيّر الموقف السعودي بهذا الشكل المفاجئ، والذي تمثل في إعلان وزير الخارجية السعودي رغبة بلاده في عودة سوريا للحاضنة العربية، مع التأكيد أن ذلك يجب أن يتم عبر تسوية سياسية تشمل الحوار مع المعارضين.
ماذا نفهم من التصريحات السعودية الإمارتية عن سوريا؟
يمكن رصد عدة ملاحظات مهمة في هذا التصريح.
– التصريح جاء بعد دعوة مصرية مماثلة لعودة سوريا للجامعة العربية خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير، مع الربط بين ذلك والحوار مع المعارضين، وأن ذلك مهم للأمن القومي العربي.
– التصريح السعودي جاء بعد يوم واحد من تصريح مماثل لوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، انتقد فيه أيضاً قانون قيصر الأمريكي، واعتبره عاملاً معرقلاً لعودة سوريا للجامعة العربية، وأيضاً لعمل القطاع الخاص هناك.
– تصريحا وزيري خارجية السعودية والإمارات جاءا خلال مؤتمرين صحفيين منفصلين مع نظيرهما الروسي سيرغي لافروف، وتصريح الوزير السعودي وكان لافتاً فيه قوله: “نحن متفقون مع أصدقائنا الروس على أهمية إيجاد مسار سياسي يؤدي إلى تسوية واستقرار الوضع في سوريا، لأنه لا وجود لحل للأزمة السورية إلا من خلال المسار السياسي”.
ويمكن استنتاج عدة أشياء من الملاحظات السابقة
– يبدو أن هناك تنسيقاً مصرياً إماراتياً سعودياً في هذه الدعوة، ولكن من الصعب معرفة من هي القوة الدافعة وراءها من بين الدول الثلاث.
– هناك تكرار للحديث عن تسوية سياسة وتفاوض النظام مع معارضين دون تحديد هوية المعارضين.
– الدعوة تعطي مساحة كبيرة للروس باعتبارهم رعاة الأسد، كوسيط على ما يبدو في عملية التطبيع مع النظام.
– الدعوة إما لا تتطرق للدور الأمريكي كما حدث مع السعودية ومصر، أو تتناوله بشكل سلبي كما فعل الوزير الإماراتي.
– من الصعب معرفة هل الموقفين الإماراتي والسعودي من سوريا هدفهما بالأساس التطبيع مع النظام السوري، أم التقارب مع روسيا عبر هذا الملف، في إطار ردودهما على مواقف إدارة بايدن السلبية، في إطار ملفات حرب اليمن وصفقات السلاح وتقرير خاشقجي.
فالدولتان تتحسسان طريقهما في الرد على سياسات بايدن، فهما لا تريدان رداً فجاً يمكن أن يثير انتقام واشنطن، خاصة إذا أبرمتا صفقات السلاح مع روسيا، بعد أن عاقبت واشنطن حليفتها أنقرة بالفعل على شرائها صفقة أس 400، وفي الوقت ذاته فإن الرياض وأبوظبي تحاولان إرسال رسائل إلى واشنطن بإمكانية تقاربهما مع بكين وموسكو، وقد يكون الملف السوري ممراً مناسباً لذلك.
ماذا سيقدم الأسد في المقابل؟
رغم أن الشروط السعودية لعودة سوريا للجامعة العربية وتطبيع العلاقات تغيرت، وأصبحت مبهمة مع تخلي الرياض عن المعارضة السورية، بل مناصبتها العداء للربيع العربي، فإنه يمكن تصور أن محور هذه الشروط مرتبط بعلاقة الأسد بإيران وحزب الله، خاصة أن عداء الرياض لإيران قد ازداد في عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان.
فهل يقدم بشار الأسد تنازلات للسعودية مقابل تطبيع العلاقات وعودة سوريا للجامعة في هذه الملفات، وهل يقدم تنازلات مماثلة للأمريكيين لإطلاق مرحلة تمهد الخروج من قانون قيصر.
يمكن القول إن النظام في أحلك أيامه لم يقدم تنازلات تذكر، وافتراض أنه يمكن أن يخرج من المظلة الإيرانية أمر يصعب تصوره، لأنه لا يرغب ولا يستطيع في ظل الدور الإيراني إنقاذه وحمايته وتمويله إلى الآن، وهو دور تختلط فيه الجوانب المذهبية مع الاختراق الواسع للدولة والمجتمع السوريين.
كل ما يستطيع أن يفعله النظام هو محاولة تقليل الهيمنة الإيرانية دون استفزاز لطهران، كما فعل عبر محاولة الموازنة بين النفوذين الروسي والإيراني.
كما أنه يمكن أن ينأى النظام السوري بنفسه عن الخطاب التصعيدي لإيران وحلفائها تجاه السعودية، ولكن لا يمكن افتراض أن النظام يمكن أن يقوم بأي خطوات جدية تؤثر على إيران، مثل عرقلة توصيل الإمدادات لحزب الله اللبناني على أراضيه، أو محاولة تقليل وجود الميليشيات الشيعية في سوريا.
ماذا يريد الأمريكيون؟
لم يكن هناك رد فعل أمريكي على التصريح السعودي، ولكن كان هناك رد فعل أمريكي على التصريح الإماراتي الذي سبقه بيوم وانتقد قانون قيصر.
واللافت أن الرد الأمريكي على التصريح الإماراتي جاء أقل حدة من تصريحات صدرت عن إدارة ترامب قبل 8 أشهر، تحذر الإمارات من انتهاك قانون قيصر.
