حسب موقع عربي بوست
قال المرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس 1 أبريل/نيسان 2021، إن السلطات الأردنية أبلغت 3 لاجئين سوريين بقرار ترحيلهم من المملكة خلال 14 يوماً، وأوضح المرصد أن الأمر يتعلق بالمعتقلة السابقة لدى النظام حسنة الحريري التي لقبت بـ”خنساء حوران”، وابنها إضافة إلى شخص آخر.
حسنة الحريري سبق أن اعتقلت في كمين لقوات النظام السوري في 2012، وأفرج عنها في صفقة تبادل أسرى بين قوات النظام والمعارضة السورية المسلحة في 2013.
بعد خروجها من السجن وجدت اثنين من أبنائها وزوجها وأزواج بناتها قضوا إما في معتقلات النظام أو في معارك ريف درعا، فأطلق عليها الناشطون “خنساء حوران”.
ترحيل خنساء حوران من الأردن خلال 14 يوماً
ناشد المرصد السلطات الأردنية من أجل إيقاف ترحيل الحريري وجميع السوريين من أراضي المملكة. وحذر المرصد أن الحريري تواجه خطر الاعتقال من قبل النظام السوري، في حال إرغامها على العودة إلى سوريا.
بينما ذكرت وسائل إعلام أن “خنساء حوران” قد وصلت إلى تركيا بعد قرار السلطات الأردنية ترحيلها.
فيما ذكرت الحريري في تسجيل صوتي بثته عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن السلطات الأردنية عبر دائرة المخابرات العامة أبلغتها بضرورة مغادرتها أراضي المملكة خلال مدة أقصاها 14 يوماً من تاريخ التبليغ والتوقيع على قرار الترحيل.
أضافت خنساء حوران أن السلطات الأردنية قررت ترحيلها هي وولدها إبراهيم، إضافة للمعارض رأفت الصلخدي، مشيرة إلى أن السبب المباشر وراء القرار يكمن في تواصلها المستمر والدائم مع بعض المعارضين لنظام بشار الأسد في الداخل السوري.
في إشارة إلى محاولة تحجيم المعارضين في الأردن ومنعهم من التواصل والتنسيق مع الداخل، وهي خطوة اعتبرها البعض بداية تقارب وتنسيق بين الأردن والنظام السوري.
كما أوضحت الحريري “خنساء حوران” أنها امتنعت عن التوقيع على أوراق المغادرة، في حين اضطر ابنها والصلخدي للتوقيع مجبرين، ما يعني التزامهما بالقرار وتنفيذ ما جاء فيه وضمن المدة المحددة.
تواجه خطر الاعتقال في سوريا
أعربت الحريري أيضاً عن خشيتها من الترحيل إلى سوريا عبر معبر نصيب الخاضع لسيطرة النظام والميليشيات الإيرانية الموالية له، الأمر الذي يهدد أمنهم وسلامتهم.
كما ناشدت الثوار والمعارضين لنظام الأسد الوقوف إلى جانبها ومساعدتها للخروج من الأردن قبل انتهاء المدة، خاصة أنها تعاني من أوضاع مادية سيئة، وعليهم تجديد جوازات سفرهم السورية والحصول على تأشيرات وتذاكر طيران قبل مغادرة الأردن.
فيما لاقى القرار الأردني استياء من جانب الناشطين السوريين، بينما لم يصدر حتى الآن تعليق رسمي من السلطات الأردنية على خبر الترحيل وأسبابه.
إذ دعا الناشط السوري المعارض، هادي العبدالله، “من يستطيع العمل على منع هذا القرار الجائر أن يفعل لإيقاف ترحيل أمّنا”، مؤكداً خبر قرار ترحيل عمّان للمعارضة السورية.
كما انتشر على نطاق واسع وسم #لا_لترحيل_حسنة_الحريري “خنساء حوران” في موقع تويتر من أجل الضغط على السلطات الأردنية للتراجع عن “القرار الجائر”.
650 ألف لاجئ سوري في الأردن
يستضيف الأردن نحو 650 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى الأمم المتحدة، بينما تقدر عمّان عدد الذين لجأوا إلى المملكة منذ اندلاع النزاع في سوريا بنحو 1.3 مليون.
