«ليون الأفريقي» هو الكتاب الذي أطلق أمين معلوف في الأدب العالمي. إضافة إلى أسلوب أمين الساحر، كانت هناك شخصية حسن الوزان، الغرناطي، الفائقة السحر، أو بالأحرى شخصياته وعوالمه وتنقله في البلدان. الرجل الذي سوف يعمل خبيراً عالماً لدى الفاتيكان بعد تنصّره، لكنه يعود إلى إسلامه فيما بعد. من خلال هذا الرحالة، يرسم معلوف صورة للمنطقة في تلك المرحلة. ورحلته إلى الحج إلى مكة المكرمة. وليس من الممكن العثور على وصف للوزاني بأفضل مما كتبه معلوف، برغم عشرات المؤلفات التي صدرت عنه. لذلك سوف أختار المقدمة، أو المدخل، كما بدأه الكاتب (دار الفارابي).
خُتنت، أنا حسن بن محمد الوزّان، يوحنا – ليون دوميتشي، بيد مزيّن، وعُمِّدت بيد أحد البابوات، وأدعى اليوم «الأفريقي»، ولكنني لست من أفريقية ولا من أوروبة ولا من بلاد العرب. وأُعرف أيضاً بالغرناطي والفاسي والزيّاتي، ولكنني لم أصدر عن أي بلد، ولا عن أي مدينة، ولا عن أي قبيلة. فأنا ابن السبيل، وطني هو القافلة، وحياتي هي أقل الرحلات توقُّعاً.
لقد عرف معصماي على التوالي دغدغات الحرير وإهانات الصوف، ذَهَب الأمراء وأغلال العبيد. وأزاحت أصابعي آلاف الحُجب ولوّنت شفتاي بحمرة الخجل آلاف العذارى، وشاهدت عيناي احتضار مدن وفناء إمبراطوريات.
ولسوف تسمع في فمي العربية واللاتينية والعاميّة الإيطالية، لأن جميع اللغات وكل الصلوات ملك يدي. ولكني لا أنتمي إلى أي منها. فأنا لله وللتراب، وإليهما راجع في يوم قريب. وستبقى بعدي يا ولدي، وستحمل ذكراي، وستقرأ كتبي. وعندها سترى هذا المشهد: أبوك في زي أهل نابولي على متن هذه السفينة التي تعيده إلى الشاطئ الأفريقي وهو منهمك في الكتابة وكأنه تاجر يعدّ لائحة حساباته في نهاية رحلة بحرية طويلة.
أليس هذا ما أفعله تقريباً: ماذا ربحت، ماذا خسرت، ماذا أقول للديّان الأعظم؟ لقد أقرضني أربعين عاماً بدّدتها في الأسفار، فعشت الحكمة في روما، والصبابة في القاهرة، والغم في فاس، وما زلت أعيش طهري وبراءتي في غرناطة. وافق وقوع شهر رمضان المبارك ذلك العام في إبّان الصيف، وكان أبي نادراً ما يخرج من البيت قبل المساء لأن الناس في غرناطة كانوا في أثناء النهار ثائري الأعصاب، كثيرة مشاجراتهم، وكان مزاجهم المعكّر آية على التقى، لأن غير الصائم وحده كان قادراً على الاحتفاظ بابتسامة تحت شمس محرقة، ولأن اللامبالي بمصير المسلمين كان قادراً وحده على البقاء هاشاً باشاً في مدينة ملغومة بالحرب الأهلية ومهددة من الكفرة.
وقد وُلدتُ بفضل الله تعالى ومنه، في أواخر شهر شعبان قُبيل بداية الشهر المبارك، فأُعفيت أمي سلمى من الصيام بانتظار انقضاء النفاس، وأعفي أبي محمد من التذمّر، حتى في ساعات الجوع والحر، لأن ولادة ابن سوف يحمل اسمه، ويكون ذات يوم سلاحه، مدعاة فرح مشروع بالنسبة إلى كل رجل. وكنت علاوة على ذلك، الابن الأول، وكان أبي ينفخ صدره بشكل خفي لمجرد سماعهم ينادونه «أبا الحسن». ويمسد شاربيه ويخلل لحيته بإبهاميه على مهل، وهو ينظر بطرف عينه نحو مخدع الطبقة العليا حيث كنت مقمطاً في مهدي.