يسجل المسلسل اللبناني «راحوا» نسبة مشاهدة عالية من قبل اللبنانيين في موسم رمضان. ويتصدر مساء كل يوم في موعد عرضه عبر شاشة «إم تي في»، الـ«تراندات» على موقع «تويتر» الإلكتروني. ورغم ذلك فقد انتقد البعض سياق أحداثه واتسامها بالمماطلة بعيداً عن الرشاقة. فيما رأت فيه نسبة أخرى مادة درامية تضع الإصبع على الجرح لم يسبق أن تم تناولها درامياً من قبل.
ويحكي «راحوا» قصة إنسانية تعالج مشكلة الإرهاب ليس من باب ضحاياها وحسب، بل أيضاً من خلال تسليط الضوء على من يقف وراءها ليشكل بدوره ضحية من نوع آخر. كلوديا مرشيليان كتبت القصة فيما أخرجها نديم مهنا. ويشارك في تمثيلها مجموعة من نجوم الدراما المحلية، ومن بينهم بديع أبو شقرا وكارين رزق الله وختام اللحام وجوزيف بو نصار وميشال حوراني وبريجيت ياغي وكثيرين غيرهم.
ينقل «راحوا» لمشاهده قصصاً وحالات إنسانية مختلفة، يمكن أن يفرزها عمل إرهابي معين. الزمان والمكان والبلد الشاهد على هذا النوع من الأحداث، اختارتهم مرشيليان ليرتبطوا ارتباطاً مباشراً بلبنان. بينما الفكرة ككل يمكن أن تحصل في أي دولة، وعلى أي بقعة من الأرض.
أسئلة كثيرة عادة ما يطرحها على نفسه من يتابع من بعيد عملية إرهابية ما، بغض النظر عن الساحة التي تتلقفها. يا ترى كيف تكون طبيعة ومشاعر من يقف وراء هذه العمليات؟ هل يخلد إلى النوم بضمير مرتاح؟ هل يتابع بلذة أو بحزن، عدد القتلى والجرحى الذين حصدتهم عملية من هذا النوع وهو من خطط لها؟
من هنا ولدت فكرة هذا المسلسل الذي تصفه كلوديا مرشيليان بأنه «حالة إنسانية خاصة لا تمت للسباق الرمضاني بأي صلة». وتتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إنه مسلسل لبناني مائة في المائة، من يتابعه يتلمس محتواه الإنساني فيحبه. ولكن أن تتم مقارنته مع أعمال درامية تعرض في موسم رمضان فهو أمر خاطئ. فعندما تكون الدراما إنسانية بحتة تصبح مقارنتها بأخرى، بعيدة كل البعد عن رسالتها الأساسية. أنا شخصياً لم أعد هذا المسلسل ليدخل السباق الرمضاني. فهو صوّر منذ نحو عام، وحلقاته الـ60 لا تتلاءم مع الإيقاع الدرامي الرمضاني، المرتكز على 30 حلقة يومية».
ولكن البعض ينتقده لأن عنصر التشويق والإثارة يغيبان عنه؟ ترد: «من السهل جداً على الكاتب أن يستحدث الإثارة والتشويق في مسلسل درامي. ونرى هذه الفكرة مستهلكة في مسلسلات كثيرة لبنانية وتركية وغيرها. فهل اكتشاف الابنة أن أباها هو ليس والدها الحقيقي، وحصول حادث سير مفاجئ على تقاطع طريق، وما إلى هنالك من أفكار مشابهة هي ما يبحثون عنه في (راحوا)؟ هنا الموضوعات المتناولة مغايرة تماماً. إنها معالجة إنسانية أدت الحادثة التي تعرض لها عدد من الأشخاص، لأن تأخذ كلاً منهم في طريق. فلم يكن همي افتعال الأكشن بل نقل صور إنسانية عاشها كثيرون ممن مروا بتجربة مماثلة.
طبعاً سياق القصة سيتطور في الحلقات المقبلة، ونشهد أحداثاً متلاحقة. والأهم أن الناس تتفاعل، وهو ما تشير إليه بوضوح وسائل التواصل الاجتماعي والتريندات». وتتابع: «بالنسبة لي كمشاهدة أحب هذا النوع من المسلسلات الذي يمشي بسلاسة، ويتطلب وقتاً لمتابعته، لأن حلقاته طويلة تشبه إلى حد ما، دراما الـ(سوب أوبرا). كما أن هدفي الأول والأخير هو الإجابة عن هذه الأسئلة التي يمكن أن يطرحها كل منا حول الشخص المخطط لعملية إرهابية، والتي تتعلق بالجلاد الذي هو ضحية من نوع آخر. شئت أن أضع المجرم في محور القصة، ليكون واحداً من بين الضحايا، وليس مجرد مدبّر لعملية انتهت مهمته. فتناولت حالته الإنسانية والنفسية ومعاناته. كيف يراقب ما جنته يداه، ويعاني من انعكاسات الحادثة على الآخرين».
