جامعة «برنستون» تنشر أكثر من ألف ومائة منها
الأربعاء – 13 جمادى الأولى 1441 هـ – 08 يناير 2020 مـ رقم العدد [ 15016]
إليوت مع إميلي هيل عام 1946
نيويورك: ماريا كرام
كان تي إس إليوت واحداً من أهم شعراء القرن العشرين، ومن أبرز قامات الأدب الحديث الذي فتنت أشعاره، التي تسكن النفس، أجيالا من طلبة المرحلة الثانوية، ومحبي الشعر في أنحاء البلدان المتحدثة باللغة الإنجليزية. وقد كان «كتاب الجرذ العجوز عن القطط العملية» مصدر إلهام لعرض موسيقي. مع ذلك مثله مثل أي شخص آخر عاش تجربة حب واجهت مصاعب، ولم يكن منزهاً عن التصرف بعدائية وصلت إلى حد العلنية.
فبعد معرفته أن إميلي هيل، ملهمته المزعومة، قد منحت جامعة «برنستون» مئات رسائل الغرام التي كتبها لها خلال الفترة من 1930 حتى 1957، والتي أتاحتها الجامعة للعامة يوم الخميس، أعد إليوت بياناً جاء فيه: «لم أكن أحبها كثيراً حقاً على أي حال». وكتب في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1960 في بيان أوصى بنشره «بمجرد» نشر رسائله إلى هيل علناً: «لم أكن أحب إميلي هيل. لقد لاحظت بالفعل أنها لم تكن من محبي الشعر، حيث كان من الواضح عدم اهتمامها بالشعر كثيراً. كنت أشعر بالقلق مما بدا لي دليلا على تبلد الحسّ والذوق السيئ».
كما كان مخططاً تم نشر بيانه يوم الخميس بالتزامن مع إعلان مكتبة جامعة «برنستون» إتاحة أكثر من ألف ومائة رسالة موجهة من الشاعر إلى إميلي للعامة. وكانت إميلي قد منحت الجامعة تلك الرسائل عام 1956 موصية بأن يتم فتحها بعد مرور خمسين عاما على وفاة كل منهما هي وإليوت، وقد توفيت عام 1969، وذلك بعد أربع سنوات من وفاة إليوت، ولطالما كانت العلاقة بين الاثنين مصدراً للتكهنات بين الباحثين في مجال الأدب الذين كانوا يعلمون بوجود تلك الرسائل منذ عقود. وقامت مجموعة صغيرة من الأساتذة في مكتبة «فايرستون» بجامعة «برنستون» بإخراج الرسائل في أكتوبر (تشرين الأول) من صناديق خشبية كانت ملفوفة داخلها بشرائط وأسلاك نحاسية.
وقد توقع الكثير من الباحثين أن تحتوي الرسائل على بعض الثرثرة الأدبية، وتأملات إليوت عن الكتابة والشعر. وكان إليوت، كما هو معروف، شخصاً متحفظاً، ولم يقدم نفسه كشخص يكشف عن مكنونات ذاته في رسائل غرام بحسب أنتوني كودا، أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة «غرينسبورو» بنورث كارولاينا، وباحث في أعمال إليوت، ومدير لبرنامج صيفي عن الشاعر. يقول كودا: «لم يكن ما تم الإعلان عنه محبطاً. لم أر الرسائل بنفسي بعد، لكن زملائي الباحثين، الذي اطلعوا على الرسائل، قد وصفوها بأنها فقرات محزنة تكشف عن إنسان في حالة عشق». وقد كتب إليوت في إحدى رسائله بحسب ما نشرته صحيفة «الغارديان»: «لقد جعلتني في منتهى السعادة؛ أسعد من أي وقت مضى في حياتي. لقد حاولت التظاهر بأن حبي لك قد انتهى رغم أني لن أتمكن من فعل ذلك إلا أني تظاهرت أن قلبي قد مات».
وتم إتاحة الرسائل، التي تضمنت صوراً فوتوغرافية، وبعض التذكارات، وسرداً موجزاً تصف هيل من خلاله علاقتها بإليوت، للعامة في مكتبة «فايرستون» فحسب، ولن يتم نشرها على الإنترنت حتى عام 2035 على الأقل حين تصبح غير خاضعة لحقوق الطبع.
ويتعجب الباحثون ومحبو إليوت من السبب الذي دفعه إلى بذل كل ذلك الجهد من أجل تقويض تلك المشاعر التي عبّر عنها.
