كان ماركو بولو في الحادية والعشرين عندما وصل إلى كزانادو، في الصين. ومثل سائر أهل البندقية، سوف يبرع في التجارة، وجَمع ثروة كبرى، حتى أنه عُرف في مدينته بلقب «المليونير». وعاش سعيداً في كنف الإمبراطور قوبلاي خان، الذي كان قصره قائماً على جبل فيه مائة ألف شجرة ومبني من 20 طناً من الرخام، كما تخيله أورسون ويلز في أشهر أفلامه «المواطن كين».
يروي جاكوبو داكي، أنه في أيامه الأخيرة، طلب أصدقاء ماركو بولو منه، أن يحذف المبالغات التي وردت في كتابه. فكان جوابه «لم أدون إلا نصف ما شهدت». تقيم الصين متحفاً للرجل الذي اكتشفها واكتشف فيها «طريق الحرير». ويطلق اسمه في العالم على المدارس والمطاعم والمعاهد والملاهي. وقد أطلقت البندقية اسمه، طبعاً، على مطارها الدولي. وكانت مغامراته في الجبال والصحاري والبحار والأنهار، أكثر خطورة بكثير من مغامرات أنداده، أمثال ابن بطوطة، وكولومبس. وكانت كذلك الأكثر متعةً وألواناً من أسفارهما.
ولا تقارن مغامرات سندبادنا في شيء بأسفار ماركو بولو، برغم تلك المخيّلات، أو المخيّلة الهائلة التي صنعته. لكن فيما افتقر السندباد إلى الحقائق، افتقر ماركو بولو إلى الأسلوب وجمال السرد. وبعد «أسفار» تحولت الرحلات إلى نوع من أنواع الأدب، ولم تعد فقط بهدف الاستطلاع والاكتشاف والبحث عن الثروات، بل من أجل العودة منها بسرد روائي مثير.
وبأي إثارة عاد ماركو بولو من الصين ومرافقته قوبلاي خان في رحلاته واحتفالاته. وفي أحدها يشهد عرضاً فيه عشرة آلاف حصان أبيض. أجل 10.000 في لون واحد. فالأبيض كان اللون الإمبراطوري وعلامة الأصل النبيل والطبقة الراقية، بعكس الألوان الأخرى، علامة العاديين وخلاة الحظوظ.
وكما أحب ماركو بولو النساء بلا حساب، هكذا أحب الأرقام أيضاً. ومنها الرقم 12 ألفاً – 12.000 – ولذلك، خُيل إليه أن في مدينة هانغ زو 12.000 جسر، وعشرات القنوات والمخازن، وبحيرة ومعابد وقصور وأبراج مراقبة وأسواق وحمامات. أو ضعف ما في مدينتي بيجينغ وكزاندو مجتمعتين.
وكانت المدينة مؤلفة من 12 دائرة، وفي كل دائرة 12.000 منزل، وفي كل منزل عائلة من 12 فرداً. أما في الواقع فكان فيها 347 جسراً. وهو في حد ذاته رقم لا يصدق. لكن كيف يمكن لك أن تداوي حب النساء والأرقام؟
غيرت رحلة ماركو بولو العالم. وتعود الصين اليوم، ومعها أمم كثيرة، إلى إحياء طريق الحرير. وقد بدأت مؤخراً رحلة بقطارات الشحن بين بكين ولندن تستغرق 12 يوماً بدلاً من 12 سنة.