شهر الصوم فرصة للمرء كي يعيد العناية بصحته البدنية والنفسية. ويهدف الحرص على انتقاء تناول أطعمة صحية ضمن مكونات التغذية الرمضانية، ضمان غايتين رئيسيتين: الأولى – جعل الصوم عملية أكثر راحة وأقل تسبباً للإرهاق والإضرار البدني والنفسي. والثانية – تحقيق مكاسب صحية للجسم خلال فترة شهر الصوم.
والسبب، أن نمط تغذية المرء خلال شهر الصوم يتغير من خلال ثلاثة جوانب، هي:
– امتناع الصائم عن تناول الطعام وعن شرب الماء من بعد طلوع الفجر إلى مغيب الشمس. وهذا يعني: إلغاء تناول وجبة الإفطار الصباحي، وإلغاء وجبة الغداء اليومي في فترة ما بعد الظهر، وعدم تناول أي سوائل طوال ساعات النهار.
– عوضاً عن وجبة الغداء المعتادة، يتناول الصائم وجبة «إفطار» بعد مغيب الشمس، وعلى الصائم فيها أن يُمد جسمه بالسوائل وبالسكريات البسيطة سهلة الهضم والامتصاص، إضافة إلى العناصر الغذائية التي يحتاج إليها جسمه بشكل مُلح عبر تناول أطباق مختلفة من الأطعمة. هذا مع تذكر أن المعدة تستقبل هذه الوجبة بعد فترة طويلة من الانقطاع عن شرب الماء وتناول الطعام.
– عوضاً عن وجبة الإفطار الصباحية المعتادة بعد طلوع الشمس، يتناول الصائم وجبة «سحور»، وهي وجبة إفطار مبكرة جداً مقارنة بالعادة، ومطلوب منها أن تُمد الجسم بالسوائل والعناصر الغذائية الكافية لإتمام فترة الصوم خلال ساعات النهار.
والحرص على تطبيق نمط صحي في التغذية الرمضانية هو «مفتاح الحلول» في التعامل مع هذه «المتغيرات» لتحقيق تلك «الغايتين» آنفتي الذكر، أي: جعل الصوم مريحاً بدنياً ونفسياً، وتحقيق مكاسب صحية للجسم.
وجبة الإفطار
ولذا فإن هناك أساسين في النمط الصحي للتغذية في وجبة «الإفطار»، هما:
– التلبية السريعة لأولويات احتياج الجسم من السوائل والسكريات
– مراعاة قدرة الجهاز الهضمي على تقبل حجم ومحتويات الوجبة بعد طول انقطاع
ويحتاج الجسم بعد الصوم لساعات طويلة إلى كمية من السوائل لتُزيل الشعور بالعطش، وتروي أوعيته الدموية وأنسجة أعضاء جسمه بالماء، ومن أمثلة السوائل والمشروبات: الماء الصافي، والحليب قليل الدسم، وعصائر الفواكه الطازجة (غير المُضاف إليها السكر الأبيض). وهذه المجموعة مفيدة في تزويد الجسم بالسوائل والسكريات سهلة الهضم وسهلة الامتصاص.
كما يحتاج الجسم في تلك اللحظات إلى سكريات طبيعية بسيطة (غير معقدة) سهلة الهضم والامتصاص والوصول إلى الدماغ والأعضاء الحيوية بالجسم.
والرُّطب أو التمر يُوفران للجسم نوعية فريدة من السكريات الطبيعية سهلة الهضم والامتصاص، إضافة إلى تشكيلة منوعة من المعادن والفيتامينات والألياف النباتية. وهناك أيضاً عدد من أنواع الفواكه الطازجة أو المجففة التي تقدم فوائد صحية مقاربة، مثل التين والمشمش والزبيب والخوخ.
ثم بعد تحقيق تزويد الجسم بالسوائل والسكريات البسيطة (وهي الاحتياجات الأولى للجسم)، ودون التسبب السريع في إرهاق الجهاز الهضمي والضغط عليه، يبدأ الصائم في «التدرج» بتناول أطعمة سائلة سهلة الهضم وخفيفة في البقاء بالمعدة (قليلة المحتوى من الدسم والدهون والشحوم)، كي تذهب إلى الأمعاء، وتبدأ عملية هضمها وامتصاص محتوياتها من العناصر الغذائية الكبيرة (نشويات الكربوهيدرات والبروتينات والدهون غير المشبعة) ومن العناصر الغذائية الدقيقة (المعادن والفيتامينات ومضادات الأكسدة والمركبات الحيوية).
ولذا من المفيد تناول الشوربة المحتوية على مرق اللحم أو الدجاج، وعلى أنواع مختلفة من الخضار أو الحبوب أو البقول أو بعض من الأطعمة النشوية كالبطاطا.