يقول مايكل وود، أستاذ اللغة الإنجليزية الفخري في جامعة «برنستون»، الذي حضر عملية فتح الرسائل في أكتوبر الماضي، إن إليوت كان يحاول على ما يبدو الزعم بأن تلك العلاقة لم تكن سوى محض أوهام. ويوضح قائلا: «لقد كانت تلك مفاجأة كبيرة. لقد كان غاضباً.
لا أعلم ما الذي كان يحاول فعله بالضبط. ربما كان يحاول سرد قصة يعتقد أنها سوف تصحح القصة التي ترويها الرسائل. يبدو أنه أعاد كتابة علاقته بإميلي».
وقد التقت إميلي هيل، وهي امرأة ذكية ناجحة كان تدّرس الدراما في الكثير من الكليات، من بينها «سميث كوليدج»، بإليوت عام 1912 حين كان خريجاً في قسم الفلسفة بجامعة «هارفارد». وقد قال إليوت في رسالة إنه كانت هناك علاقة حب جمعته بهيل عام 1914، لكن على ما يبدو لم تكن تبادله المشاعر ذاتها في ذلك الوقت.
وقد انتقل بعد ذلك إلى إنجلترا، حيث التقى بفيفيان هاي وود، ابنة أحد الفنانين، وتزوجها سريعاً، وكانت علاقتهما بائسة على حد قول إليوت. وقام إليوت بتأليف بعض من أشهر قصائده أثناء زواجهما من بينها «بيرنت نورتون» التي يعتقد الكثير من الباحثين أنها مستلهمة من هيل بشكل ما. واستمرت المراسلات بين العاشقين أثناء زواج إليوت من وود، والذي انتهى بوفاتها في مصحة عقلية عام 1947، توقعت هيل أن يتقدم إليوت لخطبتها بعد تحرره من قيد زواجه، لكنها كتبت إلى صديق في وقت لاحق من ذلك العام: «لقد وصلت العاطفة المتبادلة، التي كانت بيني وبينه ذات يوم، إلى طريق مسدود على نحو غريب». وقال إليوت في بيان له إنه قد أدرك بعد وفاة زوجته إنه كان يحب «ذكرى» هيل فحسب، وإنه لو كان تزوج منها حين كان شاباً كان سيصبح مجرد أستاذ فلسفة متواضع على الأرجح. وكتب أيضاً: «كان ستقتل إميلي هيل الشاعر داخلي. لقد كانت فيفيان بمثابة موت لي تقريباً، لكنها أبقت الشاعر الذي يوجد بداخلي حياً».
كل ذلك محضّ هراء بحسب الأستاذ وود، حيث يقول: «نظريتي تفيد بأنه لم يكن يحتمل فكرة كونه سعيداً، وأنه كان يحب إميلي حقاً، لكنه كان خائفاً من تطور العلاقة». كذلك يرى الأستاذ كودا أن إليوت ربما كان يشعر بالذنب بسبب حبه لهيل أثناء زواجه من هاي وود. وقال: «أعتقد أن حزنه على وفاة فيفيان، وشعوره بالخزي والعار من إساءة معاملتها بحسب اعتقاده قد جعل من المستحيل بالنسبة له الاقتراب بحميمية من إنسانة في ذلك الوقت».
ويبدو أن البيان، الذي كتبه إليوت عام 1960 له غرضان على حد قول الأستاذ كودا. أولاً، أراد إليوت أن يثبت أنه لم يكن يوماً ضعيفاً كما تشير الرسائل، وثانياً، ربما كان يريد حماية ومراعاة مشاعر زوجته الثانية إيزمي فاليري فليتشر التي تزوجها عام 1957، وكتب إليوت في إحدى الرسائل: «لا أعتقد أن هناك امرأة يمكنني الشعور معها بالاندماج والاتحاد مثل فاليري». يبدو أن إليوت كان يخشى من تسرب الرسائل، وقراءة فاليري فليتشر لها على حد قول كودا: «يمكن تصور مدى خوفه من جرح مشاعر فاليري، وإثارة شكوكها فيه إذا ما اكتشفت شدة حبه لإميلي».
أما بالنسبة إلى هيل، فستظل المشاعر التي كشفت عنها لإليوت مجهولة للأبد، بسبب أن إليوت قد تخلص من رسائلها. يقول في نص مقتضب: «لقد قام زميل لي بتمزيق الخطابات المرسلة من إميلي هيل إلي بناء على طلبي».