فبينما حذر الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا في عهد الإدارة السابقة، جيمس جيفري في يونيو/حزيران 2020، الإمارات من التقارب مع بشار الأسد أو اختراق قانون قيصر، فإن رد فعل الإدارة الحالية بدا أقل حدة (حتى الآن)، وخلا من أي عبارة تحذير للإمارات من مغبة إقامة علاقة اقتصادية مع نظام الأسد، ولم يلوح بتطبيق قانون قيصر على شركاتها.
فلقد بدا من الرد على التصريح الإماراتي الأخير أن الإدارة الأمريكية تحاول إرساء معادلة لربط أو مقايضة قانون قيصر، بفتح الأسد حواراً سياسياً مع المعارضة السورية، وتخفيف ممارساته القمعية.
إذ علق متحدث باسم الخارجية الأمريكية في تصريح لموقع قناة الحرة الأمريكية، أمس الأول الثلاثاء، على تصريحات وزير الخارجية الإماراتي، قائلاً “يتحتم على النظام وداعميه الانخراط بجدية في الحوار السياسي، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المجتمعات المحتاجة من أجل تحقيق نهاية مستدامة لمعاناة الشعب السوري”.
رد الفعل الأمريكي قد يؤشر إلى تقبل أمريكي لفكرة عودة سوريا للجامعة العربية وتخفيف قانون قيصر، مع وضع شروط لها، وقد يكون أيضاً مؤشراً على إمكانية أن تكون سوريا هي الملف الذي يمكن البدء في إجراء تسوية به ضمن الملفات الخلافية بين إيران من جانب وأمريكا والسعودية من جانب آخر.
ولكن اللافت أن الأمريكيين مثل السعوديين والمصريين تحدثوا عن حل للأزمة السورية عبر تسوية تشمل حواراً مع معارضين (في الأغلب توارى الحديث عن وضع دستور جديد وانتخابات رئاسية).
ولكن السؤال: هل تستطيع أمريكا الضغط على نظام الأسد وداعميه لفتح حوار حقيقي مع المعارضة، وألا يمكن للأسد أن يفتح حواراً مع المعارضة المستأنسة والمقربة من روسيا، والتي يسمح لها الأسد بالاجتماع في دمشق، بحيث يصبح ذلك مبرراً لتخفيف العقوبات التي تسببت في ضغوط مالية كبيرة على النظام، ثم العودة مجدداً للمستوى السابق من القمع.
ومن المعروف أن المعارضة السورية أصبحت منقسمة بشدة، والأهم أن هناك معارضات محسوبة على النظام وأخرى على الروس، ومعارضة محسوبة على السعودية والإمارات، (وأغلب هذه المعارضات لم تعد لها قوة فعلية)، فهل يشمل الحوار المفترض المعارضة السورية الموجودة على الأرض وتدير مناطق في شمال سوريا؟.
وهل يكون هدف هذه الدعوة هو إعلاء شأن المعارضة الشكلية أو المقربة لروسيا والسعودية والإمارات، وإقصاء المعارضة المقربة لتركيا وقطر؟.
ففي ضوء العلاقة الوثيقة بين الإمارات والأسد، وتركز هذه العلاقة على العداء للأجندة الديمقراطية في المنطقة، وبالتالي العداء لأغلب مكونات المعارضة السورية، ألا يمكن أن يكون التصريح الإماراتي مجرد تمهيد لتحقيق هذا الهدف.
الأهم أنه حتى لو كان الأمريكيون لديهم نية لتخفيف قانون قيصر الذي يعاقب المتعاملين مع النظام السوري مقابل فتحه حواراً مع المعارضة، فإن تجربة الأسد تكشف أنه لا يقبل شريكاً، وأنه يستغل كل حوار لإضعاف المعارضة، وتعزيز القمع.
مواجهات قد تغيّر وجه المنطقة.. أبرز 5 صراعات في الشرق الأوسط سنشهد تطوراتها في 2021
مر العالم في عام 2020 وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط وما حوله بأحداث حافلة غيرت الكثير، بدءاً بما سببته جائحة كورونا، إلى الحروب والنزاعات التي تحولت أحداثها بشكل كبير، كالحرب في ليبيا، أو الحرب الأذربيجانية الأرمينية على ناغورنو قره باغ، أو الصراع الدامي في منطقة تيغراي الإثيوبية، وغيرها من المناطق. فما أبرز الصراعات التي سنستمر في مشاهدتها ونواكب تطوراتها خلال عام 2021؟
1- ليبيا
لا تزال الأمور تراوح مكانها في ليبيا مع نهاية عام 2020 ودخول العام الجديد، نعم أن العمليات العسكرية والقتال توقف مؤقتاً بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً والتي تتخذ من الغرب الليبي مقر لها، وبين قوات حفتر وأنصاره بالشرق الليبي، وقد استأنفت الأمم المتحدة المفاوضات الهادفة إلى إعادة توحيد البلاد، لكن التوصل إلى سلام دائم في ليبيا سيظل صراعاً شاقاً.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، قام اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا وفرنسا، وحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج المدعومة من تركيا، بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار رسمياً، أنهى المعركة التي اندلعت في ضواحي طرابلس وأماكن أخرى منذ أبريل/نيسان 2019. حيث أسفرت المعارك عن مقتل حوالي 3000 شخص وتشريد مئات الآلاف. وأدى التدخل العسكري التركي المباشر لمساعدة حكومة السراج الشرعية في أوائل عام 2020 إلى عكس نتيجة المعركة ورد هجوم حفتر عن طرابلس.