صحن الشوربة
واحتواء وجبة إفطار الصائم على الشوربة هو خطوة ذكية في البدء بتغذية الجسم وتوفر للصائم الكثير من الفوائد الصحية. وتشير كثير من نتائج الدراسات الطبية إلى أن تناول الشوربة في بداية وجبة الطعام، يُسهم في راحة المعدة وإتمام بقية عمليات الهضم في الأمعاء، وتقليل الشعور بالتخمة واضطرابات عمل الجهاز الهضمي. وتدل نتائج البحث العلمي باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي للمعدة وتتطور عملية إفراغ محتوياتها، أن أنواع الشوربات التي تم إعدادها بخلط الخضار واللحوم مع المرق المائي للحوم أو الدجاج، تبقى في المعدة نحو نصف ساعة. هذا عند الحرص على تقليل الدهون والملح فيها.
ولأن نصائح التغذية لرابطة القلب الأميركية تشمل تناول البالغين أربعة أكواب ونصف الكوب من الخضار المقطع خلال اليوم، فإن شوربة الخضار توفر للجسم الكثير من حاجته اليومية للخضار وإمداد الجسم بتشكيلة واسعة من المعادن والفيتامينات والألياف النباتية والمواد المضادة للأكسدة.
وتُفيد كاثي مكمانوس، اختصاصية التغذية ومديرة قسم التغذية في مستشفى بريغهام والنساء التابع لجامعة هارفارد: «تساعد الشوربات التي تحتوي على مكونات صحية على تعزيز تغذيتك. وهي طريقة سهلة لزيادة تناولك للخضراوات أو البروتينات أو الألياف. ولكن احترس من الملح والدهون والسعرات الحرارية الإضافية، يجب أن تكون حريصاً بشأن المكونات وما تقترن به».
أطباق غذائية
وبعد إعطاء الجسم شيئاً من الراحة لفترة زمنية وجيزة، يُمكن للمرء تناول وجبة معتدلة ومتنوعة في محتواها من أصناف المنتجات الغذائية المختلفة، كأطباق تحتوي على قطع من أنواع اللحوم، أو الأرز، أو الخبز الأسمر (من دقيق حبوب القمح الكاملة)، أو الخضار، أو البقول كالفول والحمص، أو أنواع من المأكولات البحرية، أو غير ذلك من الأطباق الخالية من الأطعمة المقلية ومن المأكولات السريعة الدسمة.
وضمن إصدارها بعنوان: «رمضان صحي 2021»، تفيد المؤسسة البريطانية للتغذية BNF قائلة: «خلال ساعات الصيام التي لا يتم فيها تناول الطعام أو الشراب، قد يصاب الجسم بجفاف خفيف. وعند الإفطار لأول مرة، اشرب الكثير من السوائل واختر الأطعمة قليلة الدسم والغنية بالماء، مثل الحساء أو الزبادي، لتعويض السوائل المفقودة خلال اليوم.
ويمكن للمشروبات التي تحتوي على سكريات طبيعية مثل العصائر، أن توفر السوائل مع بعض الطاقة عند الإفطار. ومع ذلك، فمن الأفضل تناولها باعتدال وشرب الماء في الغالب، بالإضافة إلى تجنب الكثير من المشروبات التي تحتوي على سكريات مُضافة. ويعد التمر غذاءً تقليدياً للإفطار، ويحتوي على الألياف والسكريات الطبيعية والمعادن مثل البوتاسيوم والنحاس والمنغنيز. يمكنك أيضاً تجربة الفواكه المجففة الأخرى مثل المشمش أو التين أو البرقوق». وتضيف: «بعد الإفطار، حاول تناول وجبات توفر توازناً في الأطعمة، بما في ذلك الحبوب الكاملة والفواكه والخضراوات ومنتجات الألبان والأطعمة الغنية بالبروتين مثل اللحوم الخالية من الدهون والأسماك والبيض والفاصوليا».
* استشارية في الباطنية
الإفطار على رُطبات أو تمرات… بداية وجبة صحية
المهم في شأن إفطار الصائم، أن الأولوية هي: تزويد الجسم بالغلوكوز مباشرة من الغذاء. ولذا فإن الأفضل للتناول عند الإفطار هو منتج غذائي يحتوي على الغلوكوز، ويكون سهل المضغ وسهل البلع وسهل الجريان في المريء والمعدة، كي يصل إلى الأمعاء سريعاً، ولكي تمتص الأمعاء بسرعة ما فيه من غلوكوز، وهذا المنتج الغذائي هو الرُّطب والتمر.