مساءلة ماضٍ يرفض الانزواء
«عرب في لندن» لعبد الجليل الساعدي
لندن: جمعة بوكليب
في لعبة «الكريكيت» هناك لاعبون متميزون بقدراتهم ومهاراتهم في اللعب في كل المراكز، يسمونهم باللغة الإنجليزية «All round players». الأمر نفسه ممكن أن يقال عن كثير من الكتاب المتمرسين ومن ذوي المواهب في قدراتهم ومهاراتهم على الخوض في أنواع كثيرة من الكتابة، تبدأ من المقالة الصحافية، مروراً بالشعر، انتهاء بالرواية؛ ومن ضمنهم الكاتب الليبي عبد الجليل الساعدي.
لم أكن أعرف عبد الجليل شخصياً، رغم تشاركنا في العيش في لندن، لكنه لفت اهتمامي بما كان ينشره من مقالات متفرقة في الصحف العربية الصادرة بها، وهذا حثني على متابعة ما ينشر لأمرين: أولهما ما تتميز به تلك المقالات من سلاسة ووضوح في العرض، ومهارة في توصيل أفكاره للقارئ بلغة عربية متميزة، وأسلوب يشي بعلاقة وطيدة بينه وبين الشعر. وثانيهما أن تلك المقالات تميزت بتسليطها الضوء على تنوع الإيقاعات الحياتية في لندن، مما يؤكد انهماكه واستغراقه كإنسان مغترب في استيعاب مفردات الواقع المختلف الذي قادته الظروف للعيش فيه، لتساعده على أن يجد طريقه، وهو الغريب، في ازدحامه وتعقيداته وتشابكه، وليقف بقدميه على أرض غير رخوة، وتحت سماء يدرك أبعادها، رغماً عن حلكة غيومها وضبابها.
وهذا ما انعكس في روايته «عرب في لندن»، الصادرة أخيراً في 385 صفحة من القطع المتوسط عن مؤسسة الرحاب الحديثة، في بيروت، التي تعد باكورة أعماله الروائية. وحسب علمي، فإن الرواية هي أول الأجزاء من ثلاثية بالعنوان نفسه.
الرواية تضع القارئ في حيرة منذ البداية. أولاً، لأن الرواية تاريخياً نوع إبداعي غربي، وصلنا من أوروبا بمعايير معينة تتأسس على استقطاع واقع إنساني ورصده أفقياً، بمتابعة تنقلات وتغيرات حيوات شخصياته. وحين بدأت الرواية العربية في الصدور، اقتفى كتابها خطوات الروائيين الأوروبيين على اختلافهم، لكنهم حافظوا على الإطار المتعارف عليه، ومن خلاله قدموا أعمالهم للجمهور. ما يميز رواية «عرب في لندن» أنها خالفت تلك المعايير، ونحت إلى اختيار مجرى مختلف.
اختار الساعدي أن يجمع أبطال روايته من شخصيات عربية، من الجنسين، في مكان واحد محدد، وهو مقر عملهم في لندن، وداخل جدران مقر شركة اسمها «الإطلال». وقلبَ توقعاتنا رأساً على عقب، إذ بدلاً من تتبع ما يدور بينهم من صراعات وتفاعلات، وما يتوالد بينهم من مشاعر وخصومات، وتأثيرات الغربة على حيواتهم، وما تتركه من آثار في ذواتهم، اختار أن يكون عَرَبه، من الجنسين، في ذلك المكان وسيلته التي ينقلنا بها (نحن القراء) ليس إلى عوالمهم، بل باتجاه طرح قضايا وهموم وشؤون ماضوية، تقوم على مقارنة تراثهم وتاريخهم ولغتهم بالواقع الاغترابي الآخر الذي يعيشون فيه.
أضف إلى ذلك أنه عمد، قصداً، إلى اختيار أسماء عربية بعضها يعد مهجوراً، ذات نبرة صوتية غير مألوفة على الأذن، وهو أمر لا يعبر ذهن القارئ دون أن يثير فيه رغبة التوقف للتساؤل عن المغزى من ذلك، وكأن الكاتب يسعى لتذكيرنا بما أضعناه.
القراءة الأولى تترك انطباعاً لدى القارئ بأنه لا يقرأ رواية بالمعنى المتعارف عليه، بل يدخل مباشرة في خضم حوارات بين أشخاص ضمهم فضاء محدود، واهتمامات تكاد تكون متشابهة بقضايا لغوية وشعرية وسياسية… إلخ. لكن القراءة الثانية تجعل القارئ يتوقف لينفض ما تراكم في ذهنه من حيرة وأسئلة تتعلق بالكاتب نفسه. فالساعدي أستاذ متخصص في علم اللغويات، واللغة العربية ميدانه، ويبدو أن ذلك الجانب فيه قد طغى على حساب السارد المبدع، أو -على الأقل- يرفض أن يتوارى.