تقول عمان إن استضافة هؤلاء كلف المملكة أكثر من 10 مليارات دولار حتى نهاية عام 2017.
مع مرور عشر سنوات على اندلاع الحرب في سوريا، قال ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في الأردن ألبرتو كوريا مينديز إنه “وفقاً لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، يعاني ربع اللاجئين في جميع أنحاء الأردن من انعدام الأمن الغذائي و65% على حافة انعدام الأمن الغذائي، وهي زيادة كبيرة منذ بدء وباء (كوفيد-19)”.
بعد 10 سنوات من الحرب.. لماذا قد لا يعود ملايين السوريين من المنفى للعيش في وطنهم مجدداً؟
نشرت صحيفة The Times البريطانية تقريراً موسعاً عن أحوال وظروف ملايين اللاجئين السوريين الذين انتشروا في جميع القارات حول العالم، وذلك بعد 10 سنوات من اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد، وتناول احتمالات عدم عودتهم لبلادهم من منفاهم.
تقول الصحيفة إن نزوح السوريين خلال الحرب في البلاد، التي بدأت قبل عشر سنوات، كان من أكبر هجرات الناس بعيداً عن ديارهم في التاريخ الحديث. من بين سكَّان سوريا البالغ عددهم في الأصل 23 مليون نسمة، يُعتَقَد أن ما لا يقل عن سبعة ملايين هم الآن في الخارج، حصلوا على اللجوء أو الإقامة في دولٍ مختلفة؛ من كندا إلى أستراليا، مروراً بجميع الدول بينهما. ويقول العديد من أولئك الذين عادوا إنهم “نادمون” على ذلك، بحسب الصحيفة.
وتُقسَّم سوريا الآن إلى أربعة أجزاء، يعيش حوالي 15 مليون شخص في مناطق لا تزال تحت سيطرة نظام بشَّار الأسد. وثلاثة إلى أربعة ملايين آخرين يعيشون في المناطق الشمالية الغربية التي تسيطر عليها قوات المعارضة المدعومة من تركيا وهيئة تحرير الشام. هذا علاوة على مليونين إلى ثلاثة ملايين آخرين في شرقيّ سوريا، الذي تديره قواتٌ يقودها الأكراد المسلحون المدعومون من الولايات المتحدة. وربما يكون ستة ملايين طفل قد وُلِدوا خلال السنوات العشر الماضية لم يشهدوا سوى الحرب.
هل تقبّل السوريّون حياة المنفى بشكل دائم؟
تقول الصحيفة البريطانية، إنه بالنسبة للكثيرين، لن تكون المناطق التي يسيطر عليها النظام آمنة ما دام الأسد في السلطة. ويستمر القتال في العديد من المناطق، ولكن حتى في المناطق الآمنة من الحرب يشتد الانهيار الاقتصادي إلى درجة أنه ما مِن ضمانٍ لكسب العيش. ويعاني نصف مليون طفل سوري دون الخامسة من التقزُّم بسبب سوء التغذية، وفقاً لليونيسيف.
وعلى أولئك الذين فرّوا من سوريا أن يقرِّروا ما إذا كانوا سيقبلون حياة المنفى بشكلٍ دائم. ويقع مصيرهم في كثيرٍ من الأحيان في يد الحكومات غير المتعاطفة والمسؤولة أمام الرأي العام في بلادها.
اتَّخَذَت أنجيلا ميركل قراراً أحادياً في العام 2015 بالسماح لمئات الآلاف من المهاجرين الذين يسيرون عبر أوروبا الشرقية بالبقاء في ألمانيا، لكن الدول الأخرى لم تكن بهذا السخاء. وأصبحت الدنمارك أول دولة غربية تحكم رسمياً بأن أجزاءً من سوريا آمنةٌ للعودة إليها، مِمَّا أدَّى إلى سحب حقوق الإقامة لـ94 لاجئاً، فيما أدانت جماعات حقوق الإنسان هذا القرار.