ولقي وقف إطلاق النار موضع ترحيب، لكن تطبيقه كان متأخراً، وسحب حفتر قواته ومرتزقته من الخطوط الأمامية للمعركة وانسحب من كثير من المناطق، فيما ثبتت حكومة الوفاق الوطني وقف إطلاق النار والتزمت به. ومع ذلك، لا يزال التحشيد العسكري لدى الجانبين متصاعداً وخصوصاً على جبهة سرت، وتواصل طائرات الشحن العسكرية الأجنبية الهبوط في القواعد الجوية الليبية، ما يشير إلى أن الداعمين الخارجيين ما زالوا يعيدون إمداد المعسكرين، وهو ما يعني تجدد المعارك في أي لحظة.
ولا تزال الآمال على التقدم في المفاوضات لإعادة توحيد بلد مقسم منذ عام 2014 مستمرة. وقد جمعت محادثات الأمم المتحدة التي عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني 75 شخصية ليبية، تم تكليفهم بالاتفاق على حكومة وحدة مؤقتة وخريطة طريق للانتخابات. لكن المحادثات شابها الجدل حول كيفية اختيار الأمم المتحدة لهؤلاء المندوبين، وسلطتهم القانونية، ومزاعم محاولة الرشوة. وقد وافق المشاركون على إجراء انتخابات في نهاية عام 2021 ولكن ليس على الإطار القانوني الذي يحكم تلك الانتخابات.
ويكمن الخلاف حول تقاسم السلطة في قلب كل المشاكل، حيث يطالب داعمو حفتر بأن تضع الحكومة الجديدة معسكرات قوات حفتر، وحكومة الوفاق الوطني على قدم المساواة. ويعارض خصومه إدراج القادة الموالين لقوات حفتر في أي نظام جديد لا سيما أن بعضهم تلاحقه تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
كما أن القوى الأجنبية الداعمة لحفتر لديها وجهات نظر متضاربة حول هذه المسألة، إذ تريد القاهرة وأبوظبي الحد من نفوذ أنقرة في ليبيا وتعزيز نفوذها بين السياسيين الموالين لحفتر. فيما تحرص روسيا، التي تدعم حفتر أيضاً على الاحتفاظ بموطئ قدمها في البحر المتوسط ، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت تفضل الوضع الراهن الذي يحافظ على نفوذها في الشرق، أم بتفضيل حكومة جديدة كاملة ذات تمثيل كبير لمعسكر حفتر.
في النهاية، لا يعرف إذا ما كان سيندلع القتال مرة أخرى في المستقبل القريب بين معسكري الشرق والغرب الليبي، لأن الجهات الخارجية، مع حرصها على تعزيز نفوذها، لا تريد جولة أخرى من الأعمال العدائية المفتوحة. ولكن كلما طال عدم تنفيذ شروط وقف إطلاق النار، زادت مخاطر وقوع حوادث قد تؤدي إلى العودة إلى الحرب. ولتجنب هذه النتيجة، يجب على الأمم المتحدة المساعدة في صياغة خارطة طريق لتوحيد المؤسسات الليبية المنقسمة وتهدئة التوترات بين الأعداء الإقليميين.
2- اليمن
تسببت حرب اليمن في أسوأ كارثة إنسانية في العالم كما تقول الأمم المتحدة. كما أدى تفشي وباء فيروس كورونا وغيره من الأمراض، إلى تفاقم معاناة المدنيين اليمنيين الذين تطاردهم بالفعل الفقر والجوع والأمراض الأخرى، فيما يحذر كبار المسؤولين في المجال الإنساني مرة أخرى من مجاعة أقسى وأشد في عام 2021.
وقبل عام، كانت هناك فرصة سانحة لإنهاء الحرب، لكن المتحاربين بددوها. حيث كان المتمردون الحوثيون يتحدثون عبر القنوات الخلفية مع المملكة العربية السعودية، الراعي الرئيسي للحكومة اليمنية المعترف بها من الأمم المتحدة بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي. كما كان السعوديون يحاولون “التوسط” بين الأطراف المناهضة للحوثيين التي كانت تتنافس على عدن، المدينة الجنوبية التي تعتبر العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية، والتي يسيطر عليها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، المدعوم من الإمارات منذ أغسطس/آب 2019.
وكان يمكن أن يكون هذان المساران التفاوضيان معاً بمثابة لبنات بناء لعملية سياسية بوساطة الأمم المتحدة. وبدلاً من ذلك، تصاعد القتال الدامي، لا سيما في مأرب، آخر معقل حضري لحكومة هادي في الشمال. واستغرق الأمر عاماً من المفاوضات السيئة قبل أن تتفق الأطراف المناهضة للحوثيين على كيفية توزيع المسؤوليات الأمنية في الجنوب، وإبعاد قواتها عن الخطوط الأمامية، وتشكيل حكومة جديدة. ومن المرجح أن تواجه المفاوضات المزيد من العراقيل بشأن نقل الحكومة إلى عدن، كما اصطدمت جهود الأمم المتحدة لصنع السلام بالكثير من الجدران وتعرضت للعديد من العراقيل.
وكما تقول مجلة foreign policy الأمريكية، فإن لدى كل من الحوثيين وحكومة هادي أسباباً للمماطلة. إذا انتصر الحوثيون في مأرب، فسيكونون قد سيطروا على محطات النفط والغاز والطاقة في المحافظة، ما يسمح لهم بتوليد الكهرباء والإيرادات التي هم في أمسّ الحاجة إليها. ولا يمكن للحكومة أن تتحمل خسارة مأرب، لكنها تحمل أملاً آخر، إذ قد تصنف إدارة ترامب المنتهية ولايتها الحوثيين كمنظمة إرهابية، ضمن إطار تشديد الخناق على إيران وأذرعها في المنطقة. ومثل هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من مخاطر المجاعة من خلال إعاقة التجارة مع اليمن، التي تستورد 90% من قمحها وجميع أرزها، كما أنها ستدق ناقوس الموت لجهود وساطة الأمم المتحدة.