نحن في «عرب في لندن» أمام سرد روائي مختلف، محصورون في فضاء مغلق، بلا نوافذ نطل من خلالها (نحن القراء) على ما يحدث في الدنيا، وما يجري في نفوس الشخصيات، حتى قصص الحب التي تنمو وتنشأ بينهم تجيء على خجل، وسريعاً، ثم تختفي، لتفسح المجال أمام مواصلة استكمال الحوارات والنقاشات، ومواصلة تباين الاختلافات في القضايا المطروحة. وكأن الكاتب مثقل بهمومها ويريد طرحها، واحدة تلو الأخرى، بروح من يود تصفية الحساب معها، مرّة وإلى الأبد، ثم تنفس الصعداء.
على المستوى الأسلوبي واللغوي، يؤكد عبد الجليل الساعدي في عمله الروائي الأول على موهبته، وعمق علاقته باللغة العربية، وبالتراث العربي والأدب البريطاني، وخاصة تتبعه ورصده بحب لأهم شعرائه وأنجبهم، ويقدمهم إلى القارئ العربي من خلال مقاربة مع نظرائهم من شعراء اللغة العربية، خاصة القدامى منهم.
ويبقى سؤال معلق، وفي حاجة إلى إجابة، ويتعلق برؤية الساعدي الكاتب لمعايير العمل الروائي، وحرصه على تصنيف عمله السردي الأول تحت خانة الرواية. ذلك أن تلك المعايير المتعارف عليها لا تجد لها إلا القليل من رجع صدى في روايته. وبدلاً منها، يفصّل لنفسه، عمداً، قالباً آخر، وبمعايير مختلفة، يطرح من خلالها نفسه بصفته روائياً.
وشخصياً، لا أرى سبباً يحول بينه وبين ذلك، لكن ما يهم في العمل الفني الإبداعي هو تمازج الشكل والمضمون في وحدة واحدة، والقدرة على الإقناع والإمتاع عقلياً وفنياً وجمالياً، عبر بناء محكم وشخصيات إنسانية يجري في عروقها دم الحياة، وفي قلوبها مشاعر وعواطف متضاربة، وفي عقولها تخيم أسئلة بأشكال كثيرة تتنازعها بما يطرحه الواقع عليها من إشكالات.
– كاتب ليبي
«رسالة حب بخط مسماري» رواية تشيكية عن الحقبة الشيوعية
حصلت على «جائزة الاتحاد الأوروبي» في الأدب
القاهرة: حمدي عابدين
صدرت حديثاً عن دار «صفصافة للنشر» بالقاهرة، الترجمة العربية لرواية «رسالة حب بخط مسماري» تأليف توماش زميشكال، وهي واحدة من الروايات التشيكية التي سجلت مبيعات هائلة وقت صدورها قبل 12 عاماً، وحصلت وقتها على جوائز أدبية رفيعة، من بينها جائزة الاتحاد الأوروبي عن أفضل عمل روائي.
الخط الأساسي لأحداث الرواية، التي ترجمها الدكتور خالد البلتاجي، يعتمد على علاقة سادية ماسوشية بين كفياتا، زوجة الشخصية الرئيسية المهندس المعماري يوسف، وبين هيناك يانسكي، صديقهما السابق، وزميل الدراسة الذي حاول يوماً أن يحظى بكفياتا صديقة وزوجة له. صار هيناك المحقق الرئيسي في قضية يوسف بعد سجنه من قبل الشيوعيين بسبب دفاعه عن زميل له في وجه سلطة مستبدة.