ويقول نشطاءٌ سابقون إنه من المستحيل معرفة ما إذا كانت أسماؤهم مُدرجةً في قوائم أولئك الذين سيُعتَقَلون إذا عادوا. وفي أوطانهم الجديدة، يتواصل السوريون مع بعضهم البعض في جميع أنحاء العالم من خلال منصات التواصل الاجتماعي، ويُعتَبَر تطبيق “كلاب هاوس” على سبيل المثال وسيلةً شائعةً بشكلٍ خاص للتحدُّث عبر الإنترنت.
مُخرج سينمائي في كندا
قبل الثورة، كان “مو”، 36 عاماً، ابناً متميِّزاً في دمشق. درس في الخارج وكان بإمكانه السفر بحرية، على عكس الغالبية العظمى من السوريين. وحين بدأت الحرب تضع أوزارها كان جواز سفره الثاني، من كندا، تذكرة خروج، وهو يعيش الآن في تورنتو.
في البداية، كان يعتقد أن الأسد سيصلح النظام. درس الرئيس الشاب في المملكة المتحدة، وكانت زوجته امرأةً بريطانية ساحرة. كان هذا هو الوجه الذي أراده السوريون مثل مو لبلدهم؛ نظام يعتقدون أنه قادرٌ على التغيير، على عكس الديكتاتوريات البالية الأخرى التي أسقطتها انتفاضات الربيع العربي.
في المقابل، قمع الأسد المظاهرات مُتَّهِماً المتظاهرين بالعمل لصالح قوى أجنبية. وَجَدَ مو نفسه يقف إلى جانب المتظاهرين. اختلف معه العديد من الأصدقاء في دمشق. يقول مو: “كنت دائماً منفتحاً للمحادثة، إذ كنت أرغب في رؤية الجانب الآخر”. وأضاف: “لكن معظم الناس كان لديهم موقف مفاده أنه إذا كنت تتحدَّث لغتي فأنت معي.. لقد فقدت الكثير من الأصدقاء”.
حين بدأت الانشقاقات في الجيش، بدأ مو يشعر بعدم الارتياح بشأن ما ينتظره في المستقبل. بدأ الجيش بمهاجمة الأحياء التي تركَّزَت فيها الاحتجاجات. وفي أواخر عام 2012، غادَرَ مو البلاد، أولاً إلى لبنان ثم إلى دبي، لم يشعر بالسعادة في أيِّ مكان، وبحلول ذلك الوقت كان الكثير من السوريين قد أصبحوا لاجئين.
وحتى في كندا، التي تعجُّ بالمهاجرين، فإن ردَّ الفعل الأول حين يعرف الناس من أن هذا المهاجر أو ذاك قد أتى من سوريا، فهذا يعني بالنسبة لهم أنه فقير. غالباً ما يشعر مو بالذهول من ذلك، إذ إن وضع عائلته مختلفٌ تماماً عن وضع معظم السوريين الآخرين الذين يعيشون في الخارج. ومع ذلك فإن القاسم المشترك بينهم جميعاً هو أنهم لا يستطيعون العودة.
منشق عن الجيش الأسد في الولايات المتحدة
يراود هائل العشاوي، 35 عاماً، كابوساً متكرِّراً يكون فيه على متن طائرةٍ تهبط في دمشق. مرَّت تسع سنوات على آخر زيارة له إلى المدينة، لكنه يعرف ما ينتظره عند وصوله. قال: “أشعر بالرعب في أحلامي، أعلم أنني سأُعتَقَل وأختفي، وأعرف ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص يراودهم هذا الكابوس”.
كان العشاوي يؤدِّي خدمته العسكرية حين اندلعت الاحتجاجات، كان المُجنَّدون محصورين في القاعدة. أخبرهم قادتهم أولاً أن كلَّ شيءٍ تحت السيطرة، ثم قالوا إن المتظاهرين كانوا يسلخون الناس أحياءً ويتلقون شحناتٍ من الأسلحة من أوروبا. قال العشاوي: “كان الجميع يعرف ما كان يحدث، لكن كان هناك إنكارٌ كبير. منذ اليوم الأول قال النظام الشيء نفسه الذي لا يزال يقوله الآن؛ إن المتظاهرين كانوا إرهابيين”.