وعن رد فعل المجرم وحالته النفسية المتعبة استشفتها من واقع تعرفه تقول: «لست مجرمة لأعرف طبيعة هذا النوع من الأشخاص. ولكني بحثت كثيراً عن منفذي عمليات إرهاب، وقرأت تصريحاتهم، واكتشفت مصير بعض منهم. كما استعنت بخيالي لأن الكاتب يتمتع بخيال واسع يخدمه. وجمعت هذه المعلومات وما أتصوره أنا شخصياً، فولدت معي شخصية المجرم».
وتأتي شارة المسلسل «ما تحكم عا حدا» بصوت نانسي عجرم لتترجم فكرة الكاتبة، فهي تتحدث عن أحكام مسبقة نطلقها على الناس، ولا نعرف في الحقيقة خلفيات حياة خاضوها وعانوا منها.
مجموعة كبيرة من الممثلين تشارك في هذا العمل، ليكون من بين الأضخم في هذا الإطار، إذ يفوق عددهم الـ35 ممثلاً. كما أننا نلاحظ وجوهاً درامية تستعين بغالبيتهم عادة ليجسدوا شخصياتها المكتوبة على الورق. فهل هي تتعاون مع هؤلاء دائماً لأنها تشعر بالأمان الدرامي معهم؟ ترد: «إذا كنت تقصدين ختام اللحام ومارينال سركيس ونهلا داود ورندة كعدي فهن ممثلات قديرات استعين بهن لأنهن يناسبن الشخصيات التي يجسدنها. فهن يزودن العمل بأجواء رائعة، ويوجدن في المكان المناسب لهن، ويقدمن أداء محترفاً. فمن غير الممكن أن أتعاون معهن لمجرد علاقات صداقة تربطنا ببعضنا. ولا يمكن أن أستعين بهن إلا في مطارح تشبههن».
أخذ البعض على كلوديا مرشيليان أنها استوحت قصة العمل من حادثة ملهى رينا في إسطنبول، الذي راح ضحيتها عشرات الأشخاص ليلة رأس السنة من عام 2017. بينهم عدد من اللبنانيين. فالحلقة الأولى من العمل تجري أحداثها في ملهى ليلى في بيروت (برنسيسا)، ويذهب ضحيتها عدد من الأشخاص من قتلى وجرحى. وتعلق: «كان يمكن للعملية الإرهابية أن تحدث في أي مكان. في مسرح أو ملعب كرة قدم وإلى ما هناك من أماكن. ولكننا كلبنانيين تأثرنا جميعاً بحادثة ملهى (رينا) الإرهابية. وأردت من خلال مسلسل (راحوا) أن أقدم لضحايا الحادثة لفتة تكريمية».
يذكر «راحوا» مشاهده اللبناني بعمليات إرهابية عدة شهدها في السنوات الأخيرة. فيتماهى مع أحداثه، ومع تفاصيل صغيرة قاسية تركن إليها الكاتبة مرشيليان. فهي معروفة بقلمها الذي يستوحي الحياة اليومية. فيأتي نصها ليشكل صرخة تخرج إلى العلن بأسلوب مباشر ومن دون تجريح.
والمعروف أن لبنان شهد في حقبة الحرب اللبنانية وما بعدها عمليات إرهابية كثيرة. بعضها خطط لها زعماء وحكام، وبعضها الآخر قام بها رؤساء ميليشيات وأحزاب. فهل أرادت مرشيليان من خلال هذا المسلسل أن تحرك مشاعر زعماء حرب لبنانيين، شاركوا بشكل أو بآخر في عمليات إرهابية من تفجير سيارات واغتيالات وغيرها؟ ترد في سياق حديثها: «بعضهم لا يزال حتى اليوم يشارك في عمليات إرهابية، فيقتلون الهدف الأساسي، ويتأذى معه العشرات من الناس الأبرياء، الذين يوجدون في اللحظة نفسها على مسرح الجريمة. والقصة يمكن أن تنطبق على دول كثيرة عربية وأجنبية شهدت عمليات إرهابية وليس فقط على لبنان. فهي تملك آفاقاً واسعة ورسائل إنسانية كثيرة.
لا يهمني أن تكون مثيرة ومشوقة، أو تنافس من باب نجومها في موسم رمضان. فهي تشكل دراما توعوية يمكنها أن تنقذ كثيرين من الانحراف والانجراف وراء خلايا الإرهاب وانعكاساته المخيفة على الإنسانية.
وكذلك تلقي الضوء على المجرم نفسه فتحمله مسؤولية ما اقترف، من دون أحكام مسبقة تمارس عليه».