الرُّطب والتمر هو ثمرة شجرة النخيل التي تزرع في العديد من المناطق في العالم. والنخلة البالغة، أي من بعد سن سبع سنوات من عمرها، قادرة على إعطاء ما بين 100 إلى 150 كيلوغراماً من ثمار الرُّطب. وهناك أنواع مختلفة من الرُّطب والتمر، في الشكل والحجم واللون والطعم والتركيب الكيمائي لمكونات العناصر الغذائية النافعة والمفيدة فيه.
وعندما تنضج ثمرة النخل، تُصبح رُطباً حلو الطعم وغنياً بالماء وملائماً للتناول، ثم بعد اكتمال نمو الثمرة لتكون لينة في بنيتها وغامقة اللون وبقشرة متجمدة وتحتوي على كمية أقل من الماء، تصبح تمرة. وهذا التطور من الرطب إلى التمر يتم بالإبقاء على ثمار الرُّطب في أشجارها كي تتم عملية «الأكسدة البنية» Browning Oxidation بطريقة طبيعية وكي تحصل عملية التجفيف الطبيعي بالتعرض لأشعة الشمس. والمحصلة النهائية هي تكوين الصبغات البنية Melanosis ضمن مكونات ثمار الرُّطب لتصبح تمراً.
وبالمقارنة فيما بين الرُّطب والتمر، كثمار طازجة وثمار جافة، فإن الاختلافات تبدو في ثلاثة جوانب، هي:
– كمية الماء عالية نسبياً في الرُطب، مقارنة بالتمر.
– رغم أن السكريات الأحادية هي النوعية الغالبة في سكريات الرُّطب والتمر، فإن كمية السكريات الثنائية ترتفع نسبياً في غالبية أنواع التمر مقارنة بالرُطب.
– ينخفض وجود الفيتامينات التي تتأثر بسهولة بالعوامل البيئية في التمر مقارنة بالرُطب، خاصة فيتامين سي.
وبالمراجعة لمحتويات بعض من الأنواع الشائعة للرُّطب والتمر، هناك اختلاف في نسبة السكريات الأحادية (سهلة الامتصاص) والسكريات الثنائية. وعلى سبيل المثال، وبشكل تقريبي، فإن كمية 100 غرام من تمر عَجْوة المدينة تحتوي على 51 غرام سكريات أحادية، و23 غرام سكريات ثنائية. وتحتوي 100 غرام من رُطب الرُوثَانة على 53 غرام سكريات أحادية، و10 غرامات سكريات ثنائية. أما 100 غرام من تمر خَلاص فتحتوي على 47 غرام سكريات أحادية، و30 غرام سكريات ثنائية. بينما تحتوي 100 غرام من تمر السكري على 36 غرام سكريات أحادية، و48 غرام سكريات ثنائية. وتحتوي 100 غرام من رُطب البَرْحِي على 83 غراماً من السكريات، معظمها سكريات أحادية.
والرُّطب والتمر ثمار قابلة بسهولة للمضغ وبطعم حلو، وغنية بعدد من الفيتامينات والمعادن المهمة، بالإضافة إلى كمية كبيرة من الألياف. وتأتي معظم السعرات الحرارية في التمر من الكربوهيدرات، والباقي من كمية قليلة جداً من البروتين والدهون النباتية. ورغم توفر طيف واسع من أنواع التمور، فإن حصة غذائية بوزن 100 غرام من نوعية التمر المجدول تُمد بنحو 20 في المائة من احتياج الجسم للبوتاسيوم والمغنيسيوم والنحاس والمنغنيز.
كما يحتوي الرُّطب والتمر على نسبة عالية من مضادات الأكسدة وكمية عالية من الألياف، وبهما فوائد صحية متعددة. وتحديداً، تحتوي كمية 100 غرام من التمر على نحو 8 غرامات من الألياف. وتفيد الألياف صحة الجهاز الهضمي عن طريق منع الإمساك، وتعزز حركات الأمعاء المنتظمة من خلال المساهمة في تسهيل الإخراج، إضافة إلى دورها في تخفيف امتصاص الأمعاء للكولسترول وللسكريات.
ويوفر التمر العديد من مضادات الأكسدة التي لها عدد من الفوائد الصحية، بما في ذلك تقليل مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض. وللتوضيح، تحمي مضادات الأكسدة خلايا الجسم من التأثيرات الضارة للجذور الحرة. والجذور الحرة جزيئات غير مستقرة قد تسبب تفاعلات ضارة في الجسم وتؤدي إلى الإصابة بالأمراض. ومقارنة بأنواع الفاكهة المماثلة، مثل التين والخوخ المجفف، يبدو أن التمر يحتوي على أعلى محتوى مضاد للأكسدة.