أسهمت قطوعات التيار الكهربائي وارتفاع الأسعار والغلاء في عودة المشروبات الشعبية بقوة لمائدة الإفطار الرمضاني بصورة لافتة في السودان، فقل استهلاك عصائر الفواكه في الإفطار، وتسيدت مشروبات الكركدي، والقونقليز، والعرديب على مشروبات الإفطار.
تقول السيدة سناء عثمان، إنها لجأت للمشروبات الشعبية لأنها لا تحتاج لـ«خلط» عبر الخلاط الكهربائي، وتكتفي بنقعها في الماء من وقت كافٍ، لتقوم بتصفيتها وتحليتها وتقديمها لأسرتها، وهي مشروبات لذيذة وصحية، وتضيف: «حرصت من وقت مبكر على توفير الكركدي، ومسحوق القونقليز، والعرديب – تمر هندي سوداني، من وقت حتى لا أفشل في تقديم عصير لأسرتي على وجبة الإفطار».
ويبدو أن حديث السيدة سناء يحظى بإجماع شعبي واسع، فقد ذاع وسم ساخر على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، يجدول قطوعات الكهرباء في رمضان إلى «يوم خلط ويوم بل»، فـ«يوم الخلط» وهو الذي يوافق توفر الكهرباء لحظة إعداد عصائر الإفطار تخلط فيه الفواكه «جوافة، مانغو، ليمون، برتقال، موز» وغيرها، أما «يوم البل» عندما تقطع الكهرباء، فتقدم فيه المشروبات الشعبية «حلو مر، كركدي، قونقليز، عرديب» وغيرها.
وبرغم «سخرية وسم البل والخلط» من قطوعات الكهرباء، فهو يحيل إلى «الصراع السياسي»، فقد راجت بعد الثورة الشعبية التي أطاحت حكم الإسلاميين، مطالب بـ«بل الكيزان»، ويقصد به ملاحقة رموز النظام المعزول واسترداد ما استولوا عليه من أموال وعقارات، وكان يطلق على مؤتمرات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (حزيران) الصحافية، وهي اللجنة المعنية باسترداد منهوبات المال العام، «مؤتمرات البل».
وظل السودانيون يرددون غداة الإعلان عن مؤتمر صحافي لهذه اللجنة «الليلة البل»، لكن «البل» انتقل إلى سياق سياسي آخر، هو أن حكومة الثورة عوضاً عن «بل الكيزان»، «بلت» الجميع وضيقت عليهم المعيشة والخدمات، إلى أن اكتفوا بـ«بل» المشروبات الشعبية.
برغم تعقيدات الأوضاع السودانية وتشابكها وولع المواطنين بـ«تسييس» أي حدث، تظل المشروبات الشعبية الأكثر صحية، والأقدر على «قتل العطش» وإرواء الصائمين دون أضرار، إضافة إلى كونها «لذيذة»، وتعالج بعض الأمراض، فمشروب القونقليز المصنوع منو مسحوق ثمرة التبلدي، أو الباوباب الأفريقية، يعد من المشروبات الشهيرة في السودان، فهو إضافة إلى كونه لذيذاً، هو مشروب صحي يستخدم في علاج بعض الأمراض الباطنية، ويستخدم كعقار طبي ومكمل غذائي.
يقول موسى أحمد، رب أسرة، إن صيامه لا يكتمل إذا لم يشرب عدة أكواب من عصير القونقليز في الإفطار والسحور، ويصفه بأنه مريح للمعدة ومغذٍ وصحي، ويتابع: «مشروباتنا البلدية مناسبة أكثر لأجواء بلادنا، لذلك نحرص عليها، ونتناولها بشراهة».
وبثت وكالة الأنباء الرسمية السودانية (سونا) العام الماضي، تقريراً مطولاً عن شجرة التبلدي، وهي من الأشجار المعمرة وتتبع لفصيلة «الخبازيات»، واسمها العلمي «أدانسونيا»، ويطلق عليها في بعض المناطق «الباوباب»، ويعرف المسحوق الذي يقلف ثمرتها بالقونقليز.
وتثمر شجرة التبلدي مرة واحدة في العام، وثمرتها على شكل وعاء قشري، يحتوي على عدد كبير من الثمار، لا ينفلق ذاتياً، بل يتم كسره لإخراج البذور المغلفة بالمادة «البيضاء» التي يتم جمعها وتحويلها إلى «بدرة قونقليز»، التي تستخدم كعصير.
وتحيط بشجرة التبلدي الكثير من الأساطير وحالة من التقديس، وينظر إليها عند بعض الشعوب باعتبارها «شجرة الحياة» ورمز الخصوبة، وشراب القونقليز يجعل من متعاطيه قوياً وشجاعاً، فهو «شراب الأبطال».
