لم يحظ المسلسل المصري «نجيب زاهي زركش» بالزخم المتوقع، الذي يحدثه النجم يحيى الفخراني، عادة كلما أطل على جمهوره في شهر رمضان، بحيث يتصدر السباق أو على الأقل ينافس على المراكز الأولى مستنداً على رصيد هائل يملكه لدى الجمهور عبر أعمال عديدة جعلته واحداً من أيقونات الدراما العربية، على غرار «ليالي الحلمية» و«زيزنيا» و«حمادة عزو» و«شيخ العرب همام» و«ونوس».
يحكي المسلسل قصة الملياردير نجيب زاهي زركش، سليل عائلة مصرية عريقة ذات جذور أرمينية، أسس جده معظم دور السينما في القاهرة منذ بدايات القرن العشرين، وسار أبوه على الدرب وتزوج راقصات، أما هو فيمتلك سلسلة من المولات التجارية والمطاعم والكافيهات الفاخرة، كما أنه يقيم في قصر فخم، ويعيش الرجل حياته طولاً وعرضاً، ساعياً وراء الملذات.
وتنقسم القصة إلى مرحلتين: مرحلة الغياب عن الوعي تحت تأثير الشراب، حيث تستبد به رغبة عارمة في التكفير عن سلبيات حياته، فيقرر مثلاً أن يصرف شيكاً بمليون جنيه لمدير القصر وسكرتيره الشخصي تعويضاً له عن سيل الإهانات المتواصلة طوال خمسين عاماً. وهناك مرحلة الصحو والإفاقة، وفيها يعود ذلك الأناني المستهتر الذي لا تعنيه سوى متعته الشخصية، وفي سبيل ذلك لا يمانع في إهدار كرامة الآخرين.
لم يتزوج «نجيب» حتى لا يتحمل مسؤولية تربية أولاد فتتعطل خططه للسفر ومصاحبة الجميلات، لكن «شفيقة» التي لم تتزوجه رسمياً تخبره أنها أنجبت ثلاثة أشقاء أحدهم ابنه، لتبدأ رحلة البحث عن هوية هذا الابن.
العمل مأخوذ عن مسرحية إيطالية كوميدية للكاتب إدواردو دي فيليبو، سبق ليحيى الفخراني أن قدمها مع دلال عبد العزيز 1998 بعنوان «جوازة طلياني»، في العمل الأصلي تبرز شخصية فيلومينا باعتبارها فتاة منحرفة تكسب لقمة عيشها بطرق غير مشروعة، يعجب بها الثري الوجيه دومونيكو سوريالو فتعيش معه طوال ثلاثين عاماً بعد أن قطعت صلتها نهائياً بماضيها غير المشرف، وقبل أن تموت، تبوح بسرها الأكبر وهو أنها أنجبت ثلاثة أبناء بسبب عشقها للأمومة وفيض حنانها. تخبر سوريالو بالسر مؤكدة أن أحد هؤلاء الأبناء هو ابنه من صلبه، وترفض أن تكشف عن هوية هذا الابن حتى تضمن المعاملة الجيدة منه للثلاثة جميعاً.
لكن عندما حوّل المؤلف عبد الرحيم كمال، تلك الحبكة إلى مسلسل من ثلاثين حلقة، ظهرت المشكلات تباعاً، التي كان أبرزها افتقاد الواقعية، فأن يتخذ ثري إيطالي فتاة خليلة له في بيته لمدة ثلاثين عاماً دون زواج قد يبدو مفهوماً في الثقافة الأوروبية، لكنه غير مفهوم في الثقافة الشرقية، حيث يرتكب الأثرياء نزوات مغطاة وليست معلنة على هذا النحو، وفق نقاد ومتابعين. كما ظهرت مشكلة الإيقاع البطيء و«التطويل» لملء المساحة، حتى أن الحلقات الثلاث الأولى لا يكاد يحدث فيها شيء سوى تكرار مشهد تعنيف «نجيب بيه» لكاتم أسراره وسكرتيره الشخصي «ظريف».
حاول الفخراني التغطية على عيوب النص والحبكة من خلال أدائه المفعم بالتلقائية والحضور المدهش، بما يملكه من خبرات متراكمة جعلته يحظى بلقب «غول التمثيل»، لكن تقدمه في السن والصعوبة في حركته قد لا تجعل من فكرة تجسيده «الدونجوان المتصابي» مقنعة تماماً.
ويؤكد الناقد الفني الدكتور شريف صالح، أن «الفكرة الأساسية للمسلسل لا تصلح لعمل ثلاثين حلقة، فهي متوسطة القيمة كحبكة، ولا تصلح في زمن تحاليل البصمة الوراثية لإثارة التشويق، إذ يمكن بتحليل بسيط هدم الفكرة ومعرفة من هو الابن الحقيقي للبطل في سويعات قليلة». ويضيف صالح لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد الثنائي عبد الرحيم كمال والفخراني ينتجان أفكاراً جديدة في الفترة الأخيرة بقدر ما يقدمان معالجة لأفكار قديمة، فمسلسل (دهشة) مأخوذ عن مسرحية (الملك لير) لشكسيبر، ومسلسل (ونوس) معالجة جديدة لمسرحية (فاوست) الشهيرة التي تعتمد على مقايضة الشيطان لأحلام البشر، والغريب أن تتر مقدمة المسلسل الجديد ينسب تأليف العمل بالكامل لعبد الرحيم كمال من دون أدنى إشارة للمؤلف الأصلي إدواردو دي فيلبو».