على أي حال، لم يعد اليمن البلد الذي كان عليه في الأيام الأولى للحرب. لقد تشرذمت البلاد مع احتدام الصراع. لا يحتكر الحوثيون والحكومة الأرض أو الشرعية المحلية، إذ إن الجهات الفاعلة الأخرى لديها مصالح ونفوذ وإفساد لأي مسارات، وفي غياب تصحيح المسار، يبدو أن عام 2021 سيكون عاماً قاتماً آخر لليمنيين، مع استمرار الحرب وانتشار الأمراض والمجاعة المحتملة، وتلاشي احتمالات التسوية، وسيزداد جوع ملايين اليمنيين يوماً بعد يوم.
3- إثيوبيا
في 4 نوفمبر/تشرين الأول الماضي، بدأت القوات الحكومية الإثيوبية هجوماً على منطقة تيغراي بعد هجوم قاتل، واستيلاء على وحدات عسكرية اتحادية في المنطقة. وبحلول نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، دخل الجيش إلى ميكيلي عاصمة تيغريان. وهجر قادة جبهة تحرير تيغراي الشعبية المدينة، مدعين أنهم يرغبون في تجنيب المدنيين القتال. ولا تزال الكثير من التفاصيل غير واضحة حول هذا الملف، في ظل التعتيم الإعلامي الذي تمارسه حكومة آبي أحمد. لكن من المحتمل أن يكون العنف قد قتل آلاف الأشخاص، بمن فيهم العديد من المدنيين، حيث نزح أكثر من مليون شخص داخلياً؛ فيما فر نحو 50 ألف شخص إلى السودان.
وتعود جذور أزمة تيغراي في إثيوبيا إلى سنوات طويلة. ووصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى السلطة في 2018 بعد احتجاجات مدفوعة إلى حد كبير بالغضب المستمر منذ فترة طويلة على الائتلاف الحاكم في ذلك الوقت، والذي كان في السلطة منذ عام 1991. وتميزت فترة آبي أحمد، التي بدأت بجهود كبيرة لإصلاح نظام الحكم القمعي، بفقدان نفوذ قادة تيغراي، الذين يشتكون من كونهم كبش فداء بسبب الانتهاكات السابقة، وينظرون بحذر إلى تقاربه مع العدو القديم للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الرئيس الإريتري أسياس أفورقي. ويتهم حلفاء آبي أحمد نخب جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغري بالسعي للاحتفاظ بحصة غير متكافئة من السلطة، وعرقلة الإصلاح ، وإذكاء المشاكل من خلال العنف.
ويعد نزاع تيغراي هو الأكثر مرارة في إثيوبيا، لكن هناك خطوط صدع أوسع. حيث تتنازع المناطق القوية بينما يقاتل مؤيدو النظام الفيدرالي العرقي الإثيوبي معارضي هذا النظام، الذين يعتقدون أنه يرسخ الهوية العرقية ويعزز الانقسام. بينما يلقي العديد من الإثيوبيين باللوم على “جبهة تحرير شعب التغراي” في سنوات من الحكم القمعي، فإن حزب “تيغراي أن” ليس الوحيد الذي يخشى أن آبي أحمد يهدف إلى التخلص من النظام في محاولة لمركزية السلطة. والجدير بالذكر أن منتقدي آبي أحمد في منطقة أوروميا المضطربة – الأكثر سكاناً في إثيوبيا – يشاركون هذا الرأي، على الرغم من انتساب آبي أحمد لعرقية الأورومو.
السؤال الآن، هو ماذا سيأتي بعد ذلك؟ تقدمت القوات الفيدرالية وسيطرت على ميكيلي والمدن الأخرى بسرعة نسبية. وتأمل أديس أبابا أن تؤدي ما تسميه “عملية إنفاذ القانون” المستمرة إلى هزيمة المتمردين المتبقين. وترفض إجراء محادثات مع قادة جبهة تحرير شعب تيغري. ويقول حلفاء آبي أحمد إن السماح بالإفلات من العقاب للخارجين عن القانون الذين يهاجمون الجيش وينتهكون الدستور يعتبر خيانة. وتعين الحكومة المركزية الآن حكومة إقليمية مؤقتة، وأصدرت أوامر اعتقال بحق 167 من مسؤولي وضباط الجيش التيغرايين، ويبدو أنها تأمل في إقناع التيغرايين بالتخلي عن حكامهم السابقين. ومع ذلك، فإن الجبهة الشعبية لتحرير تيغري لا يزال لديها شبكة شعبية قوية.
وفي 2021، سيكون التحرك نحو حوار وطني لمعالجة الانقسامات العميقة في إثيوبيا أمر بالغ الأهمية بالنسبة لآبي أحمد الذي يبحث عن بقاء أطول في السلطة. وفي غياب ذلك، فإن التوقعات قاتمة بالنسبة لتلك البلاد ومحيطها الإفريقي.
4- الصراع الإيراني الأمريكي
أدى اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني وثاني أهم رجل في البلاد بعد خامنئي في كانون الثاني/يناير 2020، إلى رفع درجة التوترات الأمريكية الإيرانية نحو نقطة الغليان. وفي النهاية، كان رد إيران على اغتيال سليماني محدوداً نسبياً، ولم يختر أي من الجانبين التصعيد المباشر، على الرغم من أن حدة التوتر ظلت مرتفعة بشكل خطير.