أدَّت تكتيكات الخوف إلى تقسيم الوحدة التي انتمى لها العشاوي بنفس التقسيم الذي أدَّى في النهاية إلى بعث الفوضى في البلاد. قال: “كنَّا مجموعةً متفقةً تماماً على كلِّ شيء”. وأضاف: “أكره التحدُّث عن الأمر بهذه الطريقة، لكننا كنَّا جميعاً من السُنَّة. وبدأ العلويون أيضاً في التجمُّع معاً، وكان لديهم خوف الأقليات”. وتابَعَ: “ثم بدأ موقف القادة يتغيَّر. أخذوا منَّا بنادقنا. اعتقدت أنهم ربما أخذوهم من الجميع، ثم اكتشفت أنهم تركوهم مع جميع الرقباء العلويين، وحينها شعرت بالخطر”.
ومع وشوك خدمته العسكرية على الانتهاء، علم أن ابن عمه قُتِلَ خلال مظاهرةٍ في مسقط رأسه في مدينة دير الزور. وقد انشقَّ في العام 2012، حين كان الجيش يفرض حصاراً على حي بابا عمرو في حمص، حيث قُتِلَت الصحفية ماري كولفين، بصحيفة Sunday Times البريطانية، بقصف النظام.
يعيش العشاوي الآن في شيكاغو، وهو مُتزوِّج من أمريكية ولديه ابنة صغيرة، وعلى وشك أن يصبح مواطناً أمريكياً. ولا يزال على القوائم السوداء للنظام، وليس لديه أملٌ في العودة طالما يظلُّ الأسد في السلطة.
مُتطوِّعةٌ في الصليب الأحمر في بلجيكا
مثل العديد من المراهقين السوريين المتعلِّمين في دمشق، أمضت عائلة عائشة، 29 عاماً، وقت فراغها في التطوُّع. لكن عملها في “الصليب الأحمر الدنماركي”، وزيارة دور الأيتام وكبار السن، تغيَّر بأكمله حين كانت في التاسعة عشرة من عمرها.
حين بدأ النظام في إطلاق النار على المتظاهرين، ثم قَصَفَ ضواحي معاقل المعارضة، غيَّرَ رئيسها جهود المجموعة. قالت: “بدأ في إنشاء عياداتنا الميدانية في أماكن استراتيجية، ليس فقط في وسط المناطق الساخنة، ولكن بالقرب منها”. وأضافت: “في بعض الأيام كنَّا نقوم بأشياءٍ روتينية. وبعد ذلك، في بعض الأيام، كان هناك قصفٌ على مقربةٍ منَّا، وكان الناس يحملون الجرحى جالبين إياهم لنا وتفوح منهم رائحة دماء كثيرة”.
كانت عائشة، التي تلقَّت تدريباً طبياً أساسياً، تساعد في العمليات الجراحية. في إحدى المرات كانت تحمل مصباحاً فوق مريضٍ بينما كان الطبيب يستخرج رصاصةٍ من بطنه، وعندما اقترب القصف بشدة شعرت بالقلق من احتمال تعرَّضها للإصابة. ولكن بعد ذلك يصل تدفُّقٌ جديدٌ من الجراحة، ولا يسعها الوقت لتشعر بالخوف.
تقول: “لا أستطيع حقاً التعامل مع الدماء والعنف حين أشاهده على التلفاز، لكن عندما كان أمامي مباشرةً لم أفكِّر بهذه الطريقة. عندما كنت أصغر سناً، تكون أشجع وأكثر إقداماً. أما الآن، حين أفكِّر في المخاطرة هكذا مرةً أخرى، أقول ربما لا”.
لم تفكِّر عائشة كثيراً في النظام الذي تعيش في ظلِّه. كانت تعلم أن الكثير من الأشخاص في السجن، لكنها نشأت في عائلةٍ لم تتحدَّث قط عن السياسة. المرة الأولى التي تحدَّثَت فيها عن السياسة كانت مع أصدقائها خلال الشهر الأول من الاحتجاجات، وجميعهم عارضوا الانتفاضة. ثم بدأوا يسمعون ما يحدث في درعا، المدينة الجنوبية الواقعة على الحدود الأردنية، حيث كان الشباب يتعرَّضون للتعذيب والقنص من قِبَلِ رجال أمن النظام.