وتؤكل أوراق الشجرة أيضاً على شكل خضار طازج، تقدم مع زبدة الفول السوداني، وهي غنية بالسكريات والبوتاسيوم وفيتامين سي، وتستخدم كعلاج شعبي لبعض الأمراض مثل الحمى وأمراض المعدة ووقف النزيف وعلاج للإسهال والدسنتاريا، وتقوية جهاز المناعة ومنع فقر الدم، وتحسين صحة الجهاز الهضمي والحفاظ على بشرة صحية ودعم خسارة الوزن وخفض ضغط الدم.
ومثلما يتم تناول عصير القونقليز، فقد راج بين طلاب المدارس والجامعات، تناوله مخلوطاً مملحاً، ويضاف إليه «الليمون والدكوة» بعد «بله» بالماء، كنوع من المشهيات، يجد قبولاً بين الشباب من الجنسين على وجه الخصوص.
ووفقاً لـ«سونا»، فإن مشروب القونقليز يحتوي على كميات كبيرة من الحديد، مع نسبة كبيرة من فيتامين سي، الذي يسهل امتصاص الحديد، فضلاً عن قدرته على الحفاظ على مستوى السكر في الجسم وإبطاء امتصاصه.
ونقلت «الشرق الأوسط» في وقت سابق، عن كاتب كندي من أصول سودانية، أن تجربته الشخصية أكدت له أن القونقليز يذيب الكوليسترول الضار من الأوردة والشرايين، وأن أطباءه «الكنديين» دهشوا لزوال الكوليسترول من جسده، مع رفضه لاستخدام الأدوية التي وصفوها له، حين قال لهم إنه يكتفي بشرب «القونقليز».
للضرورة أحكامها، وأحكام الصيام هذا العام «أجبرت» الكثيرين في السودان على «بل القونقليز، والكركدي، والعرديب»، والتخلي عن عصائر الفواكه الطازجة، التي ربما يأكلها القادرون عوضاً عن شربها عصيراً.
عصير الزبيب مع النعناع… مشروب عراقي مميز في رمضان
«ليس هناك إفطار رمضاني من دون شربات زبيب»… هكذا يقول إبراهيم الحمداني، صاحب محل شربات زبيب طه الشهير في الموصل، بينما يشرف بدقة على العاملين معه وهم يحضرون المشروب الذي تشتهر به المدينة الواقعة في شمال العراق.
ويوضح الحمداني أن شربات أو عصير الزبيب لا تخلو منه مائدة إفطار في الموصل طوال الشهر، مشيراً إلى أن الطلب يرتفع جداً على هذا المشروب خلال رمضان.
وقبل أن يبدأ العملية الطويلة لتصنيع عصير الزبيب بالنعناع قبل سكبه في أكياس تمهيداً لبيعه للزبائن قال الحمداني إن الصائم يريد أن يستعيد السكر الذي فقده جسمه أثناء الصيام، حسب «رويترز».
وورث الحمداني محله هذا عن جده، ويقول إنه لم يطرأ تغير يُذكر على طريقة تصنيع عصير الزبيب منذ ذلك الحين. ووسع عمله بعض الشيء فأصبح يعمل معه حالياً نحو 15 عاملاً في المحل وغيرهم يتولون التوزيع في فروع عديدة بأنحاء الموصل. وأضاف الحمداني: «أنا قبل ما أخلق ع الدنيا جدي بالشربات. يعني هاي صار لها فوق السبعين ثمانين سنة، الله أعلم، نفسها نفسها».
ويقول عمر فاروق، العامل بمحل شربات زبيب طه: «المحل الذي يصنع الزبيب، نحن نشتغل تقريباً حسبة 14 – 15. يعني 15 عائلة عايشين من هذا المحل».
ويحصل المحل على إمدادات الزبيب محلياً حيث تأتي كميات كبيرة منه من جبال كردستان العراق القريبة إلى الموصل، ويقول الحمداني إن له زبائن من جميع أنحاء العراق.
وقال كفاح الشيخ علي، وهو صاحب ميني ماركت، ومن بين موزعي شربات زبيب طه، لـ«رويترز»: «هو مهم أن عنده مشروبات أخرى، رمان وهذا، لكن نحن نحكي عن الزبيب، الزبيب يعني الدرجة الأولى. يعني أنا كبائع يمكن أبيع 100 كيس زبيب مقابل 30 برتقال، 10 رمان، 5 ليمون. فالزبيب هو مادة أساسية لأنه يحتوي على مواد مهمة جداً للجسم وللصحة وكذلك هو منعش في الشراب».
وفيما يتعلق بأثر جائحة «كورونا» على عمل المحل قال عمر فاروق، العامل في محل عصير الزبيب: «طبعاً هو وباء كورونا أثّر على العالم كله، لكن الآن الوضع أحسن من العام الماضي، هذه السنة كان الوباء منتشراً والشغل ضعيف، لكن الآن العمل أحسن».