ويمكن للإدارة الأمريكية الجديدة تهدئة واحدة من “أخطر المواجهات في العالم”، لا سيما من خلال العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 ، المعروف أيضًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). لكن القيام بذلك بسرعة، وإدارة العلاقات مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل – وكلاهما معارض بشدة لإيران – ثم الانتقال إلى محادثات حول قضايا إقليمية أوسع، لن يكون عملاً عادياً أمام إدارة جو بايدن.
وتضمنت سياسة إدارة ترامب تجاه إيران ما سياسة ما سمّته “الضغط الأقصى”، وهذا يعني الخروج من خطة العمل المشتركة وفرض عقوبات قاسية من جانب واحد على إيران على أمل تقديم طهران تنازلات أكبر على برنامجها النووي، وتخفيف نفوذها الإقليمي في المنطقة، بل وحتى – كما يأمل بعض المسؤولين الأمريكيين- الإطاحة بالنظام في طهران.
ودمرت العقوبات الأمريكية الاقتصاد الإيراني لكنها لم تحقق شيئاً آخر كتراجع طهران أو كسر شوكتها، وطوال فترة رئاسة ترامب، نما برنامج إيران النووي بشكل متزايد غير مقيد بخطة الاتفاق النووي. وتمتلك طهران صواريخ باليستية أكثر دقة من أي وقت مضى وربما أكثر من ذلك.
ونمت التوترات الإقليمية بشكل أكبر بعد اغتيال سليماني، سواء في الأراضي العراقية ضد المصالح الأمريكية، أو تلك الهجمات على أهداف صناعة الطاقة السعودية المنسوبة على نطاق واسع إلى طهران، ما أدى إلى نشوب نزاعات متعددة. وفي النهاية، لا شيء يشير إلى أن النظام الإيراني معرض لخطر الانهيار، على الرغم من الاحتجاجات الدورية من السخط الشعبي.
وفي الأسابيع الأخيرة، أدى اغتيال أكبر عالم نووي إيراني، محسن فخري زادة، حيث نُسبت مسؤولية تصفيته إلى إسرائيل، إلى زيادة التوترات ودفع إيران إلى التهديد بتوسيع برنامجها النووي بشكل أكبر. ويبدو أن واشنطن وبعض حلفائها في المنطقة مصممون على إلحاق أقصى قدر من الألم بإيران وتقييد مجال المناورة لإدارة بايدن القادمة. ولا تزال مخاطر المواجهة قبل مغادرة ترامب لمنصبه قائمة حيث تستهدف الميليشيات الشيعية الموالية لإيران الأهداف الأمريكية في العراق.
وأشار بايدن إلى أنه سوف يوافق على الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي إذا استأنفت إيران الامتثال، ثم يسعى للتفاوض على اتفاق جديد يشمل التعامل مع الصواريخ الباليستية والسياسة الإقليمية لطهران. وقد أشارت طهران إلى أنها مستعدة أيضاً للالتزام المتبادل بالاتفاق النووي القائم. ويبدو أن هذا هو الرهان الأكثر أماناً والأسرع، على الرغم من أن عوائق كثيرة ستظهر بين الطرفين بسبب العراقيل التي وضعتها إدارة ترامب.
لكن يمكن لإدارة بايدن أن تضع ثقلها الدبلوماسي الكامل وراء مثل هذا الجهد، وإذا عاد الطرفان إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فسيتمثل التحدي الأكبر في معالجة التوترات الإقليمية والاستقطاب الذي سيواصل، والذي إذا تُرك سيتفاقم بشكل كبير، ويمكن أن يثير الصراع بشكل أخطر في الخليج العربي، وبالتالي لا بد لإدارة بايدن من حثّ إيران ودول الخليج العربية على الدخول في حوار جاد لتقليل التوترات الإقليمية ومنع اندلاع الحرب.
5- التنافس الروسي التركي
ليست روسيا وتركيا في حالة حرب، وربما هما الآن في حالة تعاون، ومع ذلك كثيراً ما تدعم أنقرة وموسكو الأطراف المتعارضة، كما هو الحال في سوريا وليبيا والقوقاز. وغالباً ما يرى الأتراك والروس بعضهم البعض كشركاء، ويقسمون الخلاف حول قضية واحدة من المناقشات حول الأخرى، ويتعاونون حتى عندما يتصارع حلفاؤهم المحليون عليها. ومع ذلك، يُظهر إسقاط تركيا لطائرة روسية في عام 2015 بالقرب من الحدود التركية السورية وقتل عشرات الجنود الأتراك في غارات جوية شنتها قوات النظام السوري، المدعومة من روسيا في عام 2020، أن خطر المواجهات غير المتوقعة بين الطرفين مرتفعاً. في حين أثبت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حتى الآن براعتيهما في إدارة مثل هذه الحوادث، فإن أي خلاف قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات التي تورط فيها كلاهما.
وتتجلى تناقضات العلاقات بين أنقرة وموسكو في أوضح صورها في سوريا. وكانت تركيا من بين أشرس الخصوم الأجانب لبشار الأسد وداعماً قوياً للمعارضة. في غضون ذلك، ألقت روسيا بثقلها خلف الأسد وتدخلت في عام 2015 لتحويل الحرب بشكل حاسم لصالحه. منذ ذلك الحين، تخلت تركيا عن الإطاحة بالأسد، وبدت أكثر اهتماماً بمحاربة المجموعات الكردية المسلحة، كوحدات حماية الشعب (YPG)، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي يشن حرباً ضد تركيا منذ ما يقرب من أربعة عقود والذي قامت أنقرة والولايات المتحدة وأوروبا بتصنيفه كمنظمة إرهابية.