دعمت عائشة ووالدها المتظاهرين، فيما دعمت والدتها وشقيقتها الأسد -على الأقل حتى بدء القمع الحقيقية. وسرعان ما بدأت عائشة تسمع عن اعتقال أصدقائها. سيطر العنف الذي يمارسه النظام على عملها في الصليب الأحمر. قالت: “الكثير من التفاصيل التي لم أخبر بها عائلتي، لكنهم لا يزالون غير سعداء”.
غادرت الأسرة إلى الأردن في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وانتقلت في العام التالي إلى تركيا. وهناك، بدأت عائشة العمل في منظمةٍ إغاثية، وفي عام 2016 فازت بمنحةٍ دراسية للحصول على درجة الماجستير في بلجيكا. عادت عائلتها إلى دمشق، لكن آخر زيارة لعائشة كانت عام 2016.
ربة منزل في تركيا
أولاً كانت الاحتجاجات على شاشة التلفزيون، ثم وصلت إلى الحي الذي كانت أم أحمد تسكن فيه في حلب، وفي غضون أشهر أصبحت مدينتها ساحة معركة. فرَّت أم أحمد مع زوجها، أولاً إلى بلدة أعزاز القريبة من الحدود، ثم في عام 2013 إلى مدينة غازي عنتاب التركية. ولم يعودا قط إلى سوريا.
قالت أم أحمد، 35 عاماً: “أتمنَّى ألا يحدث شيءٌ على الإطلاق. كنَّا نعيش في بيوتنا في سوريا. لم تكن حياةً مثالية، لكننا على الأقل كنَّا بأمان في الماضي”. حين وصلت العائلة إلى تركيا، كان عدد السوريين الذين وصلوا عبر الحدود يبلغ مئات الآلاف. يوجد اليوم ما لا يقل عن أربعة ملايين منهم، معظمهم -مثل أم أحمد- لديهم أمل ضئيل في التمكُّن من العودة قريباً.
تقول أم أحمد: “الحياة في تركيا آمنة، ولكنها ليست سهلة”. ليس لديهم تصاريح عمل، ويضطرون إلى العمل في وظائف منخفضة الدخل وغير منتظمة. يعمل زوج أم أحمد في بقالةٍ ويكسب 500 ليرة تركية (70 دولاراً) في الأسبوع. وكانت أم أحمد تنظِّف المنازل قبل اندلاع جائحة كوفيد-19. الأقارب في الوطن مُبَعثرون بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة. ولا يزال والدا أم أحمد وإخوتها في دمشق، ولم ترهم منذ 2011.
مقاتل معارض في لبنان يعيش على مساعدات الأمم المتحدة
قال سامر عامر، 36 عاماً، في 2011 إن سوريا كانت تعيش في “فساد وظلم”، وإنه لا يطيق الانتظار لفعل شيءٍ حيال ذلك. وقال: “عندما بدأ التونسيون الاحتجاج، كنت شاباً مدفوعاً بالحماس والفخر. كنت أسأل متى سيحين دورنا. لم أطق الانتظار لأكون جزءاً من ثورة”.
في ذلك الوقت، كان سامر يعمل حلَّاقاً في مسقط رأسه، مدينة القُصَير، على الحدود اللبنانية. بدأ في المشاركة في الاحتجاجات في حمص، المدينة المجاورة، وعندما بدأ النظام في إطلاق النار على المتظاهرين، نظَّمَ احتجاجاتٍ في مدينته.