انقسام حاد للنقاد الجزائريين حول «عاشور العاشر»
ينقسم النقاد والمهتمون بالأعمال التلفزيونية في رمضان بالجزائر، حيال أشهر مسلسل فني يًعرض حالياً: «عاشور العاشر… الموسم الثالث»، بين مَن عدّه «فاشلاً من البداية» على أساس غياب بطل الجزأين الأولين، وآخرين يرونه جديراً بالمتابعة بحجة أن لمسة المخرج الشهير جعفر قاسم كافية لإقناع الجمهور به.
صالح أوغروت… الممثل الكوميدي الأشهر في البلاد، غاب عن المحطة الثالثة من المسلسل الهزلي في قالب درامي «عاشور العاشر»… الإعلان عن غيابه كان بمثابة خيبة أمل للملايين، الذين تعوّدوا على هذه السلسلة في رمضان، لأن كل الأحداث والشخوص في العمل تدور حوله… حول «السلطان عاشور العاشر».
ومما زاد شكوك كثيرين بخصوص نجاح العمل، أن عرضه سيكون على التلفزيون الحكومي، الذي لا يمكن تصوُّر فيه مشاهد تنتقد السلطة وتسخر منها ولو بإيحاءات بسيطة. وقد ثبتت هذه الشكوك منذ الحلقة الثانية، إذ كتب أحمد زيتوني الذي يجسد شخصية نجل السلطان، على حسابه بـ«تويتر»: «عيب عليك يا تلفزيون الجزائر»، وكان يقصد حذف كثير من المشاهد بسبب انتقادها السلطات. وأكدت مصادر مهتمة بالموضوع لـ«الشرق الأوسط»، أن المسؤولين برئاسة الجمهورية يحرصون على مشاهدة الحلقات قبل عرضها. وكان الجزآن الأولان من المسلسل قد عُرضا في فضائية خاصة، عانت من التضييق بسبب ما احتواه المسلسل من تهكّم على المسؤولين.
وتدور أحداث المسلسل، في مملكة خيالية يحكمها سلطان غريب الأطوار بحركاته وتصرفاته وعلاقاته بعائلته وأهل المملكة، والممالك المجاورة. كل ما يجري في «الدولة العاشورية» يحاكي قضايا وأحداثاً سياسية من الواقع، تتضمن وخزاً غير مباشر للمسؤولين الحكوميين والمجتمع، الذي ينظر إلى الملك على أنه حاكم فاشل عاجز عن الوفاء بحاجيات الرعيّة، وهو فوق ذلك أداة طيّعة بين أيدي المحيطين به، ولا همّ له إلا منافسة حكام دول مجاورة لتحقيق مجد شخصي. بعكس ابنته «عبلة» التي تحظى باحترام وتقدير كبيرين، فهي نبيهة وقريبة من الشعب تتحسس آلامه وأوجاعه، وكثيراً ما تدخلت لصالح أكثر الفئات ضعفاً فانتصرت لهم.
ويقول الناقد محمد علال لـ«الشرق الأوسط»، إن الجزء الثالث من مسلسل «عاشور العاشر»، «وُلد وسط دوامة من التحديات التي أدت في الأخير لخسارة السلسلة الفكاهية شعبيتها بعد موسمين ناجحين». مبرزاً أن «تغيير الممثل الرئيسي كان خياراً خطأ من طرف المخرج جعفر قاسم، ما تسبب من البداية في حكم صارم للجمهور على العمل. ولم يستطع المخرج تعويض تلك الخسارة، رغم كل محاولاته اللعب على تطوير الديكور والتركيز على باقي الشخصيات أكثر قياساً إلى الجزأين الأولين».
وأضاف: «لكنّ المشكل الأكبر يكمن في المناخ السياسي العام الذي عُرض فيه العمل، فمن أهم أسباب نجاح الجزأين الأولين لـ(عاشور العاشر)، حالة الاحتقان الكبيرة التي كان يعيشها المجتمع الجزائري، قبل الحراك الشعبي الناقم على الوضع العام للبلاد والرافض لنظام حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة».
وتابع الناقد: «بعد اندلاع الحراك خفّت تلك الحالة نسبياً، وأصبح لأي عمل كوميدي سياسي القدرة على أن يكون الحاضنة التي يتنفس منها الجزائري همومه السياسية، وكان بإمكان المخرج أن يستغل ذلك ليحقق نجاحاً أكبر في الجزء الثالث، لكن جاء في الأخير عملاً باهتاً ومتواضعاً».
وكان صالح أوغروت، قد أعلن أنه رفض المشاركة في الطبعة الثالثة من المسلسل، بذريعة أن المخرج الذي اشترك معه في عدة أعمال فكاهية أخرى، أطلعه على السيناريو متأخراً، وأنه لم يكن بمقدوره إدخال تحويرات عليه. كما قال إن الدور الذي اختاره له لم يقنعه، فرفض الانخراط في العمل الفني. وحينها استنجد جعفر قاسم بالممثل الفكاهي حكيم زلوم لأداء شخصية الملك.