وأوقف اتفاق مارس/آذار 2020، الذي جمع موسكو وأنقرة، جولة القتال الأخيرة في إدلب، آخر جيب يسيطر عليه المعارضون للنظام في شمال غرب سوريا، وأظهر مدى حاجة القوتين التركية والروسية لبعضهما البعض.
وتدرك أنقرة أن هجوماً آخر للنظام على إدلب خلال 2021، يمكن أن يدفع بمئات الآلاف من السوريين إلى تركيا، وهو أمر يتوقف على الدعم الجوي الروسي الذي من المستبعد تمريره في القريب. لكن لا يزال الوضع الراهن هشاً، الحرب السورية لم تنته بعد، ولا يزال شن هجوم آخر تدعمه روسيا في إدلب ممكناً.
وفي ليبيا أيضاً، تدعم روسيا وتركيا طرفين متعارضين. ويدعم المرتزقة الروس قوات حفتر، بينما تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً والمتمركزة في طرابلس. ولا يزال وقف إطلاق النار الهش ساري المفعول منذ أكتوبر. لكن ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان الاتفاق يمكن أن يضمن عدم منح روسيا موطئ قدم تسعى إليه في تلك البلاد.
وتدخلت روسيا وتركيا في الحرب الأخيرة في ناغورنو قرة باغ بين أذربيجان وأرمينيا. ولدى روسيا تحالف عسكري مع أرمينيا لكنها تجنبت الانحياز الكبير لها وتوسطت في النهاية في وقف إطلاق النار الذي أنهى القتال. بالمقابل قدمت تركيا الدعم الدبلوماسي والعسكري لأذربيجان، حيث ساعدت الطائرات بدون طيار التركية في تدمير الدفاعات الجوية الأرمنية (روسية الصنع). وعلى الرغم من التنافس بينهما في جنوب القوقاز، فازت كل من موسكو وأنقرة هذه المرة بالاتفاق. ونشرت روسيا قوات حفظ السلام وزادت نفوذها بشكل كبير في المنطقة. فيما لعب تركيا دوراً مهماً في انتصار أذربيجان وستستفيد من الممر التجاري الذي أنشأته اتفاقية وقف إطلاق النار.
ومن المفارقات أنه مثلما تتنافس موسكو وأنقرة في عدد متزايد من ساحات القتال، فإن علاقاتهما أقوى مما كانت عليه في وقت سابق. وتعد “صداقتهما” هي أحد معالم العالم الجديد الذي تقاوم فيه القوى غير الغربية بشكل متزايد الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وتكون أكثر حزماً وأكثر استعدادًا للدخول في تحالفات متقلبة.
وشهدت روسيا تصاعد التوترات مع الغرب على خلفية الحروب في أوكرانيا وسوريا واتهامات بالتدخل في الانتخابات وتسميم المعارضين على أراض أجنبية وكذلك العقوبات الأمريكية والأوروبية. وتستاء تركيا من دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية، ورفض تسليم فتح الله غولن – الرجل المتهم بتدبير محاولة انقلاب في عام 2016 – فضلاً عن الصدامات مع أوروبا وتحيز الأخيرة لليونان في صراع شرق المتوسط. وتغلف العقوبات التي فرضتها واشنطن رداً على شراء أنقرة واختبارها لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 هذه التوترات.
ومن خلال إبرام الصفقات الثنائية في مناطق الصراع المختلفة، ترى كل من روسيا وتركيا إمكانية تحقيق مكاسب لكلاهما. ومع ذلك ، فإن الروابط الناشئة عن الفرص لا تدوم دائمًا. مع قرب قوات كل منهما من الخطوط الأمامية المتعددة ، تكثر نقاط الاشتعال المحتملة. قد يؤدي التراجع في العلاقات بينهما إلى حدوث مشاكل لكلا البلدين وأكثر من منطقة حرب.
سر الهجوم الإماراتي على قانون قيصر.. رسالة للأمريكيين أم إنقاذ للأسد؟
جاءت دعوة الإمارات والسعودية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وهجوم أبوظبي على قانون قيصر الأمريكي الذي يعاقب من يتعامل مع النظام السوري، لتفتح الباب على تساؤلات حول أهداف هذه المواقف المفاجئة التي جاءت خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للبلدين.
وبات السؤال المحوري، هل تمهد هذه المواقف لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية فقط أم أنها تسعى أيضاً إلى التقارب مع روسيا، في ظل قلق السعودية والإمارات من سياسات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وقال وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في أبوظبي، الثلاثاء 9 مارس/آذار 2021، إن عودة سوريا إلى محيطها أمر لا بد منه، معتبراً أن “عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في مصلحتها ومصلحة البلدان الأخرى في المنطقة”.
واعتبر أن التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو “قانون قيصر” الأمريكي.
وبدت مواقف السعودية أكثر تحفظاً، إذ ربطت بين عودة سوريا وبين تحقيق المصالحة الداخلية، ولم تتطرق إلى قانون قيصر الأمريكي.
وقال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في اليوم التالي للتصريح الإماراتي إن الأزمة السورية تتطلب حلاً سياسياً، معتبراً أن سوريا في حاجة إلى العودة للحضن العربي والتمتع بالاستقرار والأمن.
وأوضح وزير الخارجية السعودي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، اليوم الاربعاء، أن حل الأزمة في سوريا يتطلب توافقاً بين أطراف الأزمة من معارضة وحكومة.
وكان لافتاً قول الوزير السعودي:” نحن متفقون مع أصدقائنا الروس على أهمية إيجاد مسار سياسي يؤدي إلى تسوية واستقرار الوضع في سوريا لأنه لا وجود لحل للأزمة السورية إلا من خلال المسار السياسي”.
تحذير صارم من إدارة ترامب من مغبة اختراق قانون قيصر
ولأول مرة تُظهر السعودية بوادر لاستعدادها لقبول عودة سوريا للجامعة العربية، حيث يُعتقد أن موقفها كان الحاجزَ الرئيسي أمام هذه العودة.
وعلى العكس من الرياض، لدى الإمارات علاقة وثيقة ومعلنة مع النظام السوري، دفعت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى تحذير الإمارات، تحديداً في يونيو/حزيران 2020، من تطبيق قانون قيصر على جهات إماراتية، في أعقاب إحياء العلاقات الدبلوماسية بين أبوظبي ودمشق.
ولكن رد الفعل الأمريكي على التصريح الإماراتي الأخير، لاسيما جاء أقل حدة من موقف إدارة ترامب (الذي كان حليفاً قوياً لأبوظبي).
ويستهدف قانون قيصر أي فرد أو كيان يتعامل مع النظام السوري، بغض النظر عن جنسيته، ويركز على 3 قطاعات، هي جيش النظام السوري، وصناعة النفط والغاز المحلية، وإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ويفرض عقوبات على أي شخص يقدم الدعم أو المساندة للحكومة.
ويهدف القانون إلى الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة السورية، لإجبار الأسد على وقف هجماته ودعم الانتقال السياسي في سوريا، في إطار احترام حكم القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع محيطها.
رسالة إماراتية سعودية بطعم روسي قوي
كان لافتاً أكثر أن الهجوم على قانون قيصر من قبل وزير الخارجية الإماراتي، وكذلك حديث وزير الخارجية السعودي عن ضرورة عودة سوريا للجامعة العربية، قيلا في مؤتمرين صحفيين مشتركين منفصلين مع نظيرهما الروسي سيرغي لافروف
ما قد يشير إلى أن هذه الدعوة لعودة سوريا للجامعة وانتقاد القانون لا تتعلق فقط بموقف الإمارات المساند للنظام السوري فقط أو رغبة سعودية في عودة العلاقة مع الأسد، بل ترتبط أيضاً بمحاولة أبوظبي والرياض إرسال نكزات ورسائل خفيفة للحليف الأمريكي، في وقت تخشى الدولتان من تغيُّر سياسة واشنطن تجاههما، بعدما فقدا دونالد ترامب حليفهما المقرب، خاصة أن السعودية باتت علاقتها بواشنطن أكثر تعقيداً حتى من أبوظبي جراء نشر التقرير الاستخباراتي الأمريكي الذي حمل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل جمال خاشقجي.
رسائل سابقة
وأبرمت الإمارات بشكل مبدئي صفقة لشراء طائرات إف 35 الشبحية وطائرات مسيرة، مع أمريكا، في نهاية عهد ترامب بموافقة إسرائيلية، ولكن لا يعرف مصيرها بعد مجيء بايدن وإعلانه نهاية الدعم الأمريكي العسكري للتدخل السعودي الإماراتي في اليمن، وبحث وقف مبيعات الأسلحة التي يمكن أن تستخدم في اليمن، ومراجعة صفقات الأسلحة التي أبرمها ترامب مع السعودية والإمارات.
كما جرى تداول حديث عن تفاوض سعودي مع روسيا من أجل الحصول على أنظمة صواريخ إس 400 مع نشر التقرير الاستخباراتي الأمريكي الذي يتهم الأمير محمد بن سلمان بأنه مسؤول عن اغتيال خاشقجي.
وحتى قبل مجيء إدارة بايدن، وفي معرض الضغوط التي مارسها يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، لإتمام صفقة طائرات إف 35، لمّح العتيبة إلى إمكانية ذهاب بلاده إلى دول أخرى كمصدر للتسليح، وسط أحاديث سابقة عن إمكانية شراء أبوظبي لطائرات سوخوي 35 الروسية، أو حتى الطائرة الشبحية سوخوي 57، التي سبق أن عرضتها موسكو على الإمارات.
وبالتالي قد يمثل هذا التصريح الإماراتي المنتقد لقانون قيصر محاولة إماراتية لجس النبض على محورين، الأول إظهار أن أبوظبي ماضية في توثيق علاقتها مع روسيا في ملفات عدة، والثاني في الملف السوري، عبر محاولة تخفيف الضغط عن الأسد ومحاولة تطبيع قبوله عربياً ودولياً خاصة أن قانون قيصر بات له تداعيات شديدة على الاقتصاد السوري لاسيما الليرة.
علاقة غريبة مع بشار الأسد
على عكس السعودية التي ليس لديها علاقات معروفة بالأسد، تنسج أبوظبي علاقة غريبة مع النظام السوري، رغم أنه يفترض أنه تابع لإيران التي تحتل جزرها الثلاث، وتهدد دول الخليج برمتها.
ولكن العداء المشترك الذي يجمع بين الأسد والرجل القوي في الإمارات الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي تجاه الديمقراطية والربيع العربي والإسلام السياسي المعتدل، يبدو أنه أكبر من كل الخلافات الاسراتيجية والمذهبية والسياسية.
وتظهر الدوافع الخفية لهذه العلاقة الوثيقة بين سوريا والإمارات، في العرض الذي قدمه الشيخ محمد بن زايد للأسد في بداية عام 2020 لمنحه 3 مليارات، وفقاً لما كشفه تقرير للصحفي البريطاني ديفيد هيرست، نشره موقع Middle East Eye البريطاني، في أبريل/نيسان 2020.