اعتقل النظام القادة المنظِّمين للاحتجاجات، ما أشعل احتجاجاتٍ أطلق عليها النظام النار، ما كان يعني المزيد من الجنازات، وبالتالي المزيد من الاحتجاجات، وهكذا. سرعان ما بدأ الطرفان في القتال. قال سامر: “بمجرد إراقة الدماء، لم يكن لدينا خيارٌ سوى الدفاع عن أطفالنا وعائلاتنا”. وأضاف: “اعتقلوا أخي وعذَّبوه بشكلٍ وحشي وكاد أن يموت. وحين أطلقوا سراحه، كان أول شيءٍ فعله هو الحصول على سلاحٍ والانضمام إلى قوات المعارضة”.
قُتِلَ شقيق سامر، لكنه نجا بنفسه، رغم إطلاق القنَّاصة النار عليه وإصابته في ساقه. فرَّ في النهاية في هجومٍ أخير في مايو/أيَّار 2013، ويعيش الآن في مخيَّمٍ بالقرب من الحدود، ليس لديه وظيفةٌ ويعتمد على مساعدات الأمم المتحدة.
عامل إغاثة في أستراليا
قال رامي، 33 عاماً، إن الهدف الأصلي كان تغيير الحكومة، وليس بالضرورة تغيير النظام. كانت سرعة الاستجابة وعنفها هي التي غيَّرَت كلَّ شيء. كانت ليبيا مصدر إلهامه. بلدانٌ مثل مصر وتونس، رغم الديكتاتورية، فقد سمحت ببعض المساحة للمعارضة، لكن ليبيا كانت مثل سوريا، حيث لا يُسمَح بأيِّ شكلٍ من أشكال مخالفة الرأي. ومشهد الشعب الليبي وهو ينقلب على العقيد القذافي جَعَلَ السوريين يشعرون أنه بإمكانهم فعل الشيء نفسه، وكانوا يعرفون أيضاً أنه سيكون صعباً. قال رامي: “لم نعتقد على الإطلاق أن النظام قد يسلِّم السلطة سلمياً”.
كان رامي ينهي دراسته في القانون، وحصل على وظيفةٍ في إحدى وكالات الإغاثة. ولأنه ملتزمٌ باللاعنف، فقد رفض حمل السلاح. غادَرَ رامي البلاد بعد أن شهد إجلاء الثوار وعائلات المعارضة من مدينته حمص، وأدرك أن الموت كان قاب قوسين أو أدنى “من الاعتقال، أو من الرصاص الطائش، أو من الاستهداف”. لقد رأى عدداً من أصدقائه تبتلعهم زنازين النظام ولا يعودون أبداً.
يعمل رامي الآن في مؤسَّسةٍ خيرية في أستراليا، ويكافح الإحساس الدائم بالذنب على الناجين داخل سوريا بسبب اضطراره للهروب من الموت في البلاد، ويتساءل هو وأصدقاؤه كيف يمكن أن تتحوَّل الأمور بشكلٍ مختلف.
سر تناقضات ألمانيا تجاه الأسد.. تعقد أول محاكمة لضباطه، وتُسلمه اللاجئين الذين تراهم خطيرين
تبدو سياسة ألمانيا تجاه سوريا ولاجئيها تتغير لتصبح محملة بتناقضات غريبة، بشكل أثار انتقادات داخلية كبيرة.
فلقد أصبحت ألمانيا، الشهر الماضي، أول دولة في العالم تدين موظفاً سابقاً في المخابرات العسكرية السورية سيئة السمعة، بموجب القانون الدولي. وجاء هذا الحكم بعد شهادات استمرت شهوراً، عن انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان في سوريا.
ولكن قبل صدور هذا الحكم بوقت قصير، تصدَّرت ألمانيا عناوين الصحف بعدما أصبحت أول دولة أوروبية كبرى تقرر إمكانية إعادة السوريين المدانين بجرائم خطيرة إلى بلادهم، حسبما ورد في تقرير لشبكة Deutsche Welle الألمانية.
وبعد أن كانت البلاد في طليعة الدول المرحِّبة بالسوريين الفارين من الحرب، قررت ألمانيا، في ديسمبر/كانون الأول 2020، استئناف عمليات ترحيل السوريين بألمانيا الذين يشكلون تهديداً للأمن، اعتباراً من بداية السنة الحالية 2021، وذلك حسبما أُعلِنَ خلال مؤتمر عبر الهاتف جمع وزير الداخلية الفيدرالي الألماني المحافظ هورست سيهوفر ونظراءه الـ16 على مستوى الولايات.