وفي تطور طبيعي للأحداث، بدأت كفياتا بعد اعتقال زوجها، تتردد على هيناك في البداية طلباً للمساعدة من أجل إطلاق سراحه. لكن سرعان ما بدأ هيناك يتحكم فيها، ويسيطر عليها. حتى أنه أوصلها لمرحلة بدأت فيها تضع الأصفاد في يديها وقدميها بنفسها، كي تشعر بما يشعر به زوجها في السجن. ثم وصل الأمر إلى درجة الضرب المبرح الذي أثار غرائزها. «جذبها اهتمامه بها، والألم الذي يسببه لجسدها ولروحها، كانت تستعذب ذلك، وتتأني عند باب بيت هيناك، من أجل أن تحصل على صفعات بعدد الدقائق التي تتأخرها. ثم مع الوقت سيطر عليها حب هيناك، والألم الذي يسببه لها. بعدها بعدة أشهر توقفا عن التظاهر بأن هيناك يحاول مساعدة يوسف، وصارت علاقتهما قيداً ربطهما معاً. عندما سألت هيناك بعد شهور: كيف أوصلها إلى هذه الدرجة، أجابها بقوله: إنه بافلوف وتجاربه الشهيرة مع الكلاب. تجارب بسيطة موثقة وتنطبق على الجميع… نظرية الاستجابة الشرطية». وعلى امتداد مساحة غير قليلة من الرواية، ظلت كفياتا تتعرض لهذا السيناريو من الممارسات السادية حتى انتهت علاقتها بهيناك، حدث ذلك بعد خروج الزوج من سجن بقي فيه لعشر سنوات. ليبدأ خط آخر في الأحداث التي راحت ترصد حياة الزوجين منذ ذلك الوقت وحتى موت كفياتا.
صاحب «رسالة حب بخط مسماري» توماش زميشكال ولد عام 1966، وهو أديب تشيكي، درس اللغة والأدب الإنجليزي في لندن. بعدها عمل محاضراً في جامعة تشالز، إضافة إلى كونه مترجماً. ويعمل الآن مدرساً للأدب الإنجليزي في المدراس الثانوية، وهو عضو «نادي القلم»، ويعيش في مدينة براغ.
المتأمل للخط الرئيسي في الرواية لا يمكن أن يغفل وقائع تاريخية حقيقية وقعت في تشيكولوفاكيا، وربطت حكايتها بالواقع. فثمة أحداث مشابهة وقعت بالفعل إبان الحقبة الشيوعية، وحسب ما جاء في شهادات بعض المؤرخين. تقول إحدى الدراسات التاريخية إن أحد أعضاء الأمن الوطني ميروسلاف باكاندا، قد عوقب بالإقامة الجبرية لمدة 28 يوماً، وخصم خمسمائة كرونا من راتبه الشهري كغرامة بسبب علاقاته الجنسية مع زوجات المعتقلين، كما ظهرت حالات أقامت فيها زوجات المساجين علاقات جنسية مع رجال وشوا بأزواجهن.
لكن مع محاولتها فضح الواقع، وما جرى من أحداث وفظائع، يرى البعض أن رواية «رسالة حب بخط مسامري» تعتبر تجربة أدبية مبتذلة عن فترة الشيوعية، وأنها ليست أكثر من انعكاس لصورة الحقبة الشيوعية في عقول الناس اليوم، التي تضع النظام السياسي والمجتمع في ثنائية الشر مقابل الخير.
يقول الدكتور البلتاجي في تقديمه للرواية إنه «من حق كل أديب بالطبع أن يكتب ما يحلو له، وما تجود به مخيلته. وهنا نؤكد ما قاله أرسطو إن الأديب لا يكتب فقط عما حدث، بل عما كان يمكن أن يحدث. في هذا الإطار يرى كثير من النقاد التشيك أن رواية توماش زميشكال ترسم صورة لحقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي اختراق النظام السياسي للحياة الخاصة، وتقييده لإرادة الناس، والتحكم في قرارات المواطنين ليبرر النظام بعد ذلك هذه الأفعال بأهداف سامية، وغايات عليا».
ويشير البلتاجي إلى أن أحداث هذه الرواية قد تكون قد وقعت بالفعل، أو قابلة لأن تكون حقيقة. فعلاقة كفياتا بهيناك تشبه حالات كثير من السجناء الذين خضعوا لغسيل مخ، فأقاموا علاقة صداقة مع محققيهم، وصاروا يدينون لهم بالفضل والولاء. إنها متلازمة استوكهولم، وهو مرض يصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف مع المُختَطِف. يقال إن كل منا يحمل في أعماق أعماقه قدراً من هذه الميول، مختفية طيلة حياته في عقله الباطن، وأن حكاية كهذه محتملة الحدوث. كثير من الساديين يحلمون أن تأتيهم ضحيتهم راغبة في مشاركتهم انحرافاتهم.
كتب توماش زميشكال القصة القصيرة قبل أن يلفت إليه الأنظار بروايته الأولى «رسالة حب بخط مسماري»، التي ترجمت إلى الإنجليزية والبولندية والهولندية والمجرية. وحصلت عام 2009 على «جائزة مجنيزيا ليترا»، أرفع جائزة أدبية سنوية في التشيك، كما حصدت الرواية جائزة الاتحاد الأوروبي في الأدب عام 2011.