ومقابل هذا المبلغ، طلب أبوظبي من الأسد أن يحطم وقف إطلاق النار في إدلب الذي أبرم بوساطة روسية بين تركيا وقوات النظام السوري، بعد أن تدخلت تركيا بشكل غير مسبوق لمواجهة خرق الأسد لتفاهمات وقف إطلاق النار وهجومه على المعارضة السورية في إدلب.
وهو العرض الذي أغضب روسيا حليفة الأسد، والولايات المتحدة الأمريكية حليفة الإمارات على حد سواء.
كان هذا العرض بمثابة حلقة جديدة من دور إماراتي خفي للتلاعب بالثورة السورية منذ نشأتها، وبدأ هذا الدور في فترة كانت الإمارات فيها جزءاً من الناحية الشكلية، على الأقل، من التحالف العربي الغربي الداعم للثورة السورية في مواجهة نظام الأسد المدعوم من إيران، ولكن سرعان ما تكشف أن أبوظبي تستغل قربها من الثورة السورية لإضعاف صف الثوار وتفتيتهم ليتسنى للروس والأسد القضاء عليهم مثلما حدث في درعا بجنوب سوريا.
دمج الأسد في موجة التسويات بالمنطقة وأهداف اقتصادية
بالنسبة للإمارات، الخصم الرئيسي مازال هو تركيا وحلفاءها رغم التهدئة في الآونة الأخيرة.
ولقد تعرض نفوذ أبوظبي السياسي لضربة في ليبيا نتيجة هزيمة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، والمضي في التسوية، واضطرت الإمارات أيضاً للقبول بإنهاء المقاطعة لقطر، وهي تريد بعد هذه التراجعات إنقاذ حليفها الأسد، الذي تتميز علاقتها معه بأن باطنها أكبر من ظاهرها، ويبدو أنها عبر استهداف قانون قيصر تريد ضمه لقطار التسويات في المنطقة.
كما أن الإمارات لديها طموح اقتصادي في سوريا يكبحه قانون قيصر، وهذا الدور كان يجرى عبر العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وسوريا، التي استمرت حتى في عهد التأييد الشكلي الإماراتي للثورة السورية، ولعب رجال الأعمال المقربون للنظامين دوراً مهماً كحلقة وصل في هذه العلاقة، وكذلك يتعلق الجانب الاقتصادي برغبة إماراتية في أن تنال نصيباً من كعكة الإعمار السورية.
وهو ما بدا واضحاً في انتقاد وزير الخارجية الإماراتي لتأثير قانون قيصر على عمل القطاع الخاص وليس الدول فقط.
ماذا نفهم من رد الفعل الأمريكي؟
اللافت أنه بينما حذر الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا في عهد الإدارة السابقة، جيمس جيفري قبل 8 أشهر، الإمارات من التقارب مع بشار الأسد أو اختراق قانون قيصر، قائلاً إن “أبوظبي تعلم أننا نعارض بشكل مطلق اتخاذ دول خطوات دبلوماسية تجاه سوريا”، فإن رد فعل الإدارة الحالية بدا أقل حدة (حتى الآن)، وخلا من أي عبارة تحذير للإمارات من مغبة إقامة علاقة اقتصادية مع نظام الأسد، ولم يلوح بتطبيق قانون قيصر على شركاتها.
فلقد بدا من الرد على التصريح الإماراتي أن الإدارة الأمريكية تحاول إرساء معادلة لربط أو مقايضة قانون قيصر بفتح الأسد لحوار سياسي مع المعارضة السورية، وتخفيفه لممارساته القمعية.
إذ علق متحدث باسم الخارجية الأمريكية في تصريح لموقع قناة الحرة الأمريكية، أمس الثلاثاء، على تصريحات وزير الخارجية الإماراتي، مؤكداً أهمية لجوء نظام بشار الأسد وداعميه للحوار السياسي وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية.
وقال المتحدث: “أعتقد أن الاستقرار في سوريا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثل إرادة جميع السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان إبقاء الحل السياسي في متناول اليد”.
وختم حديثه قائلاً: “يتحتم على النظام وداعميه الانخراط بجدية في الحوار السياسي، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المجتمعات المحتاجة من أجل تحقيق نهاية مستدامة لمعاناة الشعب السوري”.
ولكن السؤال هل تستطيع أمريكا الضغط على نظام الأسد وداعميه لفتح حوار حقيقي مع المعارضة، وألا يمكن للأسد أن يفتح حواراً مع المعارضة المستأنسة والمقربة من روسيا والتي يسمح لها الأسد بالاجتماع في دمشق، بحيث يصبح ذلك مبرراً لتخفيف العقوبات التي تسببت في ضغوط مالية كبيرة على النظام، ثم العودة مجدداً للمستوى السابق من القمع.
وفي ضوء العلاقة الوثيقة بين الإمارات والأسد، وتركز هذه العلاقة على العداء على الأجندة الديمقراطية في المنطقة، وبالتالي العداء لأغلب مكونات المعارضة السورية، ألا يمكن أن يكون هذا التصريح الإماراتي مجرد تمهيد لتحقيق هذا الهدف.
والرد الأمريكي على هجوم أبوظبي على قانون قيصر الذي يبدو هادئاً، قد يُفهم منه أن ما يحدث قد يكون أكبر من الإمارات وأن الموقفين الإماراتي والسعودي الداعيَين إلى عودة دمشق للجامعة العربية، قد يكونان جزءاً من محاولة لإطلاق تسوية واسعة في المنطقة مع إيران وأتباعها، قد تشمل الأسد، ومن الممكن أن تتوسع لتضم الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان.
ولكن تجربة الأسد والحوثيين التاريخية تحديداً، تكشف أنهما لا يقبلان شريكاً، وأن قبولهما لأي حوار هدفه الوحيد مزيد من الاستئثار.