وقال وزير الدولة في وزارة الداخلية هانس يورغ أنغيلكه، لوسائل الإعلام بعد هذا القرار، إن “اللاجئين الذين يرتكبون جرائم أو يسعون وراء أهداف إرهابية لإلحاق أذى خطير بدولتنا وشعبنا، يجب أن يغادروا البلاد”.
ووفقاً لتقارير، يوجد نحو 90 سوريّاً من هؤلاء في بلادهم الآن.
وتشير كلتا الواقعتين إلى مدى تعقيد العلاقة بين ألمانيا وسوريا، في ظل وجود نحو 800 ألف طالب لجوء سوري ما زالوا يقيمون في ألمانيا منذ عام 2015، وعدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.
لماذا تم اتخاذ هذا القرار، وكيف جرى تمريره؟
وكان قد بدأ تطبيق هذا الحظر على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم منذ عام 2012، وكان يُجدَّد من حينها كل ستة أشهر على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي. لكن نهاية العام الماضي، رُفع هذا الحظر، لأن قرار استمراره كان يستلزم تأكيده بأصوات الأغلبية، لكن وزراء داخلية الولايات منقسمون على أسس حزبية ليبرالية ومحافظة.
وتعالت الأصوات المطالبة بإعادة دراسة قرار المنع الشامل من الترحيل إلى سوريا، مباشرة بعد الاعتداء الذي حصل العام الماضي في مدينة دريسدن، إذ قال وزير الداخلية هورست زيهوفر، في تصريحات تلت الحادث الإرهابي مباشرة: “سأعمل من أجل إعادة تقييم إمكانية الترحيل إلى المناطق الآمنة في سوريا”.
إذ أخذ الموقف الألماني من ترحيل السوريين بألمانيا منحىً تصاعدياً، بسبب تورط شاب سوري يبلغ من العمر 20 عاماً، في تنفيذ اعتداء دامٍ بسكين بمدينة دريسدن، كما أنه كان مُداناً بعدد من الجرائم ومعروفاً بقربه من الأوساط الإسلامية، وكان يقيم في ألمانيا بموجب وضع خاص يمنح للأشخاص الذين تُرفض طلباتهم للجوء ولا يمكن ترحيلهم.
“اعتراف بالأسد”
وحذَّرت منظمة حقوق الإنسان الألمانية Pro-Asyl، في ديسمبر/كانون الأول 2020، من خطورة هذا القرار.
وسادت مخاوف بين المنظمات الحقوقية من أن هذا القرار سيدفع ألمانيا إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية على مستوى رفيع. وهذا من شأنه أن يجعل ألمانيا أول قوة أوروبية كبرى تعترف بحكومة يرأسها بشار الأسد من جديد.
ونبّه غونتر بوركهارت، رئيس منظمة Pro-Asyl، إلى أن النظام السوري “سيصبح مقبولاً، لأن عمليات الترحيل مستحيلة من دون علاقات دبلوماسية”.
من جانبه، لفت كريم الواسطي عضو مجلس شؤون اللاجئين بولاية ساكسونيا السفلى، في تصريحات سابقة لـ”عربي بوست“، إلى “صعوبة تطبيق قرار ترحيل السوريين بألمانيا والذي يتطلب علاقات مع الحكومة السورية المنعزلة عن المجتمع الدولي، بسبب انتهاكها حقوق الإنسان وجرائم الحرب”، معتبراً أنَّ “جعل قنوات تربطك بحكومة كهذه ليس صواباً وفرصة يستغلها النظام ليجعل من نفسه جهة تفاوض رسمية”.
هل يتم تنفيذ الترحيل؟
سألت صحيفة Taz الألمانية، بداية هذا الشهر، هيئات حكومية عدة، منها بعض حكومات الولايات، ما إذا كانت قد نفذت أي عمليات ترحيل أو تخطط لذلك. وكانت الإجابة بالنفي.
وقال بعض المسؤولين إنهم لا يعتقدون أن القضاة المحليين، الذين تتطلب قرارت الترحيل توقيعهم، سيوافقون على ذلك في الوقت الحالي.
وسبق أن قال بوريس بيستوريوس عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي المشارك في الائتلاف الحاكم، إنه “من الناحية العملية فإن إجراءات ترحيل السوريين بألمانيا إلى سوريا يمكن أن تبقى شبه مستحيلة؛ لعدم وجود مؤسسات دولة في ألمانيا لديها علاقات دبلوماسية مع سوريا”.
وانتقد السياسي الألماني بشكل حاد، رمزية معنى أن “تصبح ألمانيا التي استقبلت أكثر من مليون مهاجر، بينهم مئات آلاف السوريين، في ذروة أزمة تدفق المهاجرين، تكون أول دولة في الاتحاد الأوروبي تقوم بإلغاء حظر الترحيل”، معتبراً أن “الأمر لا يدعو إلى “الافتخار”.
فكيف نفسر ما يبدو انفصاماً في القرارات الألمانية المتعلقة بسوريا؟ حسب التعبير الوارد في تقرير شبكة Deutsche Welle الألمانية.
تناقضات السياسة الألمانية
يقول رينيه ويلدانغيل، الخبير في العلاقات الأوروبية مع الشرق الأوسط وباحث السياسة السابق بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “توجد فروع حكومية مختلفة تماماً تشارك في هذه العملية. وهي ليست أزمة هوية، وإنما تتلخص الفكرة في أن الحكومة الألمانية لديها مؤسسات وهيئات ذات وجهات نظر مختلفة”.
وقال ويلدانغيل لشبكة Deutsche Welle، إن القرارات التي يتخذها وزراء الداخلية على مستوى الولايات لا تحدد السياسة العامة للبلاد، عكس وزارة الخارجية الألمانية.
وقال موضحاً: “إنه عام انتخابات، وليس فقط على المستوى الفيدرالي، لذا ربما لا يكون الخطاب الذي يميل إلى الشعبوية مفاجئاً. بعض الناس يريدون أن يظهروا بمظهر الصارمين، رغم أنهم ربما لا يعيدون أحداً إلى سوريا فعلياً. وهذا غاية في السخافة”.
و اعتبر كريم الواسطي أن “اتخاذ قرار ترحيل السوريين في ألمانيا بإعادة الأشخاص الخطرين إلى سوريا يعتبر نقطة انعطاف مهمة وسلبية في معالجة ملف اللاجئين السوريين من قبل الحكومة الألمانية، وانتكاسة للسياسة الداخلية”.
ورأى أن “القرار يعطي إشارات للأحزاب وللناخبين المقربين من اليمين المتطرف والشعبوي، ويمكن اعتباره بمثابة تسابق مع الأحزاب الشعبوية من أجل الظفر بالناخبين”.
إذن، من وراء محاكمة ضابط الاستخبارات السورية؟
وفي الوقت نفسه، جاءت قضية كوبلنز التاريخية التي أدانت أحد ضباط النظام السوري السابقين، والتي ظلت في المحاكم ما يقرب من عام، من اتجاه مختلف تماماً وفي إطار خارج السياسة تقريباً.
إذ أصبحت هذه القضية ممكنة بفضل مجموعة مثالية من العوامل، حسب وصف دويتش فيليه، مثل وصول الآلاف من الشهود المحتملين على جرائم الحرب السورية عام 2015، بعدما دخل نحو مليون طالب لجوء إلى البلاد، ونشاط وحدة جرائم حرب متفانية في الشرطة الجنائية الفيدرالية والتي انخرطت في تحقيقات عن سوريا منذ عام 2011.
وفضلاً عن ذلك، وكما قال جاسبر كلينغ، أحد كبار المدعين العموميين، للصحفيين حين بدأت القضية: “مسؤوليتنا التاريخية تعني أننا الألمان ملزمون بمتابعة هذا النوع من القضايا، بقدر ما يمكننا”.
ويقول ويلدانغيل إن الاتجاهين- محاولات تحقيق العدالة في جرائم الحرب، والترحيل- لن يتوافقا